النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: همس الجنون

  1. #1
    الصورة الرمزية ahmed talaat
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    02- 2007
    العمر
    40
    المشاركات
    21

    همس الجنون


    ما الجنون ؟ !
    انه فيما يبدو حالة غامضة كالحياة والموت تستطيع أن تعرف الشىء الكثير عنها اذا نظرت اليها من الخارج أما الباطن أما الجوهر فسر مغلق وصاحبنا يعرف الآن أنه نزل ضيفا بعض الوقت بالخانكة ويذكر الآن أيضا ماضى حياته كما يذكره العقلاء جميعا وكما يعرف حاضره أما تلك الفترة القصيرة قصيرة كانت والحمد لله فيقف وعيه حيال ذكرياتها ذاهلا حائرا لا يدرى من أمرها شيئا تطمئن اليه النفس كانت رحلة الى عالم اثيرى عجيب ملىء بالضباب تتخايل لعينيه منه وجوه لا تتضح ملامحها كلما حاول أن يسلط عليها بصيصا من نور الذاكرة ولت هارة فابتلعتها الظلمة ويجىء أذنيه منه أحيانا ما يشبه الهمهمة وما ان يرهف السمع ليميز مواقعها حتى تفر متراجعة تاركة وراءها صمتا وحيرة ضاعت تلك الفترة السحرية بما حفلت من لذة والم حتى الذين عاصروا عهدها العجيب قد اسدلوا عليها ستارا كثيفا من الصمت والتجاهل لحكمة لا تخفى فاندثرت دون أن يتاح لها مؤرخ أمين يحدث بأعاجيبها ترى كيف حدثت ؟! متى وقعت ؟! كيف أدرك الناس أن هذا العقل غدا سيئا غير العقل ؟! وأن صاحبه أمسى فردا شاذا يجب عزله عن الآخرين كأنه الحيوان المفترس ؟!
    كان انسانا هادئا أخص مايوصف به الهدوء المطلق ولعل ذاك حبب اليه الجمود والكسل وزهده فى الناس والنشاط ولذلك عدل عن مرحلة التعليم فى وقت باكر وأبى أن يعمل مكتفيا بدخل لا بأس به وكانت لذته الكبرى أن يطمئن الى مجلس منعزل على طوار القهوة فيشبك راحتيه على ركبتيه ويلبث ساعات متتابعات جامدا صامتا يشاهد الرائحين والغادين بطرف ناعس وجفنين ثقيلين لا يمل ولا يتعب ولا يجزع فعلى كرسيه من الطوار كانت حياته ولذته ولكن وراء هذا المنظر البليد الساكن حرارة أو حركة فى قرارة النفس أو الخيال كان هدوئه شامل الظاهر والباطن الجسم والعقل الحواس والخيال كان تمثالا من لحم ودم يلوح كانما يشاهد الناس وهو بمعزل عن الحياة جميعا .
    ثم ماذا ؟ !
    حدث فى الماء الآسن حركة غريبة فجائية كأنما ألقى فيه بحجر .
    كيف ؟ !
    رأى يوما اذ هو مطمئن الى كرسيه على الطوار عمالا يملئون الطريق يرشون رملا أصفر فاقعا يسر الناظرين بين يدى موكب خطير ولأول مرة فى حياته يستثير دهشته شىء فيتساءل : لماذا يرشون الرمل ؟ ثم قال لنفسه : انه يثور فيملأ الخياشيم ويؤذى الناس وهم أنفسهم يرجعون سراعا فيكنسونه ويلمونه فلماذا يرشونه اذن ؟! وربما كان الأمر أتفه من أن يوجب التساؤل والحيرة ولكن تساؤله بدا له كأخطر حقيقة فى حياته وقتذاك فخال انه بصدد مسألة من مسائل الكون الكبرى ووجد فى عملية الرش أولا والكنس أخيرا والأذى فيما بين هذا وذاك حيرة أى حيرة بل أحس ميلا الى الضحك ونادرا ما كان يفعل فضحك ضحكا متواصلا حتى دمعت عيناه ولم يكن ضحكه هذا محض انفعال طارىء فالواقع أنه كان نذير تغيير شامل خرج به من صمته الرهيب الى حال جديدة ومضى يومه حائرا أو ضاحكا يحدث نفسه فيقول كالذاهل : يرشون فيؤذون ثم يكنسون ها ها ها !
    وفى صباح اليوم التالى لم يكن قد افاق من حيرته بعد ووقف أمام المرآه يهيىء من شأنه فوقعت عيناه على ربطة رقبته وسرعان ما أدركته حيرة جديدة فتساءل : لماذا يربط رقبته على هذا النحو ؟ ما فائدة هذه الربطة ؟ لماذا نشق على أنفسنا فى اختيار لونها وانتقاء مادتها ؟ وما يدرى الا وهو يضحك كما ضحك بالامس وجعل يرنو الى ربطة الرقبة بحيرة ودهشة ومضى يقلب عينيه فى ملابسه جميعا بانكار وغرابة ما حكمة تكفين أنفسنا على هذا الحال المضحك ؟ لماذا لا نخلع هذه الثياب ونطرحها أرضا ؟ لماذا لا نبدو كما سوانا الله ؟ بيد انه لم يتوقف عن ارتداء ملا بسه حتى انتهى منها وغادر البيت كعادته .
    ولم يعد يذوق هدوءه الكثيف الذى عاش فى اهابه دهرا طويلا قانعا مطمئنا كيف له بالهدوء وهذه الثياب الثقيلة تأخذ بخناقه على رغمه ؟! أجل على رغمه وقد اجتاحته موجة غضب وهو يحث خطاه وكبر عليه أن يرضى بقيد على رغمه أليس الانسان حرا ؟ وتفكر مليا ثم اجاب بحماس : بلى أنا حر وملأه بغتة الشعور بالحرية وأضاء نور الحرية جوانب روحه حتى استخفه الطرب أجل هو حر نزلت عليه الحرية كالوحى فملأه يقينا لا سبيل الى الشك فيه انه حر يفعل ما يشاء كيف شاء حين يشاء غير مذعن لقوة أو خاضع لعلة لسبب خارجى أو باعث باطنى . حل مسألة الارادة فى ثانية واحدة وأنقذها بحماس فائق من وطأة العلل وداخله شعور بالسعادة والتفوق عجيب فالقى نظرة ازدراء على الخلق الذين يضربون فى جوانب السبل ميرين مصفدين لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا اذا ساروا لم يملكوا أن يقفوا واذا وقفوا لم يملكوا أن يسيروا أما هو فيسير اذا اراد ويقف حين يريد مزدريا كل قوة أو قانون أو غريزة وأهاب به شعوره الباهر ان يجرب قوته الخارقة فلم يستطع ان يعرض عن نداء الحرية توقف عن مسيره بغتة وهو يقول لنفسه : {هأنذا أقف من غير سبب } ونظر فيما حوله فى ثوان ثم تساءل : أيستطيع أن يرفع يديه الى رأسه ؟ أجل يستطيع وها هو ذا يرفع يديه غير مكترث لأحد من الناس ثم تساءل مرة أخرى هل تؤتيته الشجاعة على أن يقف على قدم واحدة ؟ وقال لنفسه : فلم لا استطيع وما عسى أن يعتاق حريتى ؟ وراح يرفع يسراه كأنه يقوم بحركة رياضية فى أناة وعدم مبالاة كانه وحده فى الطريق بلا رقيب وغمرت فؤاده طمانينة سعيدة وملاته ثقة بالنفس لا حد فيها فمضى يتأسف على ما فاته طوال عمره من فرص كانت حرية بأن تمتعه بحريته وتسعده واستانف مسيره وكأنه يستقبل الحياة من جديد .
    ومر فى طريقه الى القهوة بمطعم كان يتاول به عشائه فى بعض الاحايين فراى على طواره مائدة ملاى بما لذ وطاب يجلس اليها رجل وامرأة متقابلين يأكلان مريئا ويشربان هنيئا وعلى بعد يسر جلس جماعة من غلمان السبل عرايا الا من اسمال بالية تغشى وجوههم وبشرتهم طبقة غليظة من غبار وقذارة فلم يرتح لما بين المنظرين من تنافر وشاركيه حريته عدم ارتياحه فابت عليه أن يمر بالمطعم مر الكرام ولكن ما عسى أن يصنع ؟ قال له فؤاده بعزم ويقين : { ينبغى أن يأكل الغلمان مع الآخرين } ولكن الآكلين لا يتنازلان عن شىء من هذه الدجاجة بسلام هذا حق لا ريب فيه اما اذا رمى بها الى الأرض فتلوثت بالتراب فما من قوة تستطيع ان تحرم العلمان اياها فهل من ثمة مانع يمنعه من تحقيق رغبته ؟ هيهات وربما كان التردد ممكنا فى زمن مضى اما الآن ... واقرب من المائدة فى هدوء ومد يده الى الطبق فتناول الدجاجة ثم رمى بها عند اقدام العرايا وتحول عن المائدة وسار الى حال سبيله كأنما لم يأت أمرا نكرا غير عابىء بالزئير الذى يلاحقه مفعما باقذع السباب والشتائم بل غلبه الضحك على امره فاسترسل ضاحكا حتى دمعت عيناه وتنهد بارتياح من الأعماق وعاوده شعوره العميق بالطمانينة والثقة والسعادة .
    وبلغ القهوة فمضى الى كرسيه واطمان اليه كعادته بيد انه لم يستطع هذه المرة أن يشبك راحتيه حول ركبته ويستسلم لسكوته المعهود لم تطاوعه نفسه فقد فقدت قدرتها على الجمود أو برأت من عجزها عن الحركة فنبا به مجلسه حتى هم بالنهوض الا أنه رأى فى تلك اللحظة شخصا غير غريب عن ناظريه وان تصله به اسباب التعارف كان من رواد المقهى مثله وكان جسما ضخما واوداجا منتفخة يسير مرفوع الرأس فى خيلاء ملقيا على ما حوله نظرة ترفع وازدراء تنطق كل حركة من حركاته وكل سكنة من سكناته بالزهو كما بثير الخلق فى نفسه ما تثيره الديدان فى نفس رقيقة مرهفة الحس وكانه يراه لأول مرة بدا له قبحه وشذوذه عاريا فغالبته هذه الضحكة الغريبة التى ما انفكت هذين اليومين تعابثه ولم تفارقه عيناه وثبتت خاصة على قفاه يبرز من البنيقة عريضا ممتلئا مغريا وتساءل : أيتركه يمر بسلام ؟ معاذ الله لقد ألف داعى الحرية وعاهده الا يخالف له امرا وهز منكبيه استهانة وافترب من الرجل فكاد يلاصقه ورفع يده وهوى بكفه على القفا بكل ما أوتى من قوة فرنت الصفعة رنينا عايا ولم يتمالك نفسه فأغرب ضاحكا ولكن لم تنته هذه التجربة بسلام كأختها السابقة فالتفت الرجل نحوه فى غضب جنونى وامسك بتلابيبه وانهال عيه ضربا وركلا حتى خلص بينهما بعض الجلوس وفارق القهوة لاهثا ومن عجب أنه لم يستشعر الغضب ولا الندم وعلى العكس من ذلك ألمت بحواسه لذة عجيبة لا عهد له بها من قبل وافتر ثغره عن ابتسامة لا تزايله وفاضت نفسه بحيوية وسرور يغشيان أى ألم ولم يعد يكترث لشىء غير حريته التى فاز بها فى لحظة من الزمان وابى أن يغيب عنها ثانية واحدة من حياته ومن ثم ألقى بنفسه فى تيار من التجارب الخطيرة بارادة لا تنثنى وقوة لا تقهر .
    صفع أقفية وبصق على وجوه وركل بطونا وظهورا ولم ينج فى كل حال من اللكمات والسباب فحطمت نظارته ومزق زر طربوشه وتهتك قميصه ونغصت ثنيتاه ولكنه لا ارتدع ولا ازدجر ولا انثنى عن سبيله المحفوف بالمخاطر ولا فارق الابتسام شفتيه ولا خمدت نشوة فؤاده الثمل ولو اعترض الموت طريقه لاقتحمه غير هياب .
    ولما آذنت الشمس بالمغيب عثرت عيناه المتجولتان بحسناء مقبلة متابطة ذراع رجل أنيق المنظر ترفل فى ثوب رقيق شفاف تكاد حلمة ثدييها تثقب اعلى فستانها الحريرى وجذب صدرها الناهد عينيه فزادتا اتساعا ودهشة وهاله المنظر وكانت تقترب خطوة فخطوة حتى باتت على قيد ذراع .
    وكان عقله او جنونه يفكر بسرعة خيالية فخطر له أن يغمز هذه الحلمة الشاردة! ان رجلا ما يفعل ذلك على أية حال فليكن هذا الرجل واعترض سبيلهما ومد يده بسرعة البرق وقرص! آه لقد انهالت عليه الضربات واللكمات وأحاط به كثيرون ولكنهم فى النهاية تركوه! لعل ضحكته الجنونية أخافتهم ولعل نظرة عينيه المحملقتين أفزعتهم تركوه على اية حال ونجا ولم تكد حالته تزداد سوءا! وكان لا يزال به طموح الى مزيد من المغامرات ولكن لاحت منه نظرة الى ملابسه فهاه ما يرى من تمزقها وتهتكها وبدلا من يأسى على نفسه راح يذكر ما دار بخلده صباح اليوم أمام المرآة فلاحت فى عينيه نظرة غائبة وعاد يتساءل : لماذا يدع نفسه سجينا فى هذه اللفائف تشد على صدره وبطنه وساقيه ؟! وناء بثقلها وشعر بوطأتها باختناق فغليت مراجله ولم يستطع معها صبرا وأخذت يده تنزعانها قطعة قطعة بلا تمهل ولا ابطاء حتى تخلص منها جميعا فبدا عاريا كما خلقه الله وعابثته ضحكته الغريبة فقهقه ضاحكا واندفع فى سبيله ...

  2. #2
    الصورة الرمزية عاشق السمراء
    Title
    "رجل عادي جدا"
    تاريخ التسجيل
    05- 2002
    المشاركات
    21,307
    مسااااااااااء جميل!!

    احمد طلال ..
    يعطيك العافية على تسلسلات هذه القصة ..
    جميل ان نبدع في مجالات عدة
    حتى نرى التميز يسكننا !!

  3. #3
    الصورة الرمزية بنت الشرق
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    03- 2007
    المشاركات
    741

    Thumbs up

    أحمد طلعت
    تسلم عالموضوع الجميل

    العضوه الجديده //// بنت الشرق

  4. #4
    الصورة الرمزية احلاهن
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    04- 2007
    العمر
    38
    المشاركات
    90
    ابداع ادبي

    راااااااااااااااااااااااااائع

    تسلم الايادي

  5. #5
    الصورة الرمزية مجنونة بس دلوعة
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    03- 2007
    العمر
    34
    المشاركات
    28
    تنسيق ادبي رائع
    دمت بود

  6. #6
    الصورة الرمزية حـــور
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    04- 2003
    المشاركات
    1,040
    [..[ ahmed talaat ]..]

    مشكور أخوي على القصة الرائعه..
    و دمت في حفظ الرحمن

  7. #7
    الصورة الرمزية أمير الوافي
    Title
    مشرف النبض الرياضي
    تاريخ التسجيل
    07- 2006
    العمر
    38
    المشاركات
    382
    مشكوووووووووووووووووور

  8. #8
    الصورة الرمزية mariam_maryouma
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    04- 2007
    المشاركات
    22
    جمال القصص بسعة الخيال

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML