من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين
و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
نحن قوم أعزّ نا الله بالأسلام ومهما أبتغينا العزّه بغيره ...أذلنا الله
اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا يا رب العالمين
أما بعد
من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه
محمد بن إبراهيم الحمد
دار الوطن للنشر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
* فإن للشهوات سلطاناً على النفوس، واستيلاء وتمكناً في القلوب، فتركها عزيز، والخلاص منها عسير، ولكن من اتقى الله كفاه، ومن استعان به أعانه : ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) [الطلاق : 3]، وإنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها مخلصاً لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا أول وهلة؛ ليُمتَحن أصادق في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذة، وكلما ازدادت الرغبة في المحرم، وتاقت النفس إلى فعله، وكثرت الدواعي للوقوع فيه عظُم الأجرُ في تركه، وتضاعفت المثوبة في مجاهدة النفس على الخلاص منه .
* ولا ينافي التقوى ميلُ الإنسان بطبعه إلى الشهوات، إذا كان لا يغشاها، ويجاهد نفسه على بغضها، بل إن ذلك من الجهاد ومن صميم التقوى، ثم إن من ترك لله شيئاً عوًَّضه الله خيراً منه .
* والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجلُّ ما يُعوَّضُ به : الأنسُ بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، وضاه عن ربِّه – تبارك وتعالى – مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى .
نماذج الأمور من تركها لله عوَّضه الله خيراً منها :
1- من ترك مسألة الناس، ورجاءهم، وإراقة ماء الوجه أمامهم، وعلق رجاءه بالله دون سواه؛ عَوَّضه خيراً مما ترك، فرزقه حرية القلب، وعزة النفس، والاستغناء عن الخلق "ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله" .
2- ومن ترك الاعتراض على قدر الله، فسلَّم لربِّه في جميع أمره؛ رزقه الله الرضا ولايقين، وأراه من حسن العاقبة ما لا يخطر له ببال .
3- ومن ترك الذهاب للعرافين ولاسحرة؛ رزقه الله الصبر، وصدق التوكل، وتَحَقُقَ التوحيد .
4- ومن ترك التكالب على الدنيا جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة .
5- ومن ترك الخوف من غير الله، وأفرد الله وحده بالخوف سَلِمَ من الأوهام، وأمَّنه الله من كل شيء، فصارت مخاوفة أمناً وبرداً وسلاماً.
6- من ترك الكذب، ولزم الصدق فيما يأتي ويذر، هُدي إلى البر، وكان عند الله صديقاً، ورزق لسان صدق بين الناس، فسوَّدوه، وأكرموه، وأصاخو السمع لقوله .
7- ومن ترك المراء وإن كان مُحقاً ضُمن له بيت في ربض الجنة، وسلم من شر اللجاج والخصومة، وحافظ على صفاء قلبه، وأمن من كشف عيوبه.
8- ومن ترك الغش في البيع والشراء زادت ثقة الناس به، وكثر إقبالهم على سلعته .
9- ومن ترك الربا، وكَسْبَ الخبيثِ بارك الله في رزقه، وفتح له أبواب الخيرات والبركات .
10- ومن ترك النظر إلى المحرم عوَّضه الله فراسة صادقة، ونوراً وجلاءً ولذة يجدها في قلبه .
11- ومن ترك البخل، وآثر التكرم والسخاء أحبَّه الناس، واقترب من الله ومن الجنة، وسلم من الهمِّ والغم وضيق الصدر، وترقى في مدارج الكمال ومراتب الفضيلة ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر : 9] .
12- ومن ترك الكِبر، ولَزِمَ التواضع كمل سؤدده، وعلا قدره، وتناهى فضله، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح : "ومن تواضع لله رفعه" .
13- ومن ترك المنام ودفأه ولذته، وقام يصلي لله عز وجل عوَّضه الله فرحاً، ونشاطاً وأنساً .
14- ومن ترك التدخين، وكافة المسكرات والمخدرات أعانه الله وأمده بالطاف من عنده، وعوَّضه صحة وسعادة حقيقية، لا تلكالسعادة الوهمية العابرة .
15- ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك، عوَّضه الله انشراحاً في الصدر، وفرحاً في القلب؛ ففي العفو من الطمأنينة والسكينة والحلاوة وشرف النفس، وعزها، وترفعها ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام .
* قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : "وما زاد الله عبداً بعفو إلا عِزاً" .
16- ومن ترك صحبة السوء التي يظن أن بها منتهى أنسه، وغاية سروره، عوَّضه الله أصحاباً أبراراًن يجد عندهم المتعة والفائدة، وينال من جراء مصاحبتهم ومعاشرتهم خيري الدنيا والآخرة .
17- ومن ترك كثرة الطعام سلم من البطنة وسائر الأمراض؛ لأن من أكل كثيراً شرب كثيراً، فنام كثيراً، فخسر كثيراً .
18- ومن ترك المماطلة في الدَّين أعانه الله،وسدد عنه بل كان حقاً على الله عونه .
19- ومن ترك الغضب حفظ على نفسه عزَّتها وكرامتها، ونأى بها عن ذلِّ الاعتذار ومغبة الندم، ودخل في زمرة المتقين ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)) [آل عمران : 134] .
* جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أوصني ! قال : "لا تغضب" رواه البخاري .
* قال الماوردي رحمه الله : فينبغي لذي اللب السوي والحزم القوي أن يتلقى قوة الغضب بحلمه فيصدهان ويقابل دواعي شرته بحزمه فيردهاح ليحظى بأجَلِّ الخيرة، ويسعد بحميد العاقبة .
* وعن أبي عبلة قال : غضب عمر بن عبدالعزيز يوماً غضباً شديداً على رجل، فأمر به، فأحضر وجُرِّد، وشُدَّ في الحبال، وجيء بالسياط، فقال : خلوا سبيله؛ أما إني لو لا ن أكون غضباناً لسؤتك، ثم تلا قوله تعالى : ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)) [آل عمران : 134] .
20- ومن ترك الوقيعة في أعراض الناس والتعرض لعيوبهم ومغامزهم؛ عُوِّض بالسلامة من شرهم، ورزق التبصر في نفسه .
* قال الأحنف بن قيس رضي الله عنه : من اسرع إلى الناس فيما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون .
وقالت أعرابية توصي ولدها : إياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً، وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام، وقلما اعتورت السهام غرضاً حتى يهيء ما اشتدَّ من قوته .
* قال الشافعي رحمه الله :
المرء إن كان مؤمناً ورعاً أشغله عن عيوب الورى ورعُه
كما السقيم العليل أشغــله عن وجع الناس كلهــم وجعُه
=========================================
تااااااابع