المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة إلى سيبويه ... اللغة العربية تنعى حظّها !



كلمة حق
14 - 03 - 2006, 15:32
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


زميلي العزيز سيبويه :


لأشد ما يحزنني تباعد الزمن بيننا ، فتعيش أنت في القرن الثاني وأعيش

أنا في القرن [الخامس عشر] .

كم تمنيت أن أتقدم هذه القرون الطويلة فآخذ النحو كما أخذته أنت مشافهة

ومساءلة لا كما أخذته أنا حفظا للمتون ، وقراءة في الشروح والحواشي ،

ولكنها مشيئة الله حالت بيننا وبين هذه الأماني ، فعشت أنت في عصر

أقبل الناس فيه على النحو وعشت أنا في عصر ولّوا عنه مدبرين .

شتان ما حالي وحالك يا أبا بشر .. !!

لقد أنفقت عمرك تبني النحو وترفع منه القواعد ، وزملاؤك من حولك يشدّون

عضدك ، ويعقدون على أمرك الخناصر ، فاستوى لك بناء يطاول أعنان

السماء ، ويسدّ وجه الأفق .

أما أنا فأنفق الوقت في إصلاح ألسنة تقول فلا تعرب ، وتنطق فلا تبين ،

وأسمع من هنا وهناك صيحات تنادي بإلغاء هذا النحو الذي أطعمته شبابك

الوريق ، وأسقيته من حياتك كأسا دهاقا ..

نعم ينادون بإلغاء هذا النحو ويزعمون أنه جهدٌ بلا طائل وسرى بلا صبح ، ويقولون :

إن العصر عصر سرعة ، وأهل العلم في حاجة إلى الجهد والوقت ، فلماذا

نضيّعهما في معرفة المرفوع والمنصوب والمجرور ؟

وبيان المعرب والمبني ، والفرق بين الحال التمييز ، وكم وجهاً من

الإعراب يجوز في هذا التركيب ؟

وكم وجهاً من الإعراب يجوز في تلك الكلمة ؟

يقولون - يا أبا بشر - : لماذا لا تستريح من هذا العناء كله بتسكين أواخر الكلمات ؟

حقاً إنه لخبر محزن أسوقه إليك ، ولكني لم أقصد الإساءة ،

وأنت تعلم أنّ مصابنا في هذا سواء ..

يزعم هؤلاء المنادون بتسكين أواخر الكلمات أنهم يريدون تيسير هذه اللغة لطالبيها ،

وكسر أشواكها لجانيها ، وتقريب تعليمها إلى الأجانب .. !!

وتضييق الشقة بين لغة الكتابة ولغة المحادثة ، ومسايرة ركب اللغات

الحديثة التي لا تعرف الحركات في أواخر الكلمات ..

وهذا زَعْمٌ ظاهره سلم وبر ، وباطنه قطيعةٌ بيننا وبين لغة القرآن ، قطيعة

بيننا وبين هذا التراث الضخم الذي جاءنا بهذه اللغة المتحركة الأواخر ،

والويل لنا ولهذه اللغة ، إن استقام لهم هذا الدرب الذي يسلكون ..

إنه لن يمضي جيل أو جيلان حتى يكون هذا القرآن عجمة في الآذان وحبسة في اللسان !!

ويضيع معه هذا التراث العلمي والأدبي ضياعا ليس منه عوض .

وإلى جانب هذا الضياع لن يكون لهذه اللغة طواعية في التعبير وتلوين الجمل ،

وتغيير التركيب ، وفق ما تتطلبه المعاني ، وتقتضيه الأحوال ، فهذه الحركات

المتغيرة في أواخر الكلمات هي المعالم الهادية في كثير من الجمل إلى

دقيق المعاني ، ولطائف البلاغة .

أما الأوزان الشعرية وبحور أستاذك الخليل ، فسلام عليها إلى يوم الدين ،

سلام على أنغامها الحلوة ، وجرسها الساحر ، وموسيقاها التي تهز المشاعر .

معذرة يا أبا بشر ، لقد نقلت لك شيئاً من لغو هذا الناس في هذه الدنيا وأنت

في دار لا لغو فيها ولا تأثيم ، ولكن ماذا نفعل وقد أصابتنا المصائب من كل جانب ،

وبلغت بنا المدى الذي ينبغي أن يقلق له الأحياء والأموات جميعا .

كنت أودّ أن تكون رسالة - وهي أول رسالة أكتبها إليك - أن تكون رسالة

مودة في الله ، وصلة رحم في النحو ، وقربى زمالة في التعليم ، ولكن

في نفسي تساؤلات شتى عن حياتك تلحّ عليّ فلا أستطيع دفعا لهذا الإلحاح ،

وتجمح بي فلا أستطيع كبحا لهذا الجماح .

لقد زرت دنيانا هذه أول مرة في القرية الكبيرة المسماة بالبيضاء من

مقاطعة شيراز في بلاد الفارس ، ولكن التاريخ لم يحفظ موعد هذه الزيارة ،

وقلما كان الناس في القديم يحفظون .

غير أنهم حفظوا أنّ أمّك كانت حفيةً بهذا اللقاء ، وأنها كانت ترقصك طفلاً صغيراً

وهي تقول : " سيبويه سيبويه ، سيبويه سيبويه " .

ولعل أمك لم تجد ألفاظا ترقصك بها غير هذه الألفاظ ، فهي أخفّ نطقاً على اللسان ،

وأعذب جرسا في الآذان ، إنها أم فارسية كما كان أبوك فلا عجب أن تختار

هذه الألفاظ الفارسية ، لقد وجدت فيها رائحة التفاح ، فأخذت ترقصك بها وتناديك ..

وكل الأمهات يجدن في أولادهن رائحة طيبة ، ويخترن كلمات وموسيقى

عذبة يرقصن بها أولادهن ، غير أن هذا اللفظ الذي اختارته أمك سجل عليك

مدى التاريخ ، وتغلّب على عمرو وهو اسمك الذي اختاره لك أبوك عثمان بن قنبر .

لقد أراد بك الأهل خيرا حين بعثوا بك مع الصبيان إلى مسجد القرية تتعلم الدين ،

ولغة الإسلام والأحكام والحياة ، وأغلب الظن أنه لم يدر في خلدهم ولا خلد

أهل الأرض جميعا أنك على الدرب إلى ذروة العلم والمجد .

أيّ شيء بعد هذا حملك على الترحل عن قريتك الخصيبة الممرعة تاركا فيها ملاعب الصبا ؟!

ومدارج الطفولة ، وأتراب اللهو ، وأنس الأهل ولقاء ذوي القربى .

أيّ شيء لك في البصرة فتشد إليها الرحال ؟

أتوسّم فيك معلم القرية مخايل النبوغ فزيّن لك الذهاب إلى البصرة ؟!

أكان بينك وبين زملائك الغيرة والمنافسة ؟

فأنت تطلب طريق التفوق أم أنك خلقت طموحاً ولم يعد في القرية متسع لهذا الطموح ؟!

كيف طابت نفس أمك بهذا الفراق وأنت لا تزال حدثا لين العود لم تبلغ سن الرشد بعد ؟!

أكان أبوك لايزال يعيش في دنياك ؟

فوقف إلى جانبك وأرسل معك أخاك يعينك ، أكانت الأسرة على حظ وافر من الثراء والمال ؟

فهي ترفدك من حين إلى حين بما تشاء من مال ورزق .

لقد مضت القرون الطويلة دون أن تنقل إلينا كيف استقامت الحياة لك في البصرة

وأنت في هذه السن المبكرة ؟

ها أنت ذا في مسجد البصرة تطوف الحلقات ؛ حلقات الحديث وحلقات الفقه !

وحلقات اللغة والنحو والأدب ، لماذا اخترت حلقة الحديث من بين هذه الحلقات جميعا ؟

ألأنّ حلقة الحديث كانت أغنى حلقة بالحاضرين وطلاب العلم ؟

أم لأن علماء الحديث كانوا أعظم شأنا وأرفع منزلة ؟

أم أنّ حبك الرسول والرواية عنه دفعاك إلى هذا الأمر ؟

أم أن معلم القرية قد اختار هذا الطريق ؟!

ها أنت ذا تجلس إلى المحدّث المشهور حماد بن سلمة ، تُرى ما الذي أغراك بمجلسه ؟

وسلكك في حلقته ، أشهرة له طارت في الحديث ؟

أمنصب الإفتاء الذي كان له في البصرة ؟

أشخصيته القوية وهو يحدث الناس من حوله ؟

أكثرة المحيطين به يستمعون إلى ما يقول ؟

ومهما يكن من أمر فقد أردت شيئا ، وأراد الله شيئا آخر .

ها أنذا أراك تسرع إلى حلقة حماد بن سلمة في كل يوم ، حريصا على أن

تأخذ المكان في الصف الأول ، فذلك أدنى إلى أن تسمع إذا أصغيت ،

وأدنى إلى أن تجاب إذا ما سألت ، ثم يجيء يوم ما أظنك نسيته طوال حياتك ،

ولم ينسه التاريخ رغم هذه القرون الطويلة التي تتابعت بعده ،

لا أدري ما الذي أخرّك هذا اليوم فجلست على مبعدة من حماد ؟

فلما قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" ما من أحد من أصحابي إلاّ وأستطيع أن آخذ عليه ليس أبو الدرداء " ،

فصاح بك حماد بن سلمة : " لحنت يا سيبويه ، ليس أبا الدرداء " ،

ولا شك أنه رفع صوته بهذا النكير عليك !

وأنه رفعه ليسمعك ويسمع من حولك ، فحماد هذا هو الذي يقول :

" مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار علية مخلاة ولا شعير فيها " ؟! .

وسواء أفي هذا الحديث أخطأت أم في حديث آخر ، وسواء أفي هذا الاستثناء

عثرت أم في لفظة أخرى ، فقد سمعت من حماد بن سلمة ما ملأ عليك جوانب

نفسك ، وجوانب المسجد ، ما أكثر الذين عثروا مثل هذا العثار !!

وما أكثر الذين تلقّوا مثل هذا الاستنكار !

ثم انقضى الأمر كأن لم تكن هناك أذن تسمع ، أو قلب يعي ، ولكنك لم تكن

من هؤلاء يا سيبويه ، لقد كنت ذا أنف حميّ ، وقلب ذكيّ ، فكانت صيحة

حماد بعيدة الصدى بالغة الإثارة ، فلم تطرق من خجل ، ولم تسكت عن حياء ،

وإنما قلت لحماد - وفي لهجتك الحزم ، وفي نبرات صوتك العزم - :

" لا جرم لأطلبنّ علماً لا تلحنني فيه أبدا " ، وما أظنه قد طاب لك المجلس بعد هذا ،

وما أظنه قد طال ، وإنما مضيت بعد هذه القولة المشهودة لطلبك ، تنشد هذا

العلم الذي لا يلحنك فيه حماد ، ولا أحد غير حماد .

ما كانت بك الحاجة إلى أن تطوف بحلقات العلم في مسجد البصرة ، فما

أنت بغريب عن المسجد ، وما أنت بغريب عن حلقاته ، لقد عرفت من قبله

حلقة عيسى بن عمر الثقفي ، وعرفت مجالس الخليل بن أحمد ، واستمعت

إلى يونس بن حبيب ، فلم تشتبه عليك السبل بعد صيحات حماد ولم يأخذك

يأخذ الضعاف من تردد وحيرة وقلق إذا دهمتهم الأحداث ، وفجأتهم الخطوب .

إنه ليخيل إليّ أنك لزمت الخليل بن أحمد بعد الفجر ووجه النهار وقبل الغروب ،

وعجت بمجالس يونس ، كلما ألمّ الخليل ملمّ ، أما شيخك الأول عيسى بن عمر

فقد توفاه الله قبل أن تأخذ عنه الكثير .

حقّاً إن لقاءك بالخليل كان نعمة من عند الله مباركة ، نعمة عليك وعليه وعلى اللغة ،

فقد نشرت للخليل علماً ما كان ينشر لولاك ، وعلّمك الخليل علماً ما كنت لتصل

إليه لولاه ، وأفادت اللغة هذه القمة الذاهبة في السماء !!

لم يبلغها كتاب في النحو على مدى العصور الطويلة التي تتابعت بعد ، نعم

لقد كان لقاء تعليميا موفّقا ، وماذا يريد الطالب من أستاذه أكثر من أن يكون

ضليعا في العلم ، عميقا في الفهم ، قادر على ابتكار الجديد المفيد ، ذا خلق عظيم ،

لا يبتغي بعلمه الدنيا ولو قرعت عليه الأبواب ، وهل كان أستاذك غير هذا يا سيبويه ؟

وماذا يريد الأستاذ من تلميذه أكثر من أن يكون نهوم علم لا يشبع ، وطلعة

لا يقنع ، وشابا جلدا لا يمل ولا يخور ، وحفّاظا لا يضيع ، وتقيا لا يغلبه الهوى ،

منظما لا يخلط الأمور ، دقيقا يسبر الأغوار ولا يقف عند الظواهر ، وهل

كنت غير هذا يا سيبويه ؟!

أو ليس لهذا كله كان الخليل يقول كلما رآك قادماً عليه :

" أهلا بزائر لا يملّ " ثم لا يقولها لأحد غيرك .

وتتعاقب الأيام والأعوام ، ويأتي الخليل ما أتى على الناس من قبل ، وتعود

إلى البيت حزينا أسفا ، فقد واراه الثرى ، وسويت من فوقه الأرض ثم تسلوا

مع الأيام وتكفكف قطرات من الدمع الباقية في المآقي ، ولكنك تشعر بالفراغ

يملأ المسجد ويملأ المنزل ، وليس لدى يونس بن حبيب ما يشبع نهمك ويروي

غلتك ، إذن فلا بأس أن تجلس في مكان أستاذك الخليل تقول للناس ما كان يقول .

أستاذي العظيم :

أعدت إلى المنزل ذات ليلة من صلاة العشاء في مسجد البصرة فضاقت بك

الغرفة التي وسعتك سنوات طويلات ؟

ثم لم تجد شهوة إلى طعام ولا رغبة في الدراسة ، فأويت إلى الفراش لتجد

الراحة ولكن الفراش نبا بجنبيك ، وأقضت أحاديث النفس عليك المضاجع

بماذا حدثتك النفس يا ترى ؟!

وكيف استلبت النوم من عينيك ؟؟

أكانت تقول لك : ها أنت ذا قد ملأت الفراغ المسجد ، فمن لهذا الفراغ في البيت ،

هذا الطعام وترتيب أشياء هذه الغرفة يأكلان الوقت أكلاً لماً .

وها هي ذي الكهولة قد وفدت عليك والكهولة عمرها قصير وليس بعد الخريف

إلاّ الشتاء ، إلام تظلّ بلا زوجة تخفف عنك العناء كله ؟؟

وتكون سكنا إذا أقبل الليل ، وعوناً على العيش إذا أقبل النهار ، هذه الجذاذات

لا تزال مبعثرة في زوايا الغرفة ، إلام تظل ركاما لا ينفع الناس ؟!

وتغدو إلى المسجد ذات صباح ، وقد أشرق وجهك بالبشر ، وبرقت عيناك بالفرح ،

وعلا شفتيك ابتسام الرضا ، ويبارك الطلاب زواجك ، وتعود إلى حياة حلقتك

إلى ما كان عليه من قبل أو أشد .

ولكن الحياة في البيت لم تمض طويلا عل النهج الذي قدرت ، فقد دبّت العداوة

والبغضاء بين الجارية التي تزوجتها وبين هذه الكتب التي ملأت عليك وعليها

الغرفة ، هي تريدك أن تكون خالصا لها ، وأنت تريد أن تكون خالصاً لهذه الكتب .

أتُراك أنصفتها يا سيبويه ؟!

وأحسنت عشرتها كما كنت تحسن عشرة الكتب أم تُراك ملت مع كتبك كل الميل ؟!

وتركتها تحترق في نار الغيرة .

أيّ داع دعاك إلى السوق لتعود إلى البيت فتجد سماءه دخاناً تضيئه ألسنة اللهب ؟!

لم تعد هذه الزوجة الصغيرة الحمقاء تطيق صبراً ، فألقت بين هذه الكتب

والجذاذت جذوة من نار ، وتركتها تحور رماداً ، ليتني كنت معك يا سيبويه فأنقذ

الشيء الكثير من إملاءات الخليل ، وليتني كنت معك فأسعفك وقد وقعت مغشيا عليك .

سراح جميل ، وعود إلى الحياة الأولى ، وسهر الليل ، ودأب في النهار ،

ويستوي هذا الكتاب الذي أنقذت فيه ما كان طيّ الرماد وتركته للناس بلا

تسمية فغلب عليه اسم (الكتاب) .

لماذا ضاقت بك الحياة في البصرة واعتزمت الذهاب إلى بغداد ؟!

أمللت التدريس وحياة المدرسين ؟!

ألم يعد في البصرة أمثال الخليل تفيد منه ؟

أضاقت بك سبل العيش وصفرت يداك من المال ؟!

ألم تعد البصرة تتسع لشهرتك وطموحك ؟

أم كان الأمر كما قال أبو تمام :

وطول مقام المرء في الحي مخلق *** لديباجتيه فاغترب تجدد

يخيّل إليّ أن طموح كان أبرز هذه الأشياء جميعا .

ها أنت ذا في بغداد ، تفد على يحيى بن خالد بن برمك ، وتطلب إليه أن يجمع

بينك وبين الكسائي ، ويحاول أن يثنيك وهو يقول :

" لا تفعل فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها ، ومؤدب ولد أمير المؤمنين ، وكلٌّ

من في المصر له أو عليه " ، فتأبى ذلك .

لم يكن سهلا على الكسائي أن تنتزع منه ثقة الخليفة الرشيدة ، وهيهات أن

تطيب نفسه بالتخلي عن زعامة النحو في عاصمة الخلافة ، ثم كيف تطوي

هذه الشهرة التي طارت له في كل مكان ؟

أرأيت كيف احتال لنفسه فأرسل إليك في يوم مشهود أصحابه وتلاميذه ؟

يسألونك أشتاتا من الأسئلة ويكثرون ، ليلقوا عليك الوهن ويجلبوا على نفسك الهمّ .

ثم يأتي بعد قليل ، ويلقي إليك المسألة الزنبورية ويقول :

" كيف تقول : قد كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور ، فإذا هو هي ؟!

أو فإذا هو إياها " ، فتجيبه أنت : " هو هي ولا يجوز النصب " ، فيقول

لك الكسائي : " لحنت ، العرب ترفع ذلك وتنصبه " ، ويشتد الجدال بينكما ،

وينقذ الموقف بعض الحاضرين محكّما أعراب الحطمة الذين حضروا بباب الخليفة ،

وهم أعراب تركوا باديتهم منذ زمن ونزلوا ببغداد فأصاب فصاحتهم بعض الوهن ،

وقد كانوا يعرفون الكسائي وأين هو من الخليفة ، وسواء أكانوا جميعا عليك

أم كان بعضهم معك ، فقد انتهى مجلس الخليفة أو مجلس يحيى بن خالد على أنك

المهزوم ، وما أنت بالمهزوم .

ولك في القرءآن الكريم أعظم حجة فقد اطّرد فيه الرفع على الابتداء والخبر في

مثل هذا الأسلوب : {فَإِذَا} ، {فَإِذَا} ، ولكن الناس زلفى إلى من له صلة بالحكام .

لقد ضاقت بك الحياة في بغداد ولكن لماذا لم تعد إلى البصرة يا سيبويه ؟

أستحييت من أهلها ؟؟

أم تُراك فارقتها منذ البداية على ألا تعود ؟!

واكتفيت إذ بلغت بك السفينة الشاطئ أن وجهت في طلب تلميذك الأخفش

وخليفتك على حلقة النحو في البصرة ، لتخبره الخبر ثم تمضي لطيتك .

على أيّ شاطئ رست بك السفينة يا أبا بشر ؟!

وإلى أين تقاذفتك الدروب ؟

لقد آن للغريب النازح أن يؤوب ، ولهذا المسافر اللاغب أن ينيب ، ولهذه

الموجة القلقة أن تستقر على شاطئ ، لم يذكر التاريخ على التحقيق أين

ذهبت وعلى أي شاطئ رسوت .

ولكن الظن كل الظن أن القرية البيضاء التي احتضنت طفولتك عادت تعانق كهولتك .

لقد انتهت مهمتك في الحياة حين انتهيت من تأليف (الكتاب) ، وكأنما تبحث

عن الموت فوق ثراها الذي أطعمك وأسقاك ، وبين أحضان أهلك وذويك غير

أن الموت كان يقول : " صبراً صبراً قليلاً يا سيبويه .. " .

ويمر عام أو عامان أو أقل من ذلك أو أكثر فيأتيك داع من دواعي الموت ،

وأنت لم تتجاوز الأربعين إلاّ قليلاً ، فيشتد عليك الذرب ، وتلقي بنفسك في

أحضان أخيك ، وتئن بهذه الكلمات مع أنفاسك الأخيرة :

يـؤمل دنيا لتبقـى له *** فمات المـؤمّـل قبل الأمـل

حثيثا يروي أصول النخيل *** فعاش الفسيل ومات الرجل

أيّ أمل هذا الذي مت دونه ، وأيّ فسيل رويته ولم تأكل جناه ؟

يكفيك أملا هذا (الكتاب) الذي تركته ، وإذا كنت لم تأكل جناه في

الدنيا ، فما عند الله خير وأبقى .

قلة قليلة من أناسيّ هذا العالم ، تركت وراءها ءآثاراً ظلت تحتفظ بمستواها

الكفء ، طيلة اثني عشر قرناً ، وسيظل (كتابك) بإذن الله يحتفظ بهذا المستوى

ما بقيت الأرض أرضاً والسماء سماء .

أوراء هذا أمل لآمل يا أبا بشر ؟! نم هنيئاً ..


منقول

الـعـمـيــــــــــــد
15 - 03 - 2006, 10:54
نقل جميل جدا يا كلمة حق
ومجهود طيب في النقل وتتبع آثار السلف
سيبوية ( ومن منا لا يعرف سيبوية )
ومثلما كرمته الأمة الإسلامية سابقا
وكان له فضل السبق بإذن الله في الرقي باللغة
العربية الفصحى لتصل إلينا بما قدره الله لها
هاهي الأمة أو جيل السرعه يحاول التنكر لهذه اللغة
والتي هي عنوان الأمة يحاول التنكر بمزيد من الضعف
ومزيد من الهوان ومزيد من التخاذل .

كلمة حق :
أجدت النقل

كلمة حق
19 - 03 - 2006, 04:56
أخي الفاضل رحال

انا لما اكن اعرف شيء عن سيبويه سوى اسمه

وقد ذهلت عندما علمت بانه لم يكن عربيا

نحن العرب نغرق في اعراب او تركيب جمله....سبحان الله

لقد افتقدنا مداخلاتك في المنتدى السياسي بارك الله بك فعسى ان يكون المانع خيرا

اشكرك على تشريفي بمرورك الكريم.

الـعـمـيــــــــــــد
19 - 03 - 2006, 12:13
تواجدك بيننا يثرينا بالمعلومات
ويمدنا من فيض المعرفه

وعدم تواجدي في السياسي
بس لان الظروف ما تمكنني من التواجد باستمرار على النت

شكرا على سؤالك بارك الله فيك

لولا
19 - 03 - 2006, 16:55
أخى كلمة حق

مشكور على الموضوع القيم

وبارك الله فيك على ما تقدمه

من مواضيع مهمه

وياريت كل الناس يفكروا فى لغتهم العربيه

ويخشون عليها من الإنقراض

ويرفضون اللغه الدخيله

المستنكره

تحياتى
أختك لولا

كلمة حق
21 - 03 - 2006, 15:05
أخي الفاضل رحال


ارجو الخالق جل جلاله ان يشغلك بخير ويبعد عنك كل ما يثقل القلب....

وافادنا سبحانه مما تطرح واطرح ويطرح جميع الاخوه في الله من مواضيع

وتقربنا لمرضاته لنكن جميعا عونا على الشيطان واتباعه....... اللهم آمين

بارك الله بك اخي الكريم.

كلمة حق
21 - 03 - 2006, 15:12
أختي الفاضله لولا

اي موضوع يطرح لا تظهر قيمته إلا بمرور ومداخلات الاخوه في الله والاستفاده منه

إذا فكرنا فقط بأن اللغه العربيه هي لغة القرآن الكريم

سنجزع ونهتم ونبادر للتمسك بها بعد إهمال

فمن نحن بدون القرآن الكريم الذي تطمئن به القلوب

لا بد لنا من مراجعه سريعه لانفسنا والعمل على تفادي ما قصرنا به

مثلما جاهد المسلمون الاوائل بالدم والمال والوقت والعمل للحفاظ على هذا الدين

وتنقيته من كل الشوائب التي اضيفت اليه

علينا مسؤولية الحفاظ عليه بكل السبل والطرق لتوصيله للاجيال القادمه

الاسلام ليس دين عباده فقط....بل عباده وعمل

كل الشكر والامتنان لتشريفي بمرورك الكريم.