المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عطر الجاردينيا.....



جاردينيا
29 - 12 - 2003, 21:33
عطر الجاردينيا....



كانت رغد كزهرة الجاردينيا التي تعشقها.....و تعشق عبيرها.....فزهرة الجاردينيا جذرها ضعيف....و لكنه عنيد مثل دموع الكبرياء.....هذه الزهرة التي تبذل الكثير الكثير من أجل نشر أريجها في كل الأرجاء.....و يفوح عبيرها تاركا أثرا جميلا في النفس...أثرا لا يمكن نسيانه أبدا....و هكذا كانت رغد.......بالرغم من كل الظروف القاسية و الصعبة التي كانت تمر بها...الا أنها كانت لا تيأس أبدا......كانت تعمل جاهدة من أجل غرس جذورها بين الصخور القاسية.......



توفيت والدتها في صغرها.....لتتركها مع ذلك الأب الذي لم يعرف للحنان معنى إلا عندما كان يتحدث عن أسباب زواجه بعد وفاة أمها بمدة لا تتجاوز الأسبوعين...كان يدعي أن زواجه كان من أجلها.....كان يعرف تماما معنى زوجة الأب....كان يعرف تماما أن تلك المرأة التي اختارها لتكمل معه حياته لم و لن تكن أبدا أما لابنته التي تحتاج الى الكثير من الدفء و الحنان....و كانت في غنى عن أي شيء ممكن أن يسبب لها مزيدا من البؤس و الشقاء...وهكذا بدأت حياتها مع زوجة أب ليس للرحمة مكان في قلبها......حتى أن دموعها التي كانت تتساقط دائما أمام والدها.....لم تجدي نفعا في أن يرق لها قلبه......و هكذا كبرت و هي تحن الى الأم...و تحن الى الأب....



و لكن كان كل ما مر بها من ظروف قاسية سببا في تلك القوة التي كانت تشرق من عينيها الجميلتين.....تلك العيون الزرقاء التي لم تستطع قسوة الزمان أن تخفي شيئا من جمالهما و بريقهما.....فلم تعد تلك الفتاة الضعيفة التي لا تجيد الا ذرف الدموع أمام والدها الذي تحجر قلبه......بل قررت أن تحتمل كل شيء من أجل أن تستطيع أن تحقق ذلك الهدف الذي أصبح يشكل جزءا أساسيا من حياتها....فلقد تحملت الكثير الكثير و لم تبقى الا أياما قليلة و ستنهي دراستها الثانوية و ستنتقل الى دار المعلمات لتقيم هناك و تشارك في تعليم أبناء القرية المجاورة...و عندها ستحقق استقلاليتها........كان هذا هو الطلب الوحيد الذي لم يجبرها على رؤية غضب والدها و حنقه....و لم يضطرها الى التوسل من أجل الحصول على موافقته....بل على العكس......لم يبدي أي غضبا...أو اعتراضا......و كأنه كان ينتظر أي فرصة حتى لا يراها في البيت.....و حتى يتخلص من الحاح و شكوى زوجته الجديدة ... ربما كان هذا هو المعروف الوحيد الذي قدمته لها زوجة أبيها..... .و بعد أن حصلت على موافقة والدها....بذلت الكثير الكثير من أجل أن تحصل على النجاح....فالنجاح هو الشيء الوحيد الذي سوف يؤهلها للانتقال الى دار المعلمات....كانت تحاول نسيان كل شيء حولها من أجل تحقيق هذا الحلم...حتى أنه كانت تمر عليها أيام و أيام لا يغمض جفنها و لا تعرف معنى للنوم....فأعمال البيت كانت تأخذ معظم وقتها...و بالتالي كانت لا تنام لانهاء دراستها....و كان التفاؤل ملازم لها دائما.



و بالفعل...قطفت رغد ثمار صبرها....نجحت و انتقلت الى دار المعلمات...ودعت قريتها...وودعت معها أيام البؤس و الشقاء....و بدأت حياة جديدة....تعرفت على الكثير من الصديقات......و قدمت لعملها الكثير من الجهد و العطاء...حتى أصبح الجميع يتحدثون عن أخلاقها العالية و عن اخلاصها في عملها وعلاقتها الحميمة مع الجميع....



و لكن كان هناك من يفوق اعجابه فيها اعجاب الجميع...كان أحمد ابن صاحب المكتبة التي اعتادت أن تشتري منها اللوازم المدرسية...كان يتشوق الى تلك اللحظة التي سيراها فيها تدخل من باب المكتبة....كان يحن الى تلك العيون الزرقاء.....تلك العيون الصافية البريئة اللتان تشرقان أملا و تفاؤلا...حتى أنه كان يحاول البقاء في المكتبة دائما حتى لا تضيع أي فرصة ممكن أن تجمعهما معا... و بدأت رغد شيئا فشيئا تشعر بما يكنه أحمد لها من مشاعر...و حدث مرة أن صارحها باعجابه عندما كان في المكتبة لوحده....و أنه يفكر جديا في الارتباط بها و لكن بعد أن يكمل دراسته الجامعية......و ما كان من رغد الا أن قبلت....بعد أن وجدت فيه ذلك القلب الدافئ الذي سيمنحها الحنان الذي حرمت منه كثيرا......و اتفقا معا أن يتقدم لخطبتها من والدها بعد التخرج....مع أنها كانت تعتبر ذلك أمرا شكليا....هذا ان كان والدها ما زال يذكرها أو يهتم بأمورها....و لكنها كانت تريد أن يسير كل شيء حسب الأصول.....و مرت الأيام سريعة.....كانا يلتقيان كثيرا....و يتبادلان الحديث معا.....كانا يتحدثان عن أحلامهما الصغيرة....عن ذلك البيت الذي سيملآنه حبا و حنانا......كانت تحدثه عن عشقها لزهور الجاردينيا.....عشقها لعطرها الساحر...أما هو فكان يرى فيها أجمل زهرة جاردينيا.....كانت تعطر حياته......ذلك العطر الذي يترك أثرا دائم في النفوس....




و تخرج أحمد...... و بدأت رغد تنتظر أن يأتي ليطلب منها موعدا للقاء والدها......لكن أحمد لم يأتي.... .....لم تعد تراه في المكتبة...ولم تعد تراه في كل القرية.....و مرت أيام و أيام....و مرت شهور و شهور.....و أحمد لم ياتي....أما رغد فبقيت كما كانت ...كزهرة الجاردينيا......جذورها ضعيفة.... لكنها ثابتة .... قوية......و ما زال عبيرها يفوح و ينتشر في كل الأرجاء.....و ما زال أحمد يستطيع أن يشم ذلك العطر الساحر......عطر الجاردينيا.....



.....................................


جاردينيا

عاشق السمراء
29 - 12 - 2003, 23:05
مسااااااااااء جميل ..


ظني انك تبدعين في الحرف .. وهنا انت ابداع اخر .. ايتها الجاردينيا ........ :)


استمتعت بقراءة رسالتك .. وما دار بها من احداث !!

جاردينيا
30 - 12 - 2003, 11:54
عاشق السمراء...

شكرا لمرورك.....و لتعليقك.....

اسعدني أنك استمتعت بقراءة كلماتي....

تحياتي

جاردينيا

خلود
30 - 12 - 2003, 21:29
مشكوره اختي جاردينيا على هذا العطر فواح وجميل

دندنة على سن القلم
30 - 12 - 2003, 23:35
ها انا في عجلة من امري ، ستثبت القصة لمدة اسبوع

ولي رجعة سريعة جدا للقصة يا جاردينيا ...

الإمبراطور
01 - 01 - 2004, 13:57
جاردينيا النبض ... قلمك مبدع جداً

الزهرة تلك ليست كلل الزهور ..... جاردينيا

لك تحياتي

رسام الغرام
02 - 01 - 2004, 01:47
جاردينياحقيقة القصة رائعة وأعجبتني كثيراً

وأتوقع إن بإمكانك الإسهاب فيها أكثر

فهي تستحق منك جهداً أكبر

لأنها قابلة لنهاية جديدة

قلم كاتب للقصة وجميل

أتمنى أن يستمر

تحياتي

رسام الغرام

جاردينيا
02 - 01 - 2004, 02:01
الأخت خلود...

أشكر مرورك و كلماتك الجميلة.....

تحياتي و مودتي....

جاردينيا

جاردينيا
02 - 01 - 2004, 02:05
المشرف...دندنة على سن القلم....

سعدت جدا بمرورك على قصتي...فأنا أتوق لسماع رأيك.....

بانتظارك.....و لك مني كل الاحترام و التقدير...

تحياتي ...

جاردينيا

جاردينيا
02 - 01 - 2004, 02:07
الأمبراطور...

فعلا...ان زهرة الجاردينيا زهرة رائعة و ساحرة.....

شكرا على كلماتك المشجعة....و يسعدني تواجدي معكم....

تحياتي

الجاردينيا

جاردينيا
02 - 01 - 2004, 02:11
رسام الغرام...

سعيدة أن القصة أعجبتك....

شكرا لمداخلتك.....

و سيستمر قلبي نابضا بكل ما هو جميل

باستمرار وجودكم...و آراؤكم التي أعتز بها و أقدرها...

تحياتي و شكري لك

جاردينيا

دندنة على سن القلم
13 - 01 - 2004, 20:15
قصة جاردينية رائعه يا جاردينيا ، فعلا حبكة قصصية تفوح منها بولادة قاصة تحمل قلم يعرف كيف يصوغ الحرف ، وكيف مكن ان يصنع منه اكليلا ، وكيف يقدر ان يجعل في وسط الاكليل وردة جاردينية ... هنيئا لنا بقلمك ، وننتظر المزيد والمزيد ....