فاللَّيل ُ مولده ُ ومعبدُه ُ وقصَّة ُ عشقه ِ امتزاج ٌ للسحاب وضوء القمر ْ واخضرار ُ
الربيع ِ وهدير ُ الموج ِ وسكون ٌ وصمت ٌ اعتاد َ أن يرافقه ُ تحت قبة السماء ْ
هي أمُّه ُ الطبيعة ُ ،وكونه ُ الذي تشكَّل َ منه ُ ورسمه ُ عند الأفق ..
كان يعتقد إن الأفق هو البداية لكونه ِ عند الفجر ِ وهو النهاية ُ عند الغروب ْ ..
فعشق َ البداية َ وعشق َ النهاية َ ومابينهما وأوجد لنفسه ِ واحة ً يلفها الظلام ُ
إلا من النور ِ الإلهي الذي يستوطن أعماقَه ُ النديَّة ِ ..
هكذا هو عاشق اللّيل ...
كانت هذه الليلة بحكمة الخالق خطا ً فاصلا ً لولادة ٍ قد ارتسمت ْ معالمها في
ذهن العاشق منذ طفولته ِ الشقيَّة ..البائسة ..
كانت ليلة اللقاء الأوَّل في قلب الخريف ..والحكاية حكاية ُ مخاض ٍ طالَ انتظاره ُ.
وجنين ٌ عاش في رحم الطبيعة ِ وقلبه ِ منذ ولادته الأولى ..
كان يحمل في قلبه ِ الحب َّ الدافىء الكبير ..وهو يعلم إن الضفة الأخرى للكون
تحمل له ُ نفس المشاعر النبيلة ِ ..لكنه لم يستطِع ْ قراءتها أو تحديد مكانها
وزمانها..إنه الحب الذي يسكنه ُ ومعجزةٌ ستحصل ْ ،
في قلب السكون ألقت سحابة ٌ حملها فوقه ُ بحبَّات ٍ عزفت ْ على التربة ِ السمراء
وصخرها الأسود أنشودة الموسم الجديد ..
غادرته السحابة وفسحت الطريق لضوء القمر فغسل وجهه ُ بنوره ِ ورآه ينسكب ُ
على الحقول ِ العطشى للمطر ْ ..عطشه المتجدِّد للحب ِّ ..والزهور ِ والثمر ْ ..
أشجار ُ التفاح ِ عارية ٌ ترتجف ُ وقد استعدَّت ْ لاستقبال ِ الصقيع ْ ..
سبحان الله ..ولكلِّ شيء ٍ ثمن ..فأعاد لذاكرته ِ حقبة ً من عمره ِ وشكَّك َ لبرهة ٍ ..
وتساءل َ : ماثمن عذاباتي ..وجراحي ؟؟
ومن يدفع لي مقابل طفولتي التي مازالت تسكنني في قلاع الظلم والقهر ؟؟؟
ومن يعيدُ لي ابتسامة َ العاشق ِ الذي ولد ليهوى ؟؟
عاشق ٌ أحب َّ الطبيعة َ ومكوِّنات الجمال فيها وتعلَّم لغة الحمائم والسنونو والبلابل ِ
والصقور ِ والظباء ِ وأشبال ِ السفاري لأنه ُ أضاع َ وجهه ُ الآخر عند الولادة الأولى ..
كان العاشق يخاطب الله الساكن في أعماقه دون أن يدري ..
ويتمرَّد ُ دون أن يدري ..
ساعة ً ينتصر ُ فيها على الذات ِ و أخرى يزهو بنفسه ِ ويمشي ً كمن ملك الكون
لم يكن يعلم مالذي يجري ..فقط الزمن يتحرك بلا هوادة ورحمة . فالشمس مازالت
تشرق وتغيب ..والفصول تتوالى ..والجنين يكبر في رحم الكون وموعد الولادة يقتربْ
كان الله يسمعه ُ ويسامحه ُ لأنه الغفور الرحيم والعاشق قد آمن به ِ فطرة ً وأحبَّه ُ
لذاته ِ ..وهو يملك قلبا ً ممتلأ ً بالحب الكبير والله رمز الحب ِّ فكيف لايسامحه ..
تابع العاشق المسير َ بفهم ٍ أكبر ْ ..وإصرار ٍ أكبر ْ وهدوء ٍ أكثر ْ..
كان يردد : الليل ُ طقوس عبادتي ..والسهرُ مع النجوم ِ والكواكب ِ والقمر ِ حديث ٌ
لاينتهي ..والوقت قبل الغروب ِ بقليل ، .
هيئي نفسك ِ لمتعة المشهد عند الغروب ..خاطب النفس على الجانب الآخر للكون.
وتهيئي لي فأنا النور الذي سيسكُنك ِ حتى الفجر ِ ثم َّ يرحل ْ..
دعَته ُ الطبيعة ُ لحضور ِ حفل ِ نوم الشمس ..وهو يعلم ُ إنها تنام ُ وتصحو لتمنحه ُ
أسباب َ الحياة ..فاستجاب َ للدعوة ِ وانتظر ْ..
كان اللقاءُ لحظة الغروب ِ عند الأفق ..فلا هو أعتق الليل وعشقه للقمر ْ.. ولا هي
تنازلت عن دفء الشمس ..
إنها الحد الفاصل أيها العاشق ُ ..بداية ٌ وولادة ٌ جديدة وقد تساءل العاشق يوما ً:
أيولد المرء ُ مرتين ْ؟؟
أيها العبد ُ المطيع ُ هكذا أنت ..خُلقت َ لتولد َ مرتين ْ..
وقف َ العاشق ُ يرقب ُ المشهد فتوحَّد َ الليل ُ بالنهار ِ عند َ الغروب ِ ..وينتظر ُ لحظة
الانعتاق ِ عند الفجر ِ..
رسمت الطبيعة ُ لوحتَه ُ في قمة الإبداع ِ الالهي ..كان يعلم إن الصرخة الأولى للمولود ِ
على وشك الانفجار ْ،،،ستأتي لتكسر َ الصمت َ والسكون َ الذي يلف المكان ..
__ مابك أيها العاشق ؟؟ ألم تبارك لنفسك َ الولادة َ بعد ُ؟؟
__من أنت َ ؟؟ وأين المولود ُ ؟؟ أنا لم أسمع صوته ُ
__بلى . إنك تسمعه ُ الآن ،
__ كيف هذا ؟؟
__أنا المولود ُ ..أبتسم ُ عندما أرى الحياة .. لاأبكي
__ أين أنت ؟؟
__ هنا ..أنا أنت ..أنت أنا لايهم ..فقد توحَّدنا لتوِّنا
__ كيف تقمصتني ؟؟
__هذا ليس شأني .إنه الخالق ُ الذي لايُسأَل ُ عن فعله ِ بخلقه ِ
....... تسارعتْ نبضات ُ قلبه ِ وتقطَّعت ْ أنفاسه ُ لوهلة ٍ ثم َّ استعاد َ اتزانه ُ
وأغمض َ عينيه َ ..دعا الرب َّ وصلَّى وشكره ُ على فضله ِ
..ونظر إلى الجانب الآخر فلم يجد أحدا ً ..اختفت الضفة الأخرى ..وقبل أن
يسأل َ تيقَّن بأن الولادة وحَّدت الضفتين وقد منح َ الرب ُّ نهر َ الحب ِّ الأبدي ِّ
هديَّة ً للمولود ِ الجديد ِ ..
شرب َ العاشق ُ كأسه ُ الأوَّل وشكر َ الرب َّ ثانية ً .. لكنه ُ لم ْ يرتو ِ ......
فقد اعتاد َ الثمالة َ عندما يشرب ْ
والغناء َ عندما يطربْ
والعبادة َ عندما يؤمن بما يُعجب ْ
......................