الغرور والعجب *
صباح الخير لمن اصبح
مساء الخير لمن امسى
ومع اولى حلقاتنا في حلقة دعونا نحارب الفساد والتي كنا قد وعدناكم بها سابقا
ومع ضيف عزيز على قلوبنا وهو رسام الغرام
من خلال هذه الحلقه نأمل مشاركاتكم الهادفه وتلقي الآراء والافكار حول هذا الموضوع
ومن خلاله سنتحاور ونحاور ضيفنا الكريم والذي اشكر له سرعة استجابته لهذا النداء
موضوع جديد يتعلق بالغرور ولقاء مع ضيف عزيز دخل قلوبنا من اوسع الابواب .
نبدأ موضوعنا عن صفة الغرور التي تلازم بعض من الناس وهي وان لم تكن وليدة
العصر ولكنها صفه زلزلت اناس كانوا في مراتب العلا الى ادنى المستويات سواء اكانوا من الناس العاديين ام من المشاهير فحسبوا انهم بوضعهم
وتفكيرهم فوق مستوى البشر ولا يتداركوا انفسهم الا بعد فوات الاوان وتغلب عليهم صفة الانا بمعنى انا فعلت وانا فعلت وتراه رافعا انفه الى السماء وكانه المخلوق الوحيد ,ويعتبر الانسان المغرور انسان غير سوي
. قال تعالى
" إن الله لا يحب كل مختال فخور "
وان كنا لا نسيء الى صفة الانا باعتبارها صفة حميده في بعض الاحيان فلربما يقول قائل انا اؤيد او انا ساحضر فلان بمعنى انه يريد ان يثبت
شيئا انجزه فعلا دون ان يداخله الغرور وهي تختلف عن الانا المريضه " المغروره "
التي ذكرناها انفا ومعي اخي رسام الغرام سيحدثنا عن هذه الصفه ولربما يزيدنا ببعض الامثله لحاله من الناس تملكهم الغرور
.... رســــــــام الغــــــــرام ....
بدايةً أشكر أخي رحال على الاستضافة , وهذه ثقةٌ جميله أولاني إياها , وأتمنى أن أكون عند حسن ظنه وظنكم , وأن أكون ضيفاً خفيفاً عليكم .
الغرور :
قبل الخوض في هذا الحديث دعونا نتوقف للحظة مع المعنى اللغوي لهذه الكلمة , والمصدر المشتقة منه .
الغرور كلمة مشتقةٌ من الأصل ( غرَّ ) أي جهل الأمر وغفل عنه , ومن هنا نلاحظ أن كلمة الغرور مبنية على مصدر معناه الجهل , وكأننا نفهم
أن الغرور , به شئ من الجهل , وهو جهل المرء بنفسه , ومنحها بأكثر مما تستحق .
وهناك رابط وثيق بين الغرور والعجب ( أي الإعجاب بالنفس ) وكأنهما وجهان لعملة واحدة , والمعنى الاصطلاحي للعجب هو الكبر والزهو بسبب
الإعجاب بالنفس أو بالعمل أو بالنسب , وما إلى ذلك .
وفي الحديث عن الغرور يرتبط معنا ذهنياً وبشكل تلقائي الكبر , لأن الغرور بوابة الكبر , وهو الطريق الحتمي إليه بل إنه أقصر الطرق إلى
الكبر وهو حق الله فلا يجوز الكبر للناس فالله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالمتكبر فهذه صفة لله لا تنبغي لسواه .
والمسلم يحذر العجب والغرور , ويجتهد أن لا يكونا وصفاً له في أي حالةٍ من الحالات إذ هما من أكبر العوائق عن الكمال , ومن أعظم المهالك
في الحال والمال , فكم من نعمةٍ انقلبت بهما نقمة , وكم من عزٍ صيراهُ ذلاً , وكم من قوةٍ أحالها ضعفاً , فكفى بهما داءً عُضالاً , وكفى
بهما على صاحبهما وبالاً , وحسبك بقارون مثلاً حيث آتاه الله مالاً وكنوزاً ما آتاها أحدٌ من قبله فعوضاً عن شكر الله على نعمه أصابه
الغرور فتكبر وبغى : قال تعالى : [ إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وءاتينه من الكنوز مآ إن مفاتحهُ لتنوأُ بالعصبةِ أولي القوة إذ
قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ] وحين نصحه قومه وذكروه بأنعم الله عليه أنكر ذلك وجحد فضل الله عليه فقال تعالى على لسانه
: [ قال إنما أُتيته على علمٍ عندي … ] بل إنه خرج متفاخراً بكامل زينته , وحشد الناس وأخذوا ينظرون إليه ويتمنون مكانه إلا المؤمنون
منهم , فماذا كانت نهايته : [ فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئةٍ ينصرونهُ من دون الله وما كان من المنتصرين ] فضرب الله بقارون
أروع مثل على الغرور والعجب والنهاية الحتمية له , فأين قارون الآن , وأنظر أخي المسلم من أعظم مالاً وجاهاً وسلطاناً أنت أم قارون ؟ هل
تحب أن يمنحك الله ما منح قارون من النعيم , فيكسوك ما كساه من الغرور فتنتهي كيفما انتهى أم إنك تفضل ما أنت عليه من نعيم يكفيك وقناعة
يكسوها التواضع و طيب النفس فتنعم بحب الناس وتنعم من الله بالرضوان في الدنيا والآخرة .
والغرور كما أسلفنا من المهلكات المضيعات للإنسان فقال سبحانه : [ وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ] وقال الرسول صلى
الله عليه وسلم : " ثلاثٌ مُهلكات : شحٌ مُطاع , وهوىً متبع , وإعجاب المرء بنفسه " وقال : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ,
والأحمق من أتبع نفسه هواها , وتمنى على الله الأماني " .
ولك عزيزي القارئ أمثلة لذلك :
- أعجب إبليس لعنه الله بحاله , واغتر بنفسه وأصله فأصابه الكبر فقال : خلقتني من نار وخلقته من طين . فكانت أول معصية يُعصى بها الله
سبحانه وتعالى نتج عنها طرد إبليس من رحمة الله .
- أعجب قارون بنفسه وقال : أتيته على علمٍ عندي , فخسف الله به الأرض .
- أعجب فرعون بسلطانه فتطاول على ربه فقال : أنا ربكم الأعلى . فأغرقه الله في البحر وخلد جسده ليكون للناس عضة وعبرة .
- أعجبت عاد بقوتها واغترت يسلطانها وقالوا : من أشد منا قوة , فأذاقهم الله عذاب الخزي في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة .
- أعجب أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم يوم حنين بكثرتهم وقالوا : لن نغلب اليوم من قلة ! فأُصيبوا بهزيمةٍ مريرةٍ , حتى ضاقت عليهم
الأرض بما رحبت , ثم ولوا مدبرين , لولا ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه عليهم رضوان الله أجمعين .
ومن مظاهر الغرور ما يلي :
1- في العلم : قد يعجب المرء بعلمه , ويغتر بكثرة معارفه , فيحمله ذلك على عدم الاستزاده , وعلى ترك الاستفادة , أو يحمله على احتقار
غيره من أهل العلم , واستصغار سواه , وكفى بهذا هلاكاً له .
2- في المال : قد يعجب المرء بوفرة ماله , ويغتر بكثرتها فيبذر ويسرف , ويتعالى على الخلق , ويغمط الحق فيهلك .
3-في الشكل واللون : قد يعجب المرء ( خاصة النساء ) بالشكل من جمال وحسنٍ ولون فيغتر بذلك فينظر إلى غيره بازدراء , فيتعامل مع الناس
بغلظة يكرهونه بسببها , وكفاه شهادة الناس عليه لينبذ .
4- في القوة والسلطان : قد يعجب المرء بقوته ويغتر بعزةِ سلطانه , فيعتدي ويظلم ( خذها وأنا إبن الأكرمين ) , فيكون ذلك هلاكه ووباله .
5- في الشرف : قد يعجب المرء بشرفه ويغتر بنسبه وأصله فيقعد عن اكتساب المعالي ويضعف عن طلب الكمالات " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه
" فيحقر ويصغر ويذل ويهون .
6- في العبادة : قد يعجب المرء بكثرة عبادته وطاعاته , فيحمله ذلك على الإدلال على ربه , والإمتنان على نعمه , فيحبط عمله , ويهلك بعجبه
, ويشقى باغتراره .
وحسبكم قصة الرجل العابد الذي قال له الله : أدخل الجنة برحمتي , فقال لا يا رب , أنا رجل عابد زاهد في دنياي أريد أن أدخل الجنة بعبادتي
, فأمر الله أن توزن أعماله , وتقارن مع نعم الله عليه , فلم تبلغ نعمة البصر , فقال سبحانه : أدخلوه جهنم , فقال الرجل العابد : لا يا
رب أريد أن أدخل الجنة برحمتك , فأدخل الجنة .
سنكمل لكم الحلقه بعد فاصل قصير