صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: رواية: عريشة العنب

  1. #1
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    Red face رواية: عريشة العنب

    القرار أم الفرا ر
    كانت السيارة تنهب الطريق الأسفلتي وتبتلع نلك المسافات والطرق العتيقة، كغول خرج من كتاب قديم لعجوز في أقصى قرية جبلية، تعانق سقف السماء ،كانت لمى تنظر للطريق بعيون تحمل العزم والإصرار ،لم تشعر بالخوف أبدا من عيون جنود اليهود وهي تبحلق بهم مستغربة ،فجميع أفراد الأسرة لا يملكون لم شمل ،ولكن تلك الأوراق التي جهزتها صديقتها بمساعدة والدها اللواء ،كانت تبعث الطمأنينة في قلب لمى ،كانت أيدي أخوتها الصغار الخمسة تتشبت بثوب أمها العتيق الذي تفوح منه رائحة خبز الطابون وحصاد الزيتون، رغم أنها بنت مدينة نابلس مدينة النار والثوار ،تلك المدينة الموغلة بالحضارة منذ أيام الفراعنة والرومان وكيف لا وهي بلاد الكنعانيين وورد ذكرها في أقدم الكتب السماوية التوراة والإنجيل وعليها وفيها ولد عيسى المسيح الفلسطيني إن شئت الدقة في التعبير، فهي بنت الحضر فكيف تنبعث من ثيابها رائحة خشب الحور الذي تحرقه من أجل أن تخبز عليه أٌقراص الخبز الذي قامت بعجنه ليلا من أجل أن يختمر؟ وجمعت له أغصان الشجر الجاف بيديها العاريتين ، فكم نزفت دما ون أن تشعر، تلك التي كانت تتفنن في وضع مساحيق التجميل وألوان الطلاء على هذه الأظافر الطويلة الرشيقة الرائعة ،التي كانت محط إعجاب نساء نابلس،صارت مقصفة قصيرة مليئة بالتغضنات العميقة وكأنها أيدي إمرأة بالسبعين ،رغم أن عمرها لا يزال مقبلا على الثلاثين ،وتنبعث من طيات شعر أطفال الأسرة الهاربة الأشقر المسترسل رائحة تلك البيوت الطينية العتيقة التي عشعشت فيه من قريتهم الحصن، النائمة على سفح تلك الجبال الخضراء أو الجرداء بشمال العاصمة عمان،إن الحياة في الحصن جميلة رغم قسوتها ،ولكنها في الفترة الأخيرة قررت اغتيال أحلام لمى ، وخنق كل فرحة بريئة تدخل قلبها الطفولي الحالم بغد مشرق ،رغم ظلام الواقع وجبروته، وعصى الوالد أو العجرة التي كان يحملها دوما ،كأنها طفله المدلل، ولم لا؟؟وهي طريقته الوحيدة في التعبير عما يريد،عفوا أقصد في الحصول على ما يريد،عيونها الزرقاء تنظر إلى تراب الطريق بعد عبورهم جسرالملك الحسين متجهين نحو الضفة الغربية ،تستنشق رائحة الحرية مختلطة بذرات تراب فلسطين التي لم تعرفها من قبل، كيف ومن أين جاءت بتلك الشجاعة وذلك القرار بالفرار من الحصن إلى نابلس؟هي نفسها لا تعرف وتظل تسأل ؟؟بدأت سنة النوم تسيطر على تلك الأسرة الهاربة ، فاغتالت خوفهم ،وشلت تفكيرهم ،فناموا كالقتلى من التعب والجوع ،ماعدا لمى، عيناها الزرقاوتان تبرقان بشدة ،وكأن نورا ينبعث منهما لينير طريق الهروب الى نابلس، رحب الخال كثيرا بأخته ،فقد مرت عشر سنوات لم يرها، كبرالأولاد خلالها ،لكن الحزن يسكن بعيون شقيقته. لم يسألها في أول ليلة عن سبب قدومهم ، كانت المفاجاة هي قدومهم ! كيف ؟ولماذا؟
    جلست الأسرة الجائعة الخائفة الناعسة بعيون خاوية لا تحمل شيئا سوى دعونا نأكل لننام ، فاكلوا قليلا من ذلك الزعتر الجبلي الغني بحبات السمسم وزيت الزيتون الذهبي المخضر من مزارع وقرى عنبتة وبلعة وغيرها ، تلك القرى التي تنام على ذراع نابلس الحنونة الممتدة في أعماق الأرض الطيبة ،من كل الجهات ،كبيرتهم لمى لم تأكل سألها خالها عن السبب مستغربا ،فالرحلة طويلة ،ولم تتناول الأسرة خلالها شيئا ،أجابت لمى :أشعر بشبع عجيب !من أين ؟ ولكأنني أكلت خروفا ،أجابت خالها عندما أصر عليها بتناول القليل من مربى الأراصية وحبات الباذنجان الأبيض الثلجي البتيري الذي حشي بحبات الجوز وقطع الفلفل الأحمر القاني وقد تم إغراقه تماما بزيت زيتون فلسطين المبارك ،ألم يقل الله عز وجل ذلك في سورة الإسراء ! قال لها ذلك خالها مداعبا،ومشجعا لها على الأكل ،ضحكت لمى لأول مرة منذ شهر ،شعرت أن وجنتيها ترفضان الضحك؟؟ ما بك يا وجنتي ؟ماهي إلا دعابة من خال حنون يتلطف،وبدلا من أن تضحك لتسفر عن أسنان ناصعة البياض ، نزلت دموعها بحرارة ،حاولت منع تلك الدموع، خنقها ، القضاء عليها ،وأخيرا تبسم وجهها وأطاعتها وجنتيها ،فرفعت يديها لتمسح آثار تلك الجريمة دموع !!لالالقد عاهدت نفسي أن لا أبكي مهما حصل ، كم تحملت ضربات تلك العجرة البغيضة ولم تذرف دمعة، فلم الآن ؟؟دموع!!.
    تناولت الأسرة طعام العشاء، وجلست الأم وقد ازدادت سمرتها بفعل شمس الحصاد ،فكأن وجنتيها رغم جمالهما تبدوان و كأن نارا أحرقتهما ولوحتهما بقسوة الغربة ألم تقل لها أمها عندما تزوجت :يا ابنتي الغربة كربة ، لكنه النصيب أو القدر، لا بل هو ما طلبته هي وأصرت عليه، فجواد رجل عسكري رائع ،يخدم بالجيش الأردني ،إنه عريس ستحسدها عليه قريناتها ، وتم الزواج على عجل ،وحطت رحال العروس صفاء في رحاب الحصن بلد جواد ومسقط رأسه ، لا بأس ما دمنا معا ، فوداعها لنابلس لم يكن مؤثرا ، ما دمت مع جواد فالدنيا كلها معي، هكذا قالت صفاء لنفسها وهي تسافر معه لأول مرة إلى الحصن، فماذا تقول الآن لنفسها عند هروبها منه والعودة لنابلس؟؟ أين الدنيا ياصفاء؟؟تبسمت الأم بألم ،حتى البسمات صارت مؤلمة لا نضحكها إلا لنتوجع؟أو لنسخر من آلامنا .
    في حين كانت بشرة جميع الأولاد تبرق بياضا ناصعا وكأنهم قادمون من غابات أوروبا فقرى شمال الأردن خاصة إلابد معظم سكانها من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، ولكن ذلك كله كان يخفي ألما وجوعا وقهرا عارما ،فكلهم قد نالوا نصيبهم من الضرب المبرح ،الذي جعل من بعض أطرافهم ذات ألوأنا بنفسجية أو حمراء مزرقة قانية ،ورغم ذلك ظلت عيون لمى تبرق بلمعان غريب وقوة عجيبة ،قبلت أمها المقهورة، نظرت الأم نحوها مبتسمة ،وذرفت دموعا غزيرة، مسحتها لمى بيديها معترضة: أرجوك أرجوك كفى بكاء ،لا حزن ولا خوف بعدالآن ،هناك مسافات تفصلنا عنه، أجابت الأم: لا زلت خائفة من أن يفتح هذا الباب الخشبي القديم فأرى والدك بقامته المديدة وبيديه تلك العصى ذات الرأس الكبير(العجرة) لتنهال علينا ولنأخذ نصيبنا منه ،ردت قائلة دعك من ذلك ونامي، أنت في نابلس.
    أشرقت شمس شهر كامل على لمى ،بدأت المدارس بدخول شهر أيلول ،وبدأت السماء تحمل غيوما ومطرا عذبا اشتاقت له الأرض كثيرا، نسائم الخريف الباردة تحرق قلبها وتشعل النيران فيه فيحترق كأوراق عريشة العنب البناتي الأخضر اللذيذ ،ذهب أولاد نابلس وأولاد خالها للمدرسة، وهي وأخواتها وإخوانها جالسون بالمنزل،نظرت إلى تلاميذ المدارس بعيون حائرة وهم يحملون حقائبهم مسرعين الخطى نحو الحلم ،نحو المدرسة التي تعشق، كيف لا؟؟ وهي الأولى على محافظة إربد بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة،وهي الطالبة المتفوقة النجيبة التي تنال دائما إعجاب الأساتذة والمعلمات، تبعتهم بنظرات حزينة مثل سماء أيلول ، فلا إقامة لديهم أو تصريح بالدراسة ! فما العمل ؟هل نترك دراستنا مقابل الأمن والأمان ؟أم نعود لإربد من أجل التعليم الذ ي تعشق؟ رد الخال حزينا :حبيبتي عودي من فرارك، لا مكان لك هنا ولا مدرسة.
    لقد صارت الأم غريبة في وطنها وغريبة في أربد، ونحن صرنا معك أغرابا ،بنابلس غربة بأوراق رسمية ، وفي إربد غربة بتوقيع عجرة الأب القاسي المرفوعة دوما لتنهال عليهم ،نظرت حزينة لأمها التي قامت بتسليم لمى زمام القيادة، إفعلي ما شئت يا حبيبتي فأنا أثق بحكمتك وحبك ، تلك عبارة الأم التي تقولها دوما ، فتعزز من ثقة لمى ، ولكنها تزيد من عمرها سنوات طوال لم تعشها ،قالت لمى لنفسها وهي تمسح دموع والدتها: يا لغربتك الطويلة يا أمي ،وها أنت رغم ضعفك تحملين ستة أطفال تحاولين عبثا زرع الأمن في قلوبهم ،ولكن من أين ؟ وكيف؟ وهل أستطع أنا أن أفعل ذلك؟؟، وأنا التي لا أعرف إلا الخوف والبكاء ودموع ليال الشتاء القاسية في الحصن تحرق وجنتي،وكأن ذلك الغول المترصد بالطريق اهتدى لمنزل خالهم فاتحا فاهه الكبير البشع وأسنانه السوداء النتنة قائلا لهم :عودوا ،هيا عودوا ، فلا مكان لكم في موطن أمكم ،الضائع ، فهو كالحلم المستحيل، عودوا لغربتكم أو لموطنكم ،لأول مرة شعرت لمى بقوة غريبة، سخرت من ذلك الغول ،ولم تهتم لأمره ،تبا لك، يا لك من غول تافه ،تعيش على آلام الآخرين ،وتقتات على دموعهم ،وتتغذى على أحلامهم الميتة، والتي تحرص على التهامها ، يا آكل الجيف النتنة، والأحلام المقهورة ،لن تنال عشاءك عندي ،فلا طعام لك ولا شراب ،وفي لحظة وجع عميق، سألت لمى نفسها :أين الوطن ؟لست أدري؟؟ لكني أريد العلم ، أهي لحظة انعتاق وحرية، أم لحظة انتصار على ذلك الغول المتربص بهم ،والراصد لحركاتهم .
    عزمت أمرها بالعودة ،بعيون مليئة بقرار رهيب،، رغم سنواتها الخامسة عشر لقد كبرت عشرين سنة في نابلس ، في شهر، في فرار!!
    كان طريق العودة مزدحما بسيارت تحمل ركابا من شباب الضفة وغزة ،يجملون شهادات جامعية ،أو مهن حرفية ،ويحملون في صدورهم أحلاما كبيرة ،متجهين بعيونهم نحو الخليج ,الكويت،قطر، السعودية، الإمارات وو،حيث بلاد الصحراء ،جالبة الأحلام ،محققة الآمال، الفرحة تطغى على الخوف لديهم ،بعيون تحمل إصرارا :سنقبر الفقر ،ونبني البيوت ،ونعمر الدار ، سنعمل بالخليج ،ونبعد عن الحبيب، لنعود بالمال ونجودعلى الأهل والأحباب، لن ننسى فلسطين ،فدمنا فلسطيني كنعاني قديم عتيق ،مثل قدم مدينة أريحا ،أقدم مدينة عرفها التاريخ.
    تزود معظم الركاب بعلب من التنك أو البلاستيك أو الزجاج ،تحمل كرات اللبنة وزيت الزيتون وحبات المكدوس و غيره، تفوح من ثيابهم رائحة التراب الطاهر، وحقول القمح ،وأشجار الزيتون ،وعرائش العنب ،خيرات وخيرات ، أداروا لها ظهورهم ،لأنها خيرات قاسية، لها سياط مؤلمة ،وفعلا( لو كان الفقر رجلا لقتلته).
    لقد عمل اليهود كل ما في وسعهم من أجل تضييق العيش عليهم ،فلا يستطيعوا حفر بئر ماء من أجل الشرب، أو ري الشجر !!مع أنهم لو حفروا مترا ،لخرج الماء عذبا ،كما معظم مدن الشام ،فهناك شقيقتهم بيروت ،كل عمارة تنام على بئر ماء، يوفر لها ما يلزمها من الماء الضروري للغسل ولأمور الحياة، ولكن هنا ممنوع ،وإلا السجن ومصادرة البستان ،فإما الموت عطشا ،أو الموت جوعا ، وتلك سياسة طويلة النفس لدى اليهود ، ولكن ، (على من تقرأ مزاميرك يا داوود) ،(إن فيها قوما جبارين) .
    كانت لمى تجول بنظرها في عيون الركاب والمسافرين، كلما حطت رحالهم عند نقطة تفتيش، فتقول لنفسها :لن تكونوا أقوى مني أبدا!!
    بينما تغرق عيون أسرتها بحزن شديد ،وكأن ذلك الغول الجبلي يترصدهم بفمه الكبير، ولا هم له غيرهم ،وكأن تلك الحكايات القديمة عن رحلاته ضربا من الكذب، فلا يوجد في عقليته إلا نحن .
    حطت رحالهم عائدين لمنزلهم القروي في الحصن ،سمع بذلك جارهم سامر، الذي كان يرقب منزلهم يوميا ، حائرا وحزينا ، هل يعودوا فتضيع لمى وأضيع أنا ؟ أم يظلوا هناك في البعيد بجبل نابلس فأضيع أنا وتضيع هي؟،(لقد كررت نفس الجملة) هذه هي عبارات سامر التي يقولها كل ليلة ،داعيا الله بعودتهم ، وفعلا استجاب الله ذلك الدعاء الطاهر، وهاهي لمى وأسرتها وقد صدرت أصواتهم من منزلهم ،بعد أن دبت به الحياة ،ليس في منزلهم فقط ، بل في قلبي أيضا ،شعر أن الدماء جرت بقوة داخل جسمه حتى وصلت دماغه ،ورأسه ،فبدأت تظهر حرارة فيه ما مصدرها ؟وليالي أيلول الباردة تقهر النار والجمر .
    أخبر أمه طالبا منها أرسال بعض الطعام لهم ،حمله بيديه، طرقت الأم الباب ،كان لقاء حزينا ،عيناه ترقبان ذلك النور الذي يتسلل بخجل من شق الباب المتواري، يا لخجل القرى الفطري ،حتى نور كهربائهم خجول، رغم وقاحة وقسوة ليلهم الطويل البارد، وريحه التي تقصف قصفا، لتدخل هبات البرد القاسية عظامهم فتسحقها لتبحث كالمجنونة عن بعض الدفء الغالي، فما أقسى شهور الخريف والشتاء على الفقير .
    يخرج ذلك الضوء العذب من الباب ،لعل ذلك الضوء يحمل ظلها ،هيا يا لمى تعالي، أين أنت ؟؟وضعت لمى حجابها بسرعةقبل أن تتوجه لفتح الباب، دق قلبه بعنف، تفضلي عشاء ليلتكم قالتها الجارة ،وقدم الطعام سامر بدون أن يرفع عينيه العطشى والمشتاقة لرؤيتها عن الأرض .
    جاء الصبح مسرعا فاضحا، لينشر خبر عودتهم، كعادتها عصافير تلك القرى النائمة بلسانها الثرثار الطويل قامت بالمهمة ،حتى تلك السحالي تبرق عيونها المتطفلة ،تريد أن تعرف ما الذي حدث ؟وتتحرك مسرعة نحو حديقة الجيران، حاملة أخبار تلك البيوت المستورة بظلمة الليل وضياء الصبر والتصبر ،جاء الأب مسرعا غاضبا ،لينهال على أفراد الأسرة بالضرب الشديد، تطاير الدم من فم الأم عندما وجه لها ضربة قوية أصابتها في بطنها الضامر، فكأنه أصاب حتى عظام ظهرها وسحقها ،لمى وضعت يديها على وجنتيها الملطومتين فسقطت ربطة شعرهابعيدا، وتطاير رذاذ من فمها ،أكمل مهمة ضرب العائلة حتى صغيرهم، ناله التعب ،جلس ،هل هو غول الطريق وقد كشف عن قناعه البشع ؟أيهما أبشع وجهه في الطريق أم وجهه في منزلنا؟؟.
    قامت الأم الجريحة تمسح دمائها ،وتربط قطعة من القماش على بطنها ،لتمنع سياط الألم من التفجير، أمرها صارخا :أحضري الطعام .
    أخرجت من تلك الحقيبة القماشية حبات المكدوس ،ومربى التين، وكور اللبنة اللذيذة ،تناولها كغول الطريق تماما، لقد صارت تعرفه جيدا مهما تنكر،كان يأكل بسرعة ولقمات الطعام التي يزدريها في فمه تهوي كقطع من الحجارة تسقط لتكمل بناء ذلك السد الجبار الذي يعمل على خنقهم وحصارهم ،يأكل أمام عيون أطفال أنهكها الضرب والتعب ،نظر إلى لمى قائلا: غدا نذهب للمحكمة لعقد القران، نظرت إليها أمها حزينة ،خنقت دمعتها، أشارت لها برأسها المربوط ،أرجوك وافقي من أجل أخوتك ،من أجلي .
    كيف يكون أمر الذبح والإعدام بعيون أم محبة وبلا كلام ،حتى تلك النظرات الآمرة الناهية ،أمرتها بالموت ونهتها عن المقاومة، ردت بعيون ميتة مذبوحة وبنفس اللغة المقهورة المضروبة ، التي ملت من الذل والضرب :لا تقلقي سأذهب .
    أضاف الأب: سأكتب كتابي على فاطمة وأنت تتزوجين من أخيها محسن .
    يتبع

  2. #2
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    رد: رواية: عريشة العنب

    وليل كموج البحرأرخى سدوله:::::::::::::: علي بأنواع الهموم ليبتل
    فقلت له لما تمطى بجزعه ::::::::::::::::::::::وأردف أعجازا وناء بكلكل
    ألا أيها الليل الطويل ألا انجل::::::::::::::::::::: بصبح وما الإصباح منك بأمثل
    هل كان امرؤ القيس يتكلم عني في هذه المعلقة الشهيرة ؟؟ما أدراه بحالي ؟؟أم هي الهموم والحياة توأمان لا ينفصلان ؟ألم يقل الله عز وجل في كتابه الكريم (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أهو الكبد الذي قدر علينا كلنا ،؟وأنا في هذه السن ؟الخامسة عشر؟ هل الزواج نعمة أم نقمة؟؟حلم أم كابوس؟؟أسئلة كثيرة دارت في رأس لمى وهي تضعه على المخدة الصوفية، وتلتحف بذلك اللحاف الناصع البياص ،والذي تحرص أمها على غسله عدة مرات بالعام ،كيف لا وهي التي تعشق النظافة والترتيب، كانت تشعر برائحة الموت تحيط بها،أيوجد للموت رائحة ،طعم ؟إني أتذوقه الآن ،أرتشفه ارتشافا ،بل أتجرعه، هل هو شراب يشرب أم طعام يؤكل؟؟ ما الموت وما الحياة؟ صنوان متساويان !وجهان لعملة واحدة!
    شعرت لمى أن ساعتها بعقاربها المضيئة، تسخر منها، هي لا تتحرك، الوقت لا يمر، ومع ذلك يمضي الليل سريعا ولم يبق على الموعد المرتقب إلا سويعات معدودة ،بعد سبع ساعات سأكون شخصا آخر، ليحقق حلما لشخص آخر؟؟ محيرة هذه الحياة !
    ظلت ترقب عقارب الساعة بلسانها الطويل الوقح وهوينتقل من رقم لرقم ،متشقلبا بكل رشاقة ،ساخرا منها قائلا :لن تهربي مني ؟؟وأين المفر أيتها الجميلة ؟ سيتعانق عقرباي عند الموعد ،ولن تستطيعي الفرار هذه المرة ،والصبح أوشك على الوصول! زمت شفتيها قائلة :نعم أيتها الساعة الوقحة ،أليس الصبح بقريب ،ما أن صارت الساعة الرابعة فجرا ،حتى عزمت أمرها ،رفعت غطاء اللحاف، لبست حذاءهاا كما عودتها والدتها تماما ،إياك والمشي حافية القدمين إنه شؤم يجلب الفقر! يا لآرائك يا أمي ،شؤم؟حسنا ،سألبس الحذاء، لأبعد الشؤم ،غسلت وجهها ،ماء الشتاء بارد كالعادة، لم تشعر ببرودته ،نظفت أسنانها ،حرصت جيدا هذه المرة ،قالت لنفسها :ولم لا ألست عروس ؟ عادت لغرفتها ،ارتدت ملابسها ،أغلقت أزرار جلبابها بإحكام،مشطت شعرها جيدا، ربطته هذه المرة بربطة قوية ،لن تفلتي يا ربطتي هذه المرة ،وضعت حجابها، يجب أن أكون أنيقة ،شعرت أن جسدها يتضاءل بشكل مستمر، شعرت أن روحها تحلق بعيدا وتنظر إليها قائلة: لا علاقة لي بك يا لمى ،نظرت لروحها البعيدة بدت بعيدة جدا ،الغرفة كبيرة جدا، والجدارن كذلك، منزلهم،حيهم، كل شيء كبير، عملاق، ،وهي الوحيدة الصغيرة هنا، حتى جسدها صغير جدا،وجدت نفسها متثبة بذلك الجسد الصغير المنهك وتقول: ،شعور غريب ،روح، جسد، ونفس، نحن ثلاثة،لماذا تخلت عني روحي ؟أين ذهبت؟كيف تتركني ؟ الروح لا تغادر إلا عند الموتنا لم أمت بعد، هل مت؟؟لا !أشعر بأنفاسي تحرق رئتي، حسنا لم؟؟لم تخلت عني روحي ؟؟، طوال حياتي و أنا قوية وكبيرة لم الآن صغيرة و قزمة ؟،ألأن روحي غادرتني؟، تعالي ياروحي،، ترفض العودة، أشعر بها تسخر مني ،قائلة:جسدك الضعيف ونفسك المستسلمة لا تناسبني ؟حسنا لك ما شئت ردت بإصرار ،أنا الآن جسد متهالك وأشعر أن عقلي خارج جسدي ؟عقلي ،روحي،لا أعرف !
    غادرت الغرفة ،فتحت الباب بهدوء شديد ،لا تريد أن يشعرأحد بخروجها ،بينما كانت تغلق الباب ،دق قلبها بقوة ،هل صرت أخاف حتى من صرير بابنا العتيق ؟ خرجت للشارع ،هواء الشتاء البارد يلفح وجهها بقسوة ،لم تهتم ،شعرت ،أن نارا تصعد لوجهها ؟ذرفت عيونها دموعا متوالية، مسحتها بسرعة ؟ظلت تمشي بطرق الحي ،وابتعدت عن منزلهم ،صارت بعيدة جدا، ظلت تمشي، لم تشعر بخوف أبدا ،ها أنذا ا قوية ،قالت لروحها لا تزال روحها بعيدة عنها ،ترفض الاقتراب منها والاعتراف بها ،حسنا قالت لنفسها: سنمشي كثيرا ،ظلت تمشي حوالي النصف ساعة، لا يوجد بالطريق الترابي أحد ولا حتى كلب ضال ؟ ما الذي حدث ؟هل تخلى العالم كله عني؟؟لم تهتم، ظلت تمشي بين مزارع الزيتون ، والمشمش ، واللوز الأخضر ، كانت رياح الشتاء تحمل في طياتها ذرات الموت تلفح تلك الأشجار الصامدة عبر السنين ، غير آبهة بما يجري ، تتلقى تلك الرياح بكل هدوء وحكمة؟حسنا هيا اقصفي وارعدي يا رياح الخريف والشتاء ،اكسري ما شئت من أغصاني واقتلي ما استعذبت من أوراقي ،عريني كما يعرى غصن الخيزران ،ليطيب صنعه ، ما بعد الموت إلا الربيع .
    شعرت لمى أن تلك الأشجار أقوى منها ، تسخر منها ومن ضعفها، حسنا إني أسمع صوت سخريتك مني ، لا بأس اسخري ما شئت، واقسي ما شئت، فلن تكوني أرحم من أبي وعجرته القاسية ، ولن تكوني أرحم من أمي وعيونها التي أمرتني بقبول الزواج من شخص لم أره في حياتي !
    تصعد جبال عالية، وتمشي وتمشي، طرق حفظتها جيدا، لعبت بها كثيرا، جرت فيها بحرية وفرح ، تمشي حتى دون أن تنظر ،هل تمشي بضوء قلبها ونفسها ؟روحها ؟لالالالا لقد غادرتني ،إني أراها ،أشعر بها بعيدة عني ،لقد ارتحت منها ؟أم ارتاحت مني؟ سيان عندي.
    ظلت تصعد ، وصلت لأرض مستوية، إنه جرف عال جدا، وقفت هناك نظرت إلى الأسفل، كانت تباشير الفجر قد بدأت تظهر،خيوط خجلة ظهرت خائفة ،هل هي خائفة علي ؟يا لليل الشتاء الطويل، يا لفجر الشتاء الخجول، والنجوم تبرق في السماء العالية، عجبا ،يا لصفاء السماء في هذا الوقت ،أيتها السماء كم أنت لطيفة وحنونة، هذه سحبك المليئة بالمزن والثقيلة بالخيرات ولت بعيدة مسرعة ،لتريني طريقي،ضحكت بسخرية ، حسنا ،هل تساعديني لأبصر طريق نهايتي؟أم لأضع حدا لأحزاني؟ نظرت جيدا لأسفل الوادي ،على ضوء تلك النجوم ،وخطوط الفجر الخجولة، كان المنظر مخيفا ،واديا عميقا جدا، وقفت ،أخذت نفسا عميقا ،كأنها تتزود بالاكسجين ،ظلت تتنفس بعمق وبصوت مسموع ،هه هه هه ، ثم ماذا علي أن أفعل؟ أحرك أقدامي علي أن أتقدم لأرمي بنفسي في هذا الوادي ،هذا التابوت، لن أسلمك نفسي يا أبي ،لن أجعلك تدمرني بيدك كما دمرت أمي، هذا الوادي السحيق أرحم منك ،بينما هي تحاول التقدم، وجدت أنها تتراجع للوراء ! ما بي ؟شعرت أن روحها عادت بسرعة، وسكنت مجددا جسدها ،ما هذا لم عدت أيتها الروح هيا اذهبي ؟لالالالا لن أذهب، تمسكت روحها بها جيدا، تشعر بها، تسحبها للخلف ،تحاول التقدم بلا فائدة ،حسنا لقد تخليت عني في المنزل وطوال الطريق ،لم عدت ؟تتراجع بجسدها للوراء بحركة لاإرادية ،يا الهي ساعدني،
    تسمع صوتا ساخرا ،ساعدني ،الهي، بماذا ؟؟بالانتحار؟؟ كفى غباء ةوعبثا يا لمى، لالالا لن أتراجع ،قراري نهائي ،سألقي بنفسي في هذا الوادي .
    عزمت أمرها ،بدأت تتقدم ، تسحب جسدها سحبا، تجرأقدامها جرا، بثقل شديد، ما هذا الذي ينتابني ؟شعور غريب!فعلا الروح عزيزة ، الآن صرت عزيزة أيتها الروح ؟ألم تتخلي عني طوال الطريق، سأرمي بنفسي وستموتين بعدي ، لا مكان لك على الأرض ، رغم اتساعها ،تذكرت حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس كإبل مئة لا تجد فيهم راحلة)راحلة،صديق،أنيس ،يا لوحدتي القاتلة ،أم أن هذا الوادي قاتلي؟ هذا الوادي السحيق هو ما يليق بك ، هو راحلتك!!
    بدأت بالتقدم ،بالتقدم ، الهواء البارد يلفح وجهها بقوة ,بدأت ترفع يديها ،تريد إغماض عينيها، تريد الموت بهدوء، ودون أن تبصر، اقتربت من الهاوية، شعرت أن أطراف أصابع قدميها في الهواء ، قلبها يدق بعنف شديد ، شعرت أن كل ضيعتها تسمعه، احفض صوتك يا قلبي ، يدق بعنف، يكاد يخرج من صدرها ،يرتفع صدرها بعنف، ويهبط بقوة ،كآلة ضخمة ،رافعة عملاقة ،تعلو به وتهبط، تعلو للسماء آلاف الكيلومترات، وتهوي لأسفل سافلين بقوة ، هل هي الرياح التي تؤرجح قلبي قبل الموت ؟؟ بدأت تتثاقل، تترنح ،سأقفز الآن، الآن ، وفجأة سمعت صوتا ،
    لالالالالالمى أرجوك لالالا لاتلقي بنفسك ؟ التفت مذعورة من أنت أيها الصوت الغريب؟
    وقف شامخا مثل شجرة سنديان ،صفصافة عتيقة،مثل نخلة عربيةأصيلة ،حزينة ،غير عابئة بريح الشتاء القاسية، شامخة الرأس ،ينظر إليها بعينين تقدحان شررا !!

  3. #3
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    رد: رواية: عريشة العنب

    وم آخر
    نظرت لمى بخوف شديد للخلف ،دقات قلبها تسارعت بقوة وبعنف، نظرت جيدا ،لم تستطع رؤيته في البداية ،هل فقدت حاسة البصر؟ دققت جيدا ،بدى كعملاق كبير ،تحيط به رياح الشتاء القاسية، التي تعبث بملابسه ، والتي بدت تتحرك بشكل مخيف، فتغطي جزء من وجهه، دققت جيدا ، نظرت بعمق ،كانت تباشير الصباح الشتوي قد بدأت تنتشر بخجل شديد، خيوط الفجر الذهبية تلك ، بدت كنار تحرق وتبدد جو الموت الذي كان يعشعش في ذلك الجبل .
    من أنت ؟ وكأنها تتوسل إليه أن يكون رحيما بها ، خافت أن يكون والدها ، لا يريدها أن تلقي بنفسها خوفا على زواجه ، لا يريدها أن تموت إلا بعد أن يحقق حلمه الدموي ،ثم فلتذهب للجحيم ، ،نظرت بخوف ،بقلق ،برجاء ،بيأس من أنت ؟؟ نظرت جيدا إليه،
    أوو من سامر؟ بدى كملاك حارس، يقف هناك، عم الهدوء المكان، استكانت دقات قلبها ،هدأت الريح من حولها ،عم دفء الفجر وشمسه الخجولة المحجبة المكان ،شعرت بالسكينة تغشاها ، ماهذا؟ هل يعقل وجود شخص واحد يحدث التغيير الكبير؟ عجيبة نفسك يا لمى.
    جاء صوته موغلا من بعيد، وكأنه يناديها بخجل :لالالا أرجوك لمى .
    نظرت إليه مرة أخرى ، بحركة لا شعورية تفقدت حجابها ،أزرار جلبابها ،تأكدت أنها مغلقة باحكام ، تشجعت وتجرأت ،كلمته بصوت ثابت وقوي، لكنه كان متلجلجا متقطعا ،رغما عنها حاولت أن تتماسك ،
    ما الذي جاء بك ؟ سألته بخوف عارم ، شعرت أن خوفها ما هو إلا شبح شيطاني ، يقفز تارة مبتعدا وتارة مقتربا ،شعرت أن ذلك الشبح الشيطاني ،يقفز فوق قلبها، يتثبت بها بمخالبه البشعة السوداء، يمسك بأضلاع صدرها، متأرجحا، ليزيد من دقاته، يغدق عليه الرعب والخوف والهلع !
    ما الذي جاء بك؟؟ صرخت، ما ذا تريد مني يا سامر ؟؟أرجوك ابتعد عني، لا أريد مشاكل أخرى أرجوك .
    من كان يصرخ؟؟؟ لمى، لمى الخائفة، التي تريد أي يد تمسك بها لتبعدها عن هوة الموت ؟أم لمى الخائفة من الزواج ؟الهاربة من القرار؟ تريد الانتحار، أي لمى أنت ؟ضاعت !شعرت أن هناك أرواحا عديدة تسكنها تطرد روحا لتسكن أخرى !أي روح أنت ؟؟
    رد سامر :مشيرا بيديه :أجوك اهدئي اهدئي، لن أقترب منك، أرجوك ،ابتعدي عن الجرف، وسوف أبتعد .
    ردت لمى بخوف: ابتعد ابتعد عن الجرف؟؟
    رد بهدوء :نعم أرجوك لمى لا تنتحري لا تقتلي نفسك .
    صرخت به :ما أدراك بي؟؟ كيف عرفت بمكاني؟؟ ويلي من والدي إن عرف بأمرك ،ابتعد عني، أريد أن أقتل نفسي ،أنت لا تعرف شيئا ، ابتعد عني أرجوك إذهب بعيدا ، لا أريد ان أراك ، لا أريدك أن تراني ، وأنا ضعيفة !!
    رد بتوسل وبصوت هامس، وكأن ذلك الوادي خلا من الحياة ،إلا من صوتين يائسين ،صوت يتوسل يريد الموت رغم خوفه منه ،وصوت يتوسل للموت يريد مزيدا من الحياة ، حتى طيور الفجر التي تبدأ بالزقزقة عند بزوغ أول تباشيره، كأنها لا تزال غافية في ذلك الجبل ، لتمنح هؤلاء اليائسين أملا جديدا ، جاء صوته وكأنه قادم من تلك الهوة القاتلة في أسفل الجرف ، هل يحمل الموت معه تباشير الحياة ، يا لعظمة الموت رغم قسوته ،
    لمى أرجوك، أرجوك ،ارحميني ،لا تقتليني أرجوك أرجوك لالالالا ترمي بنفسك لا تقتليني .
    انهارت باكية، جلست على الأرض ، لم جئت؟ ما أدراك بحالي؟ أنت لا تعرف شيئا ،أريد الخلاص ،أنت لا تعرف شيئا.
    رد بصوت وكانه يهتف أو يهمس :أعرف كل شيء، لا حديث لبلدنا سوى عن أبيك ونزواته ،والنساء اللواتي يحضرهن لمنزلكم طوال مدة سفركم ، كل ليلة إمراة ،وأخيرا عرفنا بأمر خطبته على تلك المراة اللعوب ، قال لوالدي مبشرا ،أن هناك جارة جديدة، وعروس جديدة ستسكن الدار ، ما أن علم بفراركم إلى نابلس من قريب والدتك في عمان ،حتى أعلن خبر الخطوبة وخبر خطوبتك من محسن،قائلا إنه سيعيدك أنت فقط وليذهب الجميع للجحيم .
    ردت لمى غير مصدقة ما تسمع ، ماذا أكنت تعرف،،
    رد بهمس :نعم أعرف، كم جئت هذا المكان باكيا وحزينا ،صدقيني وقبل خمسة عشر، يوما وقفت في نفس المكان ليلا ،أريد الموت حزنا عليك، وكلما اقنربت من الهاوية ،سمعت صوتك، رأيت وجهك، يصعد من الوادي ،يضيء سماء ليلي ،أراك في ضوء القمر، في لمعة النجوم ،لمى كنت أريد الانتحار، ومنعتني أنت ،بوجهك البعيد الضاحك، وعندما عدتم ،حمدت الله كثيرا أني لم أنتحر ،لأني لو فعلت ،ما رأيتك، لمى، الحياة غالية .ونحن من نرخصها بضعفنا وترددنا ، ويأسنا ، الروح ثمينة جدا ، ونحن من نبخسها قدرها !بعدم صبرنا وثباتنا !
    ردت : أوه الروح عزيزة، لا تسلني أرجوك
    فجاة هدأ المكان، و كأن رياح تشارين الخريف والشتاء ، قد هدأت قليلا في ذلك الجرف العالي ، وأخذت تهب رياح هادئة ، تحمل بعض دفء التشارين المتقلبة بين البرد القارص أو دافئة مثل شمس ضحاها الخجولة ، هل هي رحمة من الله، أوه يا تشارين وكوانين الخريف والشتاء، كم أنت قاسية ومليئة بالعطف والحنان .
    أخيرا تكلم سامر بتوسل :نعم الروح عزيزة ،وهناك أمل أرجوك ،كان أمل عودتك شبه مستحيل، كنا نسخر من والدك وهو يتوعد بأنه سيعيدك رغما عنك ، ونقول تخاريف مغرور ، والدي قال لنا : إن العودة من نابلس من المستحيلات الثلاث ،ولكنك عدت ،ما الذي أعادك يا لمى؟ عدت! كما قال والدك، وكما دعوت ربي ،لمى أرجوك، لا تقتلي تفسك وتقتليني ، هناك دائما أمل ،أين لا أعرف، كيف؟ لا أدري؟ولكنه موجود !
    نظرت لمى بعيون مليئة بدموع الحيرة والضعف والعجز، وأخذت تبكي مجددا، لا أريد الحياة ،لاأريد الحياة ،ولكني لا أريد أن أموت، كيف كيف ؟؟؟
    مسحت دموعها ،قامت ،أعادت ترتيب حجابها ،وبصوت ثابت ،شكرا شكرا سامر، لأنك لم تدعني أموت شكرا ،ثم بكت ثانية أخذت تمسح دموعها المنهمرة بغزارة وبدون توقف، واخذت تشهق قليلا ، خنقت شهيقها ، لالا أريد أن أبكي ، ولكن ،سكتت قليلا : فكرت بسرعة ، فتحت عينيها ، رفعت حاجبيها متسائلة ،عادت لمى القوية مرة أخرى : كيف عرفت بمكاني؟ أنا لم أخبر أحدا برغبتي بالانتحار؟
    أجابها سامر بصوت ساخر ،مملوء بالمرارة العذبة: من أخبرني؟؟ ومن قال لك أني بحاجة لأحد حتى أعرف؟ كل ليلة أرقب منزلكم ،كل ليلة من حديقة منزلنا، و التي تطل على على منزلكم ، أنظر إلى شبابيكم العتيقة، حفطتها جيدا ،حفظت كل قطعة خشب بها ، لعل ضوء يصدر منها ،،يضيء قلبي ويشعل فتيلة الحياة به ،كل ليلة أرقب منزلكم، حتى جئتم أخيرا ،أنا من أخبر والدتي بعودتكم، ومن حمل الطعام إليكم ،بعد أن حملت عودتكم تباشير الحياة لي، لمى عندما فتح باب منزلكم ليلا،خفت كثيرا ، أن يكون والدك و قد قرر أن يأخذك بعيدا إلى ضيعة خطيبته ، قمت من مكاني مذعورا ، رأيت شبحا يمشي يخوف ، عرفت أنه أنت ، تبعتك من بعيد ، خفت أن أقترب فتخافي مني ، وظللت أتبعك من بعيد ، حتى وصلت في الوقت المناسب ، عودي لمى ،عودي لمنزلكم ،أرجوك،لا تبكي، لا بد أن يكون هناك أمل،
    هل تعرفي من أنقذني من الانتحار؟؟ وجهك في قلب الوادي ،وذاك الرجل الطيب ، راعي الماعز الشتوية وهو ينتقل من أعلى الجبال ، إلى أسفل الوادي بحثا عن الدفء لأغنامهم ، ضحك كثيرا من محاولتي قائلا : أنتم الشباب لا تعرفون قيمة الحياة ، أنتم تعيشون أحلى سنوات العمر فلا تهدروها بالأفكار السخيفة ، تمسكوا بها فهي تستحق ذلك ،وفعلا كان كلامه صادقا.
    ضحكت لمى، أخيرا عرفت البسمة الطريق إلى شفتيها، قالت متعجبة : راعي أغنام، يملك حكمة نفتقدها نحن المتعلمين !حتى راعي الأغنام أقوى منك يا لمى !!!أم هي الحياة تمنح الحكمة للجميع لكننا نصر على عدم سماعها ورؤيتها

  4. #4
    الصورة الرمزية ابن خاطر
    Title
    مشرف منتدى
    تاريخ التسجيل
    09- 2002
    المشاركات
    1,431

    رد: رواية: عريشة العنب



    المبدعة إلهام بدوي


    تحيات وردية


    أسرني النص منذ الوهلة الأولى

    براعة فائقة في السرد القصصي وعنصر التشويق

    المنولوج الداخلي ممتع وينم على نضج فني كبير

    قصة اجتماعية تخللها الرمز كثيرا

    لغة سليمة وملائمة للحدث

    مبهرة في جذب القارئ حتى النهاية

    الرواية فيها الكثير الكثير لذلك تحتاج إلى وقفات ووقفات





    اعتزازي وتقديري لقلم ذهبي وسعيد بوجوده في سماء النبض


    ابن خاطر

  5. #5
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    رد: رواية: عريشة العنب

    تألق سردي بمرورك الكريم وتعليقك القيم نفع الله بك وبقلمك الإسلام والمسلمين

  6. #6
    الصورة الرمزية هيام الحب
    Title
    مشرفة منتدى
    تاريخ التسجيل
    12- 2010
    المشاركات
    8,392

    رد: رواية: عريشة العنب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابن خاطر مشاهدة المشاركة

    المبدعة إلهام بدوي


    تحيات وردية


    أسرني النص منذ الوهلة الأولى

    براعة فائقة في السرد القصصي وعنصر التشويق

    المنولوج الداخلي ممتع وينم على نضج فني كبير

    قصة اجتماعية تخللها الرمز كثيرا

    لغة سليمة وملائمة للحدث

    مبهرة في جذب القارئ حتى النهاية

    الرواية فيها الكثير الكثير لذلك تحتاج إلى وقفات ووقفات





    اعتزازي وتقديري لقلم ذهبي وسعيد بوجوده في سماء النبض


    ابن خاطر





    ادام الله نبض قلمك اخت الهام


    هيام الحب

  7. #7
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    رد: رواية: عريشة العنب

    عريشة العنب
    بدا طريق العودة قصيرا جدا ، بدأت أشعة الشمس بالتمدد، أخذت تبدد ظلمة المكان ، انسحب الظلام يجر سكونه القاتل، سارت وسط الوهادالواسعة و الجبال العالية وتلك الوديان العميقة النائمة هناك والملتفة بأشجار اللوز الأخضر والجوز والعناب والزيتون الشامخ تعطر المكان بروائح رائعة وكأن لمى تشمها لأول مرة ، ارتفع صوت زقزقة العصافير التي بدأت تستيقظ على وقع أقدام لمى المفعمة بالحياة والأمل عاليا وبدأت تلك الحمائم الناعسة بالإستيقاظ وامتلأ المكان بهديلها الصافي الرخيم وكأنها تداعبها ، وترحب بها في يومها الجديد،و كأن جوقة موسيقية تعزف للمى نشيد فرح القرار، شعرت حتى أن نسائم ذلك الصباح الندي يعبث معها، يداعب بشرتها الفتية ، بلفح أنفها الشامخ بأرنبته الرقيقة ، يدخل رئتها المتعطشة للعلم والفرح ،جلس سامر هناك بعيدا ، ينظر اليها يودعها أم يستقبلها بنظراته الخجولة، ينظر من بعيد لفراشة تطير نحو الأفق الجميل، .
    شعرت لمى بروحها تقفز أمامها، وتكاد تطير بها للعودة للمنزل ، مشتاقة لجدرانه العتيقة ، متلهفة لأبوابه الصدئة، تتشوق لمعانقة أرضه الأسمنتية القديمة ، تعانق شجرة الليمون واللوز وعريشة العنب التي كانت بانتظارها مشتاقة ،و أن روحها تصالحت مع نفسها وجسدها ، عادت لحجمها الحقيقي ، روحا سامية شامخة ، تؤوي لجسد طاهر ،قوي ، تفتخر به ،بدى الجبل صغيرا والمنازل كذلك ،و أنها عملاق كبير، يمشي بأقدامه الضخمة، بل يطير طيرانا.
    وصلت للمنزل ،فتحت الباب بهدوء شديد، فرحت حتى لصرير بابهم العتيق، دلفت إلى باحة الدار ،نظرت إلى عريشة العنب ذات الأغصان الجرداء العارية ،البنية الرفيعةوقد تجردت من أوراقها الصفراء التي ماتت ،خوفا من برد الشتاء القارص ،لكنها هنا تفتح ذراعيها العاريتين مرحبة بها ،تقول لها أهلا لمى ،أهلا بعودتك لدارك ،لبيتك ،نظرت إليها بحب وتخيلت تلك الذارع العارية التي تعصف بها الريح ، ما هي إلا أم حنون تحني عطفا عليها ، تمد أذرعتها البنية السمراء لتحضنها لتحميها لتجعلها تغفو بين أغصانها المتدلية بانحناء رائع ، ضحكت من منظرها ،دق قلبها فرحا، يا لقلبك البريء يفرح حتى من منظر عريشة عنب جرداء عارية،تنفست بعمق ،وكأنها تأخذ جرعة قوية من سر الحياة الذي تحمله تلك الأغصان العارية ، نظرت لشجرة البرتقال والليمون، بدت تلك الأغصان المليئة بأوراق خضراء فتية تغرد فرحا بعودتها ، تتحرك ،تحتك وتصدر صوتا ،رخيما ناعسا، وقد تدلت بين تلك الأوراق الخضراء حبات البرتقال البرتقالية الندية الفتية ،كثوب عروس وشي بالذهب، ونثرت على جوانبه حبات من الزمرد الأخضر والألماس الأصفر ، دخلت غرفتها حيث يرقد إخوتها ، متراصين حول بعضهم البعض طلبا للدفء أم لضيق المكان ،سيان عندهم ،سمعت صوت أمها وهي تحاول تسخين الماء في الصباح الباكر من أجل استحمام الأب ، خطوات أقدامها النشطة وهي تتوجه للمطبخ من لإعداد طعام الفطور ، نظرت لأمها بعد أن ارتدت ملابس المدرسة، يا لك من سيدة قوية، رغم كل تلك الآلام لا زلت صامدةـ ،تعدين الطعام، تجهزين المنزل من أجل ذلك الغول الذي يرقد بالداخل،في غرفته الملكية الزرقاء، كان منزل لمى مكونا من غرفتين ،غرفة واسعة جدا تطل على عريشة العنب وأشجار الليمون واللوز المصطفة ،وقد توسط الغرفة سرير واسع جدا ،عليه غطاء أزرق موشى بخيوط حريرية ذهبية، وتناثرت على أطرافه أزهارا صغيرة من اللون الأبيض، وبجواره خزانة كبيرة للملابس بيضاء ،وهناك طقم كنب أزرق اللون موشى بورود بيضاء ، كانت تلك هي غرفة الوالد ، وبجوارها غرفة ضغيرة اكتظت بفراش متكدس فوق بعضه البعض، مصنوع من الصوف، وفوقه تنام عدة ألحفة قطنية بيضاء ، وتناثرت في جوانب الغرفة فرشات اسفنجية، يجلسون عليها نهارا، وينامون ليلا، وبجوار تلك الغرفة، يوجد مطبخ العائلة ،وبجواره غرفة متوسطة الحجم ،هي غرفة الحمام والاستحمام ، وأ،مام تلك الغرف المصطفة هناك أرض واسعة مقسمة قسمين ،قسم من الأسمنت والقسم الآخر ترابي وقد غرزت به أشجار اللوز و البرتقال والليمون والتوت وعرايش العنب .
    خرجت لمى من الغرفة ،بعد أن أدت صلاة الفجر، وقرأت سورة ياسين ،وأذكار الصباح ، قبلت رأس أمها ويديها قائلة (الله يصبحك بالخير ) كيف أصبحت ؟ردت الأم :بكل الخير، الحمد لله يا انبتي لا تحزني، أعرف أني السبب ،كانت الأم تهرب من نظرات لمى ، شعرت لمى أنها هي الأم ،وأن صفاء هي الطفلة المسكينة الضعيفة ، قبلتها ،احتضنتها، مسحت بيديها على رأسها ، شعيرات قليلة من الشيب بدأت تظهر، ضحكت لمى قائلة: يظهر أن حبك لجواد شيبك قبل الأوان، ضحكت الأم، وبحركة لا شعورية ربتت على شعرها ومسحت عليه لتهذب بعض الخصلات الناعمة التي نزلت وغطت عينيها ،أعقبت لمى: أرجوك لا تقولي أنت السبب، قالت الأم بحزن شديد وبصوت المستسلم الضعيف : بلى أنا السبب ،صمتت وانهمرت الدموع من عينيها ،هل تعرفين ما السبب الحقيقي؟ فشلي أنا هو السبب !! لقد فشلت في جعله يحبني ،لو أحبني لما فعل كل ذلك ، لا أعرف لم؟؟؟مع أني حاولت المستحيل، ردت لمى: ماما أرجوك، كفي عن لوم نفسك ،ونعتها بالفشل ،دائما هناك أمل صدقيني ،ثم أنا متاكدة أن والدي يحبك ، وإلا لم تزوجك؟
    ردت الأم بصوت هامس وكأنها تكلم نفسها : هذا هو السؤال الذي أسألة لنفسي في اليوم الواحد عدة مرات، لم ؟؟ لم؟؟ ولا أجد جوابا.
    ضحكت لمى وقالت: الجواب واضح يحبك، ولكن بطريقته الخاصة،ردت الأم باستسلام :أتمنى ذلك.
    قال لمى : سٍأذهب للمدرسة الآن قبل أن يستيقظ والدي.
    خرجت مسرعةمتوجهة للمدرسة بدأت يوما جديدا، فرحت كل المدرسات بعودتها ،استدعتها المديرة لتهنئها بالعودة، وتعرف منها سبب التأخر بالعودة للمدرسة ،ووعدتها بتقديم كل أنواع المساعدة لها ،وأن المدرسات على استعداد لشرح كل ما فاتها من الدروس ،
    كان يوما حافلا بالنشاط ،شعرت بالحيوية والحياة تدب في اوصالها، الدماء الجميلة الغنية بالاكسجين تتدفق في وجنتيها، تدب الحياة في أطرافها، روحها سعيدة ،تستمع بكل فرح لشرح مدرساتها ،وأن قلبها يكاد بتوقف من الفرح ،يا لجمال الحياة ،يا لغبائي كنت سأترك كل ذلك وأذهب للوادي السحيق أعانق الموت هناك ،شدت بيديها على القلم وهي تحل مسألة الرياضيات بكل مهارة ،مما أثار إعجاب المدرسة والتلميذات،فصفقوا لها .
    توالت الحصص سريعا ،ورن جرس نهاية الدوام والعودة للمنزل ،شعرت أن ذلك الجرس يخرجها من الجنة، لم ؟أرجوك ،قف ،لا ترن ،توقف،لا فائدة ،لم يستجب لتوسلاتها انتهى الدوام، نقطة في آخر السطر.
    خرجت من المدرسة تحمل كتبها الجديدة ،ما أن دلفت ومشت قليلا بالشارع ،حتى شعرت أن غول الطريق عاد ،كيف عاد الغول؟،الغول لا يظهر إلا ليلا ؟؟و الوقت ظهرا ،سمعت صوت شهيقه وزفيره البشع، تكاد تراه، نظرت حولها مستغربة ،ما الذي حدث ماذا جرى ؟رأته هناك، كان والدها يقف في زاوية الشارع ومعه ثلاثة رجال أقترب منها ،أمسك بذراعها ،شد عليها بقوة، كاد يسحقها ،قال لها :هيا الى المحكمة . لم المدرسة؟ألم أقل لك سنذهب للمحكمة ؟؟هيا بنا ،ولم يقف ليسمع جوابها ،جرها بيدية كالنعجة تماما .


    الجزء الخامس: أيها القاضي .
    سقطت حقيبة المدرسة من لمى على قارعة الطريق ،رفعت عينيها ،اخذتها ،والدها يجرها بقوة تمسكت بالحقيبة ،لم تتكلم، ولم تنبس ببنت شفة، شعرت أن قواها انهارت ، كل أسلحتها تلاشت ،إنها كالنعجة التي تساق إلى المذبح بكل هدوء، حتى النعاج يا لمى ترفض ، تعاند ، أما لمى فلا،ما الذي حدث لي؟؟ ، أين قوتي؟ بأسي إرادتي ؟،حبي للحياة ؟تلاشى كله أمام عيني والدي القاسيتين، وقامته المديدة وصوته الآمر الناهي،و ذراعية اللتين بدتا كحجري رحى تطحنها جيدا ،أمام ناظري أولاد عم والدها الثلاثة.
    بعد حوالي النصف ساعة، توقفت سيارة الأجرة ونزلت لمى مع والدها وبقية الرجال، هناك شاهدت رجلا وبجواره امرأة شامخة الطول ،تضع حجابا على رأسها، بيضاء ،اللون ،بعيون خضراء فاتحة، وأنف أشم ، وترتدي دراعة كالتي ترتديها نساء الأردن سوداء موشحة بخيوط تطريز رائعة ،وقد شدت خصرها النحيل بحزام أسود ، كان لون بشرتها قد ازداد احمرارا من البرد الشديد، انهمرت دموع لمى من البرد ، مسحتها بقوة، رفعت رأسها شامخا ، تقدمت مع والدها نحو تلك المرأة ،أمرها بالسلام عليها قائلا: خطيبتي فاطمة ، خطيبك محسن، نظرت لفاطمة ومحسن دون ان تراهما !!و محسن بدى باهتا لا لون له ،لا يوجد حتى ملامح ،لا ترى ملمحا له أبدا ، ماذا حصل لعينيها ؟ رأت ملامح خطيبة والدها جيدا، أما هو فلم تر شيئا!كأنهما تحلقان في الفراغ ،لا شيء أمامها .
    أمسك والدها بيدها جيدا ودخلا المحكمة، تقدم من رجل الأمن وهمس له بكلمات عديدة، أومأ رجل الأمن له ،توجه وفتح بابا كبيرا وضخما ،نظرت للباب ،خلفه غرفة الإعدام،تمنت لو ذلك الباب لا يفتح أبدا ، ذلك الجندي لا يعود، ليذهب للمنزل لتناول طعام الغذاء ، يستدعيه أي امر خر ،بدت كالغريق الذي يتعلق بقشة واهية ،عاد الشرطي سريعا، ما أسرع الوقت في المحكمة .
    عادت روحها تحلق بعيدا يا إلهي مثل ساعةالوادي ،أين أنت أيتها الروح؟ صعدت للأعلى ، غادرتها ،رأتها لمى تطير بعيدا حسنا ،لقد اعتدت على ذلك، في كل أزمة تتركيني مع نفسي لوحدنا ، دخلت الغرفة ، جرت أقدامها جرا، كانت الغرفة كبيرة جدا ،وفي وسطها مكتب كبير، وخلف المكتب يجلس شيخ وقور ،نظرت للشيخ ،لقد عادت تبصر من جديد، بدى شيخا وقورا بلحية بيضاء تتخللها شعيرات سوداء متناثرة ،زادت من وقاره ،رأسه ضخم، كان وجهه أسمرا وكأن سنوات عمره الطويلة قد عركته بشدة فبدت سمرته مضيئة ، وأنفه كبيرا وبه حدبة في الوسط،ووضع كوفية بيضاء وسوداء على رأسه ، يديه الضخمتان تفتحان كتابا كبيرا ،إنه كتاب الإعدام ،هنا تقتل النفوس أم تحيا ؟؟
    أمرها الشيخ بالجلوس، بدأت مراسم كتب الكتاب، أخذ الشيخ يتكلم ويتكلم ،و الجميع في حالة صمت مهيب لكلامه الذي لم تسمع منه شيئا !!ثم سمعت والدها يقول :بصوت جهوري ثابت: جواد عبد الخالق واسم العروس ،اسم العروس ، وكلام وكلام ،نظر إليها الشيخ جيدا وقال ،أعيد وأكرر ما اسمك يا ابنتي؟؟
    ردت هه هه ،نعم أنا أسألك ما اسمك يا ابنتي ؟ردت بصوت خجول: لمى ،لا تعرف من الذي رد ؟ومن أين خرج الصوت؟ سألها الشيخ: هل أنت موافقة على الزواج من هذا الرجل محسن سالم السنادي ؟
    ردت من الذي يوافق ؟
    عاد الشيخ وقد نفذ صبره سألتك للمرة العشرين :يا ابنتي هل أنت موافقة على الزواج من هذه الرجل محسن سالم السنادي؟
    ردت :بل أنا أسألك أيها الشيخ لم أنا هنا فأنا لا أعرف؟
    استغرب الشيخ من ردها ،نظر اليها وقد اتسعت حدقتا عينيه /،نظرت اليه متسائلة :حقا أيها الشيخ أنا لا أعرف لم أنا هنا ؟
    تنهد الشيخ الوقور، أغلق الدفتر ، نظر لوالدها الذي انتابه الفزع والهلع ،وقد بدى، خائفا مترددا يضغط بيده اليمنى على اليسرى بكل قوة، وينتقل بنظرات عينيه بين القاضي ولمى، ثم ما لبث أن تمالك نفسه وقال: لمى ما هذا الكلام ؟؟
    أمره القاضي بالصمت ،ثم قال: لو سمحتم ،جميع من في الغرفة يخرج.
    ظل جواد واقفا وكأنه لم يسمع ،ولم يتحرك ، خرج الرجال الثلاثة والعريس وخطيبة والده ،بينما ظل جواد واقفا مركزا عينيه على لمى، اومأ القاضي للحارس ،تقدم الحارس من جواد ،وأمسك بذراعه ،انسحب جواد بكل هدوء ثم ما لبث أن اغلق الجندي الباب ،نظرت لمى للباب وهو يغلق، وتنفست الصعداء وأخيرا أغلقت باب الموت، نظرت للقاضي بكل ثبات وشجاعة ،عادت روحها إليها مرة أخرى، تكلمت بكل هدوء: حضرة القاضي أنا حقا لا أعلم لم أنا هنا ؟؟
    سألها القاضي لمى: في أي سنة أنت تدرسين ؟؟أجابت كالتلميذة النجيبة :في الصف الأول ثانوي ؟
    كم عمرك با ابنتي ؟ ردت: خمسة عشر ة عاما .
    ألا تعلمين أنك بالمحكمة للزواج ،ردت :نعم أعلم ولكن، الذي يريد أن يتزوج والدي ،فليتزوج ، أما أنا فلا ، حضرة القاضي أناأريد أن أتعلم أكمل تعليمي لا أفكر بالزواج حاليا.
    حسنا يا ابنتي ،من شروط الزواج الموافقة،، والقبول ،مما يعني استحالة عقد هذا الزواج ،لا تقلقي ، سأكلم والدك ،ولن يتم هذا الزواج ،أنا معجب جدا بشخصيتك وقوتك وعزيمتك، سأتكلم مع والدك وأفعل ما أقدر عليه من أجل منع هذا الزواج، لا بأس عليك ،ثم أمرها بمغادرة الغرفة ،والانتظار خارجا، وطلب من الشرطي استدعاء والدها ،واصطحابها للخارج .

    خرجت من الغرفة رافعة الرأس، شامخة القامة ،شعرت بسرور كبير ،بفرحة غامرة ،يا لهذه الدنيا وأحوالها العجيبة ،دخلت الغرفة وكأني أدخل غرفة الاعدام، ليتضح لي أنها غرفة الإنعاش والحياة ،ما أجملك أيها القاضي وأروعك.
    جلست بكل هدوء على ذلك الكرسي المتهالك القديم ، الذي بدى لها كأنه عرش الملكة بلقيس ،ما أجمل اتخاذ القرار، ما اجمل الإصرار والعزم ،إنها أمور سهلة جدا، لم بدت لي صعبة عند دخولي المحكمة ؟الأمر بسيط ومناط بي، وبتصرفي ،يا لروعتك يا لمى ،عادت إليها الثقة بنفسها دقائق قليلة، فصلتها عن الموت الزؤام.

    بعد دقائق بدت دهرا جميلا جدا ،خرج والدها من المحكمة ،لم يتكلم بكلمة، اقترب من محسن وأخذ يتكلم معه ويحرك ييديه بعصبية شديدة، كانت أخت محسن فاطمة جالسة هناك بانتظار نهاية الكلام ،ولا تعرف ما الذي حصل ،ولم خرجت لمى، ثم دخل عريسها ،ثم خرج ؟اقترب جواد من عروسه ،تكلم معها ،ابتسمت قليلا أومأت برأسها، وغادرت المحكمة مع محسن ، اقترب جواد من ابنته ،وقال لها بكل هدوء هيا بنا نعود للمنزل .
    في طريق العودة، كانت السيارة تنهب الأرض نهبا ،تسرع بهم، لم تكن تمشي بل تطير، هل تفرح الأشياء مثلنا ؟؟رغم شدة خوفها من والدها ،لكن شعور الفرح كان أقوى ،للحياة مذاق وطعم رائع ،لا يعرفه الا الصامدون الصابرون، ضمت يديها ،أخذت ترتب جلبابها، تنظر للطريق،للأشجار، للناس، كان الشارع مليئا بالحياة،بالشباب ،بالطلاب جامعة اليرموك، وقد بدأوا يخرجون منها، كل منهم يحمل مجموعة من الكتب، زرافات ووحدانا ،طلبة يجلسون تحت تلك الأشجار الضخمة، أشجار الكينا الخضراء، التي تظللهم ،وبدى في البعيد هناك أشجار الزيتون ،وعرائش العنب ، في البيوت كان هناك أطفال يلعبون، ونساء تشرب القهوة في شمس العصر اللذيذة الدافئة ، ورجال يعودون لمنازلهم يحملون أكياسا بها ما لذ وطاب من الطعام ،نساء كبيرات في السن يمشين بكل تؤدة ،يحملن سنوات عمرهن الطويلة ،في رحلة الحياة الصعبة بكل حماس ،ونساء يمسكن بأيدي اطفالهن متجهات للسوق ،لشراء ما يلزم، الحياة كبيرة وواسعة، ومليئة بالناس ،من شتى الأعمارو الأشكال، يا لجمال الحياة في بلدنا ، يا لروعتها ،شعرت أنها تريد أن تصرخ أنا واحدة منكن، أنا أعيش بقوة وبحماس ،أنا طالبة ثانوية، أدرس في مدرسة رائعة، كل تلك الأفكار تجول في بالها بسرعة البرق، وبين فترة وأخرى تبتسم ابتسامة المنتصر الواثق من نفسه .
    وصلت السيارة سريعا للمنزل /،،نزل والدها ثم نزلت هي، دخل المنزل أولا جلس على تلك الكنبة القديمة الخضراء المهترئة ،تحت شجرة الليمون ،أشعل سيجارة وأخذ ينبث بدخانها بشراهة شديدة، دخلت لمى ،صرخ بالأم قائلا أريد فنجانا من القهوة،أسرعت الأم تنفذ ما طلب.
    دخلن لمى الغرفة ،خلعت جلبابها ،ارتدت ملابس المنزل، مشطت شعرها ، كانت عيون أشقائها تنظر لها بخوف شديد، عم الصمت المنزل ،لا يوجد أي حركة أو صوت فقط دخان سيجارة الأب المتصاعد يرسم دوائرا في هواء الشتاء القارص.
    خرجت لمى ،تريد التوجه للمطبخ ،،قام والدها ارتفعت قامته، بدى كبيرا جدا ،كغول الطريق ، غطى المكان حجب الرؤية ،انهالت يده على وجهها كصخرة كبيرة قاسية، ارتطمت بوجنتها فاهتزت تلك الوجنة ،وتناثر الرذاذ من فمها ،تراجعت للوراء بقوة وبسرعة ،ترنحت كغزالة مذبوحة، التف وجهها للوراء ،وقعت على الأرض بقوة ،اصطدم رأسها بأرضية المنزل الأسمنتية ،دوى صوت قوي يشبه الصرخة من جراء وقعتها على الأرض ،وضعت يديها على وجنتها الملطومة ،ثم ما لبثت أن تحسست رأسها المشدوخ ، قطرات من الدماء تناثرت على الأرض من رأسها ،مرة أخرى انفكت ربطة شعرها ،رغم أنها شدتها جيدا قبل خروجها ،تطاير شعرها وتشابكت خصلاته مع بعضها، و كأنها تؤازر بعضها بعضا ،قامت من الأرض ظلت جالسة بلا حراك ،بلا كلمة ، عم الهدوء المكان مرة أخرى ،زوبعة كبيرة عمت المنزل، ثم الهدوء بعد العاصفة، وقف الأب مرة اخرى بدى كعملاق ، تفل عليها ، شعرت أنها قزمة مرة أخرى و جسمها يتضاءل أمام قامة والدها الفارعة، وأن منزلهم كبير جدا ولا يوجد به إلا هي ووالدها الذي نظر إليها شرزا ثم خرج ،واطبق باب المنزل الحديدي بقوة .
    ما أن خرج المارد حتى هرعت والدتها إليها ، وهي التي لم تكن لتجرؤ على الاقتراب منها ، ولا حتى إبداء شعور الشفقة عليها ، وإلا نالها نصيب من الضرب و الإهانات.
    التف إخوتها حولها يبكون ويمسحون بأكفهم الدماء عن وجهها ، جرتها أمها جرا نحو الغرفة الصغيرة ، أسرعت لتشعل نارا علها تدفئ ذلك الجسد الضعيف المتهالك، لم تكن لمى تشعر بشيء وكان الوقت توقف، كل ما يهمها هو خروج المارد من المنزل، مر الوقت سريعا ، أصرت عليها أمها بتناول ولو القليل من الطعام الذي أعدته ، كان عبارة عن شوربة من العدس الأصفر، وبجوارها حبات من الزيتون الأخضر الشهي مع قرون الفلفل المقطع شرائح وقد تم إغراقه تماما بزيت الزيتون ، وقد صفت بجواره الوعاء أرغفة الخبز السميكة البيضاء الشهية، حاولت لمى الأكل، لم تستطع ، كانت أسنانها تؤلمها بشكل كبير فلم تسطيع تحريكها لمضغ الطعام، بينما تحاول والدتها إرغامها على الأكل، سمعت الأسرة المكلومة طرقا قويا على الباب الحديدي، دب الرعب في قلب الأم ، هل عاد الأب ، تبادلت مع لمى نظرات الرعب، قام شقيقها حمزة بالأعأعوامه العشرة بسرعة لفتح الباب، عاد مسرعا وهو يقول / يمة يمة أخوي عبادة بالباب مع ابن خالته سامر يريدان الدخول!
    دق قلبى لمى بعنف شديد ، وكأن الحياة عادت له مرة اخرى ، أصلحت غطاء رأسها ، أخذت طرف الحجاب ومسحت به وجهها ودموعها ، قامت الأم مسرعة قائلة: أهلا وسهلا بعبادة وسامر تفضلوا تفضلوا .
    سمعت وقع أقدامهم داخل المنزل/ نظرت إلى أعلى كان عبادة بوجهه الجميل وشعره البني المسترسل الطويل وقد ارتدى قميصا مخططا أزرق اللون مع بنطال من الجينز وقد ربط كم قميصه جيدا عند ذراعه المبتورة ،ودخل خلفه سامر وقد اعترى وجهه خجل شديد وجلسا ، تقدم منها عبادة واحتضنها بيده الوحيدة القوية، قبل رأسها ، ووجنتيها ،جلس بجوارها ،نظر إليها عبادة وقال : لقد عرفت ما حصل !!

  8. #8
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    رد: رواية: عريشة العنب

    الجزء السادس:
    الجزء السادس: غاب نهار آآآآآآآآآآآآآآآآخر............ غاب نهار
    جاءت الأم ، تمشي على استحياء، عار الخجل يتملكها،فشل مستمر في حماية أولادك، أي أم أنت؟ حتى قطط الشوارع خير منك، فهي وإن كانت قطة، تصبح أسدا ،نمرا، عندما يتعرض أحد أولادها للخطر، وأنت ياصفاء أين أنت ؟؟ أنت هباء ،خواء ، حديث وأفكار تعشش داخل رأسها ، غطتها بحجابها ، ما أن رآها عبادة حتى قام فورا ، وقبل يديها ،ضحكت، قبلته ، قالت: لا زلت عبادة الطفل المؤدب،الذي عرفت، لم تتغير أبدا،،
    رد عبادة مبتسما : أمي تسلم عليك، وقد أرسلت معي طعام لكم من قريتنا، مكمورة ، وكبيبة، تعرف أنك تحبين تلك الأكلات مذ كنت عروسا في دارنا هناك بالجبل، هي الآن عند أختها خالتي فضة أ،م سامر وستحضر بعد قليل، ولكني لم أستطع الانتظار فجئت قبلها .
    ضحكت صفاء ، مشكورة شمة، كم هي وفية وكريمة كعادتها ، نظرت لسامر،أهلا سامر والله لولا أنتم لكرهت الحياة، ولكن الحمد لله على أي حال.
    تبسم سامرتبسم الخجول، فهمت فورا لمى وصفاء ،سر زيارة عبادة، دق قلبه بعنف، نظر للمى ، من أجلك سأحاول، ثم قال : لا أعرف كيف أقدم يد المساعدة؟ عل عبادة يساعدنا،
    تبادلت لمى وعبادة نظرات الحزن ، تنهدت لمى بعمق ، قالت بكل ثقة:أنا متأكدة عبادة لن يقصر معنا ، وسيفعل كل ما يستطيع ، أنا اعتمد على الله ، ويكفيني حب عبادة واهتمامه ، إنه دعم معنوي أحتاجه ،وتبسمت.
    ضحك عبادة من قولها ،ثم مسح على رأسها قائلا: لمى أخيتي لاتقلقي، سأفعل كل ما أستطيع ،سنتشاور معا ، لنفكر معا كشباب ناضج ، ماذا نفعل، لا بد أن يقف أحدا ما أمام أبي!
    عم الهدوء المكان، وساد الصمت ،يقف أحد أمام جواد؟؟ كيف؟ ومن؟؟ ومتى ؟؟كل تلك التساؤلات دارت في عقل صفاء، كانت متأكدة من إصرار جواد، ومدى قوة حب عباده وإخلاصه وصدقه ، ولكن ماذا تفعل تلك القيم المثالية مع شخص كوالدي ،وتفكيره العسكري وجبروته ؟ نظرت لذراعه والتي بترت ثمنا لمجون والده ، إن جاز لنا ذلك ،ولا نزال ندفع جميعنا الثمن !
    دق جرس الباب ،أسرع الأولاد يتسابقون لفتح الباب، مرحبين بخالتهم شمة أم عبادة ، دخلت شمة بهدوء الملائكة، وهي ترتدي تلك الدراعة التراثية ،لبس بلادنا كما تفتخر، وقد وضعت عمامة سوداء وبيضاءعلى رأسها ،
    أقبلت عليها صفاء مرحبة، عانقتها وقبلتها، وقبلت رأسها ،ضحكت شمة وقالت:آه ياصفاء ، كثر الله ،خيرك، لا داعي لذلك .
    ردت: الكبير يبقى كبيرا يا أم عبادة .
    ردت مبتسمة بسكينة وهدوء:سلمك الله لا يوجد كبير غير الله ، والحمد لله.
    دخلت الغرفة،إقتربت من لمى عانقتها وقبلتها ،كيف حالك لمى ، ما تلك الأخبار التي سمعناها ، جواد يريد أن يزوجك ، أكيد عنده سبب ،دائما عنده، سبب ومقنع أيضا (تنهدت بعمق) ،اسمعي يا لمى ،جواد أبوك وهو رجل يفهم كثير ،ودائما ينجح بالحصول على ما يريد واكيد سيقنعك بالزواج من محسن فلا داعي للمقاومة ، لا تتعبي نفسك ،تتعبي أمك يا ابنتي ، الخيرة فيما اختاره الله .
    ردت الأم: وأنا أقول لها ذلك ،لعل محسن رجل طيب ،علينا الاستسلام لقضاء الله وقدره .
    قاطعهم عبادة بغضب شديد :أمي، أنتما تعرفان أن سامر ولمى بحكم المخطوبين تقريبا ،منذ حادثة قطع يدي ،ألا تذكران تلك الحادثة ؟
    ردت شمة: نعم وهل ننسى تلك الحادثة الرهيبة، ، ولكننا مؤمنين يا بني ، وذلك قدر الله ،
    ثم إن والدك ، قد غير رأيه، وهو دائما يفعل ما يريد حسبما يريد ،وهو الآن يريد لمى لمحسن لا داعي ،للمقاومة يا ابنتي ما هي إلا ،أيام تنقضي ولا يغلب الأيام إلا من رضي، ارضي بما قسمه الله .،
    سكت سامر ،سقط قلبه ،بدأ يدق بعنف لم ياخالتي شمة، صرخ بوجهها بصوت مخنوق، ميت مقتول ،هل حضرت لتكملي عملية الإعدام.
    ردت لمى بكل هدوء: خالتي شمة أبي يريد محسن، وأنا لا أريده ولن أتزوجه مهما كان ،
    ردت شمة :أبو عبادة لديه أسلوبه بالاقناع ،صدقيني إسألي أمك .
    احمر وجه صفاء ،شعرت بحرج شديد، قالت بسرعة : مشكورة يا شمة على المكمورة والكبيبة .
    ردت شمة بثقة عالية وقد شعرت بمدى ضعف صفاء :سبحان مغير الأحوال .
    نظر عبادة لأمه وخالته صفاء، وفكر، بالحديث الملغم الذي يدور بينهما ، عرف مقصد أمه التي تريد أن تقول لصفاء هيا خذي ما أسقيتني إياه قبل سنوات ، لتذق ابنتك ما ذقته أنا ، لم الحزن ، وأن قصد صفاء للمى انظري لعبادة ،ونتيجة تمرده على والده ذراع مبتورة ، تبادلت لمى وعبادة نظرات صامتة عميقة، ما الذي يجري؟؟ أي حوارات مبهمةتدور ، ابتسمت لعبادة بثقة ،لم تعلق.
    دارت أكواب الشاي الزجاجية المترعة بالسكر، والذي يفوح منه رائحة المرمية الخضراء القوية ، أسرع الأولاد بفرحة كبيرة، يشربون تلك الكؤوس وكأنها كؤوس المتعة القصوى، وأقصى ما يحلم به طفل فقير ،بفصل شتاء بارد، شاي ساخن بعذوبة شديدة طعم لا يقاوم .

    توقف عبادة مغادرا الغرفة ، لحقته أمه ، أرجوكم ، ناموا عندنا، قالت صفاء،
    ضحكت شمة من قولها وسألتها : وأين ننام ؟في الغرفة الزرقاء الملكية ؟
    سكتت صفاء ،شعرت بحرج شديد هي لاتسطع أبدا فتح تلك الغرفة إلا لجواد !
    خرج الجميع ، استعد الأولاد لتناول طعام العشاء ، بدأت الرياح تعصف بقوة ، اشتد البرد لدرجة كبيرة ، كان صوت الريح كأنه نواح ، بكاء ، وبدأت السماء تمطر مطرا غزيرا ، في تلك اللحظة دق جرس الباب، هرعت صفاء لتفتحه وسط المطرو البرد ، عاد جواد لقد عاد مرة اخرى ، رحبت به ، دق قلبها ، دخل الغرفة ، نظر إلى لمى نظرات عميقة، كانت الأم قد أعدت الغرفة جيدا وأشعلت الحطب،
    قال للمى : من علمك أن تقولي لا لوالدك ؟؟ من ؟؟قولي هيا ؟؟ ساد جو من الرعب مرة أخرى ، بدأت قلوب اخوتها تدق بعنف، وكذلك صفاء، ماذا يريد هذه المرة ؟ضرب صفاء؟
    سألها: أجيبي من ؟؟ من ؟؟
    ردت بكل هدوء : أنت من علمتني ذلك، أنت من جعلتني أقرأ قصصا منذ نعومة أظفاري ، هل تذكر الأجنحة المتكسرة ؟ لجبران ، صوت العالم لمخائيل نعيمة، قرأتها في الصف الخامس، هل تذكر بائعة الخبز، البؤساء، سنابل الزمن ، مجلاتك المفضلة التي كنت تشتريها ، كانت أطيب من الطعام اللذيذ الذي اشتهيه ولا أجده ، أنت يا والدي من علمتني قول لالا.
    ضحك جواد: رائع جدا يا لمى، أنا من علمك قول لا ! حسن ، سأعلمك الآن قول نعم، وصرخ بها بصوت مرتفع مخيف: هيا اخرجي من الغرفة، اخرجي لاأريد أن أراك، اخرجي ، اقترب منها وقال ،هذه الأيدي اللعينة ، التي علمتها مسك الكتب وقول لا ، سأعلمها الآن قول نعم وبدأ، يضغط عليها، يشد عليها ،حتى تكاد تتكسر ، لم تصرخ لمى، ظلت صامتة ، وازداد ضغطا عليها ،سأحطمها قبل تحطيم رأسك ، هيا اخرجي حالا، اخرجي.
    انهمرت دموع لمى بغزارة ، بكت من الألم والقهر والذل، شدت على أسنانها ، اخذت نفسا عميقا وكأنها ستموت ، بدأت بالزحف على قدميها ، زحفت وزحفت ـ ركلها بأقدامه الضخمة هيا اخرجي اخرجي لامكان لك في بيتي،
    خرجت لمى ، اغلق الباب بقوة ، جلس ونظر لأولاده ، لبقية شعبه ، عبيده ، جواريه، غلمانه، صرخ بصفاء قائلا: ،هيا لنتناول طعام العشاء، أخذ يأكل كالغول تماما،
    جلست لمى بالخارج، استندت على شجرة اللوز باكية، كانت الريح تهب بقوة ، عم الصمت المكان ، هي والريح والبرد، نظرت للسماء ، بدأت الغيوم بالإنقشاع ، أيتها السماء الرائعة ،هل توقف المطر خوفا علي، هل ازحت غيومك ،لتريني نجومك اللامعة، لتدخلي البهجة إلى قلبي، يا لروعة سماء ليالي الشتاء الصافية، وجمال تلك النجوم البعيدة ، تأملتها لمى بهدوء وسكينة، انا أقوى منك يا جواد، ولن تنتصر علي ، اقسم بالله خالق تلك النجوم المضيئة البعيدة ، والتي أشعر انها تسمعني تدخل قلبي، بضوئها تمسح دموعي لن أستسلم لك ،
    ، اشتد هبوب الهواء البارد، كانت الريح تقصف قصفا ، شاهدت ضوء البرق من بعيد ، سمعت صوت زهيم الرعد المخيف ، ايها الرعد ، هل تحادثني لتخفف من وحدتي، هل تصرخ علي أم على أبي، هل أنت غاضب منه،أيها الرعد ، اصرخ ما شئت ، فلن يسمعك أبي، إنه لا يسمع إلا صوت قلبه ونزواته وشهواته التي لا تنتهي،
    شعرت ببرد شديد ، ضمت رجليها معا ، عل ذلك يولد قليل من الدفء لبقية جسمها ،أحنت رأسها ، دفنته فوق فخذيها ، شدت يديها على وجهها تريد تغطيته ، نظرت نحو تلك الغرفة الزرقاء الملكية الدافئة، تستطيع الدخول هناك، الغرفة مفتوحة ، ولا يوجد بها أحد، لكنها غرفة الغول، عادت بنظرها نحو الغرفة الأخرى أحست بدفئها رغم بعد المسافة، كان هناك نورا خافتا يخرج من تلك الثقوب والشقوق ، كأنها تراهم من خلاله، تسمعهم، تشعر بدفء مجلسهم!عم قلبها السكينة، المهم أن لا يضرب أمي واخوتي ،إنها معركتي أنا !
    لالالا لن أستسلم ، سأصمد مهما حصل ،امتدت ساعات الليل طويلة باردة ، نامت لمى ، غفيت من شدة التعب والإرهاق،وهي تردد غاب نهارآخر ،
    لم تستيقظ إلا على صوت والدتها تقول لها :لمى حبيبتي هيا قومي ، لقد نام والدك بغرفته ، هيا بسرعة للداخل ، استيقظت لمى مذعورة ، ماما ، قد يضربك إذا عرف أنك ادخلتني الغرفة، ردت صفاء لالا لن يستيقظ قبل الساعة العاشرة صباحا ، هيا ادخلي بسرعة !!
    دخلت لمى بخطى متثاقلة ، متعبة ، قدميها قد تيبستا من الجلوس والإنكفاء طوال الليل ،همست لنفسها غاب نهارأخر................ غاب .........................نهار
    الجزء السابع/ كيف تقتل الأحلام ؟؟
    في المنزل المجاور، جلس سامر متفكرا ،يسمع صوت الريح تصرخ، تغضب على حالهم، وهناك جلس عبادة وقد وضع رأسه على تلك المخدة الصوفيةمواجها وجه سامر ،يفكران يتكلمان بلا صوت ، وكأن جواد يقف فوقهم، يسمعهم، ، كلما بزغ ضوء الأمل وبدأ شعاع صغير منه ينطلق من تلك القلوب الحزينة المنكسرة، أي تاثير لجواد عليهم جميعا حتى أ،ثناء عدم وجوده، هل يعمل ظله؟ طيفه ؟روحه تحوم ؟شبحه يحلق فوق الغرفة؟ أي غول هذا؟ يحضر حتى دون أن يحضر! يخيف دون حتى أن يصرخ! نتجرع سمومه حتى دون أن نرى كأسه المسمومة! أي غول هذا الذي سأحارب وكيف ؟
    نظرعبادة لامه شمة وخالته فضة وهما تشربان الشاي وتتحدثان ، ما سر هذاالاستسلام ، ،
    ظل سامر طوال الوقت يشعر بفرح شديد، لقد نجح في إدخال البهجة في قلب لمى حتى لو كان فرحا مؤقتا ، تمنى ىسامر لو أن وجود عبادة قد دعم لمى ولو قليلا ، فتح نافذة للأمل لقلبين منكسرين، نظر طويلا لعبادة ، هل يا ترى أثقلت على عبادة ألا يكفيه هم بتر ذراعه ،عمله البسيط ، ألم أكن أنا في المرة الأولى من زرعت في قلبه بذرة التمرد على ذلك الجواد ،من أجل إكمال التعليم في عمان ،
    رجع سامر بالذاكرة للوراء حيث كانت الشقيقتان شمة وفضة تسكنان بمنزلين متجاورين ، كان جواد قد غادر قريته الجبيلة وبدأ يهجر شمة كزوجة ويكتفي بأن يحضر إليهما كل شهرأو شهرين ، يومي الإجازة ، ، صار عبادة رجلا كبيرا وهو لم يتجاوز الخامسة عشر ،انتهى عبادة وسامر من دراسة المرحلة المتوسطة ،قرر سامر أن يكمل تعليمه،، كيف لا وهو المتفوق دائما، والأول على تلك القرية والقرى المجاورة ،جلس الصديقان يتكلمان وقررا معا اكمال الدراسة ، كان سامر قد اتفق مع والده وأسرته على ذلك وقررت الأسرة الانتقال لبلدة أكبر من قريتهم وبها مدارس ثانوية ، ووقع الاختيار على الحصن حيث لمى ، ولم يكن قد تعرف عليها أبدا ، لأن جواد بعد خمس سنوات من زواجه بصفاء انتقل من قريته الجبلية للحصن ، وهناك بدأ حياة جديدة بل كل شهر حياة وامرأة جدية ، وبدأت الأقاويل والقصص في قريتهم تدور حول جواد ونزواته والنساء اللاتي يعرفهن، والضرب الذي تناله صفاء، تلك القصص ترويها شمة بشماتة غريبة ، لا يزال يذكرها سامر رغم صغر سنه، وكأن الله انتقم للظلم الذي تجرعته خالته على يد جواد ،
    المشكلة في عبادة ، كيف سيخبر والده بقرار إكمال الدراسة ، والانتقال من قريتهم للمدينة ، كان على عبادة أن يخوض حربا مع والده ليسمح له بذلك ،وققت شمة بكل شجاعة مع ولدها ورغبته رغم خوفها على فراقه ،
    في إحدى زيارات والده لحضور جاهة (وهي عملية طلب يد الفتاة للزواج )قريب لهم ،عاد جواد مع عبادة للمنزل ، استقبلتهم شمة بكل ترحاب وأسرعت لتحضير العشاء ،جاء بقية الأولاد للسلام على والدهم وتقبيل يده وتقديم الولاء و الطاعة .
    بدأ جواد يكلم عبادة قائلا لقد حصل أمررائع في تلك الجاهة، استطعت أن أحصل لك على عمل ، والراتب ممتاز، خمسين دينار، تساعد أخوتك وأمك وتستطيع توفير مبلغ ما لزواجك .
    رد عبادة ولكني أريد إكمال تعليمي .
    رد جواد بغضب شديد: تريد إكمال تعليمك، أولا لا أسمح لك أن تقول لا أماامي أبدا وأنت تعرف ذلك، ثانيا لا طاقة لي لصرف عليك وعلى أخوتك،عليك تحمل المسؤولية،وأنا لدي التزاماتي الخاصة وأموري الخاصة ,
    رد عبادة بتهور: أمور خاصة ، تقصد عبير و فدوى ونادرة، كل قريتنا تتكلم عنك وعن قصصك مع النساء اللواتي تعشق،ألا يكفي صفاء يا والدي، أنا الآن رجل ،ومن حقي أن أتكلم ، يكفي يا والدي يكفي،أريد أن أكمل تعليمي ، ولا دخل لك بالموضوع سأتدبر أمري.
    نظر إليه جواد باستغراب، لم يشعر عبادة إلا بيد جواد تنهال عليه ضربا ،وضربا، وضربا بيد قوية قاسية لا تعرف الرحمة وكأنه يريد تحطيمه ، وظل يضربه ويضربه ،حاول عبادة حماية نفسه ووجه، حشره جواد في الحائط وظل يضرب، جاءت شمة تبكي ،تصيح :أترك الولد ، استدار جواد وبدأ ينهال عليها بالضرب صارخا : أنت السبب أيتها الحية الرقطاء، منذ زمن بعيد لم أضربك ، نسيت الأدب ، علي ان أؤدبك أنت وابنك مرة أخرى ، واستمر يضرب ويضرب ، حتى تعب ، وانهارت شمة وقعت على الآرض تبكي وبجوارها عبادة وكانت الدماء تنزف من فمه ، نظر إليه باحتقار وقال له في المرة القادمة لن اكتفي بكسر أسنانك بل برأسك أيضا تفل على وجهه مرة أخرى ، من أنت أيها الحقير لتقول لي مثل هذا الكلام،لتقول لي لا!! اخرس أ،يها الحقير التافه وضربه.
    تراجع عبادة نحو الجدار لا يعرف ماذا يفعل،أمه على الأرض تبكي ، انهارت كل أحلامه ، تحطمت ، شعر بخيبة كبيرة ، بخوف يجتاحه ، انصرف الأب وغادر الغرفة قائلا: هيا اصنعي لي طعام العشاء بسرعة ،
    تحركت شمة ، تلملم جراحها ، اقتربت من ابنها ، نظرت للدماء التي غطت وجهه قائلة: ألم أقل لك يا عبادة ، لا تقل لوالدك لا أبدا ، هيا اهدأ ريثما أصنع له طعام العشاء عله يرضى وينام ،ألم تتعلم مني، لا أحد يستطيع الوقوف بوجه والدك أبدا .
    شعر عبادة بحنق شديد، لم لم يا والدي؟ لم ؟بلا إجابة لم ينم تلك الليلة، لقد قرر أن يتحداه سأذهب مع سامر ، وسأتدبر أمري .
    في الصباح استيقظ باكرا، لبس ملابسه، نظرت اليه شمة بقلق، إلى أين يا عبادة ؟أرجوك لا تخالف أمر والدك ،لا تقتلني مرتين ، لا أريد أن أفقدك يا عبادة، أرجوك إبق هنا، واعمل جيدا، وبأذن الله، سوف تتحسن أحوالنا ، المدرسة لن تطير،
    رد عبادة: لن أستسلم لوالدي، لن أتخلى عن حلمي ،سأسافر مع سامر وليفعل أبي ما يريد.
    وجد سامر عند موقف الباص ،نظر سامر إليه بفرح شديد وقال : بشر يا عبادة هل قبل والدك ؟؟ هيا اركب معي ،لقد قطعت تذكرتين لي ولك.
    أخذ عبادة التذكرة ، ولم يتكلم ، ظل صامتا،في تلك اللحظة ظهر جواد كالمارد البشع كالإ،عصار كالريح التي تدمر كل ما حولها شعر بخوف شديد ،وعجز، سأله والده بكل غرور : ها لم أنت هنا لتوديعي وسامر؟
    لم يستطع عبادة ان يقول لا ،خاف من لطمة تنهال على وجهه ،،وهو الشاب الكبير ،كان يعرف والده جيدا .
    سأله والدك: هيا أجب، أم أن أسنانك لا تزال تؤلمك، هيا عبادة لم أنت هنا ؟
    تحسس عبادة وجهه، شعر بإهانة عميقة ،ما بك أيها الوحش البشري ؟، هل تفتخر بضربي أمام سامر؟ هل يرضى غرورك أن تضربني بالشارع؟ أمام الناس؟؟
    أكمل جواد قائلا: يظهر أنك لم تشبع جيدا بالأمس، لدي المزيد دائما يا عبادة، وارتفع صوته،أجب ماذا تفعل هنا ؟؟؟كان كضابط المخابرات .
    دق قلب عبادة بعنف ، شعر بخوف شديد، لالالا إنه ليس خوف، بل هو لايريد من والده مزيدا من الضرب، لقد صار رجلا ،لن يسمح له بذلك، ففكر بسرعةة بكلام والدته وهنا قال لالالا فقط كنت هنا لأقطع لك تذكرة الباص، مع صديقي سامر ،هيا تفضل التذكرة .
    أخذها جواد بكل غرور ، وركب البص، حتى دون توديع عبادة وشكره !! .

    تعجب سامر، فتح عينية مستغربا، ما بك عبادة؟ همس له، رد عبادة :لا تقلق سالحق بك.
    في الباص الثاني
    لا يوجد باص آخر،
    لا بأس سأركب شاحنة صغيرة .
    هذا لا يجوز ،سنذهب ونسافر معا .
    لا باس سألحق بك لا تخف .
    قال جواد :ما الخبر ؟هل كل شيء على ما يرام ؟أسمع يا عبادة في المرة القادمة أرجو أن تكون قد توظفت في البلدية،بذلك ستحقق كل أحلامك وكل أمورك ستكون على ما يرام
    ردد عبادة أموري أم امورك ،،ولكنها كانت كلمات كالعادة، ميتة لا تسمع أبدا ، ولا ترى النور ، تخرج من فمه عمياء ،خرساء، فترتد وتعود عليه لتزيد من ضعفه وحزنه .
    صعد الأب وسامر الباص ، انتظر الباص حوالي النصف ساعة، وعبادة واقف مكانه، جاء أناس من بعيد وركبوا الباص ،وعبادة واقف مكانه، امتلأ الباص ، تحرك الباص، وعبادة واقف مكانه .

    سافرالباص ، غادر القرية ،وعبادة واقف مكانه ،الوقت توقف ، وكل شيء توقف، ما بك ما عباد ة ؟؟
    فكر عبادة طويلا طويلا، لا بد من التصرف /، ما لبثت أن جاءت سيارة لحمل الركاب ، صغيرة وتحمل حوالي اثني عشر شخصا ، قرر الركوب معهم، قال للسائق أرجوك اسرع فابن خالتي سبقنا بالباص الذي تحرك قبل ساعة , أريد اللحاق به ،
    رد السائق: دعنا نتكل على الله ، انا لا أحب السرعة ، و بإذن الله سنصل . لا تقلق اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده ،وبدا يدعو بدعاء السفر، ثم قال توكلنا على الله ،
    سارت السيارة بركابها ، وكل واحد منهم مسافر يريد اللحاق بحلمه ، وهو كذلك، يريد أن يصرخ قائلا: انا سأسافر لاحقق حلمي .
    جلس بجوار الشباك وأخرج يده منه ، وبدأ ت رحلة السفر: قال السائق :يا ولدي أدخل يدك داخل السيارة ، ضحك عبادة من كلام السائق وقال سأظل منتبها ، لا تقلق ،
    مشت السيارة بسرعة كبيرة ،تصعد وهادا، وتنزل وديانا ، وقلبه يدق مع كل صعود ، ونزول، شعر بالإرهاق الشديد، كانت ليلة امس قاسية جدا ، لم يغمض له جفن ، نام قليلا ، او لنقل أغلق عينيه عله يرتاح قليلا، وظلت يده خارج السيارة استيقظ فجأ ة على صراخ شديد الله اكبر الله أكبر قف قف أيها السائق ، الدماء تنزف من عبادة ، ما الذي حدث ، توقف السائق وهو يقول :والله يا جماعة قلت له انتبه جيدا، لا تخرج يدك من السيارة ، قلت له ذلك،
    افاق عبادة على منظر رهيب ، يده جرحت جرحا شديدا من جراء اصطدامها بشاحنة مسرعة ،فاحتك طرف الشاحنة الحديد والذي يبدو كالأسنان الحادة بيد عبادة ففتك بها وقطع من لحمها وكسر عظمها وتهتكت يده بشكل كبير ، بدأت الدماء تغطي السيارة المسرعة ، توقف السائق مشدوها ،
    نزل الجميع من السيارة ، وانزلوا عبادة منها ، تفقد الركاب يد الغلام ، الشاب الصغير ، ماذا نفعل ، أين نذهب/
    رد السائق: أيها الغلام سنذهب بك لقرب مستشفى ، وهناك يتم العلاج ، لا تخف لن نتخلى عنك ، قال أحد الركاب : انا اعرف عنوان اهله بالقرية ،ساعود مع امه خالتي شمة ، على أحدكم ان يستدعي والده من الحصن ،أسرع السائق بعبادة للمستشفى ، من أجل تلقي العلاج ،
    في المستشفى فتح عبادة عينيه المتعبتين ، كانت شمة عند رأسه تبكي : عبادة حبيبي لم فعلت ذلك ؟، لم ألم اقل لك أن لا تسافر، لم يرد عبادة ظل صامتا وينظر لذراعه وقد غطاها الأطباءبالشاش .
    جاء الطبيب مسرعا وقال : خالتي ، يجب أن نجري له عملية فورا فهناك تهتك شديد بالإنسجة وإن لم نجري العملية قد تسوء حالته . أين والده ليوقع على الأوراق؟
    قال عبادة : ألا استطيع أنا أن أوقع ؟؟
    أرد الطبيب : مستحيل .... الأب فقط .
    أجابت شمة وهي تمسح دموعها : لم يحضر حتى الآن ، لا نعرف، أين هو؟؟
    الطبيب متسائلا باستغراب: كيف ، أين يسكن،؟أين يعمل، الأمر ضروري .
    سكتت شمة ، في تلك اللحظة دخلت صفاء ولمى وشقيقها الصغير براء ، أخذت صفاء تبكي همست بأذن شمة :صدقيني لانعلم أين هو؟ لم يبت في منزلنا منذ حوالي خمسة أيام ؟؟
    شمة بسخرية : زوجك ولا ،قال الطبيب إن لم يأتي قبل الغروب ، ستسوء حالته وقد يصاب بالغرغرينا ، اعملوا المستحيل من إجل إيجاده ، وخرج .
    قالت شمة لصفاءبتوسل : ارجوك أتوسل إليك أين جواد،
    صرخت صفاء: اقسم بالله لا أعرف، يقال إنه عند إمراة تسمى ...تسمى.......هنية
    صرخت شمة: أرسلي أحد ابنائك لعنده ، لطلبه ولو كان عند الشياطين !!
    أمرت صفاء ابنها براء بالذهاب بعد ان همست بإذنه ، سارعت لمى قائلة سأذهب معه وغادرت الغرفة.
    توجهت لمى إلى حيث يقال أن والدها هناك، طرقت الباب بخوف شديد، خرجت إمرأة منه ،سألتها :من أنت وماذا تريدين؟؟
    ردت لمى: انا ابنة جواد ، أريد أبي من أجل أمر ضروري.
    ردت المرأة بغضب: يا إلهي ما هذا ؟؟ألا تملون ؟؟جواد لا يوجد هنا ، لا يوجد هيا اذهبا ولا تعودا مرة أخرى، ثم قالت مهددة:لو علم والدك بحضورك ، ستندمين جدا ، وأغلقت الباب بعنف،
    دقت لمى الباب مرة أخرى أرجوك افتحي الباب أخي عبادة بخطر لا بد من إجراء عملية جراحية ، أخبري والدي بضرورة الذهاب للمستشفى ،
    ضحكت المرأة ثم قالت : لا بأس لقد تقطع قلبي حزنا على عبادة وعمليته ، سأخبره عندما يعود،ردت لمى لن أغادر مكاني حتى يخرج أبي!ضحكت المرأة بصوت عال ، ثم أغلقت الباب بقوة .
    بعد حوالي الساعتين ، فتح باب المنزل، كان الوقت ليلا، وغاب نهار آخر على عبادة ، لمى لا تزال عند الباب، خرج جواد ، أخذ يعبث بياقة قميصه، خرج منتشيا سعيدا ، قال للمرأة سأحضر بعد حوالي الساعة لا تقلقي ، غمز لها بعينيه ،نظر جيدا بالشارع رأى لمى تجلس مع ابنه براء،
    انهال عليها ضربا ،صرخ فيها ، هيا اذهبي للمنزل، وأنا سٍاذهب للمستشفى .
    نظرت المرأة للمى بشماتة عجيبة، قالت لها بعد مغادرة جواد :أيتها اللعينة ـ من تظنين نفسك، هيا عودي لمنزلكم ، لا أريد مزيدا من الفضائح !!
    أسرعت لمى للمستشفى ، لم تخف من والدها ،شعرت أنها قوية، لقد نجحت في إجبار والدها على قطع ملذاته ، أسرعت لغرفة عبادة ، كان السرير خاويا وشمة هناك تبكي بحرقة ، نظرت للمى ، صرخت بها ، عودي من حيث جئت ، لقد قطعوا يد عبادة ، لا حاجة لنا بك وبوالدتك ، هيا اخرجوا من الغرفة ، هيا ،
    يتبع

  9. #9
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    رد: رواية: عريشة العنب

    الجزء السابع :
    في البيت المجاور لبيت سامر، حيطان متجاورة تحوي أسرار ، سكانا، يحملون في قلوبهم وعلى فراشهم هموما، وأحلاما ، كيف تختلط الأحلام مع الهموم؟،لكن السؤال :لم نحرص على حملهم معنا ؟؟ ومن يجبرنا على ذلك؟؟
    .لكننا بشر، روح ونفس وقلب وعقل وجسد، طين ونور ، نار وثلج ، كل ذلك نحن ، فكيف نعجب من اجتماع الألم مع الحلم، ذاك يطرد هذا أو العكس، مفارقات ، دوائر نظل نرسمها ،أو ترسمنا ، سيان عند البعض ،لكن عند لمى يختلف الوضع ،فلست بالخب ولا الخب يخدعني، ولكن من هو الخب؟، هنا تكمن الصعوبة!
    تمر ساعات الليل طويلة طويلة على لمى، لا تزال مستيقظة ،عيناها تنظران في الفراغ ،حيث لا شيء، ألم فقط يعتصر قلبها,وقهر.............،عظامها من البرد أضحت كالخشب ، لم تعد تشعر بها ، لقد تملكها ،.فماتت،واستسلمت ، لا تشعر بها،هكذا ارتاحت من الألم ،لم تعد تشعر به، لم لا تنامين يا لمى؟؟ ما تلك النار التي تتأجج في قلبك ؟من أين تأتي تلك الحرارة ؟ طوفان القهر الذي يغرق قلبها؟؟ القهر الذي يتفجر كعيون ماء لا تنضب، كيف وقد ماتت عظامي وجسمي؟ أستسلم لذلك القهر، لكن قلبي لم يستسلم!
    ماذا يفعل الإنسان حينما يرفض قلبه وعقله الإستسلام ؟يظل يفكر ويفكر؟؟ رأسها يكاد أن ينفجر من التفكير،، هل يعقل أن يكون التفكير ...التفكير......أقوى حتى من الروح ، يا عقلي يا قلبي، إن روحي تريد أن تنام ، أنام ، تضرب بيدها الضعيفة رأسها ، ترسل إليه أوامر بعينيها ، تغلقهما ، هيا ناما ، ناما ،بلا فائدة ، تعودان وتبحلقان في اللا شيء مرة أخرى بقوة أكبر،، أرجوك يا عقلي ،كف عن التفكير، لا أريد أن أفكر،لكن عقلها لا يزال يفكر وقلبها يضج قهرا وألما لا دما،ألم شديد في قلبها تنهدت بعمق أخرجت زفيرا طويلا عل ذلك الألم يخرج ، بلا فائدة،، لقد سكن قلبها تثبت به ،لا مجال للخروج.................... تفكير وتفكير وتفكير ،ثم ماذا؟؟ ما العمل ؟؟لن أستسلم لك يا أبي ، مهما قهرتني،أسقيتني ذلا، لن أستسلم ،قلبي الذي ملئته ألما وقهرا ،سأملئه أملا وقوة وثبات ،لن أكون عبادة، لن تقطع يداي وحياتي ،كما قطعت يد عبادة.
    حسنا لأفكر بشئ جميل، مميز، سأفكر بسامر، يا لك من محب رائع ،عاشق صادق، أجئت بعبادة لتخفف همي ؟ أم لتزيده؟ يا لتصرفات العاشقين ، أخذت تبتسم عندما تتذكر عينيه، وهما تنظران إليها بكل خجل، ورويدا رويدا هدأت نار قلبها ، شع نورا عذبا منه ، أخذ يدق بعذوبة ،،برقة،كأنه موسيقى تسمعها ، قصة جميلة تقرأها ، نزلت عليها السكينة.. سامر، وعيونه الخجلى، طوله الفارع ،نظراته ،لهفته عليها ، ............نامت ،
    لم تستيقظ الا ووالدتها تقول لها : هيا قومي، لقد جاءت خالتك شمة لزيارتنا مع سامر وعبادة .
    سألتها بخوف: أبي أين أبي؟؟
    لالاتخافي لقد خرج باكرا ،أخذ حقيبته وبعض ملابسه .


    نعم هيا بسرعة قومي
    من عندنا سامر، عبادة ؟؟ حسن سألحق بك بعد قليل .
    ،كانت شمس الصباح في ذلك الشتاء قد ظهرت بخجل شديد، تظهر فجأة فتشع دفئا ،ثم لا تلبث أن تخجل تارة أخرى،تغير رأيها ،تغطيها الغيوم السوداء وتعم السكينة المكان،، ضوء وسكينة،يا لأجواء وصباحات الشتاء الرائعة ،خاصة عندما تكون دافئة .
    دق قلبها فرحا بقدوم عبادة ،يومين متتاليين ،وسامر في منزلنا ، يا لحظ العاشقين الصغير!
    جلس سامر وعبادة على تلك الكراسي،جلست شمة مع أختها فضة :كانت صفاء لا تزال ترحب بهم ،بينما عيون سامر تسأل، تبحث بصمت ،أين أنت ؟؟هيا اظهري ،ألا تريدين السلام على أخيك عبادة؟؟
    تعالي يا لمى ،أيها الملاك العذب، تعالي وأنيري دربي وقلبي والمكان،كان قلبه يناديها ، يصيح فرحا ،جاء يوم آخر يا لمى، لا زلنا معا، ولن يفرقنا جواد.
    كانت فضة قد جهزت مناقيش الزعتر والجبنة النابلسية اللذيذة وطلبت من صفاء عمل الشاي.
    توجهت صفاء للمطبخ ، خرجت لمى من الغرفة ، قبلتها شمة وفضة، احتضنها عبادة طويلا طويلا، تبادلا نظرات عميقة عميقة جدا ،بدون كلام رفع عبادة حاجبة ، ردت لمى لقد خرج، ولا ندري الى أين ، وأخذ معه مجموعة من الملابس ،
    ردت شمة بثقة: لا بد أنه الجو الجديد ،هذه عادته وديدنه ،لكنه سيعود .
    رد سامر بعصبية: حتى لو عاد لن نستسلم أقصد ،لن تستسلم لمى أليس كذلك ؟؟
    اقترب عبادة من لمى التي كانت تضحك من كلام سامر ،
    كان صباحا جميلا نديا ، ،
    عادت دورة الحياة من جديد في حياة لمى ، غاب جواد أسبوعا كاملا، في تلك الفترة، كان عبادة وسامر ،كل ليلة مع لمى يتبادلان أطراف الحديث والضحك، يفتحان قلوبهما للمستقبل الآتي ،
    في ذلك المساء الذي قررت به شمة العودة لقريتهم ، شعر سامر بحزن شديد تمنى لو أن الأيام تتوقف ويظل عبادة و هو في منزلهم،
    في تلك الليلة ، كانت الأم صفاء قد جهزت طبقا دسما للعشاء، مسخن فلسطيني ،والذي يشتهر به سكان فلسطين ،
    وضعت صفاء السفرة على الأرض كعادة أهل الأردن ، كانت رائحة زيت الزيتون والدجاج المحمر ،وخبز الطابون ،والذي غطته بكمية كبيرة من اللوز المحمص والسماق والبصل ، رائحة جميلة ومنظر أجمل ، صفت بجوار المسخن أطباق صغيرة من اللبن الرائب (الزبادي) تحلق الأولاد مع الضيوف حول الطعام ، والسعادة تغمرهم ، دارت أكواب الشاي الزجاجية الحمراء المنكهة بالمرمية اللذيذة ،بعد تناول طعام العشاء ، لا زال سامر وعبادة ولمى يتسامرون ويضحكون ، فسامر يدرس في جامعة اليرموك ، وأخبار الجامعة تثير رغبة لمى بالحياة ، وعبادة استقر هناك بقريتهم الجبلية وقد من الله عليه بمحل لبيع الخضار والفواكه .
    اقترب عبادة من لمى قائلا : لمى حبيبتي سنسافر غدا وسأتركك، قد يعود والدي في أي لحظة ،كما تعرفين هو لا يحب مجالستي ولا الحديث معي ، إنه يهرب دائما مني ، وكما ترين مذ جئت هنا ،غادر المنزل ولكني متأكد من عودته ، فماذا ستفعلين ؟
    سكتت لمى ، خيم الصمت المبهم على المكان، نظر اليها سامر بحزن شديد وكأن حياته معلقة بكلامها ؟
    لا تقلق سأتدبر امري ، لن أستسلم .
    أرجوك كوني كما عهدتك ،عرفتك، لمى القوية، لا تظهري ضعفك لوالدي ،حتى لو كنت ضعيفة، لا تستسلمي حتى لو أردت،أليس هذا كلامك لي، عندما قطعت يدي ، لا تجعلي من نفسك أضحوكة ،لا تستسلمي لأنك لو فعلت ذلك ،لن تفقدي حياتك فقط ، بل ستفقدين نفسك ، قلبك، روحك ، وتلك أثمن ما في الحياة أليس هذا كلامك لي ؟




    الجزء الثامن :شمة زهرة جمبيلة
    نظرت لمى لعبادة بعمق شديد ،عادت بالذاكرة لتلك اللحظة حيث طردتها خالتها شمة من غرفته ،كأنها تطردها الآن
    اخرجي اخرجي من حياتنا أيتها الحية الرقطاء ، اخرجي أنت وأمك ،انفثي سمومك بعيدا عنا ،،
    وهنا نظرت لمى لخالتها شمة وهي تتبادل أطراف الحديث مع أمها وتضحك، ضحكة صافية جميلة كالأطفال تماما،وجهها يضج بالحياة رغم كل المآسي التي مرت عليها والتي زادتها صلابة، هكذا هي شمة تلك الزهرة الجبلية الشامخة ،هي ليست تلك المرأة التي طردتها ،
    في تلك اللحظة المشؤومة ،طردتها ، لكنها ،لم تعلق نظرت إلى خالتها شمة وكأنها تراها لأول مرة ، إمرأة جريحة مكسورة ، منهارة محطمة ، نزلت دموعها من عينيها تمنت لو أن جسمها يتضاءل فلا تراه خالتها حتى لا تثير وتزيد أحزانها، تمنت لو أنها تستطيع أن ترجع الساعات للوراء ،لو أن ما تراه خالتها شمة حلم مزعج ،عليها جاهدة أن توقظها منه،لكن هيهات هيهات
    خرجت لمى مقهورة تبكي ،دموعها على وجنتيها ،لم تكن تلك التي طردتها خالتها شمة، بل شخص آخر ،شخص لا تعرفه ،تراه لأول مرة، شخص مذبوح من الألم ،مقتول من الحسرة هل يقتل الهم والألم ؟؟،و كيف هي طريقته في قتلنا؟؟ كيف استطاع الألم والحسرة أن يقتلا شمة؟ الحكيمة الرائعة الصبورة ؟؟التي طالما أعجبت بها وبقوتها ،خاصة عندما أراها بثوبها الرائع ،و عمامتها السوداء كالملكة المتوجة ،لم تكن تتخيل أن تلك المراة ستنهار من الألم ؟ أي ذهبت تلك الشمة ؟؟بكت عليهما معا ، ذراع أخيها المبتورة ، خالتها شمة المفقودة .


    بعد حوالي عشر دقائق ،فتح الباب، مرة أخرى ظهرت شمة بكامل جلالها، أوه يا الهي ،لقد عادت شمة القوية ،نظرت إليها بعطف شديد، وحزن قاتل، تساءلت لمى: هل تريد أن تنقل حزنها إلي ؟؟خافت ،،دق قلبها بعنف نادتها :لمى حبيبتي تعالي ادخل ادخلي ، لا ذنب لك بكل ما حصل، تعالي ياصغيرتي ، علينا أن نصبر ونتحكم بألمنا ، عندما يأتي عبادة وقد قطعت يده .................. سكتت ....بكت... نزلت دموعها حارة حارة ،قالت بصوت ثابت :عندما يأتي عبادة ،وقد قطع جزء من يده، يجب أن نكون أقوياء ،عليه ألا يرى دموعنا أبدا ،بل ابتسامتنا ،الحمد لله ذهبت ذراعه، لكنه بقي لي ،بقي كله لي، هذا هو المهم يا لمى حبيبتي ،علينا أن نكون أنا وأنت أقوياء، لن تهزمنا تلك اليد المبتورة ،سكتت لمى، نظرت إليها مندهشة، من أنت يا شمة؟؟ أي امرأة حكيمة؟ من أين تأتين بكل تلك القوة والحكمة يا لك من امرأة جميلة ،حتى وأنت منكسرة!!
    احتضنتها ،قبلتها ،قبلت يديها، خالتي أنا أحبك كثيرا ،متأكدة أن عبادة ،سيقى عبادة الذي نحب ،هذا ما يجب أن يحصل !!
    ردت شمة :نعم صدقيني يا ابنتي، نحن من نخنار مصائرنا ،نحن من نقرر ما الذي سيحصل ،لن نجعل من حادثة بسيطة تدمر حياتنا ،هذا ما قلته عندما تزوج جواد بأمك ،قلت لنفسي يا شمة لن تجعلي من نفسك أضحوكة ،لن تهزمك تلك المرأة الجديدة ،لن أسمح لها بهزيمتي ،وفعلا لابد أن أمك حدثتك عني وكيف استقبلها بترحاب ، وأنا هنا أيضا لم أنهزم ،لن أجعل جواد يهزمني أبدا ،وذراع مبتورة تهزمني، سأستقبل عبادة بكل ترحاب ، ونستقبل كل من يزورنا كذلك،
    فتح باب الغرفة ، دخل عبادة على سرير أبيض وقد غطى الشاش يده المبتورة ،كان منظره على ذلك السرير مهيبا، عجيبا ............فراغ رهيب .......بجهة جسمه الأيمن،في الجهة الأخرى نامت يده اليمنى، بكل حزن واستسلام ،هل يشعر جسمنا بالألم والحسرة على بعضه البعض ؟؟شعرت لمى أن تلك اليد السليمة تبكي بحرقة على شقيقتها على ،وحدتها ،على المسؤولية الملقاة عليها ،كان عبادة رغم أنه نائم، يضغط بيده بقوة ويقول لالا ،،أريد يدي لا تقطعوها .
    اقتربت شمة منه، قبلته ،مرت بيديها على جبينه ، تتحسست ذلك الشا ش الأبيض ،تحسست يده الثانية، دموعها تنهمر بغزارة قالت:أيتها اليد المخلصة ،حمدا لله على أنك بخير ،عظم الله أجرك بشقيقتك التي بترت، والله ان الحزن يملأ قلبي عليها مثلك ،لكنه قضاء الله ،وكل الخير بك،لثمتها ،وكأن تلك اليد تسمعها ،احتضنتها كطفل صغير .
    بدأ عبادة يستيقظ من البنج، حرك قدمه ،فتح عينيه ،نظر لأمه أقبلت عليه ،قبلت ما بين عينيه ،حبيبي عبادة ،حمدا لله على سلامتك .
    رد بسرعة:أمي هل جاء أبي ؟؟ هل أنا بخير ؟؟
    ردت بلهفة: نعم أنت بخير .
    نظر بحسرة لذراعه، هل قطعوها ؟؟ألم يحضر والدي؟ لم قطعوها ؟؟لقد ذهبت لمى لإحضاره أليس كذلك يا لمى؟؟ألم يحضر والدي؟؟ لم قطعوها ؟؟
    ضمته شمة، احتضنته،أخذت تبكي ،وتبكي، عبادة ،اهدأ يا حبيبي .
    اقتربت لمى منه، قبلته قبلت يده السليمة ،حبيبي عبادة أنت بخير، بقوة
    صرخ بألم : لقد قطعوا يدي يا لمى، قطعوها قطعوها ،أنا بلا يد الآن!!
    ردت لمى :أنت بخير،أنت عبادة القوي الذكي،أنت لست يد يا عبادة ،قوتك ليست يدك، قوتك بعقلك عبادة ،بإرادتك، بعزيمتك،،إن ذهبت ذراع،فلديك أخرى ،ولديك عبادة، لا تستسلم يا عبادة ،كن قويا مثلما عرفتك دائما .
    سكت، تنهد قويا، لقد حطمني والدك،
    لالالا همست لمى ،ووجهها قد غرق بدموعها، لالا لا تسمح لأحد أن يحطمك، حتى لو كنت محطما، لا تسمح لأحد أن يهزمك ،حتى لو كنت مهزوما، لا تسمح لأحد أن يسلبك إرادتك حتى لو قطعت يدك ،
    ردت شمة :عبادة حبيبي، سيأتي والدك الآن، لا تبكي قهرا حتى لو كنت مقهورا ،لا تجعله يرى دموعك ، كن قويا كن عبادة.
    ليتني أستطيع ،ليتني استطيع، لقد فقدت يدي، وأنتم تقولون كن قويا؟؟يدي؟؟
    لمى:فقدت يدك؟؟ لكن عقلك معك، لم تفقد إرادتك،
    رد عبادة ما أن سمع كلامها، حتى نام مرة أخرى
    اقتربت شمة من لمى وقالت :شكرا لك يا ابنتي ،شكرا على كل شيء لن أنسى لك هذا الموقف، كوني دائما قوية ،فالحياة لا تحترم إلا الأقوياء ! كانت تلك العبارة التي لن تنساها لمى أبدا .
    نظرت لمى لشمة تلك المرأة القوية، مهما حصل سأبقى قوية مثلك ،، لن أستسلم ،


    في الصباح كان الوداع مؤثرا جدا ، فجأة عم الهدوء المكان ، ودعت لمى عبادة وخالتها شمة بعيون مليئة بالأمل بالحب بالإرادة ،

    استعد الأولاد للذهاب للمدرسة ،تتقدمهم لمى ، فجأة فتح باب المنزل، وكان جواد ،نظر للمى نظرة احتقار شديدة ، صرخ أين أمك ؟؟صفاء صفاء.
    جاءته مسرعة : حاضر ،حاضر.
    صرخ :لمى هيا عودي للغرفة بسرعة،جهزي ملابسك الآن ،
    صفاء جهزي لي بعض الملابس، وساعدي لمى بتجهيز حقيبتها سنسافر الآن، أنا ولمى ،الآن هيا بسرعة ...
    يتبع

  10. #10
    الصورة الرمزية الهام بدوي
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2010
    المشاركات
    64

    رد: رواية: عريشة العنب

    الجزء الثامن:
    نظرت لمى لوالدتها وهي ترتب ملابسها البسيطة في تلك الحقيبة الجلدية القديمة ، تساءلت ما سر استسلامك ، هدوئك العجيب، أهو الرضى الذي تكلمت عنه خالتي شمة ، كم أحزن عليكما ، أم أحزن على نفسي المتمردة
    ،هل أقول
    دع الأيام تفعل ما تشاء .. وطب نفسا بما فعل القضاء ..........
    .ولا تحزن لفاجعة الليالي ...........فما لحوادث الدنيا بقاء ................
    .ولكن كيف يمكن تحقيق هذه المعادلة الصعبة ؟
    يا شافعي؟؟ أليست الأيام هي أعمارنا ، حياتنا ،حسنا سأطيب نفسا بما فعل القضاء ، ولكن بعد أن أقرر ماذا أفعل؟نحن من نقرر حياتنا ، أنا من أقرر ، وليس جواد ياأمي ، يا خالتي شمة ،والله يفعل كل الخير وما يشاء، شعرت بحماس شديد، براحة ، ذهب الخوف عن قلبها تلاشى، اقتربت من أمها قائلة :إلى أين سنسافر برأيك؟؟
    سكتت صفاء ، كانت تعرف أين ؟؟إلى تلك القرية الجبلية الغافية هناك في جبال عجلون ، مسقط رأس أبيها ، حيث فاطمة ، ومحسن، حيث عبادة وشمة ،
    ردت دون أن ترفع عينيها : أعتقد قرية والدك ،سكتت صفاء ، أخذت تعبث بيديها بحركة لا شعورية تربت على الملابس، تنفض الغبار عنهم، قد يكون هناك ما يريده والدك أيضا.
    خرجت لمى وبيدها حقيبتها ـ، اقترب منها جواد قائلا: لمى لا أريد مزيدا من الفضائح ، والاعتراضات ، لقد فهمت جيدا ما أريد، وعليك تنفيذه، صدقيني ستكونين سعيدة .
    سعيدة ؟ حقا، نظرت إليه تكلمت بعيونها ، ما أدراك أنت بسعادتي ،سعادتي أم سعادتك!! ،خنقت تلك الأفكار ،وأعقبت : لكني أريد إكمال دراستي يا والدي ، ومحسن شخص جاهل لم يستطع أن يكمل حتى الابتدائية!!
    نعم لكنه رجل رائع، أنا أفهم بالرجال جيدا ، اسمعي كلامي ولن تندمي أبدا !
    نظر إليها بعينين قويتين تحملان إصرار ، عزما ، تبرقان بفرحة الانتصار،
    تنهدت صفاء ، نظرت اليهما وقالت لقد انتصر، كعادته دائما ،ينجح بالحصول على ما يريد ، كيف لا أعلم !لكنها نظرت له بنفس النظرات القوية ،متسائلة ،وكأن جواد سمع تلك الأسئلة ، فحرك عينيه بعيدا عنها ، هيا هيا بنا حتى لا نتأخر بسرعة !
    تبسمت لمى من حركة هروب عينيه ، هذه أول مرة تشاهد والدها خائفا من نظرة عينيها الصامتة، يا إلهي إنه رجل يمكن قهره بنظرة ،
    ركبت تلك السيارة القديمة ، تحمل همومهم ،أحلامهم، بدأت الشمس ترتفع في كبد السماء، نظرت لطالبات المدارس ، لم تشعر بحسرة ، قالت سأعود مرة أخرى وسأرتدي ذلك المريول الذي أعشق، لن أدعك تحرمني منه،
    بدا في البعيد جبال عجلون العالية خضراء وجرداء ، بساتين وحقول الزيتون، الأخضر ، وجه السماء في غاية الروعة غيوم تنقشع ليأتي بعدها غيوما أخرى، يا لمسيرة الحياة التي لاتنتهي ، تعلمي يا لمى من تلك الغيوم، إن كنت قوية ، لن يهزمك أحد ،فهناك دائما فرص عديدة والسماء تتسع لجميع تلك الغيوم، التي تتزاحم في فصل الشتاء، وكل أرض تشتاق إليها ، وكل سماء تفتح ذراعيها لها ، إلعبي أيتها الغيوم ففصل الشتاء هو فصلك، إمرحي أيتها الرياح فأنت ملكة شتوية مجللة مكرمة، وكذلك أنا ، إمرح والعب يا جواد فقوتي معي ، وسمائي واسعة ولن أعدم الحيلة، وإن سقطت مرة ، فلأقوم مرة أخرى، لن أركع لك كما شمة وصفاءـ نظرت لأبيها بالسيارة وقد ركب شخص بجواره ، وأخذا يتبادلان أطراف الحديث وبسرعة البرق استطاع أن يسيطر على الجو، بسفره الدائم، بشخصيته الآسرة ، بثقافته الواسعة، قراءاته المتعددة المشارب ،حتى لمى أخذت تستمع له بانتباه شديد،أعجبت بأفكاره الثورية، انتمائه للملكية الأردنية ، وحبه الشديد للناصرية، كره الشديد لليهود ، وعشقه وإخلاصه للجيش الآردني الذي ينتمي إليه، شخص يعرف ماذا يريدبالتحديد.....ولكن من يستمع له يضيع !يتوه!.لكن بإعجاب شديد وانبهار!!.....
    قال جواد للمى: يا إلهي يا لمى ،،ذكرني هذا المشوار بأول مرة جئت بها إلى قريتنا، وكانت معي أمك ، كنت أحمل سعادة الدنيا كلها بين ضلوعي ، وانا الآن كذلك ،،،،،ونظر إلى جبال عجلون العالية بفرح كبير يتعجل سعادته القادمة ، نظرت لمى أيضا بقوة وثبات ضمت شفتيها وتنهدت.
    هاي هي الآن تجلس في غرفة كبيرة بمنزل خطيبها المزعوم محسن ، والدها كلأسد الهصور ،أحضر معه غنيمة مميزة، فخور بها ،سلمها للعيون الجائعة ، تريد أن تهش لمى، من أنت التي يصر محسن على الزواج منك،من أنت يا ابنة هذا الرجل العظيم جواد، اقتربت امرأة كبيرة بالسن منها ذكرتها بخالته شمة ، سلمت عليها ، احتضنتها ، توالى قدوم النسوة الجبليات للسلام أم للنظر وتناول تلك الوجبة الدسمة ،
    اقتربت منها فاطمة، أخيرا جئت يا لمى ، لقد استطاع جواد اقناعك، إنه شخصية ساحرة ،
    جلس الجميع ، خيم الصمت على المكان، تكلمت العجوز، أرجو أن يكون قدومك قدوم خير على منزلنا وعلى ابني محسن، وأن يعوض الله ابنتي فاطمة خيرا بزواجها من جواد،
    تم وضع الطعام ،قدمت صحون كبيرة مليئة بالأرز و قطع اللحم الكبيرة الناضجة برائحتها الزكية ، وقد نثر فوقها حبات اللوز المحمص والبقدونس، وبجوارها وضعت صحون عميقة ملئت بالجميد الأبيض الدسم ،بدأت ترتفع أبخرة الطعام عاليا ، فالجو بارد جدا ، وهناك في طرف الغرفة ، منقل نحاسي كبير ،رصت فوقه جمرات الفحم الحمراء، فعلا كما قالت العرب النار فاكهة الشتاء، يشع جو من الهدوء والسكينة الغرفة،ما مصدره ؟؟لا تعرف، اهي جمرات الفحم الحمراء التي تبعث الدفء والخدرفي العقول، ام سعادة تلك المرأة العجوزبتحقيق احلامها دفعة واحدة، كيف يجتمع تحت سقف واحد آلام وأحلام منهارة،أفراح وأماني محققة، بفرح شديدقالت العجور للمى : ، تفضلي ، هيا يا لمى ، المنزل منزلكم ، أهلا بكم .
    اقتربت لمى من الطعام، لا تريد أن تأكل ، لكنه الجوع ، والرائحة اللذيذة، سآكل ، وسأنتصر.
    تسابقت العجوز وابنتها فاطمة بوضع الطعام للمى ،دارت كؤوس الشاي برائحة النعناع الجميلة ، فشربتها الأفواه العطشى ،ثم وضعت صحون كبيرة ملئت بفاكهة الشتاء اللذيذة ، تلقفتها الأيدي بسرعة كلهم يأكلون ويشربون والحياة مستمرة ، تذكرت الغيوم في السماء، غيوم تأتي لتذهب أخرى ، وهكذا الحياة على الأرض، لكني غيمة غريبة، ومكاني ليس هنا، ترحبون بي، تطعموني ، لكني لن أمطر هنا أبدا !!
    اقتربت منها العجوز وبيدها قلادة ذهبية ، حملقت نساء العائلة كلها بتلك القلادة الكبيرة الثمينة ، أصرت العجوز الطيبة على ان تلبسها للمى !!طيبة هذه العجوز، يا إلهي ،هل ضعفت، تأثرت ؟؟لالالا لن ينتصر علي جواد أبدا ،
    ضحكت ،شكرت العجوز ،رفضت بأدب،أصرت العجوز بحب ، أضافت قائلة: والله لو ألبسناك ذهب الدنيا لن نوفيك حقك يا ابنتي ، محسن ابني العزيز الغالي، أرجو أن يعوضه الله بك !
    يا إلهي هذه الحملة تكررت للمرة الثانية ؟؟ما الأمر ؟؟
    ابتسمت النساء ،وفجأة ارتفعت الزغاريد !! لقد جاء الشيخ لعقد قران لمى وفاطمة ، محسن وجواد، دق قلبها كيف سيعقد؟؟ كما في أربد؟؟ هل سيستدعوني؟؟
    بعد دقائق مرت كدهر طويل، عم الصمت على الجميع ، فجأة جاء أطفال صغار يصرخون ، مبروك عمتي فاطمة مبروك ، ارتفعت الزغاريد مرة أخرى عالية جدا ، صارت ترى أفواه مفتوحة، اسنان كثيرة تكشر ام تضحك سيان عندها ، شعرت أنها فوق لقد صارت غيمة مرة أخرى ، ما علاقتي بتلك الزغاريد، يا إلهي تلك الغيمة التي صعدت لأعلى هي روحي مرة أخرى تخلت عني ، أين أنا ؟؟ ماذا أفعل هنا ، لمى... لمى... أين أنت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟أين أنت ، أين لمى ؟؟ من التي تجلس هنا ، تتلقى التهاني والقبلات ؟؟ من ؟؟ إنها أنت ،عودي لصوابك هيا عودي !!!
    تقدمت العجوز مرة أخرى ، أمسكت بيدها أعطتها رداء أسودا فاخرا جدا ، طرز بخيوط ذهبية من القصب الثمين ، كان من القطيفة الرائعة ، هيا حبيبتي ادخلي الغرفة وارتدي ذلك الثوب ، أنت جميلة جدا طولك الفارع ، وجهك الجميل الذي لا يحتاج أي شيءمما تضعه النساء في التلفاز، هيا حبيبتي البسي هذا الثوب وزيديني فرحا وسرورا !!
    تحركت لمى ، أمسكت بالثوب، قبلتها المرأة ، بحرارة شديدة ، جاءت فاطمة مسرعة مسرورة ، هيا حبيبتي ، تعالي لتري غرفتك ، الجميلة ،
    توجهت لمى مع فاطمة والتي تكاد تطير من الفرح، أخذت تهمس بإذنها :شكرا لك يا لمى ألف مبروك ، صدقيني لن تندمي أبدا ، أخي محسن رائع طيب، وسيسعدك، أما جواد ،أحمر وجهها سكتت ، يا إلهي ماذا أقول، رجل راااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائ ع .
    رفعت لمى عينيها إليها ،رااااااااااااااااااااااااااااائع جدا، لم تكن تشعر بشيء، استسلمت لقدرها ، دخلت الغرفة ، كبيرة جدا ونظيفة، هناك خزانة نحاسية صفراء كبيرة بستة أبواب ، وبجوار تلك الخزنة سريرنحاسي كبير وضع عليه لحاف أبيض اللون كعادة أهل الريف، ساعدتها فاطمة في ارتداء الفستان الجميل ، أشرق وجهها بشكل كبير، بدت كعروس أسطورية ، مشطت فاطمة شعرها الناعم الأشقر الجميل، نظرت لعينيها ، تريد وضع قليل من الكحل الأسود، ضحكت فاطمة وقالت، لقد أحضرت لك علبة مكياج حديثة مثل أهل المدن، ظلال عيون وأحمر شفاه ، فتحت درجا صغيرا وأخرجت منه تلك العلبة، هيا حبيبتي ضعي منها ما تشائين ، رغم أنك لا تحتاجين لها ، ضحكت ،،
    أخذت لمى العلبة، فتحتها ، نظرت إليها ، تناولت فرشاة صغيرة، وضعت قليلا من الظل فوق عينيها الزرقاوتان الجميلتان، نظرت جيدا في المرآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآة ، من أنا ؟؟ أين لمى؟؟
    أكملت فاطمة المهمة، خرجا معا بعد أن ارتدت فاطمة أيضا ثوبا فاخرا ،
    زغردت النساء مرة أخرى، كبرت المرأة العجوز هللت صلت على رسول الله ، قالت أدعية كثيرة جدا ، سمعتها لمى جيدا، ولكن كل تلك الأدعية لي للمى؟؟
    بدأت النساء ترقصن وارتفع صوت الغناء، السعادة الكبيرة تملأ المكان ، متى ينتهي كل هذا ويحضر والدي لخوض معركتي؟؟
    يبدو أن جواد هناك ، بالبعيد، لالالا سيحضر لابد أن يحضر ليرى فاطمة ،، حبيبته .
    وفعلا مرت ساعات طويلة بدت كدهر، لكن لمى انتظرت بثبات عجيب، وهدوء غريب، ابتسمت كما أمرتها أم محسن، رقصت كما أمرتها فاطمة ، كانت كالحمامة المذبوحة، روحها هناك تحلق بالبعيد في سقف الغرفة، كلما نظرت إليها ، شعرت بسكون عجيب، وهدوء، واطمانت أنها لا تزال على قيد الحياة ، جسدي ينفذ ما تريدون ، لكن روحي قلي عقلي، ملكي أنا ،
    انصرفت النساء بقدوم الليل، بعد تقديم التبريكات ، دخل جواد ومحسن ، كفرسي رهان ، دخل جواد أولا، منتشيا ، مغرورا ، سعيدا ، كالملك المتوج، اقترب من لمى قبلها مبروك حبيبتي ، ألف مبروك ،تقدم من فاطمة، قبل ما بين عينيها ،شعرت بخجل شديد ، وفخر أشد،أمسك بها من كتفيها أمام والدتها ، قبل يديها بعمق، رفعهما عاليا ،أرجو أن تكون حياتنا كلها سعادة، ثقي تماما بذلك، يا لك من داهية ، هكذا ـتأسر قلوب النساء يا أبي، كادت فاطمة أن تذوب خجلا، تكاد لمى أن تسمع دقات قلبها ،لقد نجح بالسيطرة عليها تماما كما شمة وصفاء،والآن فاطمة!!.
    ارتفع صوت دعاء الأم: جواد أيها الغالي ،جعل الله أيامك كلها بركات ،وكرم ،كما أكرمت ابنتي يا رب!
    في البعيد يقف محسن ، بكل خجل ، خوف، نادته أمه هيا محسن ،سلم على خطيبتك ،
    اقترب ببطء شديد ، لم يرفع عينيه ، أعقبت إمه :إرفع عينيك ، أنظر لخطيبتك !!
    فجأة عادت روحها إليها بقوة ، دق قلبها ، خطيبتك!! وليس زوجتك!!هناك دائما أمل وسماء جديدة ، نظرت إليه بقوة وجرأة ، عادت لمى التي تعرف، هيا تعال يا محسن ، قالت له ذلك بعينيها ، بسخرية واضحة، شعر بها والدها فورا
    صرخ على محسن:محسن ما بك، إقترب من لمى سلم عليها !هيا هيا !
    دق قلب لمى ، في كل معركة هناك جواد !!!................يتبع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML