[ALIGN=CENTER]أخي العزيز عاشق
بداية اتقدم بخالص التعازي لفقيدكم
غفر الله له وأحسن مثواه
حين أبلغني المهاجر تليفونيا بهذا النبأ المحزن استفسرت منه
عن عمر الفقيد وعن ملابسات الوفاة وببضع كلمات علمت أنه
رحمه الله كان يعاني وعكة صحية ...
الأعمار بيد الله عاشقنا .. ولا تدري نفس ... ...
لا شك من الوهلة الأولى التي قرأت فيها سطورك هنا أحسست
بشعورك وبما يدور في خلدك من أفكار .. ومن ظنون ومن اتهامات
وصدقني لا أدافع عن هذا الطبيب بحكم مهنتي كطبيب
فأنا لست جراح .. لكن رسالتك حركت بعض المسائل الهامة التي
تحتاج فعلا إلى نوع من التصحيح ..
بصرف النظر عن جنسية الطبيب ومهما كان عربي أو أجنبي
ومهما بلغ من مهارة وخبرة وصيت فالكل لا حول ولا قوة أمام قدرة
الله سبحانه ولا راد لأمر الله تعالى .
نتفق في البداية أن الأقدار بيد الله
ولو .. ولو .. لن تغير شيء
لكن ثورتك وتلميحك النابع من أطنان الحزن التي تعتريك تجعلني
فعلا أستعرض بعض السلبيات التي لا زالت راسخة في مهنة الطب
وأسلوب الكشف والعلاج والأجراءات العقيمة والروتين والفحوصات
وصحتها والأخطاء الخ الخ .. وهذا موضوع طويل يطول شرحه
:
ثلاث فتحات .. وجروح أثارت انتباه العاشق وانا معك واخالفك
رغم جهلي بالحالة .. لكن من سياق حديثك استنبط أن الفتحات
إما كانت لمنظار .. لأخذ عينات من أعضاء معينة ، وإما كانت منظار
جراحي .. .. او كان استكشاف مبدئي اقر على أثره قرارا باجراء
عملية جراحية ..
والاحتمال الأخير الروتيني .. أن هناك اجراء لابد من اتخاذه خاصة
إذا كانت الوفاة داخل هذا الصرح الطبي .. أن تحول الجثة إلى التشريح
بصرف النظر عن التاريخ المرضي .. لابد من تقرير للطب الشرعي
والطب الشرعي عبارة عن معمل كبير يتعامل مع أجزاء من الأعضاء
أو مع أعضاء كاملة
وللوصل لهذه الاعضاء لابد من مدخل لذا تلك الفتحات
وتلك التشوهات بالجسد
صدقني عاشق هذا الطبيب لا اظنه قد ادخر وسعا في بذل ما يستطيع
عمله .. وكثير من الأمور تقيده وتحركه .. وقراره أو أسلوب علاجه لا
يمكن أن يكون قرار فردي .. أو عشوائي .. إلا في حالات حرجة لابد فيها
من التدخل سريعا بصرف النظر عن النتائج .. فالانتظار خطير .. والنتائج
قد تكون فاشلة مع بارقة أمل بنسب متواضعة جدا .. عندها من
الطبيعي المجازفة عسى أن تكون تلك النسب المتواضعة سببا في
انقاذ الوضع .
أعود لما اشرت إليه أعلاه أن سطورك الحزينة والثائرة أثارت بداخلي
بعض النقاط التي أرى وبكل صراحة أنها تحتاج إلى وقفة
خاصة في اسلوب تعليم الطب في الوقت الحالي
فمن اسلوب التعليم الأمريكي ونظام الصح والخطأ
والبعثات العقيمة والشهادات ال..... الخ الخ
وسرعة اعداد الطبيب خلال كورسات في أزمنة محددة
لا شك تعطي لقبا .. وتعطي صلاحيات .. ولكن يمكن ذلك
لأي وظيفة ادارية .. أما الطب ومهنة الطب فلابد أن يكون الاحتكاك
كافي جدا قبل أن يسمح للطبيب بالكشف والتشخيص والعلاج
دراسة الطب دراسة مضنية .. في غاية الصعوبة
وسنوات الدراسة سنوات طويلة .. تأخذ من عمر الطالب الكثير
وينتهي من دراسته ليبدأ .. دراسات أخرى وأخرى .. ويظل عمره
كله في اطلاع وبحث واحتكاك
في السابق كان على طالب الطب أن يقضي سنة كاملة في كلية
العلوم ليدرس الكمياء بجميع فروعها والفيزياء .. وعلم التشريح
للحشرات والضفادع والصراصير الخ الخ لتتعود يداه على الدقة
ودراسة النباتات والاحصاء .. وحتى اللغة الانجليزية
ومن ثم ينتقل إلى كلية الطب السنة الأولى
ليقضي خمس سنوات أخرى يحصل بعدها على أولى شهاداته
ألا وهي البكالوريوس .. ومن ثم سنة الأمتياز وهي السنة التي
يمارس فيها الطب واقسامه تحت اشراف النواب ليخرج بعدها
شبه مؤهل لممارسة المهنة بالاضافة إلى اتجاهه إلى التخصص
ومن الطبيعي أن اثناء فترة الدراسة هناك ايام تشمل عيادات خارجية
لابد وان يحضرها في حضور الاخصائيين ليتعلم كيفية التشخيص والعلاج
وخاصة ان العيادات الخارجية بالمستشفيات تعج بجميع أنواع المرضى
فتكون فرصة سانحة للتدريب والاحتكاك .
أما الأن للاسف في بعض البلدان .. ومع التطور الحديث في اسلوب
التعليم يحصل الطالب على الثانوية ، ويتاح له الالتحاق بالطب ومن اليوم
الأول يحمل سماعة الكشف .. والأخطر أن يتم الاحتكاك مبكرا
قبل أن يتم اعداده .. فمن يصل إلى مكانة ما من منتصف الطريق
من الطبيعي مختلف عن الذي يبدأ طريقه من الصفر .. اظنك فهمت
قصدي..
ناهيك عاشقنا .. ان الروتين احيانا في بعض المستشفيات قاتل
فمثلا حالة مرضية ما .. قد تكون حرجة .. لكن لابد من حجز دور
للأشعة التليفزيونية على سبيل المثال وقد يأخذ هذا شهور
حتى يحظى بدوره ، وقد يحظى بذلك فورا إذا كانت هناك واسطة أو
معرفة بشخص ما .. الخ
ايضا خشية بعض الاطباء من اعطاء التشخيص الذي يراه خوفا من الوقوع
في الخطأ ومحاسبة القسم الطبي له ونظرة الزملاء إليه
..كذلك المبالغة في طلب التحاليل التي قد تكون مطلوبة فعلا
وقد تكون مجرد تحصيل حاصل .. فالحالة تتكلم عن نفسها
والكشف يؤكد والخبرة تؤكد .. لكنه اسلوب اما لتفادي تحمل مسئولية
التشخيص خوفا من محاسبة الاخرين عند حدوث شيء أو لعدم وصول
الطبيب إلى التشخيص الذي يترواح بين اعراض كذا وكذا وكذا .. الامر
الذي يجبره للوصول إلى التشخيص الأوحد والصحيح هو جعل المريض
يسافر بين اروقة المستشفى في رحلة عذاب مع مواعيد الفحوصات
وهذا سلاح ذو حدين أما أن يمل المريض من كثرة التردد والمواعيد
والحجوزات ويضطر في النهاية إلى اتباع طريق اخر إما العلاج الخارجي
في المستشفيات الخاصة أو السفر للخارج للعلاج واهانة القرش .. ..
واما الرضوخ للأمر الواقع نظرا لثقته في هذا المستشفى أو لضيق اليد
أو لنفاذ الحيلة .. فيخضع مرغما لعمل جبل من الفحوصات يستطيع من
يحمل الابتدائية من خلالها التشخيص دون خوف او مسائلة
والكثير الكثير يا عاشق
وللحديث بقية
:
:
[/ALIGN]