و كلمة صغيرتي هذه تجعلني أحس أكثر و أكثر بصغر حجمي و ضآلتي أمام هذا العملاق الحارق !
رفعت عيني أخيرا ببعض الجهد و أنا أضم شفتي مع بعضهما البعض استعدادا للنطق !
" بخير ... "
و لكن ... حين وصلت عيناي إلى جمرتيه ، كانتا قد ابتعدتا ...
لم يكن وليد ينظر إلي ، و لا حتى ينتظر جوابي !
لقد ألقى سؤاله بشكل عابر و أشاح بوجهه عني قبل أن يسمع حتى الإجابة ... و هاهي دانة تفتح الباب ... و هاهو يدخل من بعدها ... و يدخل والداي من بعده ... و ينغلق الباب من بعدهم !
وقفت متحجرة في مكاني لا شيء بي يتحرك ... حتى عيناي بقيتا معلقتين في النقطة التي ظنتا أنهما ستقابلان عيني وليد عندها ...
مرت برهة ... و أنا أحدق في الفراغ !
هل كان وليد هنا ؟؟
هل مر وليد من هنا ؟؟
هل رأته عيناي حقا ؟؟؟
لم أجد جوابا حقيقيا ...
بدا كل شيء كالوهم و الخيال !
أفقت من شرودي و استدرت ، و فتحت الباب فدخلت ... و وصلتني أصوات أفراد أسرتي من غرفة المعيشة ...
حركت قدمي بإعياء شديد متجهة إلى حيث هم يجلسون ...
كان وليد يجلس على مقعد كبير ، و هم إلى جانبيه ... لا أظن أن أحدا انتبه لوجودي ! وقفت عند مدخل الغرفة أراقبهم و جميعهم مسرورون و أنا تعيسة !
بعد قليل ، أمي قالت فجأة :
" أتشمون رائحة شيء يحترق ؟؟ "
الشيء الذي قفز إلى رأسي هو المقعد الذي يجلسون عليه ! ربما احترق من حرارة وليد !
و بالفعل شممت الرائحة !
" إنها قادمة من هناك ! "
و أشارت والدتي نحوي ... طبعا كانت تقصد من خارج الغرفة ألا أنني ألقيت نظرة سريعة على ملابسي لأتأكد من أنها لا تقصدني !
و قفت أمي و كذلك وقف الجميع ، و أقبلت هي مسرعة قاصدة التوجه نحو المطبخ ...
لم تجد ما يحترق هناك ... ثم سمعت صوتها تنادي بقوة:
" رغد تعالي إلى هنا "
ذهبت إليها ، كانت في غرفة الملابس ... تفصل سلك المكواة عن مقبس الكهرباء !
صحت :
" أوه ! يا إلهي ! "
و أسرعت إلى الفستان الذي نسيت المكواة فوقه و خرجت مسرعة لاستقبال وليد !
" انظري ما فعلت ! سترتدينه الليلة محروقا بهذا الشكل ! "
أخذت الفستان و جعلت أدقق النظر في البقعة المحروقة ، و أعض شفتي أسفا و حسرة ...
" ماذا سأفعل الآن ؟؟ "
قلت بيأس ... فأجابت أمي بغضب :
" ترتدينه محروقا ! فنحن لم نشتره لنرميه "
عند هذا الحد ... و لم أتمالك نفسي ...
و انخرطت في بكاء شديد رغما عني ...
في نفس اللحظة التي كانت أمي تغادر فيها الغرفة كان البقية مقبلين يتساءلون عما حدث و ما احترق ...
والدي قال :
" ماذا حصل ؟؟ "
أمي أجابت باستياء :
" تركت فستانها يحترق ! و قبل قليل كسرت الأطباق ! لا أعرف متى ستكبر هذه الفتاة "
كان الأمر سيغدو مختلفا لو أن وليد لم يكن موجودا يرى و يسمع ...
كم شعرت بالحرج و الخجل ...
إنني لست طفلة و مثل هذه الأمور لم تكن لتحدث لو أنني لم أكن مضطربة و مشتتة هذا اليوم ... كما و أن أمي لم تكن لتصرخ بوجهي هكذا لو لم تكن هي الأخرى مضطربة و قلقة ، بسبب الليلة ...
رميت بالفستان جانبا و أسرعت الخطى قاصدة الهروب و الاختفاء عن الأنظار ...