أغمضت عيني و تخيلت ...
تخيلت الباب ينفتح ، فأرى ما بالداخل ...
على ذلك السرير تجلس رغد بدفاتر تلوينها ، منهمكة في التلوين ...
و حين تحس بدخولي ترفع رأسها و تبتسم و تهتف : وليــــــــد !
ثم تقفز من سريرها و تركض إلي ... فألتقطها بين ذراعي و أحملها عاليا !
" أين أنتم ؟ عودوا أرجوكم ... لا تتركوني وحيدا ... "
كنت أبكي بحرقة و مرارة و عيناي تجولان في أنحاء المنزل و أتخيل أهلي من حولي ... هنا و هناك ...
و أتوهم سماع أصواتهم ...
لقد رحلوا ... و تركوا المنزل خاليا و الأبواب مقفلة ... و وليد وحيدا تائها ...
هل تخلوا عني ؟؟
هل أصبحت في نظرهم ماض يجب نسيانه ؟
مجرما يجب إلغائه من الحسبان ؟؟
كيف يمتنعون عن زيارتي و السؤال عني كل هذه السنين ...
ثم يرحلون ...
أخرجت الصورتين اللتين احتفظ بهما منذ سنين من أحد جيوبي ... و جعلت أتأمل وجوه أهلي و أناديهم ... واحدا تلو الآخر كالمجنون ...
أبي ...
أمي ...
سامر ...
دانه ...
رغد ...
لقد عدت !
أين أنتم ؟؟
أجيبوا أرجوكم ...
سيف ظل واقفا يراقب عن بعد ...
كنت لا أزال جاثيا عند باب غرفة رغد غارقا في الحزن و البكاء المرير ... حين لمحت شيئا لم أكن لألمحه لو لم أجثو بهذا الوضع ...
من بين دموعي المشوشة للرؤية أبصرت شيئا تحت باب غرفتي
مددت أصابعي و أخرجته ببعض الصعوبة ، فإذا به قصاصة ورق صغيرة مثنية
و حين فتحتها وجدت التالي :
( وليد ، لقد ذهبت مع أمي و أبي و دانة و سامر إلى المدينة الصناعية . عندما تعود تعال إلينا . أنا أنتظرك كما اتفقنا . رغد )
لكم أن تعذروا سيف للذهول الذي أصابه حين رآني أنهض واقفا فجأة ، و أطلق ضحكة قوية بين نهري الدموع الجاريين !
" وليد !! ماذا دهاك ؟؟ "
نظرت إليه و أنا أكاد أقفز فرحا و قلت :
" إنها رغد العزيزة تخبرني بأنهم في المدينة الصناعية ! هل رأيت شيئا كهذا ؟؟ "
و أخذت أحضن الورقة و الصور بجنون !
سيف قال :
" عقلية ... فذة ... أظن ذلك ! ! "
و ضحكنا من جديد .
و بعد يومين ، حين رتب سيف أموره للسفر ، انطلقنا أنا و هو بالسيارة ميممين وجهينا شطر المدينة الصناعية ...
لقد تكبلنا مشاقا لا حصر لها أثناء الطريق ، إذ أن الشوارع كانت مدمرة و اضطررنا لسلك طرق ملتوية و مطولة جدا ...
كما و أننا واجهنا عقبات مع الشرطة المحليين
إنني لمجرد روية شرطي ، ارتعش و أصاب بالذعر ... حتى و إن كان مجرد شرطي مرور ...