قصة سيدنا يوسف مذكورة بالكامل في القرءان الكريم في سورة باسمه وقد نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعدما توفيت زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، وعمه ابو طالب الذي دعمه معنويًا وماديًا وسمى العام الذي توفوا فيه بعام الحزن، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا فجاءت هذه الصورة لتسليه وتذكره بأن لا يحزن فإن بعد الشدة الفرج وإن مع العسر اليسر، وجاءت حافلة بالأخبار والدروس والعبر العجيبة، وقصص القرءان الكريم موزعة على القرءان الكريم بالكامل إلا قصة يوسف عليه السلام فقد كانت كاملة في السورة.
يقول القرطبي, ذكر الله أقاصيص القرءان وكررها على درجات من البلاغة والبيان، وذكر يوسف عليه السلام ولم يكررها فلم يقدر مخالف على معارضة شيء ينافس القرءان، فالمجمل والمفصل والاطناب كله من اعجاز القرءان.
جدول المحتويات
بداية قصة يوسف عليه السلام
البداية بالرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام وهو صغير لأبيه يعقوب رأى 11 كوكبًا ومعهم الشمس والقمر يسجدون له، ويعقوب عليه السلام لم يعرف تـأويل هذه الرؤيا لأنه لم يكن عنده تأويل الأحلام لكن عرف أن فيها تكريم عجيب ليوسف عليه السلام، وكان يعلم أن أخوة يوسف يحسدونها فنهاه عن إخبار اخوته الـذين عددهم 11 أخ.
والـ 11 اخ ليوسف مكونون من بنيامين أخوه الشقيق من أمه وأبيه والباقي 6 من أم واحدة و4 من جاريتين. فأخوه الشقيق بنيامين لم يحسده فهو كان أصغر منه سنا، والآخرون كانوا يسحدونه لأنه كان محبوبًا عند أبيه، وكذلك بنيامين كان محبوب أيضًا ليعقوب عليه السلام.
وكان يعقوب حريص على تواجد يوسف معه دائمًا، ومن بين كل ابناء يعقوب اختار يوسف بل اختاره من بين كل اهل هذا الزمان ليعطيه النبوية ويعلمه تأويل الأحلام، ويتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب بالنبوة.
حسد اخوة يوسف له
تساءل اخوة يوسف لماذا يحب ابوهم يوسف عليه السلام ولا يحبهم وهم اكثر عددا، واساءوا له وقالوا انه ضال، فتشاوروا بأمرهم ووصل بهم الحقد والحسد والكراهية بيوسف أن يفكروا في قتله، وهنا تدخل أكبرهم واسمه يهوذا لا القتل أمر شديد، فقالوا اطرحوه أرضا وأبعدوه وانفوه يخلو لكم أبيكم ويتفرغ لكم وما ينشغل بيوسف عنكم، ثم عقدوا النية على المعصية ثم التوبة منها، وقال العلماء في ذلك أن باب التوبة متفوح فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار والعكس صحيح، وفي نهاية القصة تابوا فتاب الله سبحانه وتعالى.
فاتفقوا على عدم القتل، وأن يتم رميه في بئر على طريق القوافل بحث تمر قافلة وتأخذه منه.
اخوة يوسف يتفاوضون مع أبيهم يعقوب ليأخذوه لـ اللعب
وذهب اخوة يوسف إلى ابيهم يعقوب وقالوا له لماذا لا تأمنا مع يوسف ؟ أرسله معنا يلعب ويأكل كثيرًا وإنا له لحافظون، فقال لهم إني ليحزنني أن تذهبوا به ففراقه لا أطيقه ولا أصبر عليه وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون منشغلون في اللعب قالوا له : إننا مجموعة كبيرة ولن يأكله الذئب. فوافق في النهاية.
وتأتي الروايات أن اخوة يوسف كانوا يضربونه ويؤذونه حتى وصلوا إلى البئر واتفقوا على أن يضعوه في أعماق بئر في الطريق ( غيابات الجُب ) أي نهاية البئر التي لا يراها أحد. وهم ينزلونه في عمق البئر وصل إلى حجر في أسفل البئر فوقف عليه ولم يدخل في الماء.
وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى يوسف في هذه اللحظة بأنه سيخبرهم بما فعلوه من جريمة وهم لا يعرفون. وكأن الله يخبره ألا يخاف لأنه سيخرج من البئر سليمًا.
اخوة يوسف يعودون لأبيهم يعقوب بعد التخلص منه
وجاءوا إلى يعقوب في الليل يبكون بكاءً شديدًا وقالوا لأبيهم يعقوب إنهم عملوا مسابقة كبيرة وتركوا يوسف عن أغراضهم فأكله الذئب، ثم أتبعوا: ” وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين” وكأنهم يقولون أنهم كاذبون.
وليحبكوا الكذبة ذبحوا شاة وصبوا دمها على قميص يوسف وجاءوا به إلى يعقوب فرد عليهم يعقوب : ” ما أرحم هذا الذئب أكل ابني ولم يمزق قميصه”، ثم توجه لابناءه بالكلام: بل زينت أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون.
إنقاذ يوسف عليه السلام من البئر
وجاء مجموعة من المارة فذهبوا للبئر لشرب الماء فلما أخرجوا البئر قال الرجل الذي وجد يوسف : ” يا بشرى” أي أنه استبشر بهذا الغلام الجميل، وكان هناك نظام العبيد والأرقاء تجارة رائجة، فأخفوه في نية لبيعه كالبضاعة، وخافوا أن يعود إلى أهله حتى لا يراه أحد وكانوا خائفين أن يكتشفوا فجعلوه في القافلة لكن خفي.
ولما وصلوا إلى مصر من مدين باعوه بثمن رخيص دراهم معدوادت، وذلك بسبب استعجالهم، وقال ابن عباس ( عشرون درهم )، واشتراه ( العزيز) وهو وزير مالية مصر وقال لزوجته أحسني إلى يوسف، عسى أن ينفعهم أو يقومون بتبنيه، لأن العزيز كان عقيم وعنين لا يأتي النساء فلم يكن لديه أولاد.
فتربى يوسف عليه السلام في بيت وزير المالية وكأنه ابن العزيز ولما أصبح شاب بدء يدير شؤون قصر الوزير، وكذلك مكّن الله ليوسف في الأرض، وصار في هذا المكان والاكرام.
وعلّم الله يوسف في ذلك الوقت تفسير الأحلام، ونشأ نشأة صالحة ليس فيها فجور أو عصيان لله سبحانه وتعالى، فكان يوسف من أعلم الناس.
زوجة عزيز مصر تريد أن تمارس الحب مع يوسف
كان يوسف عليه السلام شديد الجمال حتى إذا سار بجوار حائط ينعكس نوره على الحائط، وفي رحلة الاسراء والمعراج قابل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سيدنا يوسف وقال عنه : ” لقد أوتى شطر الجمال” أي نصف جمال البشر.
وبسبب جماله لم تستطع زوجة العزيز الصبر وامتلأ قلبها حُبًا ليوسف وأرادت أن تمارس الحب معه فبدأت تتلطف وراودته أي الطلب برفق ولين وبدأت تغويه وتغريه بكافة المغريات، واستعملت كل أساليبها كأنثى.
وقالت له ( هيت لك ) يعني تهيأت لك فتعال، فرد عليها يوسف عليه السلام ( معاذ الله ) يعني لا يمكن أن يفعل ذلك لأنها فاحشة ومع مَن مع الرجل الذي أكرمه وزير المالية، مضيفًا: ” إنه ربي أحسن مثواي ) يقصد أن ربه: عزيز مصر أحسن إقامته الطويلة فكيف يخونه مع زوجته.
وتابع يوسف: ” إنه لا يفلح الظالمون” يعني أنه ظلم والله لا يجعل الظالمين فالحين. إذًا يوسف عليه السلام رفض الزنا لأن الله أتاه حكما وعلمًا وكان من المحسنين.
ويقول الله عن الموقف ( ولقد همّت به ) يعني عزمت إليه ( وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) يعني دافع يوسف عن نفسه وابتعد عنها ولم يقترب منها، ولم يخطر بباله حتى أن يقترب منها.
بالتالي ما قاله بعض المفسرون أن يوسف أراد الفاحشة واضطجع معها غير صحيح، المنطق ينفي ذلك لأن الله اتاه حكما وعلما وجعله من المحسنين ويعرف فضل العزيز عليه وأن الزنا ظلم.
وحتى الخاطر لم يأتي ببال يوسف عليه السلام لماذا ؟
لأنه رأى برهان ربه.. وما هو هذا البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام؟
رأى شيئًا جعله لا يفكر حتى تفكير ولا تخطر بباله رغبة ممارسة الحب مع زوجة وزير مالية مصر. واختلف المفسرون في تأويل ( البرهان ) قالوا: رأى جبريل عليه السلام. وقيل رأى : يقعوب يعض أصبعه. وقيل رأى : على الحائط إنه كان فاحشة وساء سبيلا. وقيل رأى: العزيز.
والله أعلم لم يأتِ حديث نبوي صحيح لتفسير الآية لكن الثابت أنه رأى شيئًا منعه من التفكير حتى في ممارسة الحب معها. وبذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء، وهذا دليل آخر على أنه لم يهم فقال الله عنه ( إنه من عبادنا المخلصين)، وهذا مدحٌ آخر ليوسف عليه السلام فكيف يكون عبد ومخلص وكل هذه الصفات ويفكر في الزنا.
زوجة عزيز مصر تواصل ملاحقة يوسف لاغتصابه وزوجها فجأة يظهر
بدأ يجري يوسف عليه السلام نحو الباب ليهرب منها لكنها سابقته وجرّته حتى يبتعد عن الباب وهو مصر فانشق قمصه من خلفه، وفي هذه اللحظة يفتح الباب بالمفتاح ويدخل وزير المالية ويرى هذا المشهد، زوجته متجملة ومتزينة ومتعلقة بيوسف عليه السلام.
ففورًا أرادت أن تدافع عن نفسها فقالت: ” ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا؟ يعني ماذا يستحق من يريد ممارسة الفحشاء مع زوجتك؟! واستدركت وقالت حتى لا يفكر زوجها بقتله – إلا أن يسجن أو عذاب أليم، وفورًا دافع يوسف عليه السلام عن نفسه فقال: ” هي راودتني عن نفسي”.
وشهد شاهد من أهلها.. من هو هذا الشاهد ؟
هناك روايتان الرواية الأولى تقول كان طفل رضيع في البيت فنطق قال : ” هي راودته عن نفسه” معجزة من الله سبحانه وتعالى.
والرواية الأخرى أنه كان مع العزيز ابن عمها فقال: ” انظر أين انشق القميص إن كان القميص تم تمزيقه من الخلف فكذبت وهو من الصادقين. وإن كان قميصه قُد من الأمام فصدقت وهو من الكاذبين”. فلما رأى العزيز أن القميص تم تمزيقه من الخلف قال : ” إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم” يعني هذا مكر منكم ودهاء.
ردة فعل وزير مالية مصر بعدما اكتشف انحراف زوجته
يقول سيد قطب رحمه الله وزير مالية مصر كان من الطبقة الارستقراطية التي معاني الشرف لديه ليس لها قيمة. فلو كان له قيمة لغلبته الحمية وقتل يوسف.
لكن ماذا فعل قال : ” يوسف أعرض عن هذا” ابتعد عن هذا وقال لزوجته : ” استغفري لذنبكِ إنكِ كنتِ من الخاطئين”.
ولم يخرج زوجته من البيت ولم يعاقب يوسف، وهكذا تكون حالة الحياة الارستقراطية التي ينتزع منها الشرف والقيمة، ويصبح الانسان ديوث لا غيرة فيه.
النساء الارستقراطيات يعبن على زوجة العزيز وما فعلته مع يوسف
وانتشر الخبر وبدأ النساء يتحدثن بهذا الخبر وذكر القرءان ذلك، وبدأت النساء تعيب على امرأة العزيز.
وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه يعني تريد أن تمارس الحب مع عبد، لقد وصلت إلى قمة الانحراف.
لذلك قامت زوجة العزيز بدعوتهن إلى وليمة ( حفل عشاء ) وأعددت لهن وسائد للاتكاء عليها، فجلسن متكئات وأعطتهن بعض العشاء الفواكه ( تفاح) ووزعت على كل واحدة منهن سكينًا، فلما بدأن يقطعن التفاح قالت لـ يوسف عليه السلام: اخرج عليهن.
فدخل يوسف المجلس فحينما نظرن النساء لجمال يوسف فبهتن.
يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا المشهد : ” فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهنّ” يعني أنهن قاموا بجرح أياديهن وهن لا يشعرن من شدة جمال يوسف عليه السلام.
وقالت النساء حاشا لله ما هذا بشر إنما هذا ملك كريم. وهنا ردت عليهن بأنها راودته عن نفسه لكنه استعصم وامتنع، فكيف تقومون بلومي عليه ؟! وهذا دليل آخر على أنه لم يهمّ بها، ورغم ذلك هددت يوسف عليه السلام بالسجن أمام النساء لممارسة الحب معه.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل هاجمت النسوة جميعًا عليه، ليست امرأة العزيز فقط، وانبهرن بجمال يوسف عليه السلام.
لذلك دعا يوسف ربه بأن يصرف كيد النساء عنه، حتى لا يقع في الفحشاء، واستجاب الله له وعصمه الله سبحانه وتعالى وابتعدت النساء عنه.
وزير مالية مصر يسجن يوسف عليه السلام حفاظا على سمعة زوجته المنحرفة
وانتشر الخبر بين الناس وصارت سمعة امرأة العزيز تلوكها الألسن، وهنا استاءت فجاءت إلى زوجها وبدءوا يتشاورون، أن الناس بدأوا يصدقون أن هي التي تريده وليس هو. فقالت فضحني هذا الأمر فاستر عليّ، قال العزيز: ماذا أفعل؟! وبعدما تشاوروا فعلوا فعلا عجيب.
يقول ابن عباس: ” فأمر العزيز بيوسف فحمل على حمار وضرب به بالطبل ونودي به في أسواق مصر أن يوسف العبراني أراد سيدته فجزاءه السجن “.
يعني أرادوا قلب الآية ليتهمون فيها البريء وسيتم معاقبته بالسجن. وذاك قول الله عز وجل: ” ثم بدا لهم من بعد ما رآوا الآيات ليسجننه حتى حين”.
أمر وزير مالية مصر أن يسجن يوسف عليه السلام بعدما قاموا بنشر براءة زوجته وتزييف الحقائق واتهام يوسف عليه السلام زورًا بأنه هو الذي أراد ممارسة الفحشاء مع زوجة العزيز. لما دخل السجن رأى السجناء صلاح يوسف عليه السلام، وخيره وفضله وعبادته لله رب العالمين.
اثنين من السجناء يطلبان تفسير رؤيتهما من يوسف
في ليلة من الليالي رأى شابان رؤيتان فلما استيقظا ذهبا إلى يوسف عليه السلام وقال أحدهما : ” إني أراني أعصر خمر”، وقال الآخر: ” إني أرى أني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه” وطلبا من يوسف أن يقوم بتفسير الرؤيتين لأنه من المحسنين.
فأجاب يوسف وبدأ بالدعوة إلى الله والتوحيد، قبل الاجابة قال لن يأتيكما طعام إلا وفصلت لكم الطعام الذي سيدخل، حتى يعرفوا أنه ملهم ومحدث من عند الله رب العالمين، ذلك من علم الله عز وجل.
يوسف عليه السلام يدعوا إلى الله والاسلام
واستمر يتحدث يوسف عن الله سبحانه وتعالى مع المساجين فقال: ” إني تركت ملّة قوم لا يؤمنون بالله وهُم بالآخرة هُم كافرون واتبعت ملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب”.
يعني يعرفه بنفسه فقد كان الناس تعرف ابراهيم عليه السلام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام ردا على سؤال مَن الكريم ؟، فقال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم، نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، وهذا ليس لأحد إلا يوسف.
واستمر يوسف في الدعوة إلى الله: ” يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) ” ( سورة يوسف).
يعني أن الله واحد والشريعة التي تحكم الأمر هي الشريعة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى وليست العبادة فقط، لابد من تنفيذ العقيدة والشريعة.
يوسف عليه السلام يفسر الرؤيتين
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) ( سورة يوسف )
فقال الرجل الذي علم أن تفسير رؤيته القتل لم تكن الرؤية هكذا فرد عليه يوسف بأن الأمر قضى وهذا قضاء الله.
يوسف عليه السلام طلب من ساقي الخمر أن يتحدث عنه معه الملك
بعد ذلك قال يوسف عليه السلام للرجل الذي ظن أنه سينجو ويسقي الملك الخمر، أن يحكي له قصته وأنه في السجن.
وفعلا تم قتل احدهما والاخر خرج من السجن واصبح في خدمة ملك مصر، لكنه نسى أن يحكي قصة يوسف عليه السلام.
وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) ( يوسف).
وأراد الله أن يعلم يوسف عليه السلام درسا، في رواية انه جاءه جبريل قال يا يوسف من نجاك من اخوتك قال الله، قال من أنقذك من الجب قال الله، قال من حررك بعدما صرت عبدا، قال الله، قال من عصمك من النساء؟ قال الله، قال فعلام تطلب النجاة من غيره.
بعد 7 سنوات زيادة في السجن رؤيا الملك تخرج يوسف من السجن
وقضى يوسف عليه السلام 7 سنوات أخرى في السجن ولا يدري عنه أحد، ليكون ابتلاء آخر عليه.
ومرت الأيام إلى أن رأى الملك رؤيا :” وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) سورة يوسف.
رأى ملك مصر أنه يقف على ضفة نهر وعنده 7 بقرات سمينات، فجاءت 7 بقرات هزيلات وبدأت يأكلن البقر السمين، ورأى 7 سنبلات خضر، وبقربها 7 سنبلات يابسة فجاءت السنبلات اليابسة تلتف على السنبلات الخضر فأهلكتها.
وطلب من مستشاريه ووزراءه وحاشيته أن يقوموا بتفسير الرؤيا إن كانوا يعرفون تفسير الاحلام.
قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) سورة يوسف.
أي أن وزراءه قالوا هذه احلام غير صحيحة وانهم لا يعرفون في تفسير الاحلام.
يوسف عليه السلام يفسر رؤيا ملك مصر
ساقي الخمر ( السجين السابق) يرشد الملك عن يوسف مفسر الاحلام
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) ( سورة يوسف).
وهنا قال خادم ملك مصر بأن هناك يوسف الصديق مفسر الأحلام مسجون في السجن، فذهب الخادم إلى يوسف عليه السلام وقال له يا يوسف أيها الصديق، فسر لنا الحلم الخاص بالملك وروى له الحلم، ففسرها يوسف عليه السلام فقال أن هناك سبع سنين الزراعة والخير سينتشر في مصر ولم يكتف بالتأويل وإنما وضع الخطة في كيفية التصرف.
وطلب أن الحصاد لا يوضع في المخازن حتى لا يأكله السوس. إلا القليل مما يأكلون منه. وأن يترك الباقي في سنبله، لأنه ستأتي 7 سنوات شديدة لا مطر ولا زراعة، فستكون سنوات قحط، وستقضي على كل المدخرات إلا القليل مما يمكن الزراعة به.
ثم زاد على الرؤيا وقال : ثم يأتي عام فيه الغوث والخير وتأتي الزراعة من جديد ويعصر الناس مرة أخرى.
ملك مصر يطلب إخراج يوسف من السجن
فذهب الساقي وأخبر الملك فسر الملك بذلك، وطلب بعد ذلك أن يأتي يوسف من السجن، ويأتي إلى الملك
فرفض يوسف عليه السلام الخروج من السجن. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” رحم الله يوسف والله لو دعيت أنا للخروج من السجن لخرجت”.
رفض يوسف وطلب من مبعوث الملك أن يجمع النسوة اللاتي راودن يوسف عن نفسه ويسألهم عن حقيقة سجن يوسف، فنفذ الملك وخاطب النساء.
يوسف يطلب الملك بأن يحقق في قضيته سجنه ظلمًا
وتدخلت زوجة العزيز في اجتماع الملك ونسوة الوزراء، وفصلت الأمر امرأة العزيز واعترفت وقالت أن يوسف صادق.
وأضافت امرأة العزيز أنها لم تخن زوجها مع يوسف، وأن نفسها كانت سيئة.
يقول الله تعالى : وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) ۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) ( سورة يوسف).
ملك مصر يطلب من يوسف أن يحصل على منصب في الحكم
فطلب ملك مصر من يوسف أن يعيش في قصر الحكم، فاختار يوسف عليه السلام بأن يكون عزيز مصر وصار وزير مالية، ومكّن الله عز وجل في الأرض وأحسن له.
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) (سـورة يوسف).
خرج يوسف عليه السلام من السجن، وأعجب الملك بحكمة وعلمه وعينه عزيز مصر أي أنه وزير مالية مصر.
يقول الله في سورة يوسف : وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57).
ونظرًا لتربية يوسف في بيت وزير المالية تعلم شؤون الإدارة وبعلم ربه بدأ يدير شؤون مصر وترك له الملك التصرف، وفي رواية قال الملك لـ يوسف ( يا يوسف ليس لي من الحكم إلا الكرسي فقط).
يوسف عليه السلام يحارب الاحتكار واستغلال رجال الأعمال
فبدأ يدير شؤون البلاد إدارة عظيمة، بدأت سنين الخير 7 سنوات واستطاع أن يدير مصر بصورة جيدة، ثم جاءت سنوات المجاعة وأثرت على مصر وفلسطين، واشتد الجوع على مدين وأصبح سعر الطعام مرتفع للغاية.
ووصلت الأخبار إلى فلسطين أن العزيز بمصر مازال يبيع الطعام بنفس الثمن قبل المجاعة، فبدأت القوافل تأتي من فلسطين إلى مصر تشتري الطعام من يوسف عليه السلام.
وكان يبيعهم الطعام بنفس السعر وبشرط لا يبيع إلا حمل بعير لكل شخص حتى لا يأتي التجار ويأخذ الطعام ثم يرفعوا الأسعار على الناس.
فكان الذي يريد أن يشتري لابد أن يأتي بأهله، لكل واحد من الأسرة يحصل على حمل بعير.
اخوة يوسف يأتون بقوافلهم للشراء منه دون أن يعرفوه
وجاء اخوة يوسف من فلسطين لمصر فعرفهم وهم لم يعرفونه، وقبل أن يشتري منهم بدأ التحقيق معهم وسألهم من أنتم ؟ ومن أين جئتم؟ ثم اتهمهم بأنهم جواسيس؟ فبدءوا يجيبون ويقولون له كل التفاصيل. وكان اخوة يوسف خائفين، وبعد ذلك أكرمهم ولما جهزهم بالبضع والسلع.
يوسف يطلب منهم أن يأتوه بأخ لهم للتأكد من أنهم ليسوا جواسيس
طلب منهم أن يأتون بأخ لهم من أبيهم، لأنه يعطي في الوزن بزيادة وكان كريم وهذا شأن التاجر المسلم الآن، وكان يضيف الضيوف إلى أن يسافروا، وإن لم تفعلوا ذلك فأنتم جواسيس وعيون، وإلا لم يعطيهم السلع.
يقول الله تعالى: وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) ( سـورة يوسف).
يوسف يضع بضاعة اخوته في رحالهم حتى يأتون مرة أخرى
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) ( سورة يوسف).
وحينما شاهدوا البضاعة التي يتبادلونها بالطعام مع يوسف عليه السلام ذهبوا إلى ابيهم وقالوا له إن عزيز مصر لن يتاجر معنا إلا لو جئنا بأحد من أهلنا مثل أخوهم بنيامين، وطلبوا منهم أن يتركه يسافر إلى مصر.
فقال يعقوب بعدما آمنتكم على يوسف هل آمنكم على بنيامين ؟! فألحوا عليه وأصرّ فيسئوا، ولما وجدوا البضاعة التي يقايضون بها موجودة ألحوا مرة أخرى لمواصلة السفر إلى مصر ومعهم اخوهم الصغير ليتاجر معهم مرة أخرى.
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) ( يوسف).
اخوة يوسف يصرون على أن يصطحبوا اخيهم بنيامين في رحلتهم لمصر
فأصر يعقوب عليه السلام بأن يقسم ابناءه بالله أن يحفظون بنيامين ابنه، وقال بعد ذلك بعدما ودعهم طلب من ابناءه الدخول من ابواب متفرقة، لأنهم 11 شاب من منتهى القوة خاف عليهم من الحسد.
لأن العين حق، فالعين تنزل القبر ممكن يموت الانسان بسبب الحسد، ونفذوا فعلا ما طلبه يعقوب منهم، رغم ان لو كان مقدر لهم ضرر سيحدث مهما كان الحذر.
يقول الله تعالى:
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) ( سورة يوسف).
يقول العلماء عن يعقوب عليه السلام إنه لا يتكلم جملة إلا وفيها ذكر الله سبحانه وتعالى وهذا من علمه عليه السلام.
يوسف يلتقي بأخيه بنيامين في مصر
ولما دخل اخوة يوسف إلى مصر مرة أخرى جعل كل اثنين من الاخوة في منزل، وظل بنيامين أخيه بمفرده وطلب منه أن يظل معه في القصر، ولما انفرد به عانقه وضمه وكشف له كل شيء وقال له أنه اخوه، ولا يحزن من ضرر اخوته وايذاءهم له.
لما أتى اخوة يوسف بأخيهم بنيامين ضمه له في قصره وأخبره عن القصة بالكامل وأنه أصبح عزيز مصر وما حدث له، لكنه كان يريد ان يبشر أبيه يعقوب عليه السلام بأنه سيقابله ففعل التالي.
يوسف يضع خطة لابقاء أخيه لديه في القصر
ولما قام يوسف عليه السلام باعطاء اخوته كل واحد حمل بعير ( جمل ) من الطعام والمؤن، وضع (السقاية) : وهو اناء الملك الذي كان يقاس به المكيال – في بعير اخيه، ثم قال أحد رجال يوسف عليه السلام يا قافلة أنتم سارقون ففورًا اتجهوا إليه وقالوا له : ” ماذا تفقدون؟ ” لم يقولوا ما الذي تفقدوه؟ قال المسؤولون المصريون : نفقد صواع الملك ( ولقد كان مرصع بالجواهر ) ومن جاء به يحصل على حمل بعير من السلع الغذائية.
فرد عليهم اخوة يوسف: ” تالله تعلمون أننا لسنا لصوص ولم نأتِ للافساد في الارض”.
فقال المسؤولون المصريون: ” وما جزاء من نجد فيه قافلته صواع الملك؟ ”
رد اخوة يوسف: ” من تجدوه في راحلته يصير عبد لديه.. فالسارق يصبح عبدًا”، هذه كانت شريعة يعقوب عليه السلام.
وكانت شريعة مصر في ذلك الوقت إما أن يقتل أو يضرب ويغرم الضعف. فاراد يوسف عليه السلام أن يحكم بحكم يعقوب وليس بحكم مصر. وبدأ يوسف بالتفتيش بأوعية الآخرين ثم استخرجها من وعاء أخيه، وهذه كانت خطة من الله سبحانه وتعالى، فلو كان الحكم على شريعة الملك ماكان يأخذ أخاه إلا أن يشاء الله.
فبعدما وجد المصريون الصواع في بعير بنيامين، قال اخوة يوسف إن يسرق فقد سرق اخاه من قبل.. وقد سرق يوسف من قبل صنما كان يعبده جده من أمه، حيث كان كافر فسرقه يوسف وكسره فهُم يشيرون إلى هذا ولم يقولوا انها سرقة جيدة.
فاغتاظ يوسف عليه السلام من حديثهم، لكن كظم الغيظ ولم يبده وقال في نفسه: ” أنتم شر مكان .. أنتم الأسوأ .. والله أعلم بما تصفون”. وبدءوا يراودون يوسف عليه السلام بأن يأخذ أحد منهم مكانه لأن أبيهم شيخ كبير، ووصفوا يوسف بأنه من المحسنين. فرفض يوسف عليه السلام ذلك، فحاولوا وحاولوا حتى يئسوا ولما استيئسوا خرجوا وتجمعوا وبدءوا يتكلمون في السر.
يقول أحد الأعراب لما سمع هذا الكلام : ” والله ما يقول هذا بشر” فهذا اعجاز القرءان الكريم.
أكبر أبناء يعقوب يرفض العودة لمصر إلا مع بنيامين أو اذن ابيه بالعودة
وقال كبيرهم أن يعقوب جعلهم يقسمون بأن يعيدوا بنيامين، وألا يضيعوه مثلما أضاعوا يوسف عليه السلام، فرفض ترك مصر حتى يأذن له أبوه يعقوب بالعودة وطب منهم الرجوع.
فقالوا لأبيعهم يعقوب ان ابنك سرق، وانهم لا يعرفون شيئًا، ولو أنه لا يصدق ارسل الناس المصريين، او المسافرين معنا، وانهوا حديثهم بقول ( وإنا لصادقون)، فلم يصدقهم وقال ان الله سيأتيهم بهم جميعا وتولى عنهم وأخذ يبكي.
ثم فقد نظره بسبب البكاء الشديد، وجاءوا اولاد يعقوب يحذرونه من الموت والتعب الجسدي بسبب البكاء والاكتئاب فرد عليهم بأنه يشكو حزنه إلى الله ثم جاءه الأمل من جديد.
يقول الله تعالى:
فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) ۞ قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) (سورة يوسف).
يعقوب يتفاءل بعودة يوسف وبنيامين
تفاءل يعقوب عليه السلام بعودة ابنيه وطلب من أولاده بأن يذهبوا إلى مصر ولا يفقدوا الأمل لأن من يفقد الأمل كافر بالله تعالى، فأطاعوا أبيهم وأخذوا بضائع زهيدة ودخلوا على يوسف مرة أخرى، ولما دخلوا عليه قالوا له إن المجاعة اشتدت عليهم، والطعام نفذ وكانوا يستعملون الطعام لمدة سنة وكانت كل رحلة بينها وبين الأخرى سنة. فالسنة الثالثة كان انتهى الطعام عندهم.
وطلبوا من يوسف قبول البضاعة الزهيدة وأن يتصدق عليهم فالله يجزي المتصدقين. فوصل اخوة يوسف إلى أقصى درجات الذل أمامه، وهنا قال لهم يوسف عليه السلام هل علمتم ما جعلتم بيوسف وأخيه وأنتم جاهلون؟! قالوا له أنت يوسف حقًا ؟!
وبين هذا الموقف والقاءه في الجُب 22 سنة، فقكان عمره 12 سنة والآن عمره 34 سنة لم يعرفوه. فقال لهم انه يوسف ومَن الله عليهما. إن من يتقتي ويصبر الله يكرمه، وعفا عنهم وأعطى قميصه إلى اخوته ليعطوه لأخيه.
يقول الله في سورة يوسف:
يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
اخوة يوسف يرسلون قميصه إلى ابيهم يعقوب
يعقوب عليه السلام أول ما تحركت الإبل من مصر، شم رائحة القميص من مسافة 8 أيام، مضيفا أنا اخاف أن تقولوا عني خرفت، فقال المتواجدون مع يعقوب أنت مازلت على نفس الضياع، فلما جاء البشر القى القميص على وجه يعقوب فارتد بصيرا بمعجزة من الله عز وجل، فقال لهم ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون قالوا يا اباءنا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئن قال لهم سوف استغفر لكم ربي، يعني قام بتأجيل الاستغفار بعدما يهدأ من الغيظ الذي فقي قلبه.
يوسف يلتقي بيعقوب وأمه وتتحقق رؤياه
وحينما سافر يعقوب عليه السلام إلى مصر هو وزوجته التقوا بيوسف فضمهما وقال لهم ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين، ورفع أبويه على العرش.
وهنا الكُل سجد له اخوانه وأمه وأبوه وخروا له سجدًا.
والسجود في هذا الوقت كان جائز وهو سجود التكريم وليس سجود العبادة، وقالوا يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل، قد جعلها ربي حقا.
يقول الله تعالى اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) ( سورة يوسف).
ثم دعا الله سبحانه وتعالى بأن يختم له في آخر حياته بالخير فقال:
۞ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)