إهداء : هذه القصيدة نشرتها في صحيفة الوطن القطرية سنة 1997 ، وأحببت أن أهديها لرواد وأعضاء هذا المنتدى الجميل ، وخاصة أولئك الذين ينبضون بروح الشعر ، ويحفلون بالكثير من الإبداع ، ما هي إلا تسبيحة في صلاة العشق التي يقيمونها كل يوم ..
اشتعالات خضراء
رؤومٌ
بالبحيراتِ التي أشعلتهُ ..
عصيٌّ على ألسنةِ البردِ ..
والمزاميرِ ..
هذا العشقُ ..!
في مضائقِ عينيهِ ..
يؤبّدُ اخضراركِ ..
ويطلقُ _ شغفاً بالحدائقِ _
سراحَ الهطولْ ..
لأجنّةِ الشعرِ ..، ولكِ ..
هذا الصهيلُ البشريُّ ..
والقلبُ الممجَّدُ بالخزامى ..
ولي الرُّقيْمُ الطينيُّ ..
مدفوناً ..
بأقاليمكِ ..
يحفظُ للخزّافينَ أساطيري ..
أتوالدُ على تربتهِ ..
نموراً تتآكلُ ..!
توزّعُ على أنخابها دمي ..
فتدركني بطوفانها ...
عشارُكِ البكرُ ..
ترفعني لهضابِ الماءِ ..
حيثُ المراكبُ لا تشيخُ ..!
والحمائمُ ..
مثنى ، مثنى ..
تعانقُ الحمائمَ ..
تعقصُ أصابعُها جسدي
تاجاً ..
نخرتْهُ الريحُ ..
يغلمُها زيتونٌ أنبتَهُ غُضاري ..
فتشتطّ بسفحِ الموجِ ..
زبداً ..
مفعماً ..
بالزيتِ والبياضْ ..
تزجّني في خوابي المحارِ ..
نحاساً يختمرُ ..
فأحفُّ بسرّتها ..
أتسامقُ حتى عناني ..
باسقاً ..
كبستانْ ..!
والصوتُ المتأبِّطُ صمتيَ ..
يطوفُ التخاريمَ ..
ينتدبُ متّسعاً قصيّاً ..
من حنجرتي ..
أتبوَّأهُ عند اتساقهِ ..
أجرجرُ على حبالهِ ..
رباباتي ..
وكلعابِ شمعةٍ ..
في مسيلِ الليل ..
نهماً أغنّي ..
لحقولٍ أرضعتنيها ..
ذاتِ هصورْ ..
لمناهلَ تفتكُ بطفولة الينابيعِ ..
لبياضِ العاجِ ..
يقيمهُ بجلدكِ الضوءُ ..
فتشرئبُّ للعتمةِ أعناقُ الفجرِ ..!
لوجهٍ ..
يُشرَّعُ على مرِّ البحارِ بي ..
يزدحمُ باكتظاظي ..
يتلفلفُ بدثاري لبلابُهُ ..
فأستطيبُ النسْغَ ، واصفراري ..
وأنا البدويُّ تعرفينني ..
لَدِنٌ حينَ يطؤني العشبُ ..
أشنقُ أمراسَ نزقي ..
أصلِّبُها على عمودِ قامتي ..
عباءةً ..!
وعلى مفترقِ السماواتِ ..
أنصبُ خيامَ قصائدي ..
يحسبُها العابرونَ طواحينَ هواءْ ..!
أوقدُ في ظلّها مائي ..
أعدُّ أطباقيَ ..
والنبيذَ المحلّى بملحي ..
على جمرِ ربّاتي ..
وهنَّ عارياتٌ ..
إلاّ من نفائسي ..!
يشاركني في عشائيَ الأخيرْ ..
قمرُ الأمسياتِ الخضرِ ..
أُلقيهِ في أُتّونِ الوصايا العشرِ ..
يحترقُ ..!
وأنفردُ ..
محتفياً ..
بنخبكِ اللازورديِّ ..
أبسطُ أماميَ الأطيافَ ..
أُشرِّحُها ..
صُرّةً ، صُرّة ..
وأفتتحُ باسْمِكِ مأدبتي ..
عذباً ..
يطفحُ صلصالُكِ ..
على حوافِّ كأسي ..
يتشرّبُ ماءَ قُزَحيتي ..
محطّةً ..
تليقُ بدأبِكِ ..
فأضمّني إلى قبائلكِ ..
صعلوكاً ..
آبِقاً ..!
أُهيّئُ لقيامتكِ ..
الفراديسَ العُلْويّةَ ..
والألواحَ المفقودةَ ..!
إذْ تنتشرينَ ..
على مَدايَ ..
خصيبةً ..
نشورُكِ نيزكٌ عظيمْ ..
يرجُّ سطوحَ الرُّؤى ..
يتنزَّلُ _ جذلانَ _ بترقوتي ..
يعيدُ تكوينَ الفلزّاتِ ..
وهلامي ..
يبعثُ بأسمائي التي انقرضتْ ..
رممَ الذكرياتْ ..!
فأتشبّثُ بزغبِ الرّوحْ ..
النابتِ كالحصى ..
وما إنْ أتدحرجُ ..
على تلالكِ المرمريّةِ ..
حتى _ صعوداً _ أندحلُ ..!
لكِ وحدكِ ..
أيتها الشروقُ المسفوكُ ..
على بطنِ الشمسِ ..
أمدُّ عرائشي ..
ستّاً ..
وأنتحيني في الليلة السابعة ..
أُفرِّقُ على خلجانكِ العذارى ..
فصولَ تغريبتي ..
أُطلقُ فراشاتي ..
على تخومكِ ..
خيلاً فاتحةً ..
تسبحُ كالماءِ المقطّرِ ..
رقيــــقةً ..
حولَ كوكبِكِ البلّوريِّ ..
والغبارُ الكونيُّ يحشوني ..
يتراكمُ بمداخلِ عينيَّ ..
كرةً أرضيّةً ..
تتقاذفها المداراتُ ..
والسُّدُمُ ..!
كانَ عليَّ أنْ أنظّفَ تضاريسَها ..
من نفاياتِ الموتى ..
وأسمائهمْ ..
وأمحوَ عن قارّاتها ..
بروقاً ..
تحملُ شاراتِ الحزْنِ ..!
لكنّي المشتعلُ ..
تحتَ سنابكِ أقماري ..
المدهوسُ تحتَ تدفّقِ أنهاري ..
كلّما تعرّيتُ منّي ..
ورمادي ..
يقضمُني دخانُ الحزنِ ..
شبِقاً ..
بما ملكتْ نيراني ..
فأنكصُ ..
مذعوراً ..
أعدُّ اصابعي ..!
لن أُفلتَ الليلةَ
صفيرَ قطاراتي ..
فآخرُ قطرةٍ لفظتْها عينُ قنّينتي ..
أترعتْني برغيفِ وجهكِ ..
وتضوّري ..
سأقبعُ فيها ..
ثلاثاً ..
بألفٍ ممّا يعدّونْ ..!
ثمَّ أغادرُ رحمَها وتكوّري ..
إلى نخلةٍ ..
تهزُّ إليها بجذعكِ ..
ذي العطرِ ، والأكمامْ ..
فتتهاوى على فمي ..
زخّاً ..
العناقيدُ اللبنيّةُ ..
والعنبُ الثيّالُ ..
ما ألذّكِ ..!
وأنتِ تمطرينَ فاكهةً ..!
يتفتّقُ السّطْعُ الفتّاكُ ..
عن هالاتِكِ الكبرى ..
تنبهرُ بانهماركِ دناني ..
وأنذهلُ ..!
آخذاً بالتقصُّفِ ..
والانفراطْ ..!
مباركةٌ ..
هي الكرومُ التي أدمنتْني ..
تعتصرُ بينَ شفتيها ..
ظمأَ حانتي ..
فتتراشح من أثداءِ النوافذِ ..
الخمائرُ ..
مؤسِّسةً ..
لفضاءاتٍ ترتادينها ..
تحلّقينَ في جنباتها ..
جذلى جدائلُكِ ..
وأُبصرُ حفيفَكِ العائدَ ..
من بينَ أصابعي ..!
هذا أوانُ التجلّي ..
لا أوانَ التخلّي ..
اشرِقي ..
من فم ليلٍ يقولُني ..
لأنحرَني على أعتابكِ ..
قرباناً لتجلّيكِ ..
لا تنتظري ..
دقّي أجراسكِ ..
أنا الكبشُ الجازرُ ..
إني قادمٌ ..
قلبي على راحتي ..
معصوبَ العينينِ ..
أتبخترُ على دربِ التبّانةِ ..
مترعاً بالكِبْرِ ..
أتفشّى حوليَ كطاووسْ ..
أسّايَلُ من قرنيَّ ..
نخبينِ متناطحينْ ..
عينايَ زمرّدتانْ ..
وفمي ..
منحوتةُ ياقوتْ ..
جزّتي ..
حريرٌ يصلحُ لشالكِ ..
وجليدُ النارِ دمي ..
كريّاتي ..
خيلٌ مكبّلةٌ ..
مرابطها على مدِّ الرؤى ..
بحبلكِ تعتصمُ ..
وهذا الذي تشرّحينَ ..
جسدي ..
تنخلهُ على المَدى ..
فوّهاتُ جراحهِ ..
احمليهِ على صدركِ ..
جعبةً للرصاصْ ..
واقدحي ..
لِما تبقّى من شرائحهِ ..
جمرَ المواقدِ ..
المجدُ لي ..
حينَ تنجزُني سكّينُكِ ..
فما من بهْوٍ ينتظرُ خروجي ..
من مزمارِ لساني ..
سوى إيوانُ بهائكِ ..
نويتُ أنْ أصطلي بناركِ ..
أجرجرُ نصلَكِ ..
على مذبحي ..
لأدخلَ طقسَ العبورْ ..
إلى حيثُ تكونينَ ..
أرفرفُ على بحيراتِكِ الخُضرِ ..
أُعيدُ للموتى أحلامهمْ ..
أُولِمُ للمحزونينَ ..
من رعاتكِ ..
أصابعَ الضبابِ ..
والبخورْ ..
أقدِّمُ لحقولِ سكاكينكِ المرهفة ..
الطريَّ من قلبي ..
تذوّقيهِ شيّاً ..
على فحمِ العصورْ ..
أَلستُ مَنْ تشتهينْ ..؟
أذّنْتُ بينَكِ ..
لعلَّ قناديلَ البحرِ ..
تبدّدُ ظلمةً ..
في أعماقِ ردحكِ ..
أو تقرّ بطوافي حولكِ ..
فجئْتِ من كلّ فجٍّ عميقٍ ..
ضامرةً ..!
آيتُكِ ..
أنْ تغضّي الطرفَ ..
لأدخلَ كونَكِ الأخضرْ ..
وكنتِ تهيّئينَ لعشبي ..
المصائدَ ..
موائدَ الاشتعالْ ..
لأتشيّأَ كيفَ تشائينَ ..
وتشاءُ قدرتُكِ المبدعة ..
تومئينْ ..
فأتمخّضُ عن بلوراتكِ الخُضرِ ..
هيئةً ..
ينقصها التشكُّلُ ..!
تلمسينَ خاتمكِ ..
فأرتطمُ برغائبي ..
تختبطُ هيولايَ ..
وجذوتُكِ ..!
تلفظينَ كلمتَكِ الأولى ..
فأندلقُ ..
من بينَ شفتيكِ ..
وأكونُ ..!
قدْ أنهضُ يوماً ..
من ربقتي ..
ملطّخاً ..
ببراءتي ..
لكنّي أخشى ..
أنْ أُضيّعَ في مدنِ الكُحْلِ ..
قطعانَ خرافي ..
فعصايَ التي تتعكّزُ ظلّي ..
عاقرُ ..
لا تنهي أعراساً ..
يقيمُها في جسدي النملُ ..!
ولا عاصمَ لي عندما تفيضينَ ...
فلأتهيّأْ للارتدادِ المبكّرِ ..
إلى ضلعِكِ الأيسرْ ..
عجوزاً ..
أحرثُ مشيمتي ..!
يشيّعُني إلى مهديَ الأخيرْ ..
ضوؤكِ الباهرُ ..
يتفرّسُ آثارَ بواكيري ..
وهي طافيةٌ ..
كالفلْكِ ..
فوقَ آجرِّ قلبي ..
ذاكَ الذي أوحيتِ بترميمهِ ..!
وأنتِ الرّاعفةُ بعذوبةِ المواجعِ ..
تفترعينَ في غسقِ النهارِ ..
تماثيليَ العذارى ..
شآبيبي المشتهاة ..
في خطوةٍ ...
لم يقلْ بها من قبلُ ..
أنبياءٌ اكتملوا بالخطيئةِ ..!
والعرّافونَ ..
ما أوّلوا سيرتها الأولى ..!
ليكنْ بيني وبينهمْ ..
عارمٌ من الصمتْ ..
أو رصاصٌ ..
تثقبُهُ القواريرُ ..!
إذْ لا كتابَ لي ..
سوى تذكرتي ..
أُقرئُها ميقاتَ العودةِ ..
بكلِّ لعناتِ الترقّبِ ..
وأحلمُ بالبَوْءِ ..
لمنقارٍ يقتاتني ..
كمُهرٍ تكبّلُهُ المرابطُ ..
لا أَقرُّ ..
يضيقُ بتاريخي جثمانيَ ..
أتشقشقُ ككُراتِ الماءْ ..!
فأيمّمُ شطرَ مراعي سماءكِ ..
عنقاً ..
مشنوقاً ..
بعِقدٍ من خرزاتِ الحزنِ ..
أدقُّ بحافرِ القلبِ ..
صدرَ هذا الفجرِ المتصخّرِ ..
ليتبلورَ اليشْبُ ..
ويبزغَ العشبُ ..
طريّاً ..
مثقلاً ..
بالفراشِ والمناقيرْ ..
فيؤنسُ القطا ..
غزالةَ النهرِ ..
والروحُ تَشرَقُ بجسدٍ ..
غيرَ هذا الذي يُثقلُني ..
فليكنْ _ ياحبيبتي _ بيننا ..
بُنٌّ ، وحبْرْ ..
تلكَ أدعيتي ..
وما في اللفافةِ أنا ..
المنقوشُ على أدَمي ..
أسقطني بينَ أثافيكِ الهدهدُ ..
قصيدةً ..
حبلى ببناتِ العُزلةِ ..
تسفِرُ عن كنهكِ الأخضرْ ..
مصقولةً بماسكِ ..
سأرقمُها ..
ما عشتُ ..
على سطوحِ دمي ..
وتعزفها ..
ما غنّتْ ..
مناقيرُ الطيرْ ...
.......
demozi