اليأس عند الذنب والمرض

قال تعالى «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم»‚

قال الألوسي «أسرفوا على أنفسهم» أي أفرطوا في المعاصي جانين عليها‚ وأصل الاسراف: الافراط في صرف المال ثم استعمل فيما ذكر مجازا «لا تقنطوا من رحمة الله» أي لا تيأسوا من مغفرته سبحانه وتفضله عز وجل‚

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال «كان قوم من المشركين قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا‚ فقالوا للنبي صلي الله عليه وسلم: ان ما تدعو اليه لحسن‚ او تخبرنا ان لنا توبة؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم»‚

فالذنب وارد‚ وأبواب السماء مشرعة أمام التائبين في كل حين لقول النبي صلي الله عليه وسلم «ان الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»‚

ثم يفتح الله تعالى لنا أبواب المغفرة على مصراعيها عندما يعلمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بأن الذنب جزء لا يتجزأ من بيعة ابن آدم ولذلك خلقنا «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا‚ لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون‚ فيستغفرون الله فيغفر لهم»‚

فيا أيها المفرطون يا من استحوذ عليهم الشيطان بمكره فزين لهم سوء أعمالهم ثم استيقظوا‚ فأبصروا كثرة ذنوبهم‚ هلموا الى رب رحيم غفور‚ فأنين التائبين احب الى الله من تسبيح المسبحين‚ وفرح الحق سبحانه بإقبال العبد التائب يفوق الوصف للحديث «كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته‚ تجر زمامها بأرض قفر ليس بهاطعام ولا شراب‚ وعليها له طعام وشراب‚ فطلبها حتى شق عليه‚ ثم مرت بجزل شجرة «وهو اصل الشجرة القائم» فوجدها متعلقة به»؟

قلنا شديدا‚ يا رسول الله ‚ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم «أما‚ والله لله اشد فرحا بتوبة عبده من الرجل براحلته»‚

وتأمل في شؤم الذنوب‚ وما تجره على صاحبها من «قلة التوفيق‚ وفساد الرأي‚ وخفاء الحق وفساد القلب‚ وخمول الذكر‚ واضاعة الوقت‚ ونقرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه‚ ومنع اجابة الدعاء‚ وقسوة القلب‚ ومحق البركة في الرزق والعمر‚ وحرمان العلم‚ ولباس الذل‚ وإهانة العدو‚ وضيق الصدر‚ وطول الهم والغم‚ وضنك العيش‚ وكسف البال»‚

فعاهد الله سبحانه على هجر طريق المعصية وسلوك طريق أهل الطاعة حتى تنجو وتفوز في ذلك اليوم الرهيب الذ ي يكون الكل فيه ملهوفا‚ وقد أكلت الحسرات قلبه‚ وتقطعت الأنامل ندما‚ وأذابت الحديد آهات التأسف‚ على سوء ما مضى وهول ما يأتي وعاقبة ما يجني والله المستعان‚

ومن أنواعه اليأس عند المرض:

والمرض هو ان يكون البدن على خلاف صلاحه صحته وأعظم نعمة بعد نعمة الإيمان هي عافية الأبدان‚ والارشاد النبوي الى أفضل الدعاء في اوقات الاجابة يتضمن سلامة الروح والبدن‚ سلامة الروح بالعفو عن الذنوب وسلامة البدن بالعافية‚ لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد‚قالوا: فماذا نقول يا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة»‚

وسأل ابن القيم شيخه ابن تيمية رحمهما الله تعالى عن سر قول الخارج من الحمام «غفرانك» فقال ابن تيمية رحمه الله:« ان منزلة الذنوب من الروح كمنزلة البول والغائط من البدن إذا احتبس فيه فلما عافاك الله من أذى البدن فاسأل الله عافية الروح»‚


منقول