الـــــحلقة الثامنة:
و لم أسلم منهما بعد الغداء أيضا .. فقد تعمدت العمة أن تخلق حوارا جافا بيني و بينها ..
" مرام .. ماذا تدرسين ؟!! "
" هندسة حاسوب .. في سنتي الأخيرة .. "
" ابنتي تدرس الطب .. و ستصبح دكتورة بعد سنتين .. "
" أووه ،، ما شاء الله .. بالتوفيق ! "
" مرام .. كم عمرك ؟! "
و مع تورد خدي لمثل هذا السؤال و الذي جاء على أسماع الجميع ..
إلا أني لم أكن لأخفي عمري أبدا كما الأخريات .. فالإنسان لن يعمر أبدا أكثر من عمره المكتوب له !
" اثنان و عشرون عاما .. "
" ابنتي عمرها عشرون سنة ! "
" و على الرغم من التناقض الواضح بين عمر ابنتها و تخرجها بعد سنتين من الطب ..
أو لنقل بين عمرها المفترض و بين تلك التجاعيد الخفية التي كانت تحت عينيها .. و التي تعطيها من العمر على أقل تقدير.. ثمان و عشرين سنة !
إلا أني رددت عليها و بنبرة حاولت قدر الامكان أن تكون هادئة مصدقة نوعا ما ..
" العمر كله يا رب ! "
" و ماذا بعد ؟!!
هل هناك مزيدا من المقارنات بيني و بين ابنتك المصون ؟!! "
هكذا همهمت بيني و بين نفسي ..
و ما أنقذني بالفعل منهما هذه المرة هو نداء أم عصام لي .. لتخبرني أن عصام يريدني في الصالة !
أسرعت إلى عصام.. و لا أخفيكم أن شيئا من الشوق قد انتابني فجأة .. و أنا لم أغب عنه إلا منذ ساعتين فقط !
" إدارة العمل في الشركة تريدني لأمر مهم ،، و يتحتم علي الذهاب فورا ! "
" أو لست في إجازة ؟! "
سألته و قد زحف العبوس تلقائيا على نظرات وجهي !
" نعم عزيزتي .. لكنه أمر مهم كما أخبرتك ! "
( عزيزتي !!)
إنها المرة الأولى التي يناديني فيها عصام بعزيزتي ! لذا ابتسم كياني كله و هو يتلقى ببطء تأثير هذه الكلمة السحرية عليه.. و التي أنستني بالفعل الجميع عداه .. و بين الجميع كانت العمة و الابنة أيضا !!
" أهااا .. !
إذن ستذهب و ستتركني هنا ! "
" لا بل سأوصلك في طريقي إلى بيتكم .. لأني ربما سأتأخر قليلا ً ! "
" لحظة ..
أو لسنا قد قررنا العشاء الليلة في الخارج في أحد مطاعم العاصمة ؟!! "
"ليلة غد إن شاء الله .. اعذريني مرام .. فشغل طارئ .. "
و مع تكدري قليلا لانشغال عصام الطارئ.. و اضطراره المفاجئ للذهاب إلى الشركة و تركه إياي لوحدي ..و خلفه لموعد العشاء الأول ..
و كل هذا و نحن لا نزال في ثاني أيام الخطوبة ..
إلا أن ما باليد حيلة ..
أمر طارئ كما يقول .. لذا الله يستر !
عدت أدراجي إلى البيت ،، و قد أنزلني عصام على أعتاب البيت .. و تعذر عن الدخول لإلقاء التحية على أمي على الأقل ..
وقفت لبرهة من الزمن .. و أنا أتأمل سيارته الزرقاء المسرعة و هي تشق طريقها في الشارع باتجاه بعيد جدا عني !
ثم ولجت إلى داخل الدار ..
هناك لم أرغب برؤية أي أحد بعد أحداث اليوم السريعة .. و بعد لقائي الأول المربك جدا مع أهله .. و مع عمته تلك و ابنتها المعقدة !
و من ثم ترك عصام لي .. و تعذره بشغل طارئ .. يؤثره علي .. و أنا خطيبته العزيزة كما ناداني !
و بمجرد وصولي في حلبة التفكير إلى كلمة عزيزتي هذه .. تسلل رغم القهر الذي كان يكتنفني شيء من ابتسامة رسمتها على وجهي .. و أنا أتذكر وقعها الخفي علي !
مر الوقت بطيئا جدا .. و أنا لا زلت رهينة غرفتي .. لا زلت أرفض الاحتكاك بأي كائن كان ..
و عيناي تكاد لا ترتفعان عن هاتفي ( الموبايل )..
و الذي كنت أتوقع رنينه في أي لحظة .. وفاءا لوعد عصام إياي باتصال.. حال ما ينهي شغلته الطارئة تلك !
لكن لا زال الهاتف صامتا .. و عقارب الزمن تشير إلى ما بعد الحادية عشر بقليل ! ..
و لكأن أمي الحبيبة قد شعرت فعلا بمدى معاناتي .. لذا اعتلت طرقاتها باب غرفتي .. و لم يتسنى لها النوم كعادتها دون أن تطمئن علي ّ
فتحت لها الباب ..
حيث تسمرت مكاني ..
و قد جمدت دون حراك .. و لكأن هموم الكون كلها قد تفجرت في أعماقي .. و في سبيلها إلى الانفجار خارجا ..
لذا .. و من دون سابق إنذار .. رميت نفسي في أحضان أمي .. و شرعت في بكاء عنيف ..
و اضطربت أمي لحالتي هذه .. لذا احتوتني بكل ما لديها من أمومة و قوة ..
ثم حاولت قدر الامكان أن تهدئني .. إلا أنه لا جدوى !
فعندما تبكي مرام .. فإنها لا تبكي إلا للأمور الجسام ! ..
و عندما تبكي مرام .. فإنها تبكي بكل قوة الألم التي تشعر به ..!
" خير يا ابنتي .. ماذا هناك ؟! "
و لا جواب.. فقط مزيدا من الدموع و البكاء ..
" ابنتي .. حبيبتي .. ماذا هناك ..؟؟!!
هل ضايقك عصام ؟؟! .. أو أهل عصام !! "
و تطرق سؤال أمي إلى عصام زاد من حدة بكائي ..
و من بين خلجات دموعي صرخت ..
" سأنفصل عن عصام .. لست أريده ! "
" ها ؟؟!!!!!!! "
" نعم .. سأنفصل .. فلست أريد أن أكون مخطوبة بعد اليوم ! "
" مرام .. ابنتي .. حبيبتي .. ماذا حدث لك مع عصام !! "
" الخطوبة فقط مزيدا من الارتباطات و المسؤوليات و الهموم .. و التي أنا في غنى عنها ! ..
كما أن .. أن ..
أن عمة عصام لا تحبني !! "
صمتت أمي و قد انفرجت شفتاها عن ابتسامة باهتة ..
" حبيبتي .. و هل تزوجت أنت عصام أم عمته ؟؟!! .. ثم و ما يدريك أنها لا تحبك ..
بإمكانك كسب محبة الجميع و احترامهم بأسلوبك الرائع يا ابنتي .. و أدبك الجم و أخلاقك الرفيعة .. "
" عصام أيضا لا يحبني .. إنه يحب شغله أكثر مني ! "
هنا أمي ضحكت .. بل ضحكت كثيرا علي .. حتى اغرورقت عيناها من الدمع
" أمااااه .. لما تضحكين .. إنه لا يحبني و الدليل على هذا أنه لم يتصل بي كما وعدني .. "
قالت عبارتها هذه و أنا أرفع هاتفي ( الموبايل ) أمامها .. و لكأن حركتي هذه لتتأكد فقط من صدقي ..
" حبيبتي .. إياك و أن تغاري من شغله .. إذ أنه لا جدوى أبدا ً من هكذا غيرة!"
" لكنه لم يتصل بي حتى الآن .. الساعة ستتجاوز الثانية عشرة .. و لم يتصل السيد عصام بعد !
سأنفصل !!!!!! "
عبست أمي في هذه اللحظة .. و هي تهمهم لي ..
" أعذريه يا ابنتي .. فلعصام مشاغله في الحياة أيضا ً .. سيتصل بك لاحقا أنا متأكدة .. ! "
" إذا لم يتصل بي الليلة كما وعدني .. فإني سأنفصل عنه .. لأنه رجل لا يحترم وعوده ..
و رجل لا يحترم وعوده .. لست أفخر أبدا بالارتباط بمثله ! "