المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المختار الفراش



matar
26 - 05 - 2003, 00:59
هم رسموا لك خطا واحدا..منذ ولدت قالوا نسميه "المختار" وفي كل يوم تفتح عينيك فيه كانت المسارات تتفرع أكثر..وكنت أنت تختار ما يختارونه هم لك. ‏

قالت أمك: أريدك دكتورا. وقال أبوك: تكون محاميا، وتنبأ لك بعضهم بأن تكون أستاذا، ولم تسأل نفسك حينها ماذا تختار أن تكون.. كانت تلك إحدى شؤونك الصغيرة أو هي من أولويات الآخرين. يكفيك عالم الفراشات المرهفة.. وحدها الفراشات كانت تعرف مدى طموحك في أن تكون مرهفا مثلها.. ولكنك كنت كلما لمستها انطفأت بين يديك كفقاعات الصابون. حين تنبأ الآخرون إلى شغفك بالفراش. قال البستاني: كم تفسد من الورد والعشب من أجل هذا الفراش اللعين.. كف عن هذه الهواية اللعينة يا صبي. وقال أحد أصدقائك: أنت أحمق. وقالت أمك: دراستك أهم من هذه البلية. وقال أبوك: ماذا تجني من صداع الرأس هذا!! لو سألت البستاني: ماذا أفعل إذن في حديقتك هذه؟ لقال لك: اجلس تحت ظل الشجرة وتنسم هواء الطبيعة، ولو سألت صديقك: ماذا أفعل لكي لا أكون أحمق؟. لقال لك: تعال نلعب بعض الألعاب الإلكترونية, ووالداك سيسعدهما بالطبع أن تهتم بدراستك.

ه عالم يختار لك هذا كله..عالم يتفرع في اللحظة الواحدة عن آلاف الاختيارات تشتبك في وعيك الصغير. وأنت المختار.‏

matar
26 - 05 - 2003, 01:04
هواية الفراش لم تعلمك إلا أن تكون مسالما تميل أينما مالت الريح وتظل كئيبا في الخريف، باحثا عن فراشة. وها أنت تحت صحوة كل شتاء تنتظر عودة فراشة. وفي الربيع يحيا فردوس الفراش. فتاة أحلامك كنت تراها فراشة، العينان اللتان كانتا تؤرقاك كانت فوق أهدابها فراشتان. نسمة تمحو تفاصيل جسم الفراشة النحيل فتنتفض أنت من كابوس عميق. أيها الشغوف إلى حد الهوس بالفراشات ترسمها على دفاترك وفي الجدران والطاولات..وها أنت تتحول إلى فراش، يدك النحيلة تتلاشى في قبضة فتاة، وأنت لا ترى في أهداب عينيها المسبلتين سوى فراشتين، ولا ترى في فستانها الأنيق وخصرها الدقيق سوى جناحي فراشة. ‏

لما تعبوا من تسميتك بـ"المختار" سموك "المختار الفراش"، كان يدهشك أن يتدخلوا في حياتك الشخصية حد اختيار اسمك وملابسك وما تأكله وتشربه ولكنك كنت طوع الجميع.. يوما عن يوم تزداد رقة، تنام حين تريد لك أمك أن تنام، ويوقظك أبوك حين يريد لك أن تستيقظ، وتريدك أختك أن تتابع معها مسلسلها المفضل، وحين تشعر بفتور تفاعلك مع أكثر أحداث المسلسل إثارة تدعوك إلى الانفعال والتأثر..

الصيف جحيم الفراش.. تنهار قواك. تذبل بسمتك. تنزف عرقا. تذوب كقطعة ثلج في كبد الشمس..حركاتك مثقلة، مجهدة، بطيئة وكأنك تجر جبلا في صحراء الزمن. ‏

تطبخ أمك إناءً من زقوم وتدعوك لأن تؤمن بأعشابها الطبية حتى تصبح بصحة جيدة. لكنها اقتنعت الآن أنك تنمحي يوما بعد آخر. في شحوبك وذهولك رأت وجها بدأت ملامحة تختفي.. وشعرا يتساقط كالريش، جسدك كرسم أخذت تمسحه الأمطار, بل هو عرق حار يتصبب وجسدك يتحلل.. إنها نهايتك. ‏

الألم يعصر وجه الأم الحزينة.. وأنت تزم الألم في شفتيك وتحكم قبضتيك بعصبية.. ‏

*** وجه الأم منقبض. وجه الأب منكمش.. وفي لحظة حاسمة، الطبيب بوجهه الذي لا يبشر بخير وهو يقول كلمة مقتضبة: - سيعيش. تصرخ الأم وكأن آلاف العصافير انطلقت من أقفاصها: - يعيش. يرفرف حاجبا الأب المقطبين طوال الوقت كنورسين. ومن خلف الزجاج جسد "المختار الفراش" كثلة من ألوان طيفية.. تمسح الأم الزجاج. تتأكد أنه بصحة وعافية، سيل من النور يضيء الغرفة الوردية حيث يقبع جسد "المختار الفراش" متوهجا. يسأل الأب الطبيب الذي خرج للتو: - ماذا يحدث لابننا. قبل أن يشعل سيجارته يجيبه: - إنه يتحول إلى فراشة. ‏

عاشق السمراء
29 - 05 - 2003, 04:54
مسااااااااااء جميل ....


اخي الكريم ..


من زود شوقي لك احببت السلام عليك .. !!


وأحببت السؤال عنك ..!!


الف شكر على تواصلك .. وعلى جميل موضوعك !!

matar
01 - 06 - 2003, 02:52
العاشق الجميل..
شكرا لترحيبك..لك مني تحية الوفاء والاخلاص يا صديقي العزيز..

الإمبراطور
01 - 06 - 2003, 15:34
هلا اخي matar
روايه جميله جذبتني إلى قراءتها مره ثانيه وثالثه لأتمعن في صيغة سردها وكتابتها .
بالتوفيق

تحياتي لك