مقال للنشر بعد 25 عاماً..
لميس ضيف
الأحد.. 3-ابريل- 2035

لسبب ما؛ ذكرني مقتل محمد جمعة الذي اختطف أمس الأول من على باب بيته وألقيت جثته في الهملة بحادثة قديمة وقعت في ابريل من العام 2010 في مدرسة القائد " كانت آنذاك تسمى بمدرسة الرفاع قبل أن يقرر سعادة وزير التربية د.شهاب زيدان تغيير اسمها".. فالاحتكاكات بين حديثي الجنسية وزملائهم البحرينيين كانت قد بدأت قبل أكثر من عقدين ولكنها لم تكن قد وصلت للمستوى الدموي الذي وصلت له اليوم.. كانت لا تعدو حينئذ مناوشات تستخدم فيها العصي والحجارة والسكاكين العادية وكان العراك ينتهي عادةً في المستشفى لا على مصطبة غسل الموتى..!

الاصطفاف في تلك المرحلة كان طائفيا؛ وكنا في البلاد غرقى حتى العنق في هلوسات العداء المذهبي الذي كانت تغذيه جهات معروفة لأسباب معروفة؛ وقد خسرنا الكثير من مقدرات الشعب في تلك المرحلة لأن الكثير من خيراتنا كانت - تُهدر- ونحن منشغلين في "مناقرة" بعضنا؛ وكان التجنيس بشراهة بدعم من تيارات سياسية هي ذاتها من يملأ الدلاء بالدموع اليوم على ويلات التجنيس!!

حمداً لله أن تلك المرحلة قد طويت؛ وأدرك البحرينيون أن الاختلاف المذهبي المفتعل لا يجر إلا الوبال ولا يخدم إلا المسترزقين من ورائه.. ولكننا خرجنا من حفرة لنقع في حفرة أعمق وأحلك ظلمة.. فدونما إرادة منا أو تخطيط أعدنا أحياء مصطلح المواطنين الأصليين الذي خبا بريقه قبيل الألفية الجديدة ثم عاد بشكل أكثر زخماً بعد أن اتسعت رقعته لتشمل كل البحرينيين -عدا- أولئك الذين جنسوا لأهداف سياسية في الـ30 عاما الماضية.. وبهذا استبدلنا تشطير المجتمع المذهبي بتشطير آخر عرقي وفئوي لا يقل عن ما كان خطورة..

هل أخطأنا آنذاك بالتأسيس لما نراه اليوم من عنصرية في البحرين؟
من قتل محمد جمعة وقبله سليمان القبلان ومن قتل محمد وجدي وخليفة إبراهيم والشاب علي عبدالله وغيرهم ممن سقطوا ضحايا لسلسلة حوادث الثأر التي فجرها مقتل الفتى خليفة (13 سنة) الذي توفي قبل عامين إثر شجار أفضى للموت؟

نريد أن نخلي ساحتنا من المسؤولية.. ونريد أن نقول أن الجريرة هي جريرة من جنس في تلك الحقبة - لا المفكرين والمبدعين والمستثمرين- بل نوعيات متواضعة لا ميزة لها إلا أنها جاهلة طيعة؛ أو هكذا بدت وقتها.. نوعيات هجرت أوطانها لدواعي معيشية، لتستثمر هنا لدواعي سياسية، ولنصب نحن جام غضبنا عليهم لأنهم زادوا فرصنا الوظيفية ضيقا وخطفوا منا مساكننا وضغطوا على خدماتنا الصحية التي كانت مجانية آنذاك..

لا تثريب علينا إن كرهنا التجنيس حتى الثمالة.. وكان على البحرينيين الجدد أن يتفهموا موقفنا، لا أن يبادلونا العداء ويصعدوه ضدنا، لأننا لو ذهبنا لبلدانهم ومُنحت لنا خيراتهم لتعاملوا معنا كدخلاء وعادين - تماماً- كما فعلنا معهم حينها..
كان ذلك منذ وقت طويل على أية حال.. وقد أصبح هؤلاء اليوم جزءاً من نسيج المجتمع يمثل ما لا يقل عن ثلثه.. والأجيال الجديدة من أبناء البحرينيين الجدد، والتي لم ترَ أرضاً سوى البحرين، لا تفهم جُل ما نقول ولا ترى إلا أننا نضطهدهم وننبذهم وهو ما يسوغ لهم استخدام العنف كمسرب لما في نفوسهم من غضب واحتقان..

الجريمة الأخيرة هزتنا؛ وستعقبها جرائم جديدة شئنا أم أبينا فسبحة العنف في البلاد قد كرت ولا مناص من مواجهة الواقع..
إن الذين جرونا لهذا المنزلق ذهبوا- وتركوا لنا إرثاً من المعضلات التي نحتاج أن نتجاوزها قبل أن تتجاوزنا.. ولتكن البداية بنشر ثقافة تقبل الآخر ورفض التمييز بكل ألوانه.. فلا خيار لدينا إلا التعايش.. أو التصادم وهدر الأرواح والله من وراء القصد..