فتأمل قول الله تعالى :
[وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ]
{الأنعام:51}
[يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ]
{النحل:50}
[رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ]
{النور:37}
[أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ]
{النور:50}
[وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الأَلِيمَ]
{الذاريات:37}
[كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الآَخِرَةَ]
{المدَّثر:53}
[الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ]
{الأنبياء:49}
[الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ] {الأحزاب:39}
[إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ] {فاطر:18}
[اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ ]
{الزُّمر:23}
» ثانياً :الشح والبخل :
والشح هو أشد البخل قال الراغب الشح : بخل فيه حرص وفرق العسكري بين البخل والضن ؛ بأن الضن أصله أن يكون بالعواري والبخل بالهبات ، ولهذا يقال هو ضنين بعلمه ولا يقال بخيل، لأن : العلم بالعارية أشبه منه بالهبة لأن الواهب إذا وهب شيئا خرج عن ملكه بخلاف العارية ولهذا
قال تعالى:
[وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِضَنِينٍ]
{التَّكوير:24}
ولم يقل ببخيل
»ثالثاً : السبيل والطريق :
والأول أغلب وقوعا في الخير ولا يكاد اسم الطريق يراد به الخير إلا مقرونا بوصف أو إضافة تخلصه لذلك كقوله تعالى :
[قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ]
{الأحقاف:30}
وقال الراغب السبيل الطريق التي فيها سهولة فهو أخص .
»رابعاً : الأفعال « جاء ، وأتى »
«جاء» يقال في الجواهر والأعيان والثاني في المعاني والأزمان ولهذا ورد جاء في قوله تعالى :
[قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ] {يوسف:72}
[وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ]
{يوسف:18}
« آتى »
قال تعالى : [أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ]
{النحل:1}
وأما قوله تعالى في استعمال الفعل « جاء »
{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }
[ سورة الفجر ، الآية : 22 ]
) فإن المراد به اثبات صفة المجيء لله تعالى يوم القيامة كما اثبتها السلف الصالح ، ولا يجوز ان نتاولها كما فعل المؤولة بانه « أهوال القيامة » إذ لا يمكن تأويل الإتيان فيها بأنه إتيان الأمر أو العذاب ؛ لأنه ردد فيها بين إتيان الملائكة وإتيان الرب ، وإتيان بعض آيات الرب سبحانه ([1]) ، لذلك فإنه : يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: " وجاء ربك والملك صفاً صفاً " تماماً كما انه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث. فمجيء الله للفصل بين عباده يوم القيامة ثابت بالكتاب والسنة ، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى ،
وهذا ما قرره أبو عثمان الصابوني حيث قال : ( وكذلك يثبتون ما أنزله الله - عز اسمه - في كتابه من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل :
{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ } [ سورة البقرة ، الآية : 210 ]
.وقوله عز اسمه : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }
[ سورة الفجر ، الآية : 22 ] ) .
([2]) . فدعوى المجاز تعطيل له عن فعله ، واعتقاد أن ذلك المجيء والإتيان من جنس مجيء المخلوقين وإتيانهم نزوع إلى التشبيه يفضي إلى الإنكار والتعطيل .ففي عقيدة السلف أصحاب الحديث : ( بلا كيف: فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكم وكففنا عن الذي يتشابه، إذ كنا قد أمرنا به في قوله تعالى : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ).
فمنهج أَهل السنَّة والجماعة في كلِّ ذلك الإِيمان الكامل بما أَخبر به الله تعالى ، وأَخبر به رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والتسليم به ؛ كما قال الإِمام الزُّهري رحمه الله تعالى : (مِنَ اللهِ الرِّسَالةُ وعلى الرسولِ البلاغُ وعلينا التَسليمُ ([3]) . وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
(آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله)([4])
وقال النبي في حديث طويل : « حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين » ([5]) ، وهذه صفة من الصفات الفعلية التي يفعلها الله تعالى إذا شاء ، وأهل السنة لم يشبِّهوا مجيء الله بمجيء الخلق كما فعلت المشبهة ، وكذلك لم يؤوِّلوا ويحرِّفوا كما فعلت المعطلة .
وقوله تعالى : [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {الأعراف:34} لأن الأجل كالمشاهدة ولهذا عبر عنه بالحضور في قوله [كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِ] {البقرة:181} ولهذا فرق بينهما في قوله :
[قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ] {الحجر:63} [وَأَتَيْنَاكَ بِالحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ] {الحجر:64} .
لأن الأول والعذاب وهو مشاهد مرئي بخلاف الحق .
وقال الراغب الإتيان مجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء قال ومنه قيل للسائل المار على وجهه أتى