[ALIGN=JUSTIFY]صرخات متتالية ، آلم ، مواجع ، حزن .. وهناك بكاء طفل يتألم من شدة مرضه ، وجسده الضعيف الذي لم يتعدى العشر سنوات لا يتحمل هذه الآلام والمواجع ومن يراه تذرف مقلتاه ، وتتسارع دقات قلبه ، ولكنه يتحامل على نفسه وكأنه شاب قوي صامد لا يعير هذه الآلام أية أهميه .
أغلال المرض كانت أقوى من جسمه النحيف ، من سنه الصغير ، من قلبه الضعيف ، ولكنه يحير الأطباء بصموده ، بقوته رغم ضعفه ، بصبره رغم نهاية حياته ..
تحمل الآهات وحده ، تحمل الأغلال القوية وحده ، وقف مع المرض وقفة الأبطال ، ولكنه المرض كل يوم تزيد حدته، وكل يوم يضعف من جسده ، وقلبه صامد قوي ، رغم هذه المواجع والآلام إلا انه صابر ، صامد ، قوي مع أغلال المرض التي طوقته وجعلته طريح الفراش ، عاجزا عن الحركة ، عن الكلام ، عن التفكير ، عن البوح بما يختلجه صدره من كلمات .
كان جسمه الضعيف محل تجارب الأطباء ، جسمه الضعيف محل الشفقة والحزن عليه ، وبكاء أهله أكثر من بكائه وحزنه ، بل انه ينظر إليهم نظرة كلها حسره وآلم وحيره ، نظره كانت بمثابة تفكيره وكأنه يذكرهم بقول الخالق ( سيدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيده ) يا له من طفل مؤمن بربه صابر ...
إنها أغلال المرض ، شبح الموت ، التي تداهم هذا الطفل كل لحظة من حياته وقلبه ينتظر أمر التوقف من خالق السموات والأرض ، ولكنه صامد عارف بخطورة مرضه ، وقانع بما كتبه الله له ، ومع كل هذا ومع بكاء أمه وأبيه واخوته ، وحزن الأطباء والممرضات ، إلا انه كان بين الحين والآخر يطلق تلك الابتسامة التي حيرت كل من شاهدها ، كانت بمثابة شكر لله سبحانه وتعالى ، كانت رسالة لهم يدعوهم بالدعاء إلى الله أن يشفيه ويرحمه ، كانت ابتسامته وابلا من الأسهم يطلقه ، كانت تصيب من حواليه ..
ياله من طفل صامد ، ونظراته لهم في نهايته الحزينة المحزنة ، هي نهاية بالنسبة لهذه الدنيا الفانية ، وهو الان يغادرها بعد حياة قصيرة بداخل أروقتها ، وروحه تصعد إلى خالقها ، وجسده الضعيف يلف باخر حلة يلبسها ، والبكاء وسيلان الدموع تزيد على الخدود ..
هكذا تحطمت الأغلال ، أغلال المرض ، أغلال العذاب ، الأغلال التي كانت تحيط به كل ثانية من حياته ، وهكذا تحطمت مع البكاء والنحيب والحزن والكآبة ، وهكذا تحطمت الأغلال ..
دندنة قصيرة :
أشرقت شمس الصباح مع تغاريد الطيور ، وتعالت الأمواج حزنا في عرض البحور والناس خرجت أفواجا لوداعه بالزهور ، لوداع جثمانه في القبور ... [/ALIGN]