نشأة اللغة العربية وتاريخها المتميز
اللغة العربية هي إحدى منظومة اللغات السامية ، وهي أحدثها نشأة وتاريخاً . ويرى بعض الباحثين أنها هي الأقرب للمصدر ، وأكثر اللغات السامية نقاءاً ، وذلك لاحتباسها في جزيرة العرب ، فلم تتعرض لما تعرضت له باقي اللغات السامية من اختلاط أو تحور أو تبدل أو انقراض أو ذوبان في لغات أخرى .
• ومن اللغات السامية المعروفة ، اللغة الارامية لغة المسيح ابن مريم عليه السلام ولغة الإنجيل المقدس . وكذلك العبرية لغة اليهود ولغة التلمود ، واللغة الامهرية لغة بلاد الحبشة القديمة . وقد ماتت الارامية، وماتت العبرية ، وتحورت الامهرية بصورة كبيرة بحيث انطمست معالمها الرئيسية حتى غدت في عصرنا الحاضر ابعد ما تكون عن الأصل . ولكن العربية لم تتبدل ولم تمت .
• أما فيما يختص بنشأة اللغة العربية ، فان المصادر المختلفة تعطي تفسيرات مختلفة لذلك. فبعض قدامى اللغويين يذهب إلى القول بان يعرب كان أول من أعرب في لسانه ، وتكلم بهذا اللسان العربي المبين، فسميت هذه اللغة باسمه .
• ويرى البعض الآخر أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام كان أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة وهو ابن أربع عشرة سنة ونسى لسان قومه من جرهم .
• ولكن نظرية نشأة اللغات لا تؤيد أياً من الفرضيتين السابقتين ؛ إذ المعلوم أن اللغة هي عبارة عن نظام تواصل اجتماعي ينشأ عفواً من خلال تفاعل أفراد المجموعة اللغوية المعينة ، وتستغرق المسألة سنين عدداً وربما قرون لينشأ ويتطور نظام تواصل شفهي متكامل يطلق عليه اسم اللغة . وهذا الأمر لا ينطبق على أي من التفسيرين الذين سبق الإشارة لهما .
• أما إذا صح القول بأن أول من نطق بالعربية وفُتق بها لسانه كان إسماعيل عليه السلام وهو ابن أربع عشرة سنة ، فان الأمر لا يعدو أن يكون معجزة إلهية أجراها الله على فم ذلك البني العظيم ، ولتبقى العربية معجزة ظاهرة باقية إلى يوم الدين .
• ترجع أقدم الآثار الموجودة عن اللغة العربية إلى الألفية الثانية قبل الميلاد ، حيث وجدت نقوش في بلاد اليمن تحمل العديد من العبارات العربية الواضحة ، وذلك مثل ما وجد على احد الشواهد هناك "هَذا القَبرِ لإِمريِ القَيسِ" طبعاً دون نقاط لان النقاط أضيفت إلى نمط الكتابة العربية في مرحلة متأخرة جداً من تاريخ تطور اللغة العربية. ومن هذا الشاهد الذي يبلغ عمره أربعة ألف سنة يمكن القول بان اللغة العربية تكاد تكون واحدة من أقدم اللغات المكتوبة الحيَّة أن لم تكن الأقدم على الإطلاق .
• يميز الباحثون في تاريخ اللغة العربية بين لهجتين أساسيتين في اللغة العربية هما : لهجة عدنان وهي السائدة في شمال الجزيرة العربية ، ولهجة قحطان وهي المتداولة في جنوب الجزيرة وبلاد اليمن . واللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم تنتمي إلى لغة عدنان ويسميها البعض لغة مَضر ، وبعض المتأخرين يسمونها لغة قريش . وهذا الرأي الأخير رغم شيوعه وتبنيه من قبل الكثير من الباحثين ، لا يتفق تماماً مع نظريات علم اللغة الاجتماعي ، فما هو متاح من مصادر يؤكد أن الفصحى التي انزل بها القرآن الكريم ، هي لغة معيارية تجمع مكونات من لهجات عربية مختلفة وان غلبت عليها مسحةً قرشيةً ظاهرة.
• فإن صحت هذه النظرية أو تلك فإن مما لا شك فيه أن اللغة العربية قد مرت بأطوار مختلفة حتى بلغت قمة نضجها قبيل بعثة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.
• وبحلول القرن السابع الميلادي يجد الباحث نفسه أمام ظاهرةٍ لغويةٍ فريدةٍ ، ولغةٍ مكتملةٍ مبنى ومعنى ، وجاهزةً تماماً لحمل تكاليف الرسالة الخاتمة الموجهة للناس كافة عربهم وعجمهم سواء ولتبقى على مدى الأزمان لساناً ناطقاً برسالة التوحيد وشرائع الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
• ثم انداحت العربية مع فتوحات الإسلام لتبلغ أقاصي الكون المعروفة في ذلك الزمان ، لتكون اللسان الرسمي للدولة الإسلامية الممتدة من بلاد الصين شرقاً إلى بلاد الأندلس غرباً ، ولتكون لغة التواصل والتعامل والتجارة على جانبي البحر المتوسط ولتقبل الشعوب التي دخلت تحت راية التوحيد لتتبنى اللغة العربية طوعاً واختياراً . فهي لسان دينها الجديد ، الذي أخرجها من ظلمات الجهالة وغياهب الضلالة إلى نور الإسلام واستقامة الإيمان .
• وهنا لا بد أن نشير إلى أن اللغة العربية حلت ببيئات معمورة يتكلم أهلها بلغات غير عربية مثل لغات الفرس ، والرومان والأقباط وغيرها من اللغات السائدة في ذلك الزمان . والعربية رغم سيادتها إبان دولة الإسلام لم تسع لطمس تلك اللغات أو
تحقيرها بل أثرتها وأضافت إليها . حيث استعارت كثير من لغات الشعوب الإسلامية مفردات عربية كما استعارت أنمطها الكتابية من العربية .
• ثم نشأت لهجات عربية محلية من اللغة العربية المعيارية السائدة في تلك البقاع ، وظلت اللغة العربية الفصحى أو اللغة المعيارية ، تمثل القاسم المشترك الأعظم بين متحدثي تلك اللهجات . فاللغة العربية الفصحى هي لغة العبادة والسيادة والمعاملات الرسمية والفقه والعلوم ، والى جانب ذلك يستخدم الناس لهجاتهم المحلية للتعبير عن مقاصد حياتهم اليومية نثراً وشعراً في اتساق وتناغم عجيب مع اللغة الفصحى .
وظلت الفصحى محفوظة بحفظ الله للقرآن الكريم على مر الزمان
لم تتغير ولم تتبدل ولم تمت ولن تمت.