النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: هكذا تكتب عُمان تاريخها

  1. #1
    الصورة الرمزية ضيف المهاجر
    Title
    المدير العام
    تاريخ التسجيل
    05- 2002
    المشاركات
    6,428

    هكذا تكتب عُمان تاريخها

    د. هادي حسن حمودي*

    "1"
    الشعب العُمانيّ شعب ذكيّ وحسّاس وصَبور. حين يتعامل معك لا يُظهر لك ذكاءه وحساسيته وصبره، يجاملك ولا ينافقك، يعرفك ولا يتعالم عليك، ولا يتعالى. يستمع إليك حتى لو كان أعلم منك بموضوع حديثك. هذه خلاصة الشخصية العُمانية، أو "العقل الجمعي"، حسب مصطلحات أميل دوركايم.

    أحدثك عن مجتمع بشري، وعن المحصلة العامة لا عن هذا الفرد أو ذاك.
    واتبعنِي..
    "2"
    سلكنا الطريق البري بين بلدين عربيين، رغبة في أن نتمتع بالخضرة ورمال الصحراء، حين تكون تلك وحين تكون هذه..

    وصلنا نقطة الحدود.. غرفة بسيطة البناء لها شباكان، أحدهما يرحب بالقادمين، والآخر يودع المغادرين. في داخل الغرفة خلف كل شبّاك جهاز "كومبيوتر" وشرطي. وعلى الرصيف أمام كل شباك شرطي واقف، يطلب الجوازات ببسمة ولُطف.. الحر شديد، فقد كانت الرحلة في أغسطس/ آب. ثمة سقف خشبي يحمي الشرطي الواقف أمام الشباك من لهيب الشمس ولا يحميه من لهيب رياح أغسطس. ودّعنا بابتسامة تقول: إن طابت لك بلادنا فعد إلينا.

    هذا الشرطي، ومثله كثيرون، هل يحتاجون إلى تمثال يرمز إلى جهودهم وتضحياتهم وتحملهم العناء من أجل وطنهم ورسم بسمة على وجوه زوارهم، ولمسة محبة ووفاء لواجباتهم؟ أم هم بحاجة إلى أكثر من ذلك؟
    "3"
    تجاوزنا الحدود، عبرنا مفترق طرق، واحد إلى يميننا والآخر إلى يسارنا والطريق الرئيس أمامنا. سارت سيارتنا في الطريق الرئيس أكثر من خمسة عشر كيلومترا، لم أرَ نقطة حدود للبلد القادمين إليه. نبهت السائق إلى هذا، فقال لي إنه يسلك هذا الطريق البري لأول مرة، عدنا أدراجنا إلى مفترق الطرق. سألنا بائع تمر، فدلنا إلى الطريق الأيمن، سلكناه، بعد حوالي عشرة كيلومترات وجدنا قرية، سألنا عن نقطة الحدود، أرشدونا إلى مكان فإذا به مركز شرطة، حدثناهم عن مشكلتنا، طلبوا منا العودة إلى مفترق الطرق، ثم نأخذ الطريق الأيسر. عدنا "والعَودُ أحمد" سلكنا الطريق المشار إليه، بعد خمسة كيلومترات، طالعنا مبنًى فخم، هو فندق بلا ريب. في طابقه الأرضي أرشدنا فرّاش إلى غرفة دخلناها، غرفة مكيفة مريحة، موظفون خمسة يتاءبون ما بين "تراميز" الشاي والقهوة، عرضنا عليهم جوازاتنا، طالعونا بانزعاج، ونظرات اشمئزاز، صعّدونا بأبصارهم، استعرضونا من الرأس إلى القدم، وكأننا غزاة قادمون من كوكب زُحَل. ختموا جوازاتنا، شكرتهم وقلت لهم: لم نأت طلبا للعمل، ولكن أحببنا أن نزور قريبا لنا. فزاد انزعاجهم.

    هذه الحادثة ذكرتنِي تماما، بما ذكرته في رقم "1".
    واتبعنِي..
    "4"
    جاءت هيلاري كلينتون إلى سلطنة عُمان

    من ميزات الإعلام العُماني أنّه يمثّل الشخصية العُمانية، بالاتزان والهدوء، وعدم الثرثرة. وغالبا لا يتحدث عمّا وراء الحدث إلاّ إن كتب كاتب أو أعلن محاوِر. وبناء على الأسس التي أرساها السلطان قابوس للممارسة الإعلامية: الوعي، والصدق، والمتابعة، والتطور والتطوير..

    وإذا كانت الدبلوماسية العمانية تتميز بالهدء وعدم فضفضة الكلام.. وإذا كانت السياسة العمانية مبنية على الحوار الرصين البعيد عن الصخب والدعايات الإعلانية.. وإذا كان الإعلام العماني يتناول موضوعاته بالروح ذاتها.. فتلك هي ميزات الشخصية العُمانية التي على أساسها بدأت عُمان نهضتها الحديثة في سنة 1970.

    حين جاءت هيلاري كلينتون، سمعنا أنها بحثت ثلاثة أمور: الأول شكر السلطنة على إطلاق سراح أسرى أمريكيين في إيران؛ وهذه ثالث مرة تعمل فيها عُمان على إطلاق أسرى.
    ولقد كان لعُمان دور حقيقي في إطلاق سراح "أسرى" في أماكن أخرى، يستطيع القارئ المنتبه أن يعرف من بين سطور الأخبار ما أقصد.

    الأمر الثاني الذي بحثته كلينتون يختصّ بإيران والأجواء المتوترة في المنطقة. إذ المعلوم أن طبيعة السلوك السياسي العماني أنّه يحلّ المشكلات بعيدا عن الصخب والافتخار أو الادعاء. ويهدف إلى توفير أجواء الطمأنينة. ولقد نجحت السياسة العمانية في إبعاد أشباح الفتنة والعنف والحرب عن منطقة الخليج أكثر من مرة ومرة ومرة.

    وبما أنها لم تعلن عن ذلك ولا تودّ الافتخار به، إذ تراه واجبا إنسانيا وإسلاميا قبل أي شيء آخر.. فلنترك هذا الموضوع وننتقل إلى أهمّ موضوع بحثته وزيرة الخارجية الأمريكية، وهو كيفية معالجة السلطنة للتجمعات والمطاليب التي تقدم بها المتجمعون وما إلى ذلك..
    فاتبعنِي..
    "5"
    الأوضاع في عُمان تختلف تماما عن الأوضاع في بلدان أخرى

    لم تكن الشخصية العمانية بحاجة إلى صخب وعنف لبيان مطاليبها، ولم تكن السلطة العُمانية بحاجة إلى صخب وعنف للنظر في تلك المطاليب. فلا الشعب العُماني يرتضي الإساءة إلى بلده وقيادته، ولا القيادة العمانية ترتضي معاقبة الشعب العُماني. لأن تلك القيادة جزء من هذا الشعب الذي بايعها والتزم بتنفيذ قوانينها، لأنّه أدرك "أي ذلك الشعب"، بذكائه وحساسيته، أنّ النهضة لمصلحته، وأنها تفتح له نوافذ نور في حاضر يتطور، ومستقبل بالعلم والعمل يتنوّر.. هي الأسس ذاتها، التي انبنت عليها النهضة العُمانية منذ سنة 1970.
    "6"
    النّهضة العُمانِية، وبانطلاقها من مفصلَي التراث والحداثة، نظرت إلى واقع الدول عبر التاريخ، ودرست بروّية وإمعان عوامل نجاح الحضارات وانهيارها، فاستبان لها أنّ أسلم الطرق للخروج من الواقع المتخلّف إلى مستوى متطوّر باستمرار من النّهضة والتقدّم هو ارتكاز خطط النّهضة والتقدّم على منطلقات فكريّة ثابتة مستلهَمة من واقع البلاد، ونفسيّات أهلها، وتتمتّع بالرضا العامّ، والرغبة في العمل على تنفيذ خطط السلطة السياسيّة العليا للبلاد. وهو الأمر الذي نلاحظه بوضوح في النصين السابقين، في أوّل الموضوع، اللذين احتويا على وجوب أن تكون خطط التنمية، في جميع المجالات، قائمة على أسس سليمة دقيقة، وهذه السلامة والدقة تعنِي الكثير، من مثل:

    1 - ارتباطها بحاجات المجتمع.

    2 - انبثاقها من معتقداته ومعتنقاته.

    3 - دراسة الأوضاع الاقتصادية الخارجيّة، التي تؤثر بهذا الشكل أو ذاك على مجريات تنفيذ أي خطة من خطط التنمية.

    4 - أخذ ظروف البلاد بنظر الاعتبار، ومدى ملاءمة تلك الخطّة للأهداف العامّة للدولة، تلك الأهداف المتعدّدة التي منها:

    أ- هدف الاكتفاء الذاتي.
    ب- هدف تنويع مصادر الطاقة.
    ج- هدف تنويع مصادر الدخل القومي، وعدم الاعتماد على العامل الواحد الذي هو النفط.
    د- هدف التعمين.
    هـ- هدف وقف الترهّل.
    و- هدف أنسنة الاقتصاد.
    ز- هدف الوحدة الاجتماعيّة.

    5 - مدى ترابط المشاريع المقترحة بعضها مع بعض، ومدى علاقتها بما أنجز من مشاريع، وما سيُنجَز؛ وغير ذلك من أمور تحتاج إلى حنكة وعبقريّة من نوع خاصّ لاستجلاء جميع تلك الترابطات التي تجعل من الخطة التنموية خطة علمية قائمة على أسس سليمة ودقيقة.

    6 - وهذه الرؤية مبنِية على ما يفرضه الواقع العلمي المعاصر، وخاصة في بناء الدول وتشييد الحضارات؛ وهي، في الوقت ذاته، منبثقة من ذات المجتمع العُمانِي ومعاييره وثقافته وقِيَمِه التراثيّة، أو على الأقلّ، ما كان منها متألّقا نافعا، ويتجلّى ذلك في الحكمة التي اعتمد عليها جلالة السلطان المعظّم في بيان أهميّة دراسة الخطط والمشاريع وإقامتها على أسس سليمة ودقيقة.

    فمعنى الحكمة في النهضة واضح، ويرتبط بحكمة أخرى هي حكمة التأنِّي المنطلقة من مقولات الفلسفة الإسلاميّة أساسا، وهو ما تطبّقه عُمان في سياستَيها الداخليّة والخارجيّة.. وهذه الرؤية، بدورها، تعود إلى الهدف الأسمى من وراء ذلك الجهد التنموي المتميّز، وهو المصلحة العامّة للمواطنِين جميعا، والتي لا تتحقّق إلا بالخطط التنموية المدروسة بدقّة وإمعان، وذلك مصداق قول السلطان قابوس: "إن أي عمل لا يُقصد به المصلحة العامّة ولا يقوم أساسا على خطة مدروسة هو عمل معرّض للفشل وضياع الوقت والجهود، ومهما كانت رغبتنا في الانطلاق ومسابقة الزمن قوية إلا أنه لا بد لنا أن نتبيّن معالم السبيل الذي نسير عليه ونتدبر مواقع خطواتنا بحكمة وحذر حتى تكون مسيرتنا إلى الأمام راسخة بعون الله".

    ويعطينا السلطان قابوس أكثر من مثال على هذه الحالة: "المسألة ليست مباهاة وتفاخرا، ولكنها يجب أن تخضع للجدوى الاقتصادية. وللأسف هناك نماذج لدول، بعضها عربية، تعانِي الآن من تنفيذ خطوات لم تستوف الشرط الاقتصادي. فهناك دول بدأت بالصناعة الثقيلة وقطعت أشواطا أبعد مما يجب، ومدت رجلها لمسافة أطول من لحافها، وبالتالي عادت لتقاسي وتعانِي. فتنفيذ أي مشروع صناعي أو التوسع في ميناء ما لم يستند على الجدوى الاقتصادية وما لم يؤخذ في اعتبار الجدوى الجانب المحلي وجانب المنافسة الخارجية وجانب المقارنة بمن حوله وهل هو في وضع يمكنه من المنافسة والفوز فيها أم لا، فإنه لا شك يطرح أسئلة كثيرة".
    "7"
    وصحيح أنّ هناك مَن حاول الإساءة إلى البلاد وإلحاق الضرر الاقتصادي بها، ولكن التعامل مع هذا الصنف بموجب القوانين المعمول بها، كالذي تلجأ إليه الدول المتقدمة الآن، قد أوقف تلك الإساءة، واستجاب للمطالب المعقولة والتي تنسجم مع مرحلة البلاد وظروفها..

    هي النهضة، تستلزم، بين الحين والحين، تطويرا محسوبا، لا قفزات رفضتها عُمان منذ بدء نهضتها.. وهذه، فقط، الطريقة العلمية لكتابة التاريخ.. وأظن أن السيدة هيلاري كلينتون قد فهمتها حقا.

    _____________________
    * باحث وأكاديمي عراقي- لندن
    <div style=text-align: center;><b><span style=font-family: Courier New><font size=4><a href=http://www.sultanqaboos.net target=_blank>موقع السلطان قابوس</a>
<a href=https://hmhaitham.om/ target=_blank><b><span style=font-family: Courier New><font size=4>موقع السلطان هيثم</font></span></b></a>
<a href=http://www.alrasby.net target=_blank>الراسبي نت</a>
</font></span></b>

</div>

  2. #2
    الصورة الرمزية * البـــــاشـــق *
    Title
    نبض متألـق
    تاريخ التسجيل
    05- 2002
    المشاركات
    8,524

    رد: هكذا تكتب عُمان تاريخها

    سرد رائع جدا
    تقديري لك

  3. #3
    الصورة الرمزية ورد المنى
    Title
    مشرفة منتدى
    تاريخ التسجيل
    01- 2011
    المشاركات
    3,464

    رد: هكذا تكتب عُمان تاريخها

    شكرا لك ضيف المهاجر

  4. #4
    الصورة الرمزية هيام الحب
    Title
    مشرفة منتدى
    تاريخ التسجيل
    12- 2010
    المشاركات
    8,392

    رد: هكذا تكتب عُمان تاريخها

    يعطيك الف عافية ضيف
    وادام الله عليكم الخير كله

  5. #5
    الصورة الرمزية د. عبد الرحمن
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    12- 2011
    المشاركات
    1

    رد: هكذا تكتب عُمان تاريخها

    حقيقة من أروع ما قرأت عن عمان والعمانيين. بورك المقال ومَن كتبه ومَن اختاره ونشره. وأحب أن أسأل الدكتور هادي حسن حمودي لماذا لم يذكر اسم البلد الآخر في سرده عن الحدود العُمانية؟ وشكرا
    د. عبد الرحمن
    فرنسا

  6. #6
    الصورة الرمزية مناصر
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    05- 2012
    العمر
    35
    المشاركات
    40

    رد: هكذا تكتب عُمان تاريخها

    شعب عمان شعب عظيم

  7. #7
    الصورة الرمزية العياد
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    12- 2012
    المشاركات
    6

    رد: هكذا تكتب عُمان تاريخها

    اشكر ضيف اخي العزيز
    وبوركت

    من سنين وانت مهاجر ما ناوي تعود من هجرتك هههههه


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML