صباح الخير ياااااااااااااااااااا أنتم
احذر الأخطاء القاتلة
م/ وائل عادل
كان يلبس أفخر الثياب.. بذلة في غاية الأناقة، وحذاء براقاً، وربطة عنق منسجمة مع ألوان ثيابه… أما عطره فكان جذاباً بحق… لكنه لم يجذبني مثلما جذب انتباهي عيب باد في مقدمة بنطاله.. همست في أذنه: "السوسته" مفتوحة..
تغير لون الرجل، شكرني معيراً إياي ابتسامة قصيرة لم تصلني، فقد بدأ يتلفت يميناً ويساراً… ترى هل رآني أحد غيره؟؟!!… كان هذا هو السؤل الذي يُزعجه.
بدأ يرفع "السوسته" وقد أقنع نفسه أن أحداً لم يلحظ الأمر، وها هو الارتياح يعيد تلوين وجهه باحثاً عن لون جلده الطبيعي، إلى أن تجمد فجأة عند اللون الأحمر، لقد كُسرت "السوسته" في يده دون قصد بعد أن كادت تغلق منفذ الإزعاج لديه، تداعى العرق على وجهه، أمسك "السوسته" المكسورة ينظر إليها في ذهول، فهو لا يصدق ما حدث… بدأ يتلفت حوله، يا لها من لحظات عصيبة!! فمنزله يقابل المحل، لكنه يشعر أنه يبعد مسافات طويلة، قرر أن يبدأ رحلة الهروب من أعين الناس إلى البيت، أيقظ إحدى المجلات النائمة على الرفوف منتزعاً إياها، وأمسكها بيديه ليغطي موضع "السوسته" حتى لا يحملق فيه شخص فضولي.
كم أزعج هذا العطل الفني في "السوستة" صاحبنا الأنيق، لقد جعله يغير مسار رحلته ليطير إلى البيت، لأنه يدرك أننا أحياناً نضطر إلى ترك كل الإيجابيات والنظر فقط إلى السلبيات، حتى وإن قل عددها الكمي، لأن التأثير النوعي أشد وأبقى. فالحائط الأنيق إن لوَّثَته بقعة الدهان ننعته "الحائط المبقع"، ولا أظن أننا نتساهل مع العامل المهمل إن قال: "انظروا إلى النصف الملآن من الكوب"، ربما صببنا هذا النصف على رأسه حينها!!
وكلما ازدادت الفخامة كلما تغير وعينا بالقصور. فربما ترى متسولاً في الشارع فلا تبالي كثيراً إن كان ثوبه يتلحف بالتراب، لكنك عندما ترى شخصاً أنيقاً سيلفت انتباهك زر مفقود في قميصه، أو ألوان غير متناسقة في ثيابه، أو خيط شارد عن نسيج بذلته. فما بالك إن كانت "السوسته مفتوحة"!! حينها ستلفت الانتباه رغم أنفك، وتتلاشى صورة الأناقة رغم أنه لم يغير ثيابه، وستختفي رائحة عطره الساحر رغم أنك استنشقته منذ لحظات، لقد اختزلْت قوته في نقطة ضعفه، وأناقته في إهماله "السوسته". وإذا استمر حاله هكذا يوماً بعد يوم فلن يصفه الناس في حديثهم ب"الرجل الأنيق"، بل سيلمزونه "أبو سوسته مفتوحة"!!
وكلما ارتقت المؤسسات والمشاريع في المجتمع، وكلما تألقت وتأنقت؛ تكون في أشد الحاجة إلى التأكد من أن جيباً جديداً لم يغزُ بنطالها، من أن "السوسته" محكمة الإغلاق. مدركة أن بعض العيوب يُغتفر، وبعضها قاتل، بعضها يمر مرور الكرام، وبعضها يحملق الناس فيه.
وكلما ازدادت الأناقة في الأهداف كلما عظمت حساسية الناس اتجاه القصور في بلوغها، ووعي الناس بهذه الفلسفة ضروري جداً حتى لا يُخدعون بعطر نفاذ يطارد الهواء النقي، وربطة عنق قد تخنق أحلامهم.
وعلى المؤسسات أن تعي بدورها أن الجمهور لا يتغاضى عن كل الأخطاء بسهولة. ولا يتعامل مع الإيجابيات والسلبيات بلغة الحساب والأرقام، وبصره ليس بالضرورة موجهاً إلى ربطة العنق، بل أحياناً أسفل من ذلك بكثير. فالمجتمع الحضاري يأبى أن تسير المشاريع والأفكار في طرقاته و"السوستة مفتوحة".
والأحزاب والحكومات التي تبذل جهوداً لجذب الجمهور، ولا تزيده تلك الجهود إلا صدوداً وسخرية؛ فلتتأمل حالها قبل أن تتعجب… ربما تكون "السوسته مفتوحة".
أما الأمم التي تكالبت عليها أمم أخرى وصارت موضع إغراء لها فعليها أن تنتبه، ولا تتصور أن الحل في عتاب الخصوم.. "السوسته مفتوحة"..
وعندما يراودك شعور أن ثمة خطأ موجود، لكنك لا تدري ما هو؛ فلا تتجاهل شعورك، وابحث عن الخطأ بكل ما أوتيت من عقل، ولا تغرينك الإيجابيات، لأنك قد تكتشف أن الثياب في غاية الروعة… لكن"السوسته مفتوحة"!!
ولن تحتاج بعد اليوم أن تتكلم كثيراً، فإذا وجدت في مديرك المتعالي عيباً قاتلاً، فليرفع كل موظف على مكتبه لافتة "السوسته مفتوحة"، وإذا قررت ترك الشركة ولامك زميلك على تهورك وفقدانك المزايا، فحسبك أن تقول "يا عمي .. السوسته مفتوحة"، وإذا ما يئس شعب من الأخطاء القاتلة لحكومته؛ فلترفع الحشود الملتهبة لافتات "السوسته مفتوحة"، وإذا ما ضاقت البشرية بتجار الدمار الذين يتزينون ببهرجة الحضارة؛ فليهب بنو الإنسان في أرجاء المعمورة هاتفين"السوسته مفتوحححححححححححححة".
إلى كل صاحب "سوسته مفتوحة"… اركض يميناً أو يساراً.. اشغل الناس بصوتك العالي… تحدث عن رحلتك البطولية وكفاحك من أجل شراء ملابسك الأنيقة… لكن اعلم بعد كل ذلك أن المشكلة لم تُحل.. "السوسته مفتوحة".
قد يتشنج صاحب "السوسته" المفتوحة، صارخاً في العيون الناقدة، داعياً إياها إلى النظر بموضوعية، إلى القميص، البذلة، ربطة العنق، الساعة. يبدو لي أنه كلما ازداد حماسه في توجيه الناس للنظر في اتجاهات أخرى – دون أن يغلق "السوسته"؛ كلما وجدوا مبرراً لتثبيت عيونهم! متسائلين في دهشة بعد أن يَقْلِبوا رءوسهم.. من أين يفكر ذلك الرجل؟!
هم بعد ملطوش لعيونكم
اليوم يوم الطش العالمي