الموضوع: من كل الثقوب يتسرب الهواء

من كل الثقوب يتسرب الهواء .. وغرفتي مشروخة الجدران سقفها مشقوق كيدي جدتي .. وثقب الباب اكبر من المفتاح نفسه تكاد الاصابع العشر ان تدخل فيه ولكني مع هذا احس بالاختناق كما لو ان الهواء يتسلل من الشقوق هاربا ولا يحاول الدخل ابدا ..
انين هرم لحنجرة طاعنة في التقرح يكسر الان حدة السكون وينبعث من كل الزوايا الضيقة .. مرعبا يتوالد كالجراد بسرعة مخيفة وانفاس رئتي اللاهثة الباحثة عن هواء صدى اخرى لتوجعات كتمتها لا ستراق السمع لصوت يئن بحرقة .. كل الذين احبهم يرحلون دائما جسدك المسجى على السرير الابيض امامي محفوفا بالموت وصوتك الشاحب يناديني لماذا ياجدتي تموتين ؟ لماذا يرفضك العمر الان ؟
اشعر ان هواء الغرفة ينفذ رويدا رويدا .. والانين ينفش المكان قطعة اسفنجية سقطت في حوض ماء .. قال الطبيب انه التهاب بسيط في الحنجرة .. القلب يلتهب ياجدتي والجرح يلتهب وكل جراحنا ملتهبة حتى حدود التقرح المزمن وانت تقتلك عادية الاشياء وبساطتها .. قلت لي : الله يرضى عليك يا ولدي لا تنسى الضغار ... وانا ياجدتي من يمسح حزني بعدك ؟ من يقف مكانك امام الباب في الصباح ويلوح لي مودعا وينتظرني مساء حين اعود متأبطا دفاتري وكتبي وادواتي الهندسية .. ألمحك تترقبين حضوري بقلق وانسى كل مابي من تعب وحزن واركض اليك كطفل صغير فتاخذينني بين ذراعيك تسألينني عن نهاري واثرثر كثيرا حتى تملي فتصيحين بي بنبرة حنون .. متى تنتهي القصة ؟ اريد ان انام .. واجيبك بكل شقاوة الاطفال ... عندما يبدأ نهار اخر ...
الانين يستحيل الى نحيب متقطع يحاصرني ويشد الحبل حول رقبتي هذه حالة من الموت اجل .. جدتي عندما زفرت حشاشات انفاسها كانت تطوق عنقها باصبعها كانما تحاول فك الحبل .. قال الطبيب انها تعرضت لكمية كبيرة الهواء البارد وانا اذكر عشية ان قامت تفتح النافذة كان مساءا تشرينيا باردا ..
- الشتاء يعود بسرعة هذا العام .. يلزمنا الكثير لاستقباله
- ارجوك ياجدتي اغلقي النافذة اكاد اتجمد من البرد
- يلزمنا او اغلاق النتوق الكثير ة في البيت .. ورفوف الملابس القديمة .. و .. واخذت تسعل بينما كنت اوصد النافذة جيدا وانفخ على اصابعي المبرودة السعال ينهك قواها ويهزها بعنف كما تهز الريح الخريفية القاسية شجرة وحيدة فتسقط اوراقها المصفرة ورقة .. ورقة .. كانت الحالة تماما كما تكهن الطبيب .. تعرض بسيط لتيار بارد لفح الحنجرة المسنة واصابها بالتهاب عرضي .. كل امورنا نراها عرضية وجانبية بينما هي عجوز اوغلت في العمر .. تتكئ على الف عصا فتبدو كالسلحفاة التي يثقلها السير لما تحمل على ظهرها من اغطية ثقيلة ..الشهقات الناطقة بأسى مريرة تتكاثر في الغرفة انه صوت جدتي وانا اختنق والاصوات المختلفة تطن في اذني كالنحل فاضغط بكفي على رأسي وادور .. ادور في الغرفة هواء هواء اريد ان اتنفس .. كانت جدتي وهي تهذي تشير الى النافذة وهي تشهق بسرعة كبيرة لم اكن اعلم ماذا كانت تريد مني اشارت كثيرا النافذة المغلقة تستجديني لافتحها .. كانت تختنق تريد هواء .. يا الله كم انا غبي .. اخرجت انفاسها دفعة واحدة وسكنت بينما بقيت يدها معلقة على حافة النافذة .. احس ان رئتي تنزفان تخرجان من حلقي حتى بت بلا رئتين والانين الحزين ينبع من كل الامكنة ويتعرشني كما تتسلق الدالية جدارنا متداعية .. انه قلب جدتي الموجوع وانا اريد هواء اكاد اموت لا لا اريد ان اموت .. عيون كثيرة تتلصص علي وتحدجني بنظرات قاسية تقدح رعبا في وجهي ..
اغمض عيني واشعر باني اتلاشى ..
هواء .. هواء .. ياناس .. وفي قبضة قوية ادفع النافذة المغلقة بكلتا يدي واستنشق الهواء ثم اخرج الى الرصيف وانا اصرخ : هواء هواء وافتح جميع النوافذ المغلقة المطلة على الشارع بكفين نابضين .. واشرعها للهواء