كلمة حق
17 - 05 - 2006, 16:01
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين
والصلاة والسلام على سيد المجاهدين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ، رضي الله عن أبي الدرداء يوم قال :
"لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين : مُنصف واع ، أو مُتكلم عالم" .
قلت : أما اجتماع الإنصاف مع الوعي ، فعزيز في هذا الزمان ، وأما الكلام مع العلم
فقد ولى زمانه والله المستعان ، خاصة بعد ما أسند الأمر لغير أهله !! .
فمن يتأمل ما يطرح هنا وهناك عبر وسائل الإعلام المختلفة ، من صحف ومجلات وقنوات
وما يصدر عن بعض العلماء والدعاة ، وما يسطره بعض الكُتّاب في المنتديات يجد أننا في
حاجة ماسة لتعلم "فقه الصمت والسكوت" كحاجتنا لفقه المنطق والبيان .
وكما قيل : العافية عشرة أجزاء ، تسعة منها في السكوت .
ولست أعني بمقالي هذا الحث على السكوت من باب حفظ اللسان عن فضول الكلام طلبا
لرضى الرحمن ؛ لأن هذا مبحث شرعي لا يخفى عن العامة والخاصة ، ولكن ما نحن بصدده
هو تنبيه أصحاب الأقلام والفتاوى السياسية من خطر الانزلاق في فخ أعدّه أعداء الله من
الكفار والمنافقين بغية الوقيعة بين أبناء الأمة ، وإشغالهم بأنفسهم بإلقاء شبهات شرعية
وعقلية وسياسية في مسلمات يعم بها البلاء .
فالكلام بغير وعي أو علم بصورة عامة سواء في الشرع أو السياسة غالبا ما يؤول إلى فتنة
دهيماء ، تزرع الشقاق والفرقة بين المسلمين ، ويستثمرها أعداء الصحوة والدين .
فلا يصح الخوض في مسائل سياسية كبيرة دون الإلمام بالعلم الشرعي المبني على الكتاب
والسنة الصحيحة ، والعلم الراسخ بحقائق وخفايا الأمور ، ومعرفة كيف يفكر المتربصون بالأمة
واستشراف المستقبل .
ومما يؤكد حاجتنا الملحة لفقه السكوت أحيانا ما سمعته منذ فترة من الأخ الأردني المعتقل السابق
في جوانتانامو "وسام عبد الرحمن" في مقابلة خاصة مع "قناة الجزيرة" ، فقد صرح بأن سجانيه
عباد الصليب الأمريكان عرضوا عليه طائفة من فتاوى بعض أهل العلم المشهورين ، وقالوا له :
هذه فتاوى مشايخكم التي يجب عليكم الالتزام بها !!!
فقد هالني هذا الأمر ، وذكرني بما قاله عبد الله بن حسن لابنه وهو ينصحه :
"يا بني احذر الجاهل ، وإن كان لك ناصحا ، كما تحذر العاقل إذا كان لك عدوا ؛ فيوشك الجاهل
أن يورّطك بمشورته في بعض اغترارك ، فيسبق إليك مكر العاقل" .
متى يتعين فقه السكوت ؟
لقد قيل قديما : "إن من المسائل مسائل جوابها السكوت" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ أسكنه الله فسيح جناته ـ : "سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء
والنهي عن أشياء ؛ حتى علا الإسلام وظهر ، فالعالم في البيان والبلاغ كذلك ، قد يؤخر البيان
والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن" .
قلتُ : فإذا كان هذا في حق ما يشرع بيانه ، فكيف بغيره مما التبس أمره ، وكثر لغطه ؟!!!
ومن يتأمل الموضوعات السياسية ، والأخبار الإعلامية يجدها من أكثر الأمور التي يقع فيها
الاشتباه ؛ لأمور كثيرة ، منها :
1 ـ ما يعتريها من ضبابية وعدم وضوح .
2 ـ تلازمها مع المصالح وجودا وعدما ، فالسياسة تبحث عن الهيمنة والتسلط ، والإعلام يبحث
عن المكاسب المادية والسبق الصحفي .
3 ـ وجود أيد خفية مجهولة الهوية تحركها من وراء الكواليس ؛ لتحقيق أهدافها ومصالحها .
4 ـ التعامل بأسلوب الغير أخلاقي ، كالنفاق والكذب والدجل ، والمايكفلية النفعية ..الخ
فهذه هي آليات التعاطي مع السياسة والإعلام .
فجُل أصحاب السياسة يقولون الشيء في الظاهر ، ويقومون بخلافه في الباطن .
وأما انعدام مصداقية أصحاب الإعلام ، ونواياهم الخبيثة ، فحدث ولا حرج ، فلا أظن أن عاقلا
يثق فيهم وفي أخبارهم إلا ما رحم الله ، وقليل ما هم !!.
ثالثا ـ في المسائل الاجتهادية ، وخاصة تلك التي بنقضها ترجع سلبا على المجاهدين :
فكلنا يعلم أن الدنيا كلها تتربص بالمجاهدين ، من صليبيين ، وصهاينة ، وعلمانيين ، ومنافقين
وجيوش جرارة من مرتزقة المباحث والمخابرات ...الخ ، كل هؤلاء مع ما لديهم من إمكانيات ضخمة
(سياسية ، وعسكرية ، ومالية ، وإعلامية) ، جميعهم يرمون المجاهدين عن قوس واحد ، ومع هذا كله
فشلوا فشلا ذريعا من النيل من المجاهدين ، فأوحت إليهم شياطينهم بالتحريش بين المجاهدين وإخوانهم
المناصرين ، وذلك باستغلال الفرص لزرع الشقاق ببث الشبهات وإثارة الخلاف . كالبحث في حكم ذبح
الأسرى ، والتمثيل بجثث الكفار ، وأخذ الفدية ، وقتل النساء والأطفال أثناء المواجهات …الخ.
كذلك البحث في نتائج المقاومة مع الأمريكان كالتدهور الأمني والاقتصادي ، وتخريب أنابيب البترول...الخ .
فهذه شبهات تثار بين الفينة والأخرى للتشكيك في مصداقية العمل الجهادي في العراق وأفغانستان والشيشان !! .
ونحن على يقين أن العدو زرع جماعات مشبوهة ترفع شعارات جهادية وهي في حقيقة الأمر مندسة
بين المجاهدين لتشويه صورتهم ؛ حتى ينفض الناس من حولهم ، كما حدث في الجزائر .
ولكن لكوننا لا نستطيع تميزهم ، أو معرفة ماهيتهم ، أرى قطع الطريق على هؤلاء بالتعويل
على اجتهاد المجاهدين ؛ لأن الرأي الصائب هو ما يرونه ويرجحونه ، ولأنهم الأعلم بمتعلق الفتوى .
كما يجب علينا الالتزام بـ "فقه السكوت" في مواطن الريب ، وما نجهل ماهيته .
رابعا ـ إذا غلب على الظن استغلال العدو للكلام :
فمتى غلب على الظن استغلال العدو للكلام أو الفتوى ؛ لتحقيق أهداف المشبوهة ، وجب أعمال
"فقه السكوت" ، حتى ولو كان ذلك في بيان حكم شرعي ، فقد تقدم كلام ابن تيمية :
"فالعالم في البيان والبلاغ كذلك ، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن".
ومن ذلك خشية أن يوظفه العدو لصالحه.
فمتى جر الحكم على الشيء تبعات أخرى تصب في مصلحة أعداء الأمة ، وتحقق أهدافهم ، لزم
الإمساك عن الكلام والخوض في الموضوع .
لذلك يتعين على من يتناول الأمور السياسية خاصة من الجانب الشرعي التأني في الحكم على
الأشياء حتى تتضح الأمور ، وتزول الضبابية ، وتنكشف النيات ، ويتأمل في عواقب ما يخوض فيه
ويأخذ في حسبانه صدى وتبعات ذلك ، ولا ينظر للأمور بنظرة آنية لا تتجاوز حدود مقالته ومنتداه
فهناك جيش من المراقبين والمتابعين والراصدين لما يقال ، ويوظف أحسن توظيف لخدمة أهداف
مشبوهة لم تخطر على بال هذا الشيخ أو الكاتب .
ورحم الله سفيان الثوري القائل : "أعلم الناس بالفتيا أسكتهم عنها ، وأجهلهم بها أنطقهم فيها" .
لقد طالعتنا آخر الأخبار بهرولة نحو 300 عالم وداعية إلى مدينة الضباب "لندن" لتأسيس جمعية
لعلماء المسلمين تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب)!! .
فاختزل السادة العلماء مشاكل الأمة في (محاربة التطرف والإرهاب) و(الغلو في الدين) !!
وتناسى هؤلاء الأفاضل أن الأمة تعاني من ضعف الدين وليس الغلو ، ألا ينظرون للزنا المستباح
على قارعة الطريق في البلاد الإسلامية ؟!!
ألا ينظرون لتفشي المنكرات في وسائل الإعلام المختلفة ، من أفلام فاضحة ، ومسلسلات عاهرة
وفديو كليب ماجن ؟!
فتأمل إلى أي مبلغ وصلت كياسة هؤلاء الأفاضل العلماء !! .
الصهاينة يسفكون دماء الشعب الفلسطيني المجاهد ليلا ونهارا تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) !!.
والأمريكان دمروا دولة أفغانستان والعراق ، وأطاحوا بنظم وحكومات تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) !!
والنظم تعتقل الآلاف من الصالحين الأبرياء ، وتحكم على بعضهم بالإعدام تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) !!
والأمريكان اغتصبوا العفيفات الشريفات ، ولاطوا بالأنقياء الأتقياء في معتقل أبو غريب وجونتاناموا
تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) .
ثم نجد 300 عالم مسلم يجتمعون تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) .
ورحم الله عبد الله بن المبارك حيث قال :
إن البُصراء لا يأمنون من أربع :
ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع فيه الرب ـ عز وجل ـ .
وعمرٍ قد بقي لا يدرى ما فيه من الهلكة .
وفضلٍ قد أعطي العبد ، لعله مكرٌ واستدراج .
وضلالة قد زُينت ، يراها هدى .
وزيغ قلب ساعة ، فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر . والله المستعان .
فقه السكوت بين الغفلة والتغافل
الغفلة صفة دميمة تتنافى مع العلم والبصيرة ، وهي مستلزمة للجهل والحمق ، وصحابها مغفل
ومستغفل ، مغيّب عن فهم الحقيقة والواقع ، فحرمه الله من البصيرة والوعي .
والتغافل صفة محمودة تتنافى مع الجهل والحمق ، وهي مستلزمة للعلم والتيقظ ، وصاحبها كيس
فطن ، يضع الغفلة في موضعها المناسب ، فأكرمه الله بالحكمة والنظرة الثاقبة .
وفقه السكوت هو استعمال التغافل متى كان ذلك أنفع وأنجع ، فيضع الغفلة في موضعها الذي
يذم فيه البحث والتقصي والتغافل ، فهما للحقيقة ، ووعيا بالواقع .
وأخيرا ، نصيحة محب ، متى وجد المرء في قوله بعض الحق ، ولكنه يفضي إلى نصرة أهل الباطل
ففقه السكوت لازم .
نسأل الله تعالى أن ينصر المسلمين في كل مكان ....اللهم آمين.
_________
ارجو المولى عزوجل ان يجازي كاتبه خير الجزاء.
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين
والصلاة والسلام على سيد المجاهدين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ، رضي الله عن أبي الدرداء يوم قال :
"لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين : مُنصف واع ، أو مُتكلم عالم" .
قلت : أما اجتماع الإنصاف مع الوعي ، فعزيز في هذا الزمان ، وأما الكلام مع العلم
فقد ولى زمانه والله المستعان ، خاصة بعد ما أسند الأمر لغير أهله !! .
فمن يتأمل ما يطرح هنا وهناك عبر وسائل الإعلام المختلفة ، من صحف ومجلات وقنوات
وما يصدر عن بعض العلماء والدعاة ، وما يسطره بعض الكُتّاب في المنتديات يجد أننا في
حاجة ماسة لتعلم "فقه الصمت والسكوت" كحاجتنا لفقه المنطق والبيان .
وكما قيل : العافية عشرة أجزاء ، تسعة منها في السكوت .
ولست أعني بمقالي هذا الحث على السكوت من باب حفظ اللسان عن فضول الكلام طلبا
لرضى الرحمن ؛ لأن هذا مبحث شرعي لا يخفى عن العامة والخاصة ، ولكن ما نحن بصدده
هو تنبيه أصحاب الأقلام والفتاوى السياسية من خطر الانزلاق في فخ أعدّه أعداء الله من
الكفار والمنافقين بغية الوقيعة بين أبناء الأمة ، وإشغالهم بأنفسهم بإلقاء شبهات شرعية
وعقلية وسياسية في مسلمات يعم بها البلاء .
فالكلام بغير وعي أو علم بصورة عامة سواء في الشرع أو السياسة غالبا ما يؤول إلى فتنة
دهيماء ، تزرع الشقاق والفرقة بين المسلمين ، ويستثمرها أعداء الصحوة والدين .
فلا يصح الخوض في مسائل سياسية كبيرة دون الإلمام بالعلم الشرعي المبني على الكتاب
والسنة الصحيحة ، والعلم الراسخ بحقائق وخفايا الأمور ، ومعرفة كيف يفكر المتربصون بالأمة
واستشراف المستقبل .
ومما يؤكد حاجتنا الملحة لفقه السكوت أحيانا ما سمعته منذ فترة من الأخ الأردني المعتقل السابق
في جوانتانامو "وسام عبد الرحمن" في مقابلة خاصة مع "قناة الجزيرة" ، فقد صرح بأن سجانيه
عباد الصليب الأمريكان عرضوا عليه طائفة من فتاوى بعض أهل العلم المشهورين ، وقالوا له :
هذه فتاوى مشايخكم التي يجب عليكم الالتزام بها !!!
فقد هالني هذا الأمر ، وذكرني بما قاله عبد الله بن حسن لابنه وهو ينصحه :
"يا بني احذر الجاهل ، وإن كان لك ناصحا ، كما تحذر العاقل إذا كان لك عدوا ؛ فيوشك الجاهل
أن يورّطك بمشورته في بعض اغترارك ، فيسبق إليك مكر العاقل" .
متى يتعين فقه السكوت ؟
لقد قيل قديما : "إن من المسائل مسائل جوابها السكوت" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ أسكنه الله فسيح جناته ـ : "سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء
والنهي عن أشياء ؛ حتى علا الإسلام وظهر ، فالعالم في البيان والبلاغ كذلك ، قد يؤخر البيان
والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن" .
قلتُ : فإذا كان هذا في حق ما يشرع بيانه ، فكيف بغيره مما التبس أمره ، وكثر لغطه ؟!!!
ومن يتأمل الموضوعات السياسية ، والأخبار الإعلامية يجدها من أكثر الأمور التي يقع فيها
الاشتباه ؛ لأمور كثيرة ، منها :
1 ـ ما يعتريها من ضبابية وعدم وضوح .
2 ـ تلازمها مع المصالح وجودا وعدما ، فالسياسة تبحث عن الهيمنة والتسلط ، والإعلام يبحث
عن المكاسب المادية والسبق الصحفي .
3 ـ وجود أيد خفية مجهولة الهوية تحركها من وراء الكواليس ؛ لتحقيق أهدافها ومصالحها .
4 ـ التعامل بأسلوب الغير أخلاقي ، كالنفاق والكذب والدجل ، والمايكفلية النفعية ..الخ
فهذه هي آليات التعاطي مع السياسة والإعلام .
فجُل أصحاب السياسة يقولون الشيء في الظاهر ، ويقومون بخلافه في الباطن .
وأما انعدام مصداقية أصحاب الإعلام ، ونواياهم الخبيثة ، فحدث ولا حرج ، فلا أظن أن عاقلا
يثق فيهم وفي أخبارهم إلا ما رحم الله ، وقليل ما هم !!.
ثالثا ـ في المسائل الاجتهادية ، وخاصة تلك التي بنقضها ترجع سلبا على المجاهدين :
فكلنا يعلم أن الدنيا كلها تتربص بالمجاهدين ، من صليبيين ، وصهاينة ، وعلمانيين ، ومنافقين
وجيوش جرارة من مرتزقة المباحث والمخابرات ...الخ ، كل هؤلاء مع ما لديهم من إمكانيات ضخمة
(سياسية ، وعسكرية ، ومالية ، وإعلامية) ، جميعهم يرمون المجاهدين عن قوس واحد ، ومع هذا كله
فشلوا فشلا ذريعا من النيل من المجاهدين ، فأوحت إليهم شياطينهم بالتحريش بين المجاهدين وإخوانهم
المناصرين ، وذلك باستغلال الفرص لزرع الشقاق ببث الشبهات وإثارة الخلاف . كالبحث في حكم ذبح
الأسرى ، والتمثيل بجثث الكفار ، وأخذ الفدية ، وقتل النساء والأطفال أثناء المواجهات …الخ.
كذلك البحث في نتائج المقاومة مع الأمريكان كالتدهور الأمني والاقتصادي ، وتخريب أنابيب البترول...الخ .
فهذه شبهات تثار بين الفينة والأخرى للتشكيك في مصداقية العمل الجهادي في العراق وأفغانستان والشيشان !! .
ونحن على يقين أن العدو زرع جماعات مشبوهة ترفع شعارات جهادية وهي في حقيقة الأمر مندسة
بين المجاهدين لتشويه صورتهم ؛ حتى ينفض الناس من حولهم ، كما حدث في الجزائر .
ولكن لكوننا لا نستطيع تميزهم ، أو معرفة ماهيتهم ، أرى قطع الطريق على هؤلاء بالتعويل
على اجتهاد المجاهدين ؛ لأن الرأي الصائب هو ما يرونه ويرجحونه ، ولأنهم الأعلم بمتعلق الفتوى .
كما يجب علينا الالتزام بـ "فقه السكوت" في مواطن الريب ، وما نجهل ماهيته .
رابعا ـ إذا غلب على الظن استغلال العدو للكلام :
فمتى غلب على الظن استغلال العدو للكلام أو الفتوى ؛ لتحقيق أهداف المشبوهة ، وجب أعمال
"فقه السكوت" ، حتى ولو كان ذلك في بيان حكم شرعي ، فقد تقدم كلام ابن تيمية :
"فالعالم في البيان والبلاغ كذلك ، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن".
ومن ذلك خشية أن يوظفه العدو لصالحه.
فمتى جر الحكم على الشيء تبعات أخرى تصب في مصلحة أعداء الأمة ، وتحقق أهدافهم ، لزم
الإمساك عن الكلام والخوض في الموضوع .
لذلك يتعين على من يتناول الأمور السياسية خاصة من الجانب الشرعي التأني في الحكم على
الأشياء حتى تتضح الأمور ، وتزول الضبابية ، وتنكشف النيات ، ويتأمل في عواقب ما يخوض فيه
ويأخذ في حسبانه صدى وتبعات ذلك ، ولا ينظر للأمور بنظرة آنية لا تتجاوز حدود مقالته ومنتداه
فهناك جيش من المراقبين والمتابعين والراصدين لما يقال ، ويوظف أحسن توظيف لخدمة أهداف
مشبوهة لم تخطر على بال هذا الشيخ أو الكاتب .
ورحم الله سفيان الثوري القائل : "أعلم الناس بالفتيا أسكتهم عنها ، وأجهلهم بها أنطقهم فيها" .
لقد طالعتنا آخر الأخبار بهرولة نحو 300 عالم وداعية إلى مدينة الضباب "لندن" لتأسيس جمعية
لعلماء المسلمين تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب)!! .
فاختزل السادة العلماء مشاكل الأمة في (محاربة التطرف والإرهاب) و(الغلو في الدين) !!
وتناسى هؤلاء الأفاضل أن الأمة تعاني من ضعف الدين وليس الغلو ، ألا ينظرون للزنا المستباح
على قارعة الطريق في البلاد الإسلامية ؟!!
ألا ينظرون لتفشي المنكرات في وسائل الإعلام المختلفة ، من أفلام فاضحة ، ومسلسلات عاهرة
وفديو كليب ماجن ؟!
فتأمل إلى أي مبلغ وصلت كياسة هؤلاء الأفاضل العلماء !! .
الصهاينة يسفكون دماء الشعب الفلسطيني المجاهد ليلا ونهارا تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) !!.
والأمريكان دمروا دولة أفغانستان والعراق ، وأطاحوا بنظم وحكومات تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) !!
والنظم تعتقل الآلاف من الصالحين الأبرياء ، وتحكم على بعضهم بالإعدام تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) !!
والأمريكان اغتصبوا العفيفات الشريفات ، ولاطوا بالأنقياء الأتقياء في معتقل أبو غريب وجونتاناموا
تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) .
ثم نجد 300 عالم مسلم يجتمعون تحت شعار (محاربة التطرف والإرهاب) .
ورحم الله عبد الله بن المبارك حيث قال :
إن البُصراء لا يأمنون من أربع :
ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع فيه الرب ـ عز وجل ـ .
وعمرٍ قد بقي لا يدرى ما فيه من الهلكة .
وفضلٍ قد أعطي العبد ، لعله مكرٌ واستدراج .
وضلالة قد زُينت ، يراها هدى .
وزيغ قلب ساعة ، فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر . والله المستعان .
فقه السكوت بين الغفلة والتغافل
الغفلة صفة دميمة تتنافى مع العلم والبصيرة ، وهي مستلزمة للجهل والحمق ، وصحابها مغفل
ومستغفل ، مغيّب عن فهم الحقيقة والواقع ، فحرمه الله من البصيرة والوعي .
والتغافل صفة محمودة تتنافى مع الجهل والحمق ، وهي مستلزمة للعلم والتيقظ ، وصاحبها كيس
فطن ، يضع الغفلة في موضعها المناسب ، فأكرمه الله بالحكمة والنظرة الثاقبة .
وفقه السكوت هو استعمال التغافل متى كان ذلك أنفع وأنجع ، فيضع الغفلة في موضعها الذي
يذم فيه البحث والتقصي والتغافل ، فهما للحقيقة ، ووعيا بالواقع .
وأخيرا ، نصيحة محب ، متى وجد المرء في قوله بعض الحق ، ولكنه يفضي إلى نصرة أهل الباطل
ففقه السكوت لازم .
نسأل الله تعالى أن ينصر المسلمين في كل مكان ....اللهم آمين.
_________
ارجو المولى عزوجل ان يجازي كاتبه خير الجزاء.