صفحة 5 من 6 الأولىالأولى ... 3456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 51

الموضوع: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

  1. #41
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    الحـــديث " السـادس والثلاثون "



    (عَنْ أَبي هُرَيرَة رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:
    مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كرَبِ يَوم القيامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعسرٍ يَسَّرَ الله عَلَيهِ في الدُّنيَا والآخِرَة، وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة، وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَريقَاً يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طَريقَاً إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ يَتلونَ كِتابِ اللهِ وَيتَدارَسونهَ بَينَهُم إِلا نَزَلَت عَلَيهُم السَّكينَة وَغَشيَتهم الرَّحمَة وحَفَتهُمُ المَلائِكة وَذَكَرهُم اللهُ فيمَن عِندَهُ،وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ
    )


    رواه مسلم.




    مـعنى الحـــديــث :


    قوله"مَنْ نَفسَ" أي وسع.

    وقوله "عَنْ مُؤمِنٍ كُربَةً" الكربة ما يكرب الإنسان ويغتم منه ويتضايق منه

    "مِنْ كُربِ الدنيَا"أي من الكرب التي تكون في الدنيا وإن كانت من مسائل الدين،
    لأن الإنسان قد تصيبه كربة من كرب الدين فينفس عنه.

    "نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القيامَة"الجزاء من جنس العمل من حيث الجنس،
    تنفيس وتنفيس،لكن من حيث النوع يختلف اختلافاً عظيماً،فكرب الدنيا لا تساوي شيئاً بالنسبة
    لكرب الآخرة،فإذا نفس الله عن الإنسان كربة من كرب الآخرة كان ثوابه أعظم من عمله.


    "يَومِ القيامَة" هو الذي تقوم فيه الساعة، وسمي بذلك لثلاثة أمور:

    الأول:أن الناس يقومون فيه من قبورهم لله عزّ وجل،قال الله تعالى:
    (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
    (المطففين:6)

    الثاني:أنه تقام فيه الأشهاد،كما قال الله تعالى:
    (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)
    (غافر:51)

    الثالث:أنه يقام فيه العدل،لقول الله تعالى:
    (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً)
    (الانبياء: الآية47)


    " وَمَنْ يَسَّرَ" أي سهل.

    "عَلَى مُعسَر" أي ذي إعسار كما قال الله تعالى:
    (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)
    (البقرة: الآية280)

    "يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَة"
    ويشمل هذا التيسير تيسير المال،وتيسير الأعمال، وتيسير التعليم
    وغير ذلك،أي نوع من أنواع التيسير.

    وهنا ذكر الجزاء في موضعين:

    الأول: في الدنيا ، والثاني : في الآخرة.

    "وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً"
    أي أخفى وغطى،ومنه الستارة تخفي الشيء وتغطيه،
    والمقصود ستر مسلماً ارتكب ما يعاب. إما في المروءة والخلق ،وإما في الدين والعمل، "سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة" .


    "وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ"
    يعني أنك إذا أعنت أخاك كان الله في عونك كما كنت تعين أخاك.
    ويرويه بعض العوام: ما دام العبد في عون أخيه وهذا غلط، لأنك إذا قلت ما دام العبد في عون أخيه
    صار عون الله لا يتحقق إلا عند دوام عون الأخ، ولم يُفهم منه أن عون الله للعبد كعونه لأخيه،فإذا قال:
    ما دام العبد في عون أخيه عُلم أن عون الله عزّ وجل كعون الإنسان لأخيه.

    وما دام هذا اللفظ هو اللفظ النبوي فلا يعدل عنه.

    "وَمَنْ سَلَكَ طَريقَاً"
    أي دخله ومشى فيه.

    "يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً"
    أي يطلب علماً.

    "سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَريقَاً إِلَى الجَنَّةِ"
    يعني سهل الله له هداية التوفيق بالطريق إلى الجنة،
    والمراد بالعلم هنا علم الشريعة وما يسانده من علوم العربية والتاريخ وما أشبه ذلك.

    أما العلوم الدنيوية المحضة كالهندسة وشبهها فلا تدخل في هذا الحديث، لكن هل هي مطلوبة أو لا؟

    يأتي إن شاء الله في الفوائد.

    والجنة: هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه المتقين،فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت
    ولا خطر على قلب بشر وأوصافها وأوصاف ما فيها من النعيم موجود في الكتاب والسنة بكثرة.

    "وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ"
    وبيوت الله هي المساجد، فإن المساجد هي بيوت الله عزّ وجل،كما قال الله تعالى:
    (
    فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*
    رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
    يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ
    ) [النور:37،36].


    "يَتلونَ كِتَابَ الله"
    أي يقرؤونه لفظاً ومعنى.

    أما اللفظ فظاهر،وأما المعنى : فالبحث في معاني القرآن

    "وَيَتَدَارَسونَهُ بَينَهُم"
    أي يدرس بعضهم على بعض هذا القرآن.

    "إِلا نَزَلَت عَلَيهم السَّكينَة"
    أي طمأنينة القلب،وانشراح الصدر

    "وَغَشيَتهم الرَّحمَة"
    أي غطتهم، والرحمة هنا يعني رحمة الله عزّ وجل.

    "وَحَفَّتهُم المَلائِكة"
    أي أحاطت بهم إكراماً لهم.

    "وَذكرهُم اللهُ فيمَن عِنده"
    أي أن هؤلاء القوم الذين اجتمعوا في المسجد يتدارسون كلام الله عزّ وجل
    يذكرهم الله فيمن عنده،وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"
    فإذا ذكرت الله في ملأ بقراءة القرآن أو غيره فإن الله تعالى يذكرك عند ملأ خير من الملأ الذي أنت فيهم.

    وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرع بِهِ نَسَبُهُ
    بطأ: بمعنى أخَّر، والمعنى: من أخره العمل لم ينفعه النسب،لقوله تعالى:
    ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: الآية13)
    فإذا لم ينفع المرء أعماله لن ينفعه نسبه حتى ولو كان بمنزلة عالية من الوجاهة عند الناس .




    من فــوائــــد هذا الحـديــث:

    1- الحث على تنفيس الكرب عن المؤمنين، لقوله:
    "مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوم القيامَةِ".

    وهذا يشمل : كُرَب المال ، وكرب البدن، وكرب الحرب وغيرها فكل كربة تنفس بها
    عن المؤمن فهي داخلة في هذا الحديث.

    2 - أن الجزاء من جنس العمل،تنفيس بتنفيس،وهذا من كمال عدل الله عزّ وجل ولكن يختلف النوع،
    لأن الثواب أعظم من العمل، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.

    3 - إثبات يوم القيامة، لقوله: "نَفّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوم القيامَةِ".

    4 - أن في يوم القيامة كرباً عظيمة، لكن مع هذا والحمد لله هي على المسلم يسيرة،
    لقول الله تعالى:
    ( وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً)
    (الفرقان: الآية26)
    وقال الله عزّ وجل:
    (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)
    (المدثر:10)
    وقال عزّ وجل:
    ( يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)
    [القمر:8]
    أما المؤمن فإن الله عزّ وجل ييسره عليه ويخففه عنه والناس درجات، حتى المؤمنون يختلف
    يسر هذا اليوم بالنسبة إليهم حسب ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح.

    5 - الحث على التيسير على المعسر،وأنه ييسر عليه في الدنيا والآخرة.

    والمعسر تارة يكون معسراً بحق خاص لك،وتارة يكون معسراً بحق لغيرك،
    والحديث يشمل الأمرين: "مَنْ يَسّرَ على مُعسَرٍ يَسّرَ الله عَلَيهِ" .

    لكن إذا كان الحق لك فالتيسير واجب، وإن كان لغيرك فالتيسير مستحب،مثال ذلك:رجل يطلب
    شخصاً ألف ريال،والشخص معسر،فهنا يجب التيسير عليه لقول الله تعالى:
    (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)
    [البقرة:280]
    ولا يجوز أن تطلبه منه ولا أن تعرض بذلك،
    ولا أن تطالبه عند القاضي لقوله تعالى
    (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)
    (البقرة: الآية280)
    ومن هنا نعرف خطأ أولئك القوم الذين يطلبون المعسرين ويرفعونهم للقضاء ويطالبون بحبسهم،
    وأن هؤلاء- والعياذ بالله - قد عصوا الله عزّ وجل ورسوله فإن الله تعالى يقول:
    (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة) .

    فإن قال قائل: ما أكثر أهل الباطل في الوقت الحاضر الذين يدعون الإعسار وليسوا بمعسرين،
    فصاحب الحق لايثق بادعائهم الإعسار؟

    فنقول:نعم، الأمانات اليوم اختلفت لا شك، وقد يدعي الإعسار من ليس بمعسر،
    وقد يأتي بالشهود على أنه معسر،لكن أنت إذا تحققت أو غلب على ظنك أنه
    معسر وجب عليك الكف عن طلبه ومطالبته.

    أما إذا علمت أن الرجل صاحب حيلة وأنه موسر لكن ادعى الإعسار من أجل أن يماطل
    بحقك فهنا لك الحق أن تطلب وتطالب، هذا بالنسبة للمعسر بحق لك.

    أما إذا كان معسراً بحق لغيرك فإن التيسير عليه سنة وليس بواجب،اللهم إلا أن تخشى
    أن يُساء إلى هذا الرجل المعسر ويحبس بغير حق وما أشبه ذلك،فهنا قد نقول بوجوب
    إنقاذه من ذلك، ويكون هذا واجباً عليك مادمت قادراً.

    6 -أن التيسير على المعسر فيه أجران: أجر في الدنيا وأجر في الآخرة.

    فإن قال قائل: لماذا لم يذكر الدنيا في الأول: "مَنْ نَفّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُنيَا
    نَفّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوم القيامَةِ" فقط؟

    قلنا : الفرق ظاهر، لأن من نفس الكربة أزالها فقط،لكن الميسر على المعسر فيه زيادة
    عمل وهو التيسير، وفرق بين من يرفع الضرر ومن يحدث الخير.

    فالميسر محدث للخير وجالب للتيسير، والمفرج للكربة رافع للكربة فقط، هذا والله أعلم
    وجه كون الأول لا يجازى إلا في الآخرة، والثاني يجازى في الدنيا والآخرة.

    7 - الحث على الستر على المسلم لقوله: "وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة".

    ولكن دلت النصوص على أن هذا مقيد بما إذا كان الستر خيراً، والستر ثلاثة أقسام:

    القسم الأول:أن يكون خيراً.

    والقسم الثاني: أن يكون شراً.

    والقسم الثالث:لا يدرى أيكون خيراً أم شراً.

    أما إذا كان خيراً فالستر محمود ومطلوب.

    مثاله:رأيت رجلاً صاحب خلق ودين وهيئة- أي صاحب سمعة حسنة - فرأيته في خطأ وتعلم
    أن هذا الرجل قد أتى الخطأ قضاءً وقدراً وأنه نادم، فمثل هذا ستره محمود ، وستره خير .

    الثاني: إذا كان الستر ضرراً: كالرجل وجدته على معصية،أو على عدوان على الناس
    وإذا سترته لم يزدد إلا شراً وطغياناً، فهنا ستره مذموم ويجب أن يكشف أمره لمن يقوم بتأديبه،
    إن كانت زوجة فترفع إلى زوجها، وإن كان ولداً فيرفع إلى أبيه،
    وإن كان مدرساً يرفع إلى مدير المدرسة، وهلم جرا.

    المهم: أن مثل هذا لا يستر ويرفع إلى من يؤدبه على أي وجه كان،لأن مثل هذا إذا ستر
    - نسأل الله السلامة- ذهب يفعل ما فعل ولم يبال.

    الثالث:أن لا تعلم هل ستره خير أم كشفه هو الخير: فالأصل أن الستر خير،ولهذا يذكر في الأثر
    ( لأن أخطىء في العفو أحب إليّ من أن أخطىء في العقوبة) فعلى هذا نقول: إذا ترددت
    هل الستر خير أم بيان أمره خير، فالستر أولى، ولكن في هذه الحال تتبع أمره، لا تهمله،
    لأنه ربما يتبين بعد ذلك أن هذا الرجل ليس أهلاً للستر.

    8 - أن الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه،ففيه الحث على عون إخوانه من
    المسلمين في كل ما يحتاجون إلى العون فيه حتى في تقديم نعليه له إذا كان يشق على صاحب
    النعلين أن يقدمهما،وحتى في إركابه السيارة، وحتى في إدناء فراشه له إذا كان في بَرٍّ أو ما أشبه ذلك.

    فباب المعونة واسع، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

    9 -علم الله عزّ وجل بأمور الخلق وأنه يعلم من نفس عن مؤمن كربة، ومن يسر على معسر،
    ومن ستر مسلماً، ومن أعان مسلماً ، فالله تعالى عليم بذلك كله.

    10 - بيان كمال عدل الله عزّ وجل، لأنه جعل الجزاء من جنس العمل،

    وليتنا نتأدب بهذا الحديث
    ونحرص على تفريج الكربات وعلى التيسير على المعسر،وعلى ستر من يستحق الستر،
    وعلى معونة من يحتاج إلى معونة، لأن هذه الآداب ليس المراد بها مجرد أن ننظر فيها وأن نعرفها،
    بل المراد أن نتخلق بها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ساقها من أجل أن نتخلق بها،
    لا يريد منا أن نعلمها فقط، بل يريد أن نتخلق بها ولذلك كان سلفنا الصالح من الصحابة
    رضي الله عنهم والتابعين - رحمهم الله - يتخلقون بالأخلاق التي يعلمهم نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .


    11- الحث على معونة أخيك المسلم، ولكن هذا مقيد بما إذا كان على بر وتقوى،لقول الله تعالى:
    (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)
    (المائدة: الآية2)
    أما على غير البر والتقوى فينظر:

    إن كان على إثم فحرام،لقوله تعالى:
    (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )
    (المائدة: الآية2)

    وإن كان على شيء مباح فإن كان فيه مصلحة للمعان فهذا من الإحسان،وهو داخل في عموم
    قول الله تعالى:
    ( وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
    [المائدة:93]
    وإن لم يكن فيه مصلحة للمعان
    فإن معونته إياه أن ينصحه عنه، وأن يقول: تجنب هذا، ولا خير لك فيه.

    12 - أن الجزاء من جنس العمل، بل الجزاء أفضل، لأنك إذا أعنت أخاك كان الله في عونك،
    وإذا كان الله في عونك كان الجزاء أكبر من العمل.

    13 - الحث على سلوك الطرق الموصلة للعلم،وذلك بالترغيب فيما ذكر من ثوابه.

    14 - الإشارة إلى النية الخالصة، لقوله : "يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً" أي يطلب العلم للعلم،فإن كان طلبه رياءً
    وهو مما يبتغى به وجه الله عزّ وجل كان ذلك إثماً عليه.

    وما ذكر عن بعض العلماء من قولهم: ( طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله ) فمرادهم أنهم
    في أول طلبهم لم يستحضروا نية كونه لله عزّ وجل ثم فتح الله عليهم ولا يظهر أنهم أرادوا
    أنهم طلبوا العلم رياءً، لأن هذا بعيد لا سيما في الصدر الأول.

    15 - إطلاق الطريق الموصل للعلم، فيشمل الطريق الحسي الذي تطرقه الأقدام، والطريق المعنوي الذي تدركه الأفهام.

    الطريق الحسي الذي تطرقه الأقدام: مثل أن يأتي الإنسان من بيته إلى مدرسته، أو من بيته إلى مسجده،
    أو من بيته إلى حلقة علم في أي مكان.

    أما الذي تدركه الأفهام: فمثل أن يتلقى العلم من أهل العلم، أو يطالع الكتب،أوأن يستمع إلى الأشرطة وما أشبه ذلك.

    16 - أن الجزاء من جنس العمل، فكلما سلك الطريق يلتمس فيه العلم سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.

    17 - أنه ينبغي الإسراع في إدراك العلم وذلك بالجد والاجتهاد، لأن كل إنسان يحب أن يصل إلى الجنة
    على وجه السرعة، فإذا كنت تريد هذا فاعمل العمل الذي يوصل إليها بسرعة.

    18 - أن الأمور بيد الله عزّ وجل، فبيده التسهيل، وبيده ضده، وإذا آمنت بهذا فلا تطلب التسهيل إلا من الله عزّ وجل.

    19 -الحث على الاجتماع على كتاب الله عزّ وجل، ثم إذا اجتمعوا فلهم ثلاث حالات:

    الحال الأولى:أن يقرؤوا جميعاً بفم واحد وصوت واحد، وهذا على سبيل التعليم لا بأس به،كما يقرأ
    المعلم الآية ثم يتبعه المتعلمون بصوت واحد، وإن كان على سبيل التعبد فبدعة،
    لأن ذلك لم يؤثر عن الصحابة ولا عن التابعين.

    الحال الثانية:أن يجتمع القوم فيقرأ أحدهم وينصت الآخرون، ثم يقرأ الثاني ثم الثالث ثم الرابع وهلم جراً،
    وهذا له وجهان:

    الوجه الأول: أن يكرروا المقروء، فيقرأ الأول مثلاً صفحة، ثم يقرأ الثاني نفس الصفحة،
    ثم الثالث نفس الصفحة وهكذا، وهذا لا بأس به ولا سيما لحفاظ القرآن الذين يريدون تثبيت حفظهم.

    الوجه الثاني:أن يقرأ الأول قراءة خاصة به أو مشتركة، ثم يقرأ الثاني غير ما قرأ الأول،
    وهذا أيضاً لا بأس به.

    وكان علماؤنا ومشايخنا يفعلون هذا،فيقرأ مثلاً الأول من البقرة، ويقرأ الثاني الثمن الثاني،
    ويقرأ الثالث الثمن الثالث وهلم جراً، فيكون أحدهم قارئاً والآخرون مستمعين، والمستمع
    له حكم القارىء في الثواب، ولهذا قال الله عزّ وجل في قصة موسى وهارون:
    (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا )
    (يونس: الآية89)
    والداعي موسى عليه السلام ،
    كما قال الله تعالى:
    (
    وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
    رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا
    الْعَذَابَ الْأَلِيمَ* قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا
    )
    [يونس:88-89]
    قيل:إن موسى يدعو وهارون يؤمن ، ولهذا شرع للإنسان
    المستمع لقراءة القارىء إذا سجد القارىء أن يسجد.

    الحال الثالثة:أن يجتمعوا وكل إنسان يقرأ لنفسه دون أن يستمع له الآخرون،
    وهذه هو الذي عليه الناس الآن، فتجد الناس في الصف في المسجد
    كلٌّ يقرأ لنفسه والآخرون لا يستمعون إليه.

    20- إضافة المساجد إلى الله تشريفاً لها لأنها محل ذكره وعبادته.

    والمضاف إلى الله عزّ وجل إما صفة، وإما عين قائمة بنفسها، وإما وصف في عين قائمة بنفسها.

    الأول الذي من صفات الله عزّ وجل كقدرة الله وعزة الله،وحكمة الله وما أشبه ذلك.

    الثاني :العين القائمة بنفسها مثل: ناقة الله، مساجد الله، بيت الله، فهذا يكون مخلوقاً
    من مخلوقات الله عزّ وجل لكن أضافه الله إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً.

    الثالث:أن يكون عين قائمة بنفسها ولكنها في عين أخرى مثل: روح الله كما قال الله عزّ وجل:
    ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا )
    (التحريم: الآية12)
    وقال في آدم:
    (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي )
    (الحجر: الآية29)
    فهنا ليس المراد روح الله عزّ وجل نفسه، بل المراد من الأرواح التي خلقها،
    لكن أضافها إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً.

    21 - أن رحمة الله عزّ وجل تحيط بهؤلاء المجتمعين على كتاب الله، لقوله:
    "وَغَشيتهم الرَّحمَةُ" أي أحاطت بهم من كل جانب كالغشاء وهو الغطاء يكون على الإنسان.

    23 - أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت من بيوت الله،لينالوا بذلك شرف المكان،
    لأن أفضل البقاع المساجد.

    24 - تسخير الملائكة لبني آدم، لقوله: "حَفَّتهم المَلائِكة" فإن هذا الحف إكرام لهؤلاء التالين لكتاب الله عزّ وجل.

    25- إثبات الملائكة،والملائكة عالم غيبي، كما سبق الكلام عليهم في شرح حديث جبريل عليه السلام.

    26 - أن الله عزّ وجل بأعمال العباد، لقوله: "وَذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَن عِنده" جزاء لذكرهم ربهم عزّ وجل بتلاوة كتابه.

    27 - أن الله عزّ وجل يجازي العبد بحسب عمله، فإن هؤلاء القوم لما تذاكروا بينهم،
    وكان كل واحد منهم يسمع الآخر،ذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة تنويهاً بهم ورفعة لذكرهم.

    وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى قال: "أَنَا عِند ظَنِّ عَبدي بي، وَأَنَا مَعَهُ،إِذَا ذَكَرَني في نَفسِهِ
    ذَكَرتهُ في نَفسي،وَإِن ذَكَرَني في مَلأ ذَكَرتهُ في مَلأ خير مِنهُم" .

    28 - أن النسب لا ينفع صاحبه إذا أخره عن صالح الأعمال لقوله: "مَن بطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ" يعني أخَّره "لَم يُسرِع بِهِ نَسَبُهُُ".

    فإن لم يبطىء به العمل وسارع إلى الخير وسبق إليه، فهل يسرع به النسب؟

    فالجواب:لا شك أن النسب له تأثير وله ميزة، ولهذا نقول : جنس العرب خير من غيرهم
    من الأجناس، وبنو هاشم أفضل من غيرهم من قريش،كما جاء في الحديث
    "إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة،واصطفى من كنانة قريشاً،
    واصطفى من قريش بني هاشم،واصطفاني من بني هاشم"
    وقال "خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية إذا فقهوا".

    فالنسب له تأثير ، لذلك تجد طبائع العرب غير طبائع غيرهم،فهم خير في الفهم،
    وخير في الجلادة وخير في الشجاعة وخير في العلم ، لكن إذا أبطأ بهم العمل صاروا شراً من غيرهم.

    انظر إلى أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كانت أحواله؟

    كانت أحواله أن الله تعالى أنزل فيه سورة كاملة
    (
    تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ* سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ *
    وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ
    )
    [المسد:1-5].

    29 - أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنسبه وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى والله الموفق.


  2. #42
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    الحـــديث " السـابع والثلاثون "



    (عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم
    فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ:


    (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ
    فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ
    ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ.


    وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً
    )



    رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيْهِمَا بِهَذِهِ الحُرُوْفِ.





    مـعنى الحـــديــث :


    قوله"فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ"
    يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثاً قدسياً.


    وقوله "كَتَبَ"
    أي كتب وقوعها وكتب ثوابها، فهي واقعة بقضاء الله وقدره
    المكتوب في اللوح المحفوظ، وهي أيضاً مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث.

    أما وقوعها: ففي اللوح المحفوظ.

    وأما ثوابها: فبما دل عليه الشرع.


    "ثُمَ بَيَّنَ ذَلِك"
    أي فصله

    "فَمَن هم بِحَسَنةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً"
    والمهم هنا ليس مجرد
    حديث النفس، لأن حديث النفس لا يكتب للإنسان ولا عليه، ولكن المراد عزم على
    أن يفعل ولكن تكاسل ولم يفعل، فيكتبها الله حسنة كاملة.

    فإن قيل: كيف يثاب وهو لم يعمل؟

    فالجواب: يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة.

    واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:

    الوجه الأول:أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تعالى:

    ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )
    (النساء: الآية100)

    وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهباً يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائماً ثم يعجز
    أن يصلي قائماً فهذا يكتب له أجر الصلاة قائماً، لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه.

    الوجه الثاني:أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها،
    فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا،
    ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة،وقال:
    يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؟
    فقال: "صَلِِّ هَاهُنَا" فكرر عليه، فقال له "شَأنُكَ إذاً" فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى.

    الوجه الثالث:أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى،فقرع عليه
    الباب أحد أصحابه وقال له:هيا بنا نتمشى،فترك الصلاة وذهب معه يتمشى،فهذا يثاب
    على الهم الأول والعزم الأول، ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر،
    وبدون انتقال إلى ما هو أفضل.

    "وَإِن هَمَّ بِهَا فَعمَلَهَا"
    تكتب عشر حسنات - والحمد لله - ودليل هذا من القرآن
    قول الله تعالى:
    (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)
    (الأنعام:160)


    " كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ"
    هذه العشر حسنات كتبها الله على نفسه ووعد به وهو لا يخلف الميعاد

    "إلى سَبعمَائةِ ضِعف"
    وهذا تحت مشيئة الله تعالى، فإن شاء ضاعف إلى هذا، وإن شاء لم يضاعف.

    "إلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ" يعني أكثر من سبعمائة ضعف.

    "وَإِن هَمَّ بِسَيئةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنةً كَامِلَةً"
    ولهذا قال الله عزّ وجل:
    ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)
    (الأنعام: الآية54)
    وقال الله تعالى في الحديث القدسي:
    "إِنَّ رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ" وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال، والجزاء على الأعمال السيئة.

    قال النووي - رحمه الله - :

    فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ

    "عِندَهُ"
    إشارة إلى الاعتناء بها.



    "كَامِلَةً"
    إشارة إلى الاعتناء بها.

    وقوله: "كَامِلَةً"
    للتأكيد وشدة الاعتناء بها.

    وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فأكدها بكاملة
    وإن عملها كتبها سيئة واحدة، فأكد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة،
    سبحانه لا نحصي ثناءً عليه ، وبالله التوفيق.

    هذا تعليق طيب من المؤلف - رحمه الله - .




    من فــوائــــد هذا الحـديــث:


    1- رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه،وما رواه عن ربه في الأحاديث القدسية:
    هل هو من كلام الله عزّ وجل لفظاً ومعنى، أو هو كلام الله معنى واللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

    اختلف المحدثون في هذا على قولين، والسلامة في هذا أن لا تتعمق في البحث في هذا،
    وأن تقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل وكفى .

    2 - اثبات كتابة الحسنات والسيئات وقوعاً وثواباً وعقاباً، لقوله إن الله كتب الحسنات والسيئات.

    3 - أن الحسنات الواقعة والسيئات الواقعة قد فرِغ منها وكتبت واستقرت.

    ولكن ليس في هذا حجة للعاصي على معاصي الله، لأن الله تعالى أعطاه سمعاً وبصراً
    وفهماً وأرسل إليه الرسل، وبيّن له الحق وهو لا يدري ماذا كُتِبَ له في الأصل،
    فكيف يقحم نفسه في المعاصي،ثم يقول: قد كتبت عليَّ، لماذا لم يعمل بالطاعات ويقول: قد كتبت لي؟‍‍ ‍!!

    فليس في هذا حجة للعاصي على معصيته:

    أولاً: للدليل الأثري، وثانياً: للدليل النظري.

    أما الأثري: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للصحابة: "مَا مِنكُم مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقعَدهُ مِنَ الجَنةِ وَالنَّار"
    قَالوا:يَا رَسُول الله أَفَلا نَدع العَمَلَ وَنَتَّكِلَ عَلَى الكِتَابِ الأَولِ ؟ قَالَ: "لاَ، اعمَلوا فَكل ميسر لِمَا خُلِقَ لَهُ"
    هذا دليل، يعني لا تعتمد على شيء مكتوب وأنت لا تدري عنه "اعمَلوا فَكل ميسرٍ لِمَا خُلِقَ لَهُ،
    أَمَّا أَهلُ السعَادَةِ فَيُيَسّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ،وَأَمَا أَهَلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ الشَّقَاوَةِ،
    ثُمَ تَلاَ قَولَهُ تَعالَى:

    (
    فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*
    وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى
    )"
    [الليل:5-10].

    فهذا دليل أثري، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع الاتكال على ما كتب وأن نعمل.

    أما الدليل النظري العقلي فيقال لهذا الرجل: ما الذي أعلمك أن الله كتبك مسيئاً؟
    هل تعلم قبل أن تعمل الإساءة؟

    الجواب:لا،كلنا لا نعلم المقدور إلا إذا وقع، فلا حجة عقلية ولا حجة أثرية.

    4 - إثبات أفعال الله عزّ وجل لقوله: "كَتَبَ" وسواء قلنا إنه أمر بأن يكتب، أو كتب بنفسه عزّ وجل.

    وهذه المسألة اختلف فيها الناس،وليس هذا موضع ذكر الاختلاف،لأن كلامنا على شرح الحديث.

    والذي عليه أهل السنة والجماعة: أن صفات الله عزّ وجل: فعلية متعلقة بمشيئته، وذاتية لازمة لله.

    5 - عناية الله عزّ وجل بالخلق حيث كتب حسناتهم وسيئاتهم قدراً وشرعاً.

    6 - أن التفصيل بعد الإجمال من البلاغة، يعني أن تأتي بقول مجمل ثم تفصله،
    لأنه إذا أتى القول مجملاً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل،فيأتي التفصيل والبيان
    وارداً على نفس مشرئبة مستعدة، فيقع منها موقعاً يكون فيه ثبات الحكم.

    7 - فضل الله عزّ وجل ولطفه وإحسانه أن من هم بالحسنة ولم يعملها كتبها الله حسنة،
    والمراد بالهم: العزم، لا مجرد حديث النفس، لأن الله تعالى عفا عن حديث النفس لا للإنسان ولا عليه.

    وسبق شرح أحوال من هم بالحسنة ولم يعملها فليرجع إليه.

    8 - مضاعفة الحسنات، وأن الأصل أن الحسنة بعشر أمثالها، ولكن قد تزيد إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.

    ومضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور ، منها:

    الأول: الزمان، مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة
    "مَا مِنْ أَيَّام العَمَلُ الصَّالِحُ فِيْهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشر قَالوا:
    ولاَ الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ، قَالَ: وَلا الجِهَادُ في سَبيلِ الله" هذا عظم ثواب العمل بالزمن.

    ومن ذلك قوله تعالى:
    (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)
    (القدر:3)

    الثاني: باعتبار المكان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    "صَلاَةٌّ في مَسجِدي هَذا أَفضَلُ مِنْ أَلفِ صَلاَة فيمَا سِواهُ إِلاَّ مَسجِدِ الكَعبَة"

    الثالث: باعتبار العمل فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي
    "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مَمَّا افتَرَضْتُ عَلَيْهِ" فالعمل الواجب أفضل من التطوع.

    الرابع: باعتبار العامل قال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين
    عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما- ما وقع "لاَ تَسِبوا أَصحَابي،فوالذي نَفسي بيَدِهِ
    لَو أَنفَقَ أَحَدُكُم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مَد أَحَدِكُم ولاَ نصيفَهُ" .

    وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل و متدبر الأدلة.

    أيضاً يتفاضل العمل بالإخلاص، فلدينا ثلاثة رجال: رجل نوى بالعمل امتثال أمر الله عزّ وجل
    والتقرب إليه،وآخر نوى بالعمل أنه يؤدي واجباً، وقد يكون كالعادة،
    والثالث نوى شيئاً من الرياء أو شيئاً من الدنيا.

    فالأكمل فيهم: الأول، ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها،
    ثم نستحضر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها،حتى يتحقق لنا الإخلاص والمتابعة.

    9 - أن من هم بالسيئة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، وقد مر التفصيل في ذلك أثناء الشرح،
    فإن هم بها وعملها كتبها الله سيئة واحدة.

    ولكن السيئات منها الكبائر والصغائر،كما أن الحسنات منها واجبات وتطوعات
    ولكلٍ منهما الحكم والثواب المناسب، والله الموفق.



  3. #43
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    الحـــديث " الثــامن والثلاثون "



    (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :

    (إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ
    )


    رواه البخاري.






    مـعنى الحـــديــث :

    هذا حديث قدسيّ كالذي سبقه، وقد تكلمنا على ذلك.

    قوله
    "مَنْ عَادَى لِي وَليَّاً"

    أي اتخذه عدواً له، ووليُّ الله عزّ وجل بيَّنه الله عزّ وجل
    في القرآن، فقال:

    (
    أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
    ) [يونس:62-63].

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- من كان مؤمناً تقياً كان لله وليَّاً أخذه من الآية:

    (
    الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
    )
    [يونس:63]

    والمقصود بالولاية :
    القرب من الله جل وعلا بالطاعات والبعد والكف عن المعاصي ،
    فمن تقرب من الله أطاع الله عز وجل وكف عن المعاصي فهو ولي من أولياء الله ،
    والولاية هنا درجات تبدأ بعمل الواجبات الأساسية ومن ثم كلما ارتقى الإنسان بعمل النوافل والمستحبات ارتقى في درجات الولاية ،
    وليس كما يفهم بعض الناس أن الولاية درجة لسقوط التكاليف الشرعية عن الإنسان !!، بل العكس هو الصحيح !
    أنه كل ما زادت عبادة الإنسان لله عز وجل ازداد قربا وولاية من الله سبحانه وتعالى .

    وقوله
    "فَقَدْ آذَنْتُهُ ِبالحَرْبِ"
    أي أعلنت عليه الحرب، وذلك لمعاداته أولياء الله .. وهذا يدل على عظمة الذنب الشديد الذي تعامل به هذا الإنسان لأنه استوجب حرب الله عليه !


    "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ"
    ولكن الفرائض
    تختلف كما سنبين إن شاء الله في الفوائد، إنما جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس النوافل.


    "وَلاَ يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"
    لايزال:هذا من أفعال الاستمرار،
    أي أنه يستمر يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله عزّ وجل،
    و (حتى) هذه للغاية، فيكون من أحباب الله .
    والنوافل متعددة وكثيرة وهي لا حصر لها كنوافل الصلاة ، نوافل الصيام ، نوافل قراءة القرآن ، نوافل الإنفاق ،
    نوافل نفع الآخرين بالبدن ، نوافل نفع الآخرين بالمال ، نفع الآخرين بالتفكير والرأي ،
    نفع الآخرين بالدلالة على الخير ، نفع الآخرين بالدعاء لهم ... وغيرها كثير !

    "فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا"


    "كُنْتُ سَمْعَهُ"
    من المعلوم أن الحديث ليس على ظاهره،
    لأن سمع المخلوق حادث ومخلوق وبائن عن الله عزّ وجل، فما معناه إذن؟

    قيل:
    معناه أن الإنسان إذا كان وليّاً لله عزّ وجل وتذكر ولاية الله حفظ سمعه،
    فيكون سمعه تابعاً لما يرضي الله عزّ وجل.

    وكذلك يقال في بصره، وفي: يده، وفي: رجله.

    وقيل:
    المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله، ويكون المعنى:
    أن يُوفّق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش. وهذا أقرب،
    أن المراد: تسديد الله تعالى العبد في هذه الجوارح.
    أي أن هذا الإنسان لا يسمع إلا ما يرضي الله فلا يستعمل سمعه إلا بما يرضي الله ولا يستعمل بصره إلا بما يرضي الله
    فيبقي محفوظ من الله سبحانه وتعالى وكذلك بقية جوارحه ،

    "
    وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأَعْطيَنَّهُ
    "
    يعني إذا دعاني أو سألني سأستجيب له ،

    "
    وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ
    "
    أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له
    والاستعاذة التي بها النجاة من المرهوب، وأخبر أنه سبحانه وتعالى
    يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ماسأل، ويعيذه مما استعاذ



    من فــوائــــد هذا الحـديــث:


    1.
    أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لقوله: "فَقَدْ آذَنتُهُ بِالحَرْبِ" وهذه عقوبة خاصة على عمل خاص،
    فيكون هذا العمل من كبائر الذنوب.

    2.
    إثبات أولياء الله عزّ وجل، ولا يمكن إنكار هذا لأنه ثابت في القرآن والسنة،
    ولكن الشأن كل الشأن تحقيق المناط، بمعنى: من هو الولي؟
    هل تحصل الولاية بالدعوى أو تحصل بهيئة اللباس؟ أو بهيئة البدن؟

    الجواب: لا، فالولاية بينها الله عزّ وجل بقوله:
    (
    الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
    )
    [يونس:63]
    فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً.

    واعلم أن ولاية الله عزّ وجل نوعان: عامة وخاصة.

    فالعامة: ولايته على الخلق كلهم تدبيراً وقياماً بشؤونهم، وهذا عام لكل أحد، للمؤمن والكافر،
    والبر والفاجر، ومنه قوله تعالى:
    (
    حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ
    )
    [الأنعام:61-62].

    وولاية خاصة: وهي ولاية الله عزّ وجل للمتقين، قال الله عزّ وجل:
    (
    اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
    )
    (البقرة: الآية257)
    فهذه ولاية خاصة وقال الله عزّ وجل:
    (
    أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
    ) [يونس:62-63].

    فإن قال قائل: هل في ثبوت ولاية الله تعالى لشخص أن يكون واسطة بينك وبين الله
    في الدعاء لك وقضاء حوائجك وما أشبه ذلك؟

    فالجواب: لا، فالله تعالى ليس بينه وبين عباده واسطة، وأما ا لجاهلون المغرورون فيقولون:
    هؤلاء أولياء الله وهم واسطة بيننا وبين الله. فيتوسلون بهم إلى الله أولاً ثم يدعونهم من دون الله ثانياً.

    3 .
    إثبات الحرابة لله عزّ وجل، لقوله: "آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ" وقد ذكر الله تعالى ذلك في الربا
    أيضاً فقال:
    (
    فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
    )
    (البقرة: الآية279)

    ،
    وذكر ذلك أيضاً في عقوبة قطاع الطريق:
    (
    إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ
    فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْض
    )
    (المائدة: الآية33)


    4.
    إثبات محبة الله وأنها تتفاضل، لقوله: "وَمَاتَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ".

    5.
    أن الأعمال الصالحة تقرب إلى الله عزّ وجل، والإنسان يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة
    الله على الوجه الأكمل من الإخلاص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه قَرُبَ من الله عزّ وجل.
    وهذا لايدركه إلا الموفقون، وإلا فما أكثر الذين يصلون ويتصدقون ويصومون،
    ولكن كثيراً منهم لايشعر بقربه من الله، وشعور العبد بقربه من الله لاشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه.

    6.
    أن أوامر الله عزّ وجل قسمان: فريضة، ونافلة. والنافلة: الزائد عن الفريضة،
    ووجه هذا التقسيم قوله: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ.
    ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".

    7.
    تفاضل الأعمال من حيث الجنس كما تتفاضل من حيث النوع. فمن حيث الجنس:
    الفرائض أحب إلى الله من النوافل. ومن حيث النوع:الصلاة أحب إلى الله مما دونها
    من الفرائض، ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله : أي الأعمال - أو العمل -
    أحب إلى الله؟ فقال: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا"

    فالأعمال تتفاضل في أجناسها، وتتفاضل أجناسها في أنواعها، بل وتتفاضل أنواعها في أفرادها.
    فكم من رجلين صليا صلاة واحدة واختلفت مرتبتهما ومنزلتهما عند الله كما بين المشرق والمغرب.

    8.
    الحثّ على كثرة النوافل، لقوله تعالى في الحديث القدسي:
    "وَلاَيَزَالُ عَبدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".

    9.
    أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عزّ وجل، لأن: (حتى) للغاية،
    فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك.

    ولكن اعلم أن هذا الجزاء والمثوبة على الأعمال إنماهو على الأعمال التي جاءت على وفق الشرع،
    فما كل صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وما كل نافلة تقرّب إلى الله عزّ وجل،
    أقول هذا لاتيئيساً ولكن حثّاً على إتقان العبادة وإكمال العبادة،
    حتى ينال العبد الثواب المرتب عليها في الدنيا والآخرة.

    ولذلك كثير من الناس يصلّون الصلوات الخمس والنوافل ولايحس أن قلبه نفر من المنكر،
    أو نفر من الفحشاء، هو باقٍ على طبيعته. لماذا هل هو لنقص الآلة، أو لنقص العامل؟

    الجواب: لنقص العامل.

    10.
    أن الله تعالى إذا أحب عبداً سدده في سمعه وبصره ويده ورجله، أي في كل حواسه بحيث
    لايسمع إلا ما يرضي الله عزّ وجل، وإذا سمع انتفع، وكذلك أيضاً لايطلق بصره إلا فيما يرضي
    الله وإذا أبصر انتفع، كذلك في يده: لايبطش بيده إلا فيما يرضي الله، وإذا بطش فيما يرضي الله انتفع،
    وكذلك يقال في الرِّجل.

    11 .
    أن الله تعالى إذا أحب عبداً أجاب مسألته وأعطاه ما يسأل وأعاذه مما يكره،
    فيحصل له المطلوب ويزول عنه المرهوب.

    يحصل له المطلوب في قوله:
    "وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعْطِيَنَّهُ"
    ويزول المرهوب في قوله:
    "وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنَي لأُعِيذَنَّهُ".

    فإن قال قائل: هل هذا على إطلاقه، أي أنه إذا سأل الإنسان أي شيء أجيب مادام متصفاً بهذه الأوصاف؟

    فالجواب: لا، لأن النصوص يقيد بعضها بعضاً، فإذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلماً لإنسان
    فإنه لايستجاب له، حتى وإن كان يكثر من النوافل، حتى وإن بلغ هذه المرتبة العظيمة وهي:
    محبة الله له فإنه إذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلم فإنه لايستجاب له،
    لأن الله عزّ وجل أعدل من أن يجيب مثل هذا.

    12 .
    كرامة الأولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم قد آذنه الله بالحرب.

    13 . أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لأن الله تعالى جعل ذلك إذناً بالحرب. والله أعلم.




  4. #44
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    الحديث التاسع والثلاثون



    عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:



    " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".



    (حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما)


    شرح وفوائد الحديث



    قوله صلى الله عليه وسلم :

    ((إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))



    أي تجاوز عنهم إثم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ،

    وأما حكم الخطأ والنسيان والمكره عليه فغير مرفوع ،

    فلو أتلف شيئاً خطأ أو ضاعت منه الوديعة نسياناً ضمن ،

    ويستثنى من الإكراه على لاالزنا والقتل فلا يباحان بالإكراه ،

    ويستثنى من النسيان ما تعاطى الإنسان سببه فإنه يأثم بفعله لتقصيره.

  5. #45
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    الحديث الأربعون



    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمنكبي فقال:


    " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "



    وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:

    إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".

    (رواه البخاري)



    شرح وفوائد الحديث



    قوله صلى الله عليه وسلم :
    (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))

    أي لا تركن إليها ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق الغريب به في غير وطنه الذي يريد الذهاب منه إل أهله ، وهذا معنى قول سلمان الفارسي رضي الله عنه



    أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا أتخذ من الدنيا إلا كمتاع الراكب
    .



    وفي الحديث دليل على قصر الأمل وتقديم التوبة والاستعداد للموت فإن أمل فليقل إن شاء الله تعالى ، قال الله تعالى :

    {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله}
    [الكهف:23-24].


    قوله(وخذ من صحتك))

    أمره صلى الله عليه وسلم أن يغتنم أوقات الصحة بالعمل الصالح فيها ، فإنه يعجز عن الصيام والقيام ونحوها لعلة تحصل من المرض والكبر.




    وقوله صلى الله عليه وسلم :
    (( ومن حياتك لموتك))،

    أمره صلى الله عليه وسلم بتقديم الزاد.


    وهذا كقوله تعالى:

    {نظر نفسٌ ما قَدَّمتْ لِغدٍ}
    [الحشر:18].


    لا يفرط فيها حتى يدركه الموت فيقول :

    {رب ارجعونِ لعلي أعمل صالحاً فيما تركت }

    [المؤمنون:99:100].




    وقال الغزالي رحمه الله تعالى :

    ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بها الأعمال الصالحة ،فإذا اكتسب خيراً ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك إلى الشبكة ، وهو البدن الذي فارقه بالموت ، ولا شك أن الإنسان إذا مات انقطعت شهوته من الدنيا واشتهت نفسه العمل الصالح لأنه زاد القبر ، فإن كان معه استغنى به وإن لم يكن معه طلب الرجوع منها إلى الدنيا ليأخذ منها الزاد ،

    وذلك بعد ما أخذت منه الشبكة فيقال له:
    هيهات قد فات!

    فيبقى متحيراً دائماً نادماً على تفريطه في أخذ الزاد قبل انتزاع الشبكة .
    فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

    وخذ من حياتك لموتك.




  6. #46
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة توتا ضياء مشاهدة المشاركة
    جزاك الله عنا كل خير


    نوتا ضياء
    مرور قيم احترمه
    بارك الله فيكِ واسعدك فى الدارين
    جعله الله في موازين حسناتك
    جزاكـ الله خير
    تحياتى
    حبيبها انا



  7. #47
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    تم بحمد الله

  8. #48
    الصورة الرمزية ندى العمر
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    11- 2011
    المشاركات
    868

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    جزاك الله خير الجزاء
    ونفع بك الاسلام والمسلمين
    مشكور على المجهود الرائع
    اسأل الله ان يجعله فى ميزان حسناتك

  9. #49
    الصورة الرمزية حبيبها انا قبلك
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    05- 2011
    المشاركات
    478

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى العمر مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خير الجزاء
    ونفع بك الاسلام والمسلمين
    مشكور على المجهود الرائع
    اسأل الله ان يجعله فى ميزان حسناتك

    ندى العمر
    ياسميتنا
    بارك الله فيكِ على المرور الطيب

    الذى انتظره دائما
    اشكر على الدعاء القيم
    واسأل الله العظيم ان يمن عليكى بنعمة الصحة والعافية
    اسعدالله حياتك بكل خير
    واطيب امنياتى
    حبيبها انا






  10. #50
    الصورة الرمزية هيام الحب
    Title
    مشرفة منتدى
    تاريخ التسجيل
    12- 2010
    المشاركات
    8,392

    رد: الآحاديث الآربعين النوويه _ مع الشرح والفوائد بإذن الله

    حبيبها انا









معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML