ضيف المهاجر
16 - 04 - 2003, 00:11
ان القرآن يرسم صورا ويعرض مشاهد .. فينبغي أن نقول إن هذه المشاهد وتلك الصور يتوافر لها أدق مظاهر التناسق الفني في ماء الصورة، وجو المشهد، وتقسيم الأجزاء، وتوزيعها في الرقعة المعروضة،
انه الإعجاز التصويري في القرآن .. هذا اللون من التناسق هو مفتاح الطريق إلى التناسق الذي نعنيه هنا بالذات,
والذي نعنيه هو:
أولا: ما يسمى (بوحدة الرسم). وحتى المبتدئون في القواعد يعرفون شيئا عن هذه الوحدة، يكفي أن نقول إن القواعد الأولية للرسم تحتم أن تكون هناك وحدة بين أجزاء الصورة، فلا تتنافر حزئياتها.
ثانيا: اللون الذي ترسم به والتدرج في الظلال بما يحقق الجو العام المتسق مع الفكرة والموضوع. والتصوير بالألوان يلاحظ هذا التناسق كما يلاحظه التوزيع في المشاهد السينمائية والمسرحية، والتصوير في القرآن يقوم على أساسه وإن كانت وسيلته الوحيدة هي الألفاظ، وبذلك يسمو الإعجاز فيه على تلك المحاولات:
مثلا نأخذ سورة من السور الصغيرة التي ربما يحسب البعض أنها شبيهة بسجع الكهان أو حكمة السجاع. سورة الفلق ، فما الجو المراد إطلاقه فيها؟ إنه جو التعويذة بما فيه من خفاء وهيمنة وغموض وإبهام فاقرأ وإسمع:
(((( قل أعوذ برب الفلق ، من شر ما خلق ، ومن شر غاسق إذا وقب ، ومن شر النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد )))).
فما الفلق الذي يستعيذ بربه؟ نختار من معانية الكثيرة معنى الفجر ، لأنه أنسب في الاستعاذة به من ظلام ما سيأتي: مما خلق، ومن الغاسق ، والنفاثات ، والحسد ، ولأن فيه إبهاما خاصا سنعلم حكمته بعد قليل.
يعوذ برب الفجر "من شر ما خلق" هكذا بالتنكير وبما الموصولة الشاملة ، وفي هذا التنكير والشمول يتحقق الغموض والظلام المعنوي في العموم.
"ومن شر غاسق اذا وقب" الليل حين يدخل ظلامه إلى كل شيء، ويمسي مرهوبا مخوفا.
"ومن شر النفاثات في العقد" وجو النفث في العقد من الساحرات والكواهن كله رهبة وخفاء وظلام، بل هن لا ينفثن غالبا إلا في الظلام.
"ومن شر حاسد إذا حسد" والحسد انفعال باطني مطمور في ظلام النفس غامض كذلك مرهوب.
الجو كله ظلام ورهبة، وخفاء وغموض، وهو يستعيذ من هذا الظلام بالله، والله رب كل شيء، فلم خصصه هنا "برب الفلق"؟ لينسجم مع جو الصورة كلها، ويشترك فيه، ولقد كان المتبادر إلى الذهن أن يعوذ من الظلام برب النور، ولكن الذهن هنا ليس المحكم، إنما المحكم هو حاسة التصوير الدقيقة. فالنور يكشف الغموض المرهوب، ولا يتسق مع جو الغسق والنفث في العقد، ولا مع جو الحسد، و"الفلق" يؤدي معنى النور من الوجهة الذهنية ثم يتسق مع الجو العام من الوجهة التصويرية، وهو مرحلة قبل سطوع النور، تجمع بين النور والظلمة، ولها جوها الغامض المسحور.
ثم ما هي أجزاء الصورة هنا أو محتويات المشهد؟
هي من ناحية: "الفلق" و"الغاسق" مشهدان من مشاهد الطبيعة.
ومن ناحية: "النفاثات في العقد" و"حاسد إذا حسد" مخلوقان آدميان
وهي من ناحية: "الفلق" و"الغاسق" مشهدان متقابلان في الزمان.
ومن ناحية: "النفاثات" و"الحاسد" جنسان متقابلان في الانسان.
وهذه الأجزاء موزعة على الرقعة توزيعا متناسقا، متقابلة في اللوحة ذلك التقابل الدقيق، وكلها ذات لون واحد، فهي أشياء غامضة مرهوبة يلفها الغموض والظلام، والجو العام قائم على أساس هذه الوحدة في الأجزاء والألوان.
ليس في هذا البيان شيء من التمحل، وليست هذه الدقة كلها بلا هدف ، وليس هذا الهدف حيلة عابرة ، فالمسألة ليست كلها ألفاظ أو تقابلات ذهنية، إنما هي مسألة لوحة وجو وتنسيق وتقابلات تصويرية تعد فنا رفيعا في التصوير، وهي إعجاز إذا أداه مجرد التعبير ………
" سيد قطب "
,, التصوير الفني في القرآن ,,
فسبحان الله وتعالى عما يقول الكافرون
انه الإعجاز التصويري في القرآن .. هذا اللون من التناسق هو مفتاح الطريق إلى التناسق الذي نعنيه هنا بالذات,
والذي نعنيه هو:
أولا: ما يسمى (بوحدة الرسم). وحتى المبتدئون في القواعد يعرفون شيئا عن هذه الوحدة، يكفي أن نقول إن القواعد الأولية للرسم تحتم أن تكون هناك وحدة بين أجزاء الصورة، فلا تتنافر حزئياتها.
ثانيا: اللون الذي ترسم به والتدرج في الظلال بما يحقق الجو العام المتسق مع الفكرة والموضوع. والتصوير بالألوان يلاحظ هذا التناسق كما يلاحظه التوزيع في المشاهد السينمائية والمسرحية، والتصوير في القرآن يقوم على أساسه وإن كانت وسيلته الوحيدة هي الألفاظ، وبذلك يسمو الإعجاز فيه على تلك المحاولات:
مثلا نأخذ سورة من السور الصغيرة التي ربما يحسب البعض أنها شبيهة بسجع الكهان أو حكمة السجاع. سورة الفلق ، فما الجو المراد إطلاقه فيها؟ إنه جو التعويذة بما فيه من خفاء وهيمنة وغموض وإبهام فاقرأ وإسمع:
(((( قل أعوذ برب الفلق ، من شر ما خلق ، ومن شر غاسق إذا وقب ، ومن شر النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد )))).
فما الفلق الذي يستعيذ بربه؟ نختار من معانية الكثيرة معنى الفجر ، لأنه أنسب في الاستعاذة به من ظلام ما سيأتي: مما خلق، ومن الغاسق ، والنفاثات ، والحسد ، ولأن فيه إبهاما خاصا سنعلم حكمته بعد قليل.
يعوذ برب الفجر "من شر ما خلق" هكذا بالتنكير وبما الموصولة الشاملة ، وفي هذا التنكير والشمول يتحقق الغموض والظلام المعنوي في العموم.
"ومن شر غاسق اذا وقب" الليل حين يدخل ظلامه إلى كل شيء، ويمسي مرهوبا مخوفا.
"ومن شر النفاثات في العقد" وجو النفث في العقد من الساحرات والكواهن كله رهبة وخفاء وظلام، بل هن لا ينفثن غالبا إلا في الظلام.
"ومن شر حاسد إذا حسد" والحسد انفعال باطني مطمور في ظلام النفس غامض كذلك مرهوب.
الجو كله ظلام ورهبة، وخفاء وغموض، وهو يستعيذ من هذا الظلام بالله، والله رب كل شيء، فلم خصصه هنا "برب الفلق"؟ لينسجم مع جو الصورة كلها، ويشترك فيه، ولقد كان المتبادر إلى الذهن أن يعوذ من الظلام برب النور، ولكن الذهن هنا ليس المحكم، إنما المحكم هو حاسة التصوير الدقيقة. فالنور يكشف الغموض المرهوب، ولا يتسق مع جو الغسق والنفث في العقد، ولا مع جو الحسد، و"الفلق" يؤدي معنى النور من الوجهة الذهنية ثم يتسق مع الجو العام من الوجهة التصويرية، وهو مرحلة قبل سطوع النور، تجمع بين النور والظلمة، ولها جوها الغامض المسحور.
ثم ما هي أجزاء الصورة هنا أو محتويات المشهد؟
هي من ناحية: "الفلق" و"الغاسق" مشهدان من مشاهد الطبيعة.
ومن ناحية: "النفاثات في العقد" و"حاسد إذا حسد" مخلوقان آدميان
وهي من ناحية: "الفلق" و"الغاسق" مشهدان متقابلان في الزمان.
ومن ناحية: "النفاثات" و"الحاسد" جنسان متقابلان في الانسان.
وهذه الأجزاء موزعة على الرقعة توزيعا متناسقا، متقابلة في اللوحة ذلك التقابل الدقيق، وكلها ذات لون واحد، فهي أشياء غامضة مرهوبة يلفها الغموض والظلام، والجو العام قائم على أساس هذه الوحدة في الأجزاء والألوان.
ليس في هذا البيان شيء من التمحل، وليست هذه الدقة كلها بلا هدف ، وليس هذا الهدف حيلة عابرة ، فالمسألة ليست كلها ألفاظ أو تقابلات ذهنية، إنما هي مسألة لوحة وجو وتنسيق وتقابلات تصويرية تعد فنا رفيعا في التصوير، وهي إعجاز إذا أداه مجرد التعبير ………
" سيد قطب "
,, التصوير الفني في القرآن ,,
فسبحان الله وتعالى عما يقول الكافرون