النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مقام الحيره // الغريب

  1. #1
    الصورة الرمزية Omani princess
    Title
    عضو شرف
    تاريخ التسجيل
    05- 2007
    المشاركات
    2,564

    مقام الحيره // الغريب

    ( من مقامات العشق والجنون )

    مقام الحـيرة

    * الغريب ..

    تعجب أهالي بلدتنا من رواية الزوجة الصغيرة. لسبب بسيط، وهو أن دكان الحاج حمودة البقال بعيدا عن الكوم العالي الذي يربض على الطريق المؤدي إلى خارج البلدة من الخلف. أين كان ذاهبا إذن ؟! وما الذي حدث له ؟! وما علاقته بالحارس الليلي ؟!. وقال قائلهم : يا عالم. الحكاية واضحة مثل الشمس. أفهموها يا بجم ...
    وترك الجميع ومضى .
    ولم يفلت شحاته من ألسنة السوء خاصة النسوة العجائز. قالت إحداهن بكلمات تخرج من فم أهتم: لابد أنه كان عندها ...
    ضحكت بقية النسوة في ارتياح ..
    يقول الراوي:
    والأمر ـ ياسـادة ـ لايحتاج إلى إيضاح أكثر من هذا . عند من قضى الليلة . جميلات . الأرملة المليحة التي تقيم بالقرب من الكوم العالي . ما الذي غير حاله ؟! لابد أنه شرب الدخان والمعسل والجوزة المعمرة ـ في دارها التي تقف بالقرب من الكوم ـ حتى فقد الوعي . سار في الطريق المترب المنحدر يترنح ، اصطدم بكلب نائم على التراب ، سقط على الأرض ، ظل يتدحرج حتى استقر في مكانه ، أسفل الكوم العالي .. ربما حاول الوقوف مرة أخرى ، فلم يستطع ولن تحمله قدماه إلى بيته .وظل هكذا طوال اللليل إلى أن عثر عليه ، صدفة ، حارس الليل ، صبحي أبو إسماعيل ..
    ـ استغفر الله العظيم .

    * * *
    ـ كل هذا يخرج من دارها .
    ياعيني عليك يامسكين !!
    عقبت المرأة الأخرى على ماسمعت بحزن ، كأنما تدين الأرملة على ما فعلت بالشاب المسكين الذي لم يحتمل قضاء ليلة واحدة في أحضانها .
    وقالت أخرى ترتدي الحداد، تقف بجوارها :
    ـ الباب مفتوح على البحري ، لكل من هب ودب ..
    * * *
    .. واحتار الأهالي في أمر هذا الشاب الطيب، وفي تفسير ما حدث له .هل كان ضحية الأرملة حقا ؟! خاصة وأن جميلات لغز من الألغاز الغامضة ، ولن يكون في إمكان أحدهم تفسيره أو حل طلاسمه ، فحياتها منذ مولدها ـ الذي يحيط حوله الغموض ـ حتى الآن ، شبه أسطورة . عندما تزوجت رحل زوجها ذات مساء عن القرية ولم يعد . قالت للجارات مسافر للعمل في البلاد البعيدة ، أين هي هذه البلاد يا جميلات ، أجابت ، عند عين الشمس . ولم يعرف الأهالي سر رحيله عن البلدة ، ولا أين سافر ؟ ومتى سيعود ؟
    نسى أهالي بلدتنا كل هذا في زحمة الحياة ، وكثرة مشاغلهم وأعمالهم اليومية ، وتفرغ كل واحد لأعماله وبيته وأولاده وزوجه وحقله ودوابه ، ولم يعد أحد يسأل عن الزوج الغائب .
    ذات صباح، وصباح بلدتنا لا يشرق على خير. سمعوا صياحا وصوتا وندبا. كان صادرا من ناحية بيت جميلات. فتحت الأبواب، أصاخوا السمع، اندفعوا ناحية مصدر الصوت. هناك، تساءلوا عن الأسباب. قالت وهي تنوح إن زوجها وبعلها وجملها، زينة الرجال. ماله؟ مات. أين مات؟! في البلاد البعيدة. ومن أخبرك بذلك يا جميلات؟! أجابت، جاءني مرسال الليلة الفائتة، وأخبرني بموته. وكيف نستطيع نقله من هناك إلى هنا؟! قالت، لقد دفن في البلاد البعيدة. أرض الله واسعة. عاش غريبا، ومات غريبا، ودفن غريبا !! آه، يا عزيز عيني ..
    فبدت الدهشة والحيرة على وجوه الحاضرين وظلوا صامتين ..
    قال الراوي في صوت مرتفع :
    والغريب ـ ياسادة ـ أن جميلات كانت تبكي بحرقة وألم ودموع !! وارتدت السواد. نعم. حدادا على المرحوم، وعقدت طرحتها السوداء حول رأسها كالحزانى والنادّبات خلف الجنائز. والسر. سر زوجها. مات ودفن معه. ولا أحد يعرف الحقيقة. الحقيقة التي دفنت في البلاد البعيدة، أصبحت غريبة عن الديار!! اعترض أحد الرجال على الحديث الدائر بين الجميع على مقربة من البيت متسائلا:
    ـ ومن أدراكم ؟! الحقيقة داخل جدران البيت ، نائمة .
    وقال آخر في حيرة :
    ـ كل الأشياء تحدث في البلدة ، لا نجد لها تفسيرا !!
    عقب أحد الشيوخ :
    ـ هذا زمن يتساوى فيه العارف وغير العارف .
    لوى الجميع أعناقهم في بلاهة ، وصمتوا ..
    * * *
    .. وانفجر شيخ الخفراء الطويل في وجه خفيره القصير ملوحا بذراعه : وأنت ، أين كنت عندما حصل كل هذا ؟!
    اجتمع الأهالي على صياح شيخ الخفراء وهو يرغي ويزبد والخفير يحاول الدفاع عن نفسه ، ويبحث عن الكلمات المتناثرة من فمه دون ترتيب لعله يجد الأسباب الكافية للإقناع دون جدوى. عندما تدخل الأهالي ، تم فض الشجار ، ومضى شيخ الخفراء . تنفس الخفير القصير الصعداء ، قال كأنما نوى على أمر ما : هذه المرأة لعنة . لن أتركها ...
    * * *
    ... ولكن الشيء الغريب ، ياسـادة ، أن شحاته المسكين عندما أفاق من الإغماءة . أخذ يهذي بكلمات قلائل ولغة غير اللغة وصوت ينبع من الداخل . ماهي ؟! لم تفهم زوجته الصغيرة منه سوى كلمتين اثنتين . نعم ، استطاعت حفظهما عن ظهر قلب وترديدهما فيما بعد أمام الجميع ، من الجيران والجارات .
    قالت " وجنات " : ظل يردد بلا وعي، وهو بين حال الصحوة والنوم ، والعرق يتصبب من بين ثنايا تقلصات وجهه الشاحب ، يضطرب من الخوف الذي بداخله ، وهو ينطق :
    ـ سكر . المطمر . سكر .. المطمر !!



    عبدالسـتار خليف *
    * كاتب وروائي مصري


  2. #2
    الصورة الرمزية هـــــــــــتلر
    Title
    نبض متألـق
    تاريخ التسجيل
    05- 2007
    المشاركات
    5,379
    قصة فيها من التشويق الجميل

    شكرا لك

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML