قطعة أدبية رائعة وحروف حزينة تنساب من تحت باب الحجرة (السجن) صرير الأبواب وارتفاع الأقفال دائما ينبؤ بالسجن ، فما الفرق بينه وبين حجرة تطل على اليباب وسيده الجراد الذي أصبح في العصر الحديث سمة موازية لضياع محصول الفلاحين ونهب قوتهم واستلابه منهم بالقوة.
ما تحاول ريم افرازه من نماذج للمرأة في هذه المقطوعة الأدبية الرائعة هي نموذجا تحتضنه أسئلة معيارية غاية في الحزن والتسكع على بوابة السجون … نموذج لا يؤمن بالنصيب المقترن بالعمل … ولا يؤمن بالمثل الذي يقول من زرع حصد فهذا كله في عرف يقال والعهدة على ما أشعره !!! الشعور الذاتي وحده هو المضاد الموضوعي لمثل هذه الأمثلة ولمثل هذه الحكمة التي انتشرت فيما مضى من زمن!!! هذا الكائن الحي كان مثالا مختلفا ومتناقضا مع مقولات من هذا النوع … هذا النوع من ذوات الدم الحار لم يعرف سوى فنون الموت … ولم يحتضن سوى الذكريات الحارقة … لأنه وبكل بساطة قد تصالح مع الفقد كسمة من سمات الهجر والقطيعة. هكذا وبكل بساطة قد تمثل الحزن حتى في الموسيقى التي غدت أشبه بمارشال جنائزي … نموذج مقهور يرى كل آماله مراقة على أرض يباب لا حياة فيها.
هكذا تبرز لنا الرائعة ريم انموذجا أنثويا خاصا وربما يمتلك مواصفات عصرية ولكنه نموذجا أنثويا يمتلك من الأمل ما هو مبتسر فحسب ، ومن الحنين ما هو خائب أيضا أمل يحاصره الخوف والخجل فيؤجل إنضمامه إلى عالم الواقع لكي يظل سابحا في فضاء ميتافيزيقي ينتظر إعلان فشله في أي لحظة تاريخية حاسمه.
لنرى طبيعة حياة هذا النموذج الذي حاولت الرائعة ريم تسليط الضوء عليه … من حيث ملامستها لحقائق الأشياء لديها تلك الحقائق المسكونة بالخداع والمشاهد الكاذبة … كائن يدرك مدى تهافت الأدوار التمثيلية في الحياة … وكم هو صعب أن تتحول العلاقة بين الأنثى والآخر إلى محض أدوار تمثيلية زائفة كي يكون اليقين العبء هو الغاية التي يمتلكها كائن كهذا كان يعتقد بطهارة لملمة الأوقات …هكذا يرحل عنها بخياله كي يخلق هوته الزمنية.
أي نموذج كان هذا الكائن الذي احتضن الانتظار ككفن لمشاعر تدرك تماما كآبة اللحظة وانزياحها عن عالم الواقع في علاقتها بالآخر …!!!!؟؟؟
مشاعر جسد لا يكترث بتلك اللحظات الكاذبة والتي قد تغري الآخرين ، ولكنها لا تعتق صاحبها من سجنه الواقعي الذي لم ولن يتراءى للناس …التسكع هنا ليس رديفا للحرية وليس مصادقا لحوانيت الفرح والتحلق في فضاءات حالمة ملتصقة بفعل جمال واقعيته ..ما يراه الآخرون لحظات كاذبه فعلا …حيث ينسج الناس بفعل خداع بصرهم حكايات تعرف هي مغزاها ومتى ابتدأت في نثرها في أجواء من الكذب والخرافة واللاواقع ..ذات تدرك رغم طقوس الفرح منابع الحزن واليأس.
كأن ما يعيشه هذا الكائن الأنثوي حيلا بصرية … لقد طبعت حياتها بالتوغل في نضارة الخيال … احتجاجا على هذا الواقع المأساوي… واقع تصر على مخاصمته …حروف تنساب من الأفواه تصف ما ترى وهي لا تلمس شيئا البتة.
لا شك أن الوعي الأنثوي في تصاعده وتجاوزه لهذه الطقوس المفروضة عليه حتى في عشقه وحبه تعتبر خطوة أولى تجاه تأصيل زمن خاص به … قد يتعارض مع طبائع البشر الحاليين وطبيعة المرحلة الحالية التي أصبح فيها العبث بالمشاعر والعواطف سمة أساسية تحت طاحونة الخداع والزيف …
ولكن يبقى لهذا الكائن البشري الأنثوي عالمه الخاص الذي يبحث عنه محفوفا بالخيال .. رغم الاستكانة التي نراها باديه باعتناق مذهب الانتظار … الأنتظار كالأغلال المكبلة لعواطفه الأنثوية بل ولعواطف كل ما ينتمي إلى الكائن البشري … فهل ما زال هذا الكائن يصر على اعتناقه والتشبث به ؟؟؟
وهل يعد موروثا تاريخيا وعقديا في ذاكرة الناس … عقيدة الانتظار سمة طبعت المجتمعات البشرية لسنين طوال … فهل يتجاوزها …. الإلتصاق بشعر نزار بالكاد يلامس حدود العاطفة المتخيلة من الآخرين والذين لا يعون حقائق الأشياء بل يسبحون في فضاء الخديعة حينما يراهنون على العشق الإنساني كوسيلة للإنتفاض على واقع الحزن والمأساة والخديعة!!!
أما شعر نزار المعجون بالثورة على طقوسية الأحداث فإنه ما زال بعيدا عن ذاكرتنا … النموذج الذي توجته هذه الحروف هو نموذج واعٍ بمأساته ولكنه متلحف بانتظاريته رغم إدراكه لواقع الخديعة ورغم صيحاته الخجولة بـ “كف”.
الاعلامي ، الشاعر والقاص حسين الجفال
المملكة العربية السعودية