النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الرحلة الاخيرة ...

  1. #1

    الرحلة الاخيرة ...

    [align=justify]أصوات بديعة رائعة بدأت تصدرها للتو طيور النورس الشجية ، ملتحمة مع تلاطم أمواج البحر البديعة ، لوحة ممتزجة بأشعة الشمس الدافئة ، ومن خلال تلك الصورة الجميلة التي تداخلت حولها أصوات ممتزجة بالدموع ودمدمات كلامية من هنا وهناك .. وهناك حركة غير طبيعية لبعض البحارة وهم يحملون المؤن اللازمة لرحلتهم التي تستغرق شهورا عديدة .. ما هي إلا لحظات حتى بدأ العناق ، وبداء البكاء الذي امتزج بالدعاء لهم بالرجوع لأرض الوطن سالمين غانمين ..

    ويترأس تلك المجموعة من البحارة والذي يقدر عددهم بثلاثين بحارا الحاج عبدالله ، والذي يعرف عنه بفطنته وبذكائه الحاد وعدله ، ويتصف بأنه قائد ماهر وربان محنك ..

    وقف الحاج عبدالله يتأمل كل شيء من حوله وهو شارد الذهن ، لم يفق من غفلته إلا على صياح البحارة ، هيا يا حاج هيا .....

    وعلى أصوات الأطفال وأهازيج الرجال ودعوات النساء ، أبحرت السفينة إلى عرض البحر فتلاشت رويدا رويدا إلى أن احتجبت عن الأنظار ، وفي عرض البحر كان البحارة فرحين وهم يرفعون الأشرعة على الحان البحر الشجية ممتزجة بأناشيدهم وأهازيجهم البحرية .. يا لها من لحظات جميلة وأصوات والحان بديعة تطرب لها الأذن والقلب في آن واحد ...

    وبعد مرور ثلاثة أسابيع على رحلتهم هذه ، اشتدت الرياح فجأة وارتفع الموج ، البحارة فزعون لا يعرفون ماذا يفعلون ، والحاج عبدالله شارد الذهن وكأنه يسترجع الماضي ، وفي تلك اللحظة يأتيه بعض البحارة ليرشدهم إلى الطريق الصحيح ولتفادي هذه الرياح الشديدة والأمواج الكاسرة كأنها جبالا عاليه ...

    خلفان يا حاج ، يا حاج عبدالله ما العمل ؟
    سعيد ماذا نفعل يا حاج أننا على مشارف الموت ؟

    يا الله الحاج لا يتكلم وكأنه لم يسمع صرخاتهم ، ولم يعطها أية أهمية ، وتكلم مسعد قائلا :

    مسعد لماذا لا تتكلم يا حاج ، أرشدنا ، الم تصادف مثل هذه الأمواج والرياح من قبل ، أننا مهددون بأن نكون خلال ساعات قليلة في بطون الأسماك المفترسة .

    وهنا نظر الحاج عبدالله في وجوه البحارة ، وبعد سكوت طويل ، نطق الحاج :

    الحاج يا لكم من بحارة فاشلين ، تستعينوا ببشر مثلكم ولا تستعينوا وتطلبوا النجاة من رب العالمين ، أيعقل هذا !!

    خلفان ولكن ......
    الحاج ( واقفا ) ولكن ماذا ؟ في الماضي صادفنا اعتي من هذه الأمواج العالية والرياح الشديدة ، سوف نجتاز هذه المحنة بعون من الرحمن الرحيم ، لا عليكم سوى ذكر الله " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ..

    وأعطاهم بعض النصائح والإرشادات لتخطي هذه المحنة ..... وبعد ساعات عصيبة هدأت العاصفة ورجع البحر إلى هدوءه ، فنادى الحاج عبدالله جميع البحارة ...

    الحاج يا إخواني هلموا بنا لتأدية صلاة الشكرلله رب العالمين على نجاتنا

    واجتمع البحارة لتأدية الصلاة ، وبعد الانتهاء من الصلاة تفرق البحارة كلا لعمله ، عدا الحاج عبدالله ومساعده الشيخ خلفان ، وبعد صمت قصير تكلم الشيخ خلفان محادثا الحاج عبدالله .....

    خلفان لماذا ياحاج لم ترتبك أثناء الأزمة وكأن شيء لم يحدث ؟
    عبدالله يا أخي خلفان ، لم تظهر علامات الخوف عندي ظاهريا ، ولكن في داخلي كنت في قلقا شديد ، ولا اخفي عليك فقد كنت أعيش حالة من الخوف ، لأننا في هذه الحالة على مشارف الموت وما بيدنا إلا الاستعانة برب الرحمة ، وقد فعلت ذلك حتى تطمئن قلوب البحارة ...
    خلفان لكن ياحاج ... الم تصادف من قبل مثل هذه الحالة ؟
    عبدالله ( ضاحكا ) بلى لقد صادفت أشد من هذه المحنة ؟
    خلفان حدثني عنها ؟
    الحاج ( سكوت قصير ، وبنبرة حزن ) كنا يا شيخ خلفان في عرض البحر وتلك المرة لم تكن للصيد بل كنا قاصدين الهند للتجارة وبعد أن مضى علينا ما يقارب الشهر في عرض البحر ....

    وهنا سكت الحاج عبدالله ، ودمعة حزن تنحدر على خديه ...

    خلفان ما هذا الذي أراه ، أتبكي يا حاج ؟
    عبدالله ( ماسحا دموعه براحة يده ) أعذرني ، لأنني فقدت في هذه الرحلة أخي حمد ..
    خلفان لا حول ولا قوة إلا بالله ، كيف حدث هذا ؟
    الحاج كنا في منتصف النهار في فترة القيلولة ، وفجأة اسودت السماء وبدأت علامات العاصفة تطهر رويدا رويدا ، الأمواج ترتفع ، الأمطار تتساقط ، وخلال لحظة لم نتمكن من عمل أي شيء إذ كثرت الأمطار في الهطول ، وارتفعت الأمواج عاليا واشتدت الرياح أكثر وأكثر ، فصرنا بين أن نقف على قمة الموجه وبين أن نكون بين قبضتي جبلين من الماء .... ( سكت الحاج قليلا ......

    الحاج البحارة يهتفون ويبتهلون للمولى عز وجل ليذهب عنا هذه الغمة ، وبعد صراع مع البحر ، انقلبت السفينة ، ولم يبقى منها إلا خمسة على قيد الحياة أنا واحدا منهم ، وكان حمد وآخرون ضمن الموتى ...
    خلفان لا تحزن يا أخي عبدالله لا مفر من الموت ، وكل نفس ذائقة الموت ..
    الحاج والنعم بالله ، وبعد انقلاب السفينة قضينا ساعات طويلة في عرض البحر والأمواج تقذفنا يمينا وشمالا ، تعلقنا بقطعة خشب عائمة من حطام السفينة ، ورب الرحمة لا ينسى عباده كنا في حالة يرثى لها ، ولمحتنا سفينة صيد فأنقذتنا ...
    خلفان أنا أسف يا حاج ، اكرر أسفي مرة أخرى ...
    الحاج لا داعي للأسف هذه سنة الحياة ، والبحر متقلب بين يوم ضاحك ويوما عابس ...
    [align=center]****[/align]
    خلال أسبوع من العاصفة اصطاد البحارة الكثير من السمك ، وامتلأت السفينة ، وفرح الصيادون فحرا كثيرا بهذا الرزق الثمين ، فتوجه الشيخ خلفان مع بعض البحارة إلى الحاج عبدالله ليبشروه بصيدهم الوفير ....

    خلفان ( ضاحكا ) ابشر يا حاج فالصيد وفير لقد اصطدنا كمية كبيرة جدا ، الحمد لله الحمد لله ...
    مسعد شيخ خلفان ، الحاج عبدالله لا يتكلم ولا يتحرك ..
    خلفان حاج ... حاج عبدالله ، رد علي ؟

    فجأة تغير المكان الذي كان ينبض بالفرح والسعادة إلى حزن ، يا الله مات الحاج عبدالله .. خيم على البحارة الحزن الشديد لوفاة هذا الربان الفذ ...

    لقد مات الحاج عبدالله ، قالها الشيخ خلفان والدموع تنحدر على خديه بغزارة ، مات أسد البحر ، يا لحكمة الله ، بعد أن علمنا ما نعمل في حالة العسرة والشدائد ..

    سعيد لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ...
    خلفان أن لله وان إليه راجعون ، وكأنه عرف إنها الرحلة الأخيرة في البحر الكبير ....
    مسعد الشيخ خلفان سوف نرجع الان وسنصل غدا صباحا للبلدة أن شاء الله ، ولن نتوقف ..

    ياه كم هي لحظات عصيبة وقاسية مرت على السفينة وطاقمها ، اجتمع البحارة للإلقاء النظرة الأخيرة على هذا القائد المحنك ، ومن ثم اصطف البحارة يتقدمهم الشيخ خلفان لصلاة الميت ..

    إرادة الله فوق كل شيء ، والقدر المحتوم لا مفر منه " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " .

    وقفت السفينة بين التهليل والأفراح ، التي انقلبت حزنا وبكاء على ذاك الربان الذي عشقه البحر وعشق البحر .... لقد عاد الحاج عبدالله مع بحارته ولكن جثة هامدة محمولة على الأعناق ..[/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة دندنة على سن القلم ; 12 - 04 - 2004 الساعة 23:31

  2. #2
    الصورة الرمزية عاشق السمراء
    Title
    "رجل عادي جدا"
    تاريخ التسجيل
    05- 2002
    المشاركات
    21,307

    رد : الرحلة الاخيرة ...

    مسااااااااااء جميل ..
    شكرا لك دندنة عشنا في اجواء بحرية عصيبة .. وعرفنا أن قدرة الخالق فوق كل شئ .. اعجبتني القصة من ناحية تسلسل الاحداث وانك تجعل من القارئ يتعايش الحدث وهذا الشي الايجابي .. !!
    شكرا لهذه العودة الجميلة اخي دندنة .. وشكرا لهذه القصة الجيدة بأحداثها وافكارها .. موفق ان شاء الله .. !!

  3. #3
    الصورة الرمزية أمل الحياة
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    02- 2003
    المشاركات
    851

    الرد على : الرحلة الاخيرة ...

    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML