المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحج ,, وكل ما يتعلق به



ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 22:56
معنى الحج

للحج معنى في اللغة ومعنى في اصطلاح الشرع .

أما معنى الحج في اللغة فهو : القصد إلى معظم .

وأما معناه شرعا فهو : قصد البيت الحرام لأداء أفعال مخصوصة من الطوات والسعي والوقوف بعرفة وغيرها من الأعمال .

والحج من الشرائع القديمة ، فقد ورد أن آدم عليه السلام حج وهنأته الملائكة بحجه .

وكلمة الحج تأتي في اللغة بكسر الحاء وبفتحها ، وقد قرئت في القرآن بهما .

عدد حجات النبي وعمره
حج النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في العام الذي توفي فيه ، ولذلك سميت حجته هذه حجة الوداع ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يلق المسلمين ، بعدها كما لقيهم في هذه الحجة من كثرة عدد ، ومن عظيم مشهد ومن حرص على أن يوصيهم بوصايا عامة ذات أهمية اجتماعية واقتصادية وسياسية لم يسبق لها مثيل ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في وصاياه : خذوا عنى ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا

فضل الحج
إن الأدلة الصحيحة الواردة في فضل الحج ، وفي ثواب العمرة كثيرة ومتنوعة ، بحيث تدفع المسلم إلى محاولة التردد على بيت الله الحرام بحج أو عمرة لينال ثواب الله وفضله ، وليرجع برحمة الله وغفرانه ، وليشهد منافع للمسلمين ، باجتماعهم وتآخيهم وتعاونهم على ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة ، وإليك بعض ما ورد في ذلك من الأحاديث .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله ورسوله . قيل : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد فى سبيل الله . قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور رواه البخاري ومسلم

وعنه رضي الله عنه قال : سمعت سول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من حج ، فلم يرفث ولم يفسق ، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه رواه البخاري ومسلم وغيرهما

وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : جهاد الكبير والضعيف والمرأة : الحج والعمرة رواه النسائي بإسناد حسن

وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان : ما منعك أن تكوني حججت معنا قالت : ناضحان كانا لأبي فلان زوجها حج هو وابنه على أحدهما . وكان الآخر يسقي عليه غلامنا قال : فعمرة فى رمضان تقضي حجة أو حجة معي متفق عليه

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال ، أفلا نجاهد ؟ فقال : لكن أفضل الجهاد حج مبرور . رواه البخاري وغيره وابن خزيمة في صحيحه ولفظه قالت : قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد ؟ قال : عليهن جهاد لا قتال فيه ... الحج والعمرة

وعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه ، وسلم : تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة

رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، ورواه ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما .

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، قيل : وما بره ؟ قال : إطعام الطعام وطيب الكلام رواه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والحاكم وقال صحيح الإسناد .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم

رواه النسائي ، وابن ماجة ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما

وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف رواه أحمد بإسناد حسن ورواه البيهقي والطبراني في الأوسط .

مكانة الحج في الإسلام وحكمه
الحج ركن من أركان الإسلام المذكورة في عدة أحاديث صحيحة وهو فرض في العمر مرة على كل مسلم ومسلمة إذا استوفى شروطا خاصة نذكرها فيما بعد ، وفرضيته معلومة بالضرورة ، فمن أنكرها فقد كفر .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس . قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم رواه أحمد ومسلم والنسائي

وجاء في حديث آخر مماثل الحج مرة فمن زاد فهو تطوع رواه أحمد والنسائي بمعناه وأبو داود وابن ماجة والحاكم وقال : صحيح على شرطهما . والحديث يعتبر مبينا للآية الكريمة وهي قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا

فإن الآية مطلقة والحديث حدد هذا الإطلاق وقيده بأن بين أن المراد بالفرضية مرة واحدة في العمر .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 22:57
تأخير الحج
علمنا أن الحج فرض على المستطيع في العمر مرة ، وبقي أن نعلم ، هل هو فرض على الفور أم على التراخي ؟ بمعنى أن من استطاع الحج واستوفى شروط الوجوب هل يلزمه أن يحج في العام الذي وجب عليه الحج فيه أم يجوز له التأخير والتراخي ؟

أما عند الشافعي ومحمد بن الحسن فإن الحج فرض على التراخي والإمهال بشرط أن يحج قبل موته فإن مات قبل أن يحج فهو آثم مرتكب كبيرة من الكبائر ، سواء ظل مستطيعا حتى مات ، أو انقطعت عنه الاستطاعة قبل موته .
واستدلوا على أنه على التراخي بأن الحج فرض سنة خمس ، أو سنة ست ، أو سنة تسع - على اختلاف في ذلك - ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا سنه عشر من الهجرة ، مع أنه سنة تسع أوفد أبا بكر أميرا على الحجاج وبقي هو لم يحج هذا العام مع استطاعته ذلك وعدم المانع .

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعي : إن الحج واجب على الفور بالنسبة للمستطيع ، فإن استطاع فأخره أثم بالتأخير . واستدلوا بأحاديث كلها ضعيفة ، ولكن لكثرتها يقوي بعضها بعضا عندهم ، وبعض الفقهاء يرجح رأي الشافعي ومن معه، مثل الأوزاعي وأبي يوسف والقاسم بن إبراهيم وأبي طالب (وهما من أهل البيت) .

والبعض الآخر يرجح رأي الآخرين... وكفة الأدلة متعادلة تقريبا فالأحوط التعجيل..

والخلاصة أن الحج ركن من أركان الإسلام وفرض من فرائضه ، بذلك جاء الكتاب والسنة ، وعلى ذلك أجمعت الأمة ، والخلاف إنما هو في سَنَة فرضيته ، وفي كونه فرضا على الفور أو على التراخي .

من الذي يجب عليه الحج
الذي يجب عليه الحج هو : المسلم العاقل البالغ ، الحر، العالم بالفرضية ، المستطيع . وإليك تفصيلا لذلك كله ، حتى يتبين ، لك حكم كل حالة .

حج الكافر والمجنون والصبي
لا يفرض الحج على كافر ، لأنه غير مطالب بفروع الإسلام وهو فاقد أصله الذي يبنى عليه ابتداء ، وهو الإيمان ، وهذا عند غير الإمام مالك ، أما عنده فإن الكافر يخاطب بالفروع ، ويعذب عليها يوم القيامة .

وعند الجميع : إن حج وهو كافر فإن حجه لا يصح ، ولا يسقط الحج عنه إذا أسلم .

(هذا) ومن حج ، ثم ارتد عن الإسلام وكفر ، ثم عاد إلى الإسلام ، فإنه يجب عليه إعادة الحج عند الأحناف والمالكية ، ولا يجب عليه ذلك عند الشافعية ؛ لأن إحباط العمل لا يحدث للمرتد إلا إذا مات على ردته وكفره عندهم .

وكذلك لا يجب الحج على مجنون ، أو معتوه (وهو الأبله الناقص العقل.)..

ومثله الصبي الذي لم يبلغ ، فإن الحج لا يجب عليه ؛ لعدم تكليفه ، وإن حج صح حجه ، ولكن لا يكفي ذلك عن الحجة المفروضة ، ولا يسقطها عنه بعد بلوغه واستيفائه الشروط التي توجب الحج .

وما قيل في الصبي يقال في العبد المملوك لغيره ، فالحج لا يجب عليه ، وإن حج صح حجه ، ولكنه لا يسقط الحجة الواجبة عليه إذا أعتق واستوفى شروط الوجوب. اهـ .

دليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى أخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح

وقال الترمذي : أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك ، وكذلك المملوك إذا حج في رقه ثم أعتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلا ا هـ .

وهذا واضح في الصبى المميز الذي يستطيع القيام بنفسه بأعمال الحج .أما الصبى غير المميز وغير القادر على القيام بأعمال الحج فإن حجه صحيح أيضا عند الجمهور ، ويقوم الولي بتحجيجه وذلك بأن يحرم عنه قائلا بقلبه : جعلته محرما، ويجرده من المخيط ، ويلبي عنه ، ويطوف به ويسعى ، ويقف به بعرفة ، ويرمي عنه الجمار..

فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال : من القوم ؟ فقالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ فقال : رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر أخرجه مسلم .

(هذا) ولو بلغ الصبي وهو غير محرم ثم أحرم يوم عرفة أو قبله فإن إحرامه صحيح وتقع حجته عن الحجة المفروضة عليه بالإجماع .

وإن كان الصبي محرما من الأصل ثم بلغ قبل عرفة أو يومه فوقف بعرفة وأتم أعمال الحج فإن حجه يقع عن حجة الإسلام عند الشافعي وأحمد ، لأنه وقف بعرفة وأتم أركان الحج وهو أهل لها .

وقال مالك : لا يجزئه ذلك كما حجة الإسلام ، واختاره ابن المنذر .

وقال الحنفيون : إن جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف بعرفة أجزأه ، وإلا فلا يجزئه ، لأن إحرامه لم ينعقد واجبا .

ولو بلغ الصبي بعد الوقوف بعرفة فعاد إلى عرفة ووقف بها قبل فجر يوم النحر فإن حجته تجزئ عن حجة الإسلام عند الشافعي وأحمد .

وقال أبو حنيفة ومالك لا يجزئ ذلك عن حجة الإسلام .

وإن لم يعد الصبي إلى عرفة أو عاد بعد الفجر فإن حجه يقع تطوعا ولا يجزئ عن حجة الإسلام اتفاقا .

ملاحظتان :

(1) الصبي المميز لا يحج إلا بإذن وليه (وهو من يقوم بأموره ويرعى شؤونه مثل الأب والجد عند عدم الأب ، ومثل الأم عند عدمهما ، ومثل الوصي والقيم عند فقد الأب والجد والأم) ، وإن أحرم بغير إذن وليه فإن إحرامه فيه قولان : قول بأنه يصح ، وقول بأنه لا يصح . وعلة ذلك أن الصبي يحتاج إلى المال والمولى هو المسؤول عن مال الصبي وعن رعايته إن كان للصبي مال ، وهو الذي ينفق عليه من مال نفسه إن لم يكن للصبي مال .
(2) إن كان الصبي غير مميز وأراد الولي أن يحج عنه فإن عليه عند الإحرام أن يخلع عن الصبي الذكر الملابس المحرمة على الرجال حالة الإحرام ثم ينوي بقلبه الإحرام عنه ، ويلبي عنه فيقول : لبيك اللهم عن فلان لبيك . وكذلك يفعل معه في السنن فيغسله ويطيبه ويقم أظفاره إلخ .
وعليه أن يجنبه ما يجتنبه الرجل ، وعند الطواف والسعي يطوف به ويسعى طوافا وسعيا مستقلين ، غير طوافه وسعيه لنفسه ، ثم يأخذه إلى عرفات وإلى المزدلفة ومنى ، ويرمي عنه الجمار بعد أن يرمي لنفسه وكذلك يذبح عنه بنيته ولا يشترط حضور الصبي عند الرمي ، أو الذبح ؛ لأن الإنابة فيهما جائزة ا هـ .


حكم من يجهل افتراض الحج لإسلامه بدار الحرب
ذكرنا أن الحج يجب على من استوفى شروطا معينة . منها : العلم بفرضية الحج .

وهذا الشرط ينظر إليه بالنسبة لمن أسلم حديثا وكان يسكن دار الحرب ، فإن جهله حينئذ بأركان الإسلام معقول ومتوقع ، ومثله من يعيش في بيئة إسلامية ليس فيها علماء ، وهي معزولة عن الجو الإسلامي العام كأن كانت تعيش منعزلة في بادية ، ومضت عليها السنون ، لا تتصل بالعلم ولا بالعلماء ، فإن العقل يتصور حينئذ جهل بعض هؤلاء بكثير من أمور الدين الضرورية المشهورة .

فمن كان من هؤلاء لا يعلم فرضية الحج فإن الحج لا يجب عليه ، ولو مات لا يسأل عنه أمام الله تعالى .

ويكفي في تحمله المسؤولية أن يخبره رجل مسلم عدل بحكم من أحكام الله تعالى أو تخبره امرأتان كذلك فحينئذ يعتبر عالما بالحكم ويجب عليه العمل به .

أما إن أسلم وكان بدار الإسلام وجو الإسلام فإنه لا يعذر بجهله مثل هذه الفريضة المعلومة من الدين بالضرورة.. وكذلك مثلها من الفرائض .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 22:59
الاستطاعة المعتبرة شرعا
قلنا : إن المستطيع هو الذي يجب عليه الحج ، وهنا نحتاج إلى معرفة مدى هذه الاستطاعة حتى نستبين ، أمرها ، ونتأكد من حالتنا بالنسبة لها .

والخلاصة التي يمكن بلورتها بسرعة عن مفهوم الاستطاعة هي أنها القدرة الصحية والمالية والأدبية مع عدم المانع الشرعي وإليك تفصيل ذلك كله وتبيينه .

(1) فالقدرة الصحية معناها: أن يكون البدن سليما من الأمور التي تعجزه عن القيام بفرائض الحج وواجباته . مثل : كبر السن ، والمرض المزمن ، وعدم القدرة على ركوب الدابة أو السيارة وأمثالها بسبب نقص في أعضائه كقطع اليدين أو الرجلين ، أو إحدى الرجلين ، بحيث لا يستطيع الركوب وأداء أعمال الحج الواجبة ، ومثله المشلول ، والمقعد ، والأعمى وإن وجد قائدا عند أبي حنيفة ، وغيره يوجب الحج عليه إن وجد القائد وقدر على نفقته .
(2) والقدرة المالية : أن يكون عنده من المال ما يكفي من يعولهم أثناء ذهابه وجحه وعودته ، والمراد بالكفاية (الوسط) فلا ينظر إلى حالة الإسراف ، ولا يطالب بالتقتير والتضييق على نفسه وعلى من يعولهم ، فإن رضي ، أو رضى من يعولهم بالتقتير والتضييق كان له ولهم ثواب أكثر .
(3) وأن يجد الدابة التي تحمله إلى مكان الحج ثم إلى بلده بعد الحج ، ومثل الدابة السيارة ، والقاطرة ، والطائرة وأشباهها سواء أكان مالكا لها أو مالكا لأجرتها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة المذكورة في آية الحج بالزاد والرحلة في حديث رواه الدارقطني والحاكم وصححه ، وهذا بالنسبة للبعيد عن مكة بحيث لا يستطيع الوصول ماشيا إلا بمشقة فادحة ، أما من يستطيع الوصول بدون هذه المشقة فإن عليه الحج إن وجد النفقة... ويكون معلوما أن القدرة المادية بقسميها السابقين تندرج تحت كلمة النفقة ..
والنفقة التي يجب الحج عند توفرها هي : النفقة الزائدة عن الحوائج الأصلية التي لا يستغني عنها الإنسان عادة مثل : الثياب ، ودار السكنى ، وكتب العلم ، وسيارة يؤجرها لينفق منها على نفسه وعياله ، ومصنع كذلك ، أو سفينة أو دار يؤجرها وينفق من أجرتها ، أو قطعة أرض يزرعها يأكل من زرعها ، ومثل ذلك البضاعة التي إن نقصها اختل ربحها فلم يكفه هو وعياله، وكذلك الماشية التي يعيش من نتاجها ولبنها وربحها ولو باعها أو باع بعضها لا يجد النفقة الكافية لنفسه أولمن يعوله فتدبر ذلك وقس عليه غيره.
ولا يجب عليه الحج إن كان مدينا لآدمي، أو لله، كأنما كان عليه زكاة، أو كفارة، إن كان ما يبقى بعد سداد الدين لا يكفي نفقات الحج، وكان مطالبا بسداد الدين.
وإن احتاج إلى الزواج وخاف على نفسه الضرر الصحي، أو الوقوع في الفاحشة قدم التزوج على الحج، لأن التزوج حينئذ واجب، فهو مثل النفقة، وإذا لم يخف شيئا فإن التزوج حينئذ يكون سنة، أما الحج فواجب فيقدم الحج . وإن كان له دين يستطيع تحصيله وجب عليه الحج وإلا فلا...
ومن كان لا يجد نفقة الحج له ولأولاده ولا يجد أجرة السفر فجاء إنسان وبذل له النفقة والأجرة فإنه لا يصير مستطيعا بذلك سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا.
وقال الشافعي: إن بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه، لأنه أمكنه الحج من غير منة تلزمه، ولا ضرر يلحقه .
ولا يجب الحج بسؤال الناس لمن تعود ذلك إلا عند المالكية...
ومن كان ذا صنعة يستطيع ممارستها أثناء الحج والإنفاق منها فإن الحج يجب عليه عند الإمام مالك وعند الأحناف رأي قريب من هذا .
(4) أمن الطريق: بمعنى أن يأمنه على نفسه وماله حسب غلبة ظنه، فإن كان الأمن يتحقق إذا دفع رشوة، أو ضريبة للظلمة أو قطاع الطريق وكان الدفع غير متعدد وغير مجحف فإن المالكية يرون وجوب الحج، والشافعية يرون أن هذه الرشوة عذر يسقط الحج وإن قلت، ورأي المالكية أقرب إلى العقل خصوصا في زمننا الذي كثرت فيه مثل هذه الأشياء حتى صارت عادة... وأما الحنابلة فلهم رأي مثل الشافعية، ورأي آخر كالمالكية
إذا كان الحاج لابد له من ركوب البحر جاز له الركوب إن غلبت عليه السلامة، وإلا فلا.. فإن كان البحر هائجا مخوفا فإن ركوبه لا يجوز لا لحج ولا لغيره حتى يسير مأمونا.
(5) عدم المانع من الحج سواء أكان مانعا حسيا كالحبس والاعتقال، أم معنويا كالخوف من سلطان جائر يمنع الناس من الخروج إلى الحج.

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:00
حج المرأة
عرفنا أن الحج لا يجب إلا على المستطيع : وهذا الحكم يعم الرجل والمرأة غير أن المرأة تزيد عن الرجل بندا هو أن تجد المرأة من تحج معه وتكون في صحبته .

واختلف الفقهاء في هذا الرفيق الذي إن وجد وجب عليها الحج ، وإن لم يوجد لا يجب .

فالحنفيون والحسن والنخعي وإسحاق وابن المنذر وأحمد قالوا : إن وجدت المرأة زوجها أو رجلا محرما لها يحج معها وجب عليها الحج ، وإلا فلا ، ولو حجت صح حجها وأثمت .

وهناك رواية ثانية عن أحمد أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب..

وقال ابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي : ليس المحرم شرطا في حجها بحال .

قال ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين ، لا بأس به.. وهذا رأي لا يستساغ .

وقال مالك : تخرج مع جماعة النساء .

وقال الشافعي : تخرج مع حرة مسلمة ثقة إن لم تجد زوجا ، أو محرما ، أو نسوة ثقات .

وقال الأوزاعي : تخرج مع قوم عدول... وهذا كله في الحج الواجب .

أما القائلون بالمنع إلا مع محرم أو زوج فاستدلوا بعموم الأحاديث التي منعت المرأة من السفر إلا مع محرم أو زوج ، وقالوا إنها مقيدة لإطلاق آية: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وبعضهم قال : إن الزوج أو المحرم للمرأة من السبيل فإن وجدته وجب الحج وإلا فلا .

وأما الآخرون فإنهم رأوا أن الآية أطلقت وجوب الحج على المستطيع ، والرسول صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة ، ولم يذكر المحرم بالنسبة لحج المرأة ، وقالوا في الأحاديث التي تمنع حج المرأة إلا مع محرم : إنها مطلقة تقيدها الآية . فمعناها أن تمنع المرأة من السفر من غير محرم إلا في الحج الواجب فإن لها أن تحج بغير محرم أو زوج ، واستدلوا أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عدي بن حاتم بأنه سيأتي يوم تخرج فيه المرأة مسافرة من الحيرة (بقرب الكوفة) إلى البيت الحرام بغير جوار يحميها لغلبة الأمن في بلاد تحولت إلى الإسلام . وقد كان ذلك كما أخبر عدي نفسه... والذي يميل إليه القلب في هذا الموضوع هو : أن المرأة إن توفرت لديها جميع الشروط التي توجب الحج ولم يبق إلا موضوع السفر والرفيق فيه فإنها تفعل الآتي

( أ ) إن كانت عجوزا وخرجت في قافلة مأمونة فلا شيء عليها وتثاب على حجها .
( ب ) إن كانت شابة ووجدت رفقة من النساء بحماية المسؤول عن القافلة فكذلك .
( ج ) إن كانت شابة ووجدت رجالا ونساء مأمونين ، مسؤولين فكذلك .
( د ) إن كانت شابة ووجدت امرأة ثقة في حماية رجال مأمونين ، مسؤولين ، فكذلك .
(هـ) إن كانت عجوزا أو شابة ولم يتوفر لها زوج ، أو محرم ، أو حالة من الحالات السابقة فإنها لا يحل لها الخروج للحج الواجب ، ولا يعتبر الحج واجبا عليها حينئذ..

وهناك فوائد تتصل بالمحرم الذي يجوز له الخلوة بالمرأة ، والسفر معها ، ورؤية شعرها وعنقها ، وصدرها ، وذراعيها وساقيها ، مع فوائد أخرى تتصل بالزوج .

(1) تعريف المحرم

المحرم هو من حرم عليه نكاح المرأة على التأبيد يسبب مباح لحرمتها.. وذلك مثل الأب والابن والأخ وابن الأخ ونحوهم .

فليس من المحرم زوج أخت الزوجة وعمتها وخالتها ؛ لأنه لو ماتت زوجته أو طلقها حلت له أخت زوجته وعمتها وخالتها ، إن كن بغير أزواج ، ولا موانع ، فتحريم التزوج بهن مؤقت ، وليس مؤبدا .

ولو زنى بامرأة أو وطئها بشبهة فإن أمها محرمة عليه على التأبيد ، ولكنها محرمة بسبب غير مباح فلا تعتبر محرما له ولا يعتبر محرما لهذه الأم .

ومن اتهم امرأته بالزنا ثم حصل بينهما لعان فإن امرأته تحرم عليه على التأبيد ولكن التحريم ليس للحرمة والتعظيم ، إنما هو للعقاب والزجر ، فلا تعتبر محرما لمن كان زوجها ولا يعتبر محرما لها .

واختلفوا : هل الكافر يعتبر محرما للمسلمة إن كانت أخته أو ابنته أو عمته مثلا أولا يعتبر محرما لها ، فلا يحل له الخلوة بها ولا النظر إلى أطرافها ؟..

هما قولان : فالإمام أحمد يرى أنه ليس بمحرم ، وأبو حنيفة والشافعي يريان أنه محرم .

(2) ما يجب في المحرم ، ونفقته وإذن الزوج

يشترط أن يكون المحرم الذي يصحب المرأة في سفرها بالغا أو مراهقا (مقاربا للبلوغ) وأن يكون غير فاسق ؛ لأن الفاسق المنحل لا يؤتمن حتى على ابنته ، وهذا رأي لبعض الفقهاء ، والبعض الآخر لا يشترط هذا الشرط .

ونفقة الزوج أو المحرم الذي يخرج مع المرأة من أجلها على المرأة ، فإن عجزت عنها وامتنع المحرم أو الزوج أن يخرج على حسابه فإن الحج لا يكون واجبا عليها عند القائلين ، بوجوب المحرم أو الزوج .

والمحرم غير ملزم بالخروج مع المرأة على الصحيح ، لأن في الحج مشقة كثيرة فلا تلزم أحدا من أجل غيره

وليس للزوج منع امرأته من حجة الإسلام ، وبهذا قال النخعي وأحمد وإسحاق ، وأبو ثور، وأصحابا الرأي (الأحناف) وهو الصحيح من قولي الشافعي ، وله قول : بأن له المنع بناء على أن الحج واجب على التراخي عنده .
ويستحب . للمرأة أن تستأذن زوجها ترضية له ، فإن أذن فيها ، وإلا خرجت بغير إذنه ، وهذا في الحج الواجب ، فأما حج التطوع فلا تخرج للحج إلا بإذنه ، وله منعها منه ، قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع ، وذلك لأن حق الزوج واجب فليس لها تفويته بما ليس بواجب كالسيد مع عبده ، وليس له منعها من الحج المنذور، لأنه واجب عليها ، فأشبه حجة الإسلام .

حج المرأة وهي في العدة

لا يجوز للمرأة أن تخرج للحج إذا كانت في عدة الوفاة عند الإمام أحمد ؛ لأنها مأمورة بملازمة المسكن ، أما في العدة من طلاق رجعي فإنها في حكم المتزوجة فتستأذن زوجها ، وأما العدة من طلاق بائن (بعد الطلقة الثالثة) فإنها لا تمنع من الحج . هذا رأي الإمام أحمد .


سفر المرأة لغير الحج المفروض وللزيارة والتجارة

قال في المجموع للنووي : هل يجوز للمرأة أن تسافر لحج التطوع ، أو لزيارة وتجارة ونحوهما مع نسوة ثقات ، أو امرأة ثقة ؟ فيه وجهان للأصحاب (أحدهما) يجوز كالحج المفروض (والثاني) وهو الصحيح باتفاقهم والمنصوص عليه في الأم ، لا يجوز ، لأنه سفر ليس بواجب ا هـ ملخصا وأحاديث النهي عن سفر المرأة بغير زوج أو محرم تدل على المنع .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:02
حج الماشي والراكب أيهما أفضل
اختلف الفقهاء في حج الماشي والراكب . أيهما أفضل ؟ فالشافعية والأحناف وأكثر الفقهاء على أن الركوب أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج راكبا ، وقال الآخرون : المشي أفضل ؛ لأن فيه مشقة ، وبقدرها يكون الأجر كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة ولكنها على قدر نفقتك ، أو نصبك رواه البخاري ومسلم

وروي عن ابن عباس قوله: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا .

وروى أن الحسن بن علي حج خمسا وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله ماله ثلاث مرات .

الحج عن الغير
قدم أن صحة البدن مما تتحقق بها الاستطاعة ، فهي شرط لوجوب الحج . وعلى هذا فالشيخ الكبير والمرأة العجوز، والمريض، والمشلول ، والمقعد ومقطوع الرجلين ، والأعمى (وإن وجد قائدا عند أبي حنيفة) كل هؤلاء وأمثالهم - كن يعجزون صحيا عن الحج بأنفسهم - لا يجب عليهم الحج ، ولا يلزمهم إحجاج الغير عنهم ، ولا الإيصاء به عند الموت بشرط ألا يكونوا قد وجدت عندهم الاستطاعة قبل المرض ، فإن كانت الاستطاعة وجدت قبل المرض ، فإن الحج فرض عليهم باتفاق العلماء ، وعليهم أن يقوموا بإحجاج غيرهم عنهم لتسقط عنهم الفريضة .

والخلاف إنما هو فيمن قدر على الحج ماليا في وقت يعجز فيه عن تأديته صحيا عجزا دائما إلى الموت حسب غلبة الظن .

فأبو حنيفة في الرأي المختار عنده ، والشافعي وأحمد يرون أن الحج فرض عليه ، وعليه أن يبعث من يحج عنه على حسابه ونفقته ، إن وجد هذا الذي يحج عنه ، رجلا كان أو امرأة .

ودليلهم حديث ابن عباس أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم . وذلك في حجة الوداع أخرجه مالك والشافعي والشيخان

وفي رواية قال لها صلى الله عليه وسلم : نعم فحجي عنه رواه الجماعة

وقال مالك : لا حج عليه ، وهو رأي للأحناف ، ودليلهم : أن الحج واجب على المستطيع ، وهذا غير مستطيع ، وأجابهم الأولون بأنه غير مستطيع بنفسه مستطيع بغيره فيجب عليه .

ومن بعث إنسانا يحج عنه لمرضه المزمن ، ثم شفي من مرضه فإنه لا يجب عليه أن يحج مرة أخرى عند أحمد وإسحاق ، لأن الواجب لا يتكرر وقد سقط عنه بإحجاج غيره ، وقال الشافعي والأحناف وابن المنذر : يلزمه الحج ، لأن حج غيره كان لأن مرضه ميؤوس منه ، وقد تبين ، غير ذلك فيجب عليه الحج .

(هذا) والحج المنذور كحجة الإسلام في إباحة الاستنابة عند العجز والمنع منها مع القدرة لأنها حجة واجبة .

وأما الإنابة في حج التطوع فل تجوز إن كان الذي ينيب غيره لم يؤد حجة الإسلام .

فإن كان قد أدى حجة الإسلام ، وهو عاجز عن الحج بنفسه فإن له أن ينيب من يحج عنه ، وإن كان غير عاجز فإن أبا حنيفة يجيز ذلك والشافعي لا يجيزه .

وإن كان من ينيب غيره ليحج عنه تطوعا به عجز مؤقت كالحبس والمرض المرجو الزوال فإن الإنابة صحيحة ، لأن التطوع مشروع في كل عام شروعا مستقلا بخلاف الفرض فإنه فرض العمر .

(هذا) وكل ما قيل في الحج يقال في العمرة .

حكم الاستئجار على الحج والأذان وتعليم القرآن وغيرها
إن الكلام فيمن يحج عن الغير يستدعي الكلام في الاستئجار على الأمور التي هي في الأصل عبادة تخص فاعلها ، ولكنها مع ذلك يتعدى نفعها إلى الغير ، مثل الحج عن الغير وتعليم القرآن والفقة والأذان إلخ .

وقبل الكلام في ذلك يحسن التنبيه إلى أن الحج عن الغير ليس معناه دائما الاستئجار ، ولو كان النائب أجنبيا ، فقد يحج إنسان عن إنسان ولا يأخذ إلا نفقة الحج فقط ، وقد يحج بأجرة يأخذها من أنابه ويستفيد من وراء ذلك ، كما يستفيد من يؤجر نفسه للأذان ، وتعليم الفقه وغيرهما .

كما يحسن التنبيه إلى أن الأجر الذي يأخذه المؤذن ، والفقيه ، ومعلم القرآن وإمام الصلاة ، وغيرهم من خزانة الدولة وبيت المال هو حلال اتفاقا ولا شيء فيه ، بل الواجب على الدولة مساعدة هؤلاء مساعدة مجزية تقوم بكفايتهم وكفاية من يعولونهم ، ويحرم على الدولة حرمانهم مما يكفيهم إذا كان العمل يستغرق الوقت الذي يمكن . أن يسعى فيه العامل ويعمل ليكسب مالا يكمل به ما يحتاجه لنفسه وأولاده ، أو كان محظورا عليه أن يعمل في جهة وعمل غير الجهة والعمل اللذين يعمل فيهما .

والتفرقة بين عامل وعامل حرام إذا كان العمل واحدا ، والعامل مجبرا على القبول تحت إلحاح الحاجة ؛ لأن ذلك يثير البغضاء ، ويزرع الحقد والحسد ويقلل من الإخلاص في العمل . وهذه التفرقة من الأسباب التي تتذرع بها الشيوعية ضد الرأسماليين ؛ حيث إنهم يتحكمون في الناس تحكما ظالما تحت إلحاح الحاجة والفقر... هكذا يقولون .

والقول بأن العقد شريعة المتعاقدين ليس على إطلاقه ، إنما هو حيث لا يوجد استغلال ، وظلم ، وقهر ، وسحق للمحتاج الذي أحيانا ما يرضى بالدون في سبيل الحصول على إقامة وعمل يسد به جوعته ، ويستر به جسده ، مع أن زميله المماثل له في كل شيء ينال من نفس الجهة ولنفس العمل أضعاف ما يناله... إن أقل ما يتصف به المسلم أن ينصف الناس من نفسه . وأن يدرأ عنهم ضرره وأذاه .

وليس من يسرق الناس اعتداء عليهم بأكثر جرما ممن يستغل ذا والحاجة ، ويذله ، ويقهر نفسه ، ويسحقه حين ، يراه يرسف في أغلال الحاجة والفاقة هو وأولاده...

إن غلمان حاطب بن أبي بلتعة حين سرقوا سيدهم لم يقطع عمر أيديهم ولكنه هدد سيدهم بقطع يده هو إن عاد إلى تجويعهم والتقتير عليهم ؛ لأنه حينئذ يعتبر هو الملجىء لهم إلى السرقة.. فليتنبه المسلمون إلى ذلك فهم أولى الناس بالإنصاف والعدل والرحمة ليكونوا خير أمة بالقدوة لا بالكلمة.. و.. لا غير

ولنعد إلى ما كنا فيه فنقول : إن الاستئجار الذي نتكلم فيه هو ما كان استئجارا من فرد أو جماعة لفرد أو جماعة وليس استئجارا من الدولة لفرد أو جماعة فإذا كان الذي يدفع الأجرة أحد الناس أو جماعة منهم وليس الدولة فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك ، فمنهم من أجاز الاستئجار على ذلك ، ومنهم من منعه ، فالمجوزون هم مالك والشافعي وابن المنذر، وهي رواية لأحمد .

دليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله رواه البخاري.

وقد أخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجعل (الأجر) على الرقية ، وكانت بالفاتحة ، وهي من كتاب الله تعالى ، وأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقرهم على ما فعلوا ، وقال لهم ليؤكد لهم حل ما فعلوا واضربوا لي معكم سهما وقالوا : إنه يجوز أخذ النفقة على الحج فكذلك يجوز أخذ الأجرة عليه كما تؤخذ على بناء المساجد والقناطر وغيرها .

المانعون هم أبو حنيفة وإسحاق والزهري وعطاء والضحاك وابن شقيق ، وهي رواية عن أحمد... واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص : واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا والحديث في الصحيح ومعناه واضح .

وجاء في حديث أخرجه أحمد برجال الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به .

وقال المانعون أيضا : إن هذه الأمور عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فلم يجز أخذ الأجرة عليها كالصلاة والصوم .

والموضوع مثار خلاف قديم وكل فريق له أدلته . غير أن أدلة الجواز أقوى وأصح ، وأدلة المنع أقل صحة ، وتختص بحالات معينة ، والله أعلم . وفائدة الخلاف تظهر في أن المستأجرعليه أن يتم الحج الذي استؤجر عليه مهما تكن الظروف ، وما يأخذه من الأجرة هو نصيبه لا أكثر ولا أقل ، ولذلك يلزم في الإجارة العمل بشروطها من معرفة الأجرة ، ومعرفة العمل إن كان حجا ، أو عمرة ، أو الاثنين ، معا ، إلخ المطلوب معرفته في ذلك ، وإن منع من الحج ، أو ضل الطريق ، أو مرض ، أو ضاعت النفقة فهو ضامن وعليه الحج ، وما لزمه من الفدية عقابا فعليه .

أما إذا لم يكن مستأجرا فإنه يعتبر نائبا تجب له النفقة حتى يعود إلى المكان الذي خرج منه ، إلا أن يتبرع ، ولو مات ، أو ضل الطريق ، أو منع بمرض أو عدو لم يلزمه الضمان لما أنفق ، لأن شأنه شأن من أنابه ، ولذلك لو بقي معه مال ، فإن عليه رده لمن أنابه إلا أن يأذن له فيه ، وله أن ينفق على نفسه أثناء الحج والعودة بدون إسراف ولا تقتير ، وليس له التبرع بشيء لم يأذن به من أنابه... وله التوسع كما يشاء إن دفع إليه مبلغ معين ، كمائتي دينار مثلا وقيل له : حج بهذه ، أو هذه لك لتحج عن فلان بها ، أو قيل له إن الميت أوصى بهذا المبلغ للحج به عنه ؛ لأن هذه إباحة فله أن يتصرف في المبلغ كما يشاء بخلاف ما إذا قيل له : حج عني وعلي نفقة حجك ، فإنه حينئذ نائب مقيد بالنفقة الوسط ، أما المستأجر فعليه القيام بالحج أو العمرة أو غيرهما ، وهو حر التصرف في الأجر .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:03
حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل
يجوز أن يحج الرجل عن المرأة ، كما يجوز أن يحج عن الرجل ، ويجوز أن تحج المرأة عن المرأة وأن تحج عن الرجل . وعلى ذلك عامة أهل العلم ، لم يخالف منهم إلا الحسن بن صالح فإنه كره حج المرأة عن الرجل . وقال ابن المنذر فيه : هذه غفلة عن ظاهر السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تحج عن أبيها .

الحج عن الغير بغير إذنه وحج غير الولي عن الميت
لا يجوز الحج والعمرة عن الغير إذا كان حيا إلا بإذنه سواء أكان ذلك في الفرض أم في التطوع ؛ لأنها عبادة تصلح فيها النيابة فلا تجوز عن البالغ العاقل الحي إلا بإذنه كالزكاة ، فأما الميت فتجوز عنه بغير إذن سواء أكان ذلك في الواجب أم في التطوع ، كما يجوز أن يحج عنه الولي وغيره من الأجانب على الأصح .

هل يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه
اختلف العلماء في ذلك ، فالشافعية والحنابلة يقولون : لا يصح حج إنسان عن غيره إذا لم يكن قد حج عن نفسه وهو قادر عليه ؛ لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة . قال : ومن شبرمة قال: أخ لي ، أو قريب لي . قال : حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه .

قال الحنفيون والمالكية : إن من لم يحج عن نفسه وهو قادر على الحج يجوز أن يحج عن غيره وحجه عن غيره صحيح غير أنه يأثم بالنسبة لنفسه ، لأنه حرمها الحـج والخير ، ولا يضمن البقاء حتى يحج ، وهذا عن تفسيرهم للحديث وفهمهم له ؛ أنه يفيد الإثم ، ولا يمنع من الصحة

حكم من استطاع الحج فلم يحج حتى مات
من وجب عليه الحج فلم يحج حتى مات وجب أن يخرج الورثة من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر ، سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط ، وبهذا قال الحسن وطاوس ، والشافعي ، وأحمد .

وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب ذلك على الورثة ويسقط حق الميت في ذلك إلا إذا أوصى بالحج والعمرة فيخرجان من ثلث ماله فقط . وبهذا قال الشعبي والنخعي ، لأن الحج عبادة بدنية فتسقط بالموت .

غير أن الدليل يشهد للأولين . فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها . أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالقضاء رواه البخاري

ففي الحديث دليل على وجوب الحج عن الميت سواء أوصى أو لم يوص ما دام قد مات وعليه حج واجب سواء أكان حجة الإسلام أم حجة منذورة ، ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدين . والعمرة مثل الحج في ذلك..

المكان الذي يبدأ منه الحج عن الميت
اختلف الفقهاء في البلد الذي يجب البدء منه للقيام بالحج عن الميت ، فالحنابلة يرون أن البدء يجب أن يكون من البلد الذي كان يعيش فيه الميت والذي لو حج لخرج منه ، أو من البلد الذي أيسر منه وصار مستطيعا الحج إلا إذا كانت التركة لا تكفي فحينئذ يجب الحج من حيث تكفي لحديث : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ووافقهم على ذلك الحسن وإسحاق ومالك في النذر .

وقال عطاء : إن لم يكن الناذر نوى مكانا فمن ميقاته واختاره ابن المنذر .

وقال الشافعي: فيمن عليه حجة الإسلام يستأجر من يحج عنه من الميقات ، لأن الإحرام لا يجب من دونه .

فإن كان الميت قد أحرم بالحج ثم مات ، أو سافر للحج ثم مات قبل الإحرام فإن النيابة عنه تبدأ من حيث مات عند الحنابلة والشافعية بالنسبة لمن مات بعد إحرامه من الميقات ، أما من مات قبل ذلك فعند الحنابلة من حيث مات وعند الشافعية يجوز من الميقات .

وإن كان نائبا عن غيره فمات في الطريق صحت النيابة عن النائب من حيث مات وهذا كله بالنسبة للحج الفرض أما الحج النفل فيبدأ النائب فيه من أي مكان...

(هذا) ويستحب للولد أن يكون هو الذي يحج عن أبويه ، إذا كانا ميتين ، أو عاجزين ويبدأ بمن كان الحج واجبا عليه ، فإن كان واجبا عليهما ، أو كان نفلا عنهما بدأ بالأم ، لأن برها مقدم على بر الأب كما جاء في الحديث ، وإن حج غير الولد من الأقارب أو غيرهم جاز على الصحيح لحديث شبرمة .

حكم من حج تطوعا وعليه حج واجب
من أحرم بحج تطوعا ، أو وفاء بنذر وهو لم يحج حجة الإسلام ، فإن حجه يقع عن حجة الإسلام ، وبهذا قال ابن عمر وأنس والشافعي وأحمد .

وقال مالك والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر : يقع ما نواه ، وهو رواية عن أحمد أيضا ، فإن نوى تطوعا وقع تطوعا ، أو نذرا وقع نذرا .

ولو أحرم بتطوع وعليه حجة منذورة وقع الحج عن المنذورة ؛ لأنها واجبة فهي كحجة الإسلام ، والخلاف في هذا هو نفسه الخلاف السابق . والعمرة كالحج في كل ما ذكر لأنها أحد النسكين ، فأشبهت الآخر .

وحكم النائب كذلك ، فمن حج عن غيره حجة تطوع وهذا الغير لم يحج حجة الإسلام وقعت عن حجة الإسلام . وكذلك القول في النذر والعمرة .

ومن أحرم بحجة منذورة وعليه حجة الإسلام وقعت الحجة عن حجة الإسلام وبقيت عليه المنذورة . وبهذا قال ابن عمر وأنس وعطاء وأحمد .

وروي عن ابن عباس وعكرمة أن حجة واحدة تكفي عن النذر وحجة الإسلام

الحكم في مخالفة من حج عن غيره (النائب)
من خرج ليحج عن غيره فإن عليه أن يلتزم بما أمره به من أنابه ، فإن أنابه في الحج فقط فأحرم هو بالعمرة لنفسه من الميقات ، أو أحرم بها متمتعا لحساب من أنابه ، ثم حج عمن أنابه فإن كان عند الإحرام بالحج عمن أنابه أحرم من الميقات الذي أحرم منه للعمرة فإن حجه جائز عمن أنابه ولا شيء عليه عند الشافعي وأحمد ، وإن كان لم يخرج للحج من الميقات وأحرم من مكة فإن عليه أن يذبح فدية لترك ميقاته ، ويرد من النفقة بقدر ما أنفقه من يوم أحرم من الميقات بالعمرة إلى يوم أحرم بالحج ، وقال القاضي : لا يقع فعله عن الآمر ويرد جميع النفقة لأنه أتى بغير ما أمر به . وهو رأي أبي حنيفة .

وإن أمره بالإفراد فقرن لم يضمن شيئا عند الشافعي وأحمد ، وعند أبي حنيفة يضمن ، لأنه مخالف .

وإن أمره بالتمتع فقرن فلا شيء عليه عند الشافعي وأحمد ، وإنما أفرد فعليه نصف النفقة ؛ لأنه أخل بالإحرام بالعمرة من الميقات ، وإحرامه بالحج من الميقات زيادة من عند نفسه لا يستحق عليها شيئا ا هـ منه .

فإن أمره بالقران فأفرد أو تمتع صح ووقع النسكان عن الآمر ، ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام النسك الذي تركه من الميقات...

وإن أنابه رجل في الحج وآخر في العمرة ، وأذنا له في القران ففعل جاز؛ لأنه نسك مشروع ، وإن قرن من غير إذنهما صح ، ووقع عنهما ويرد من نفقة كل واحد منهما نصفها .

وإن أمره بالحج وبعد الحج اعتمر لنفسه ، أو أمره بعمرة فاعتمر ثم حج لنفسه صح ولم يرد شيئا من النفقة ، لأنه وفى بما أمر به ، وإن أمره بالإحرام من ميقات فأحرم من غيره جاز لأنهما سواء في الإجزاء ، وإن أمره بالإحرام من بلده فأحرم من الميقات جاز لأنه الأفضل وكذلك يجوز العكس .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:04
وقت الحج
لكي يقع الحج صحيحا يجب أن تؤدى أعماله في الوقت الذي عينه الله للحج ، وقد قال تعالى : الحج أشهر معلومات

والتقدير وقت الحج ، أو أشهر الحج أشهر معلومات . وهذه الأشهر هي : شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، وبهذا قال ابن عمر وأخذ به الحنفيون والشافعي في الجديد وأحمد.. وقال مالك والشافعي في القديم : زمن الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه ، وهو رأي ابن حزم .


والكل متفق على أن جميع أركان الحج يجب أن تقع في هذه الأشهر ، ولم يختلفوا إلا في الإحرام . فالحنفيون ومالك وأحمد يرون جواز الإحرام بالحج قبل أشهره مع الكراهة لقوله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج .

فالله تعالى أخبر بأن الأهلة كلها مواقيت للناس وللحج فيصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة ، ورد عليهم الآخرون بأن الآية مجملة بينتها آية الحج أشهر معلومات .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:05
أركان الحج
الأركان جمع ركن ، والركن هو ما تتوقف عليه صحة الحج ، وإن تركه الحاج فإنه لا يجبر بشيء ، بل يبطل الحج وتجب إعادته على ما سيأتي . والأركان عند الأحناف هي : الوقوف بعرفة وأكثر طواف الإفاضة ، وهو أربعة أشواط ، والثلاثة الباقية واجبة (والواجب عندهم في مرتبة أقل من الفرض وأعلى من السنة) أما الإحرام عندهم فهو شرط صحة ابتداء ، وركن بعد ذلك .

وعند مالك وأحمد : أركانه أربعة : الإحرام (وهو قصد الحج ونيته) والوقوف بعرفة ، والسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الإفاضة .

والمشهور عند الشافعي أن أركانه ستة : الأربعة المذكورة ، والحلق أو التقصير وترتب معظم الأركان ، بأن يقدم الإحرام على جميعها ، والوقوف بعرفة على طواف الإفاضة ، وإليك بيانها مفصلة .

الإحرام
المشهور عند الأئمة الثلاثة (مالك والشافعي وأحمد) أن الإحرام هو نية الحج ، أو العمرة ، أو هما معا ، بدون التلبية ، أما الأحناف فلا يتم الإحرام عندهم إلا بالتلبية ، أو بفعل يتعلق بالحج كتقليد الهدي وسوقه .

والإحرام هو الركن الأول من أركان الحج ، وهو لا بد منه لقوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصيين له الدين حنفاء

ولحديث إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى أخرجه السبعة ؛ أي إنما صحة الأعمال بالنيات ، وقد أجمع العلماء على فرضية النية في الحج وغيره من مقاصد العبادات...

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:06
مطلوبات الإحرام
(1) التنظيف
يطلب ممن يريد الإحرام ستة أشياء ، أولها التنظيف : وهي كلمة تشمل عدة أشياء ؛ .

فمن عزم على الدخول في الإحرام يسن له قص أظافره وشاربه ، وحلق عانته ، ونتف إبطيه ، ثم يتوضأ أو يغتسل ، ولو كان المحرم صبيا ، أو امرأة حائضا ، أو نفساء ؛ لأن الغسل للنظافة فقط ، وهو أفضل لقول ابن عمر : من السنة أنما يغتسل إذا أراد الإحرام ، وإذا أراد دخول مكة أخرجه البزار ، والدارقطني ، والحاكم وصححه .

وقالت عائشة رضي الله عنها : نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحج ، وكانت حائضا .

وهذا الغسل لأنه للنظافة لا ينوب عنه التيمم عند العجز عن الماء أو استعماله .

ويسن الغسل أيضا لدخول مكة ، وللوقوف بعرفة ، لأن ابن عمر كان يفعل ذلك .

(2) ما يلبسه المحرم
يلبس من يريد الإحرام إزارا يستر به النصف الأسفل ، ابتداء من السرة ، ورداء يستر به أعلاه ابتداء من الكتفين ، ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين ، جديدين ، أو غسيلين ، نظيفين ؛ لأن النظافة مطلوبة ومستحبة في الجسم والثياب ، ويلبس في رجليه نعلين ، تحت الكعبين .
هذا بالنسبة لإحرام الرجل ، أما المرأة فتلبس ملابسها العادية الشرعية غير أنها يجب عليها كشف وجهها وكفيها ؛ لأن إحرامها فيهما .

(3) التطيب والادهان
يسن التطيب قبل الإحرام للرجل والمرأة ، ولا يضر بقاء لونه وريحه بشرط ألا تكون المرأة متصلة بالأجانب الذين يشمون طيبها فإنها منهية أن تتطيب للأجانب من الرجال والدليل على تطيب المرأة قول عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي

وعنها قالت : كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ، ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت أخرجه الشافعي والجماعة والدارمي

دل الحديثان على استحباب التطيب عند الإحرام ، وأنه لا يضر بقاء أثره بعده . وبذلك قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وأحمد وداود على أن يكون الطيب في البدن لا في الثوب ، وقد قال بجواز الطيب ، ابن عباس ، وابن الزبير وسعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وأم حبيبة ، ومعاوية ، وأبو سعيد الخدري ، وعروة ، والقاسم ، والشعبي وابن جريج .

وكان عطاء يكره ذلك ، وهو قول مالك ، وروى ذلك عن عثمان وعمر وابن عمر ودليلهم ما روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله.. كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني ساعة ، ثم قال : اغسل الطيب الذي بك - ثلاث مرات - وانزع عنك الجبة ، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك متفق عليه

والجواب أن الجهة منفكة ، لأنه جاء في رواية صحيحة ما يفيد أن الطيب كان في جبته وأن الطيب كان بالزعفران ، والزعفران في الثياب منهي عنه للرجال في غير الإحرام ، ففيه يكون أولى وقالوا ، إن حديثهم كان في سنة ثمان من الهجرة وأحاديثنا كانت سنة عشر من الهجرة فهي ناسخة لما قبلها .

قال ابن عبد البر : لا خلاف بين جماعة أهل العلم بالسير والآثار أن قصة صاحب الجبة كانت عام حنين ، بالجعرانة سنة ثمان وحديث عائشة كان سنة عشر في حجة الوداع...

(هذا) وإن طيب ثوبه قبل الإحرام فلا شيء عليه ما دام مستديما لبسه ، فإذا خلعه ثم لبسه فإن عليه الفدية لأنه منهي عن إحداث لبس شيء به طيب أثناء الإحرام ، وهذا بخلاف التطيب قبل الإحرام ، ثم بقاء الطيب في الثوب المطيب ، لكن بشرط ألا يخلعه كما سبق ، وكذلك يسن أن يتطيب قبل الإحرام ، وبعد الإحرام لا يحل له التطيب ، ولا نقل الطيب من جزء من بدنه إلى جزء آخر وإلا فعليه الفدية أيضا ، وكذلك إن تعمد مسه بيده ، أو إزالته من موضعه ثم رده إليه ، فأما إن عرق الطيب ، أو ذاب في الشمس فسال إلى موضع آخر فلا شيء عليه ؛ لأنه ليس من فعله فجرى مجرى الناسي...

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجل شعره ويدهن بالدهن قبل الإحرام ، فالدهن والترجيل والتزين قبل الإحرام مستحب .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:06
(4) خضاب المرأة
يستحب للمرأة أن تختضب قبل الإحرام ، لأن الخضاب من زينتها ، ولأنها يكره لها الخضاب بعد الإحرام ، لأن التزين مكروه للمحرم أو حرام .

(5) تلبيد الشعر
ويندب تلبيد الشعر قبل الإحرام بصمغ ونحوه إن تيسر ذلك بالنسبة لمن شعره طويل حفظا له من الشعث والانتشار ، وجمع الأوساخ داخله ، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقي قال النووي في شرح مسلم في شرح كلمة (ملبدا) : فيه استحباب تلبيد الرأس قبل الإحرام ، وقد نص عليه الشافعي وأصحابنا .

والتلبيد : ضم الشعر بعضه إلى بعض بمادة تمسكه حتى لا يتفرق

وبالتلبيد قال الشافعي وأحمد وكذا الحنفيون ومالك بشرط أن يكون يسيرا لا يؤدي إلى ستر الرأس بالمادة الملبدة ، فإن سترت المادة الملبدة ربع الرأس فأكثر فإنه حرام يلزم فيه دم إن دام حال الإحرام يوما فأكثر ، وإن دام أقل من يوم وليلة ففيه صدقة كصدقة الفطر، أما المرأة فلا تمنع من تغطية رأسها في الإحرام .

(6) ركعتا الإحرام
يستحب لمن يريد الإحرام أن يصلي ركعتين ، في غير وقت كراهة ، ينوي بهما سنة الإحرام ، ويقرأ فيهما بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون في الركعة الأولى ، والإخلاص في الركعة الثانية ، وتجزئ الصلاة المكتوبة..
هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند إحرامه من ذي الحليفة .

وهذه الصلاة مجمع على استحبابها في غير وقت الكراهة ، فإن كان في الميقات مسجد استحب أن يصليها فيه ، وإلا صلاها حيث يحرم ، والركعتان تكونان قبل الإحرام فيراعى ذلك ، كما يراعى العمل بجميع السنن قدر الاستطاعة والله أعلم .

ويرى الإمام أحمد : أن الإحرام عقب الصلاة يساوي الإحرام إذا استوت به راحلته كما يساوي الإحرام إذا بدأ بالسير ؛ لأن كلا ورد بأحاديث صحيحة فيتوسع في ذلك .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:07
أماكن الإحرام
قد عين الشارع للإحرام للحج ، أو العمرة ، أو لهما معا أمكنة لا يحل تجاوزها بدون إحرام وهي خمسة :

(الأول)
ذو الحليفة : وهو ميقات أهل المدينة وكل من يمر به ، ومكانه في الجنوب الغربي للمدينة ، بينه وبين ، الحرم المدني نحو (18) ثمانية عشر كيلو مترا ، وهو شمال مكة وبينه وبينها (450) أربعمائة وخسين كيلومترا ، ومنه أحرم النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لأربع بقين ، من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة ، والناس يسمون الآبار التي بني الحليفة - آبار علي - زاعمين ، أن سيدنا عليا قاتل الجن بها ، وهو كذب .
(الثاني)
ذات عرق : وهو ميقات أهل العراق وكل من يمر به ، وهو موضع في الشمال الشرقي لمكة على بعد (94) أربعة وتسعين ، كيلو مترا منها .
(الثالث)
الجحفة : وهو ميقات أهل مصر والشام ومن يمر به من الغربيين ، وهو على ساحل البحر الأحمر الشرقي ، وقد ذهبت معالم هذا الموضع ولم يبق إلا رسوم ، ولذلك صار الناس يحرمون من (رابغ) وهي قرية في الشمال الغربي لمكة على بعد (204) مائتين ، وأربعة كيلومترات .
(الرابع)
قرن المنازل : وهو ميقات أهل نجد ومن سلك طريقهم ، وهو جبل مطل على عرفات شرقي مكة ، يميل قليلا إلى الشمال على بعد (94) أربعة وتسعين ، كيلو مترا من مكة .
(الخامس)
يلملم : وهو ميقات أهل اليمن ومن يمر بطريقهم ، وهو جبل جنوب مكة على بعد (94) أربعة وتسعين ، كيلو مترا - انظر الرسم رقم (1) آخر الرسالة .

هذه المواقيت وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحددها لأهل هذه الجهات ولمن يمر بها من غيرهم ، أما من كان مسكنه أقرب إلى مكة منها ، فإنه يهل ويحرم من حيث يسكن ، كما جاء في الحديث.. إن أراد الحج ، أما العمرة فيحرم لها من الحل فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، قال : فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها أخرجه أحمد والشيخان وغيرهما

وعلى هذا فمن كان له ميقات معين ، ولكنه غير طريقه فمر على ميقات يقع قبل ميقاته مثل الشامي إذا مر بذي الحليفة قبل الجحفة فعند الشافعي وأحمد يجب أن يحرم من ذي الحليفة ، وقال مالك : يندب له الإحرام منها ولا يجب ، وهو الرأي المشهور عند الحنفيين ، فإن لم يحرم منها لزمه الإحرام من الجحفة ، أو من محاذاتها إن مر بعيدا عنها .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:08
حكم من سلك طريقا بين ميقاتين
ومن سلك طريقا برا ، أو بحرا ، أو جوا بين ، ميقاتين ، فعند الأحناف يجتهد ويحرم إذا حاذى واحدا منهما ، والأبعد من مكة أولى بالإحرام منه ، وهو ظاهر مذهب المالكية ورأي للشافعية .

وعند أحمد والأصح عند الشافعية يتعين ، الإحرام من أبعدهما .

إحرام أهل مكة ومن كان داخل المواقيت بحج أو عمرة
من كان داخل المواقيت المذكورة سواء أكان مواطنا كأهل مكة ، أو غير مواطن كالمجاورين والزائرين والتجار وغيرهم ، وأراد الحج فإنه يحرم من حيث هو ، ولا يطلب منه الخروج والذهاب إلى الميقات ويستوي في ذلك من كان داخل الحرم ومن كان خارجه ، أما إن أراد أحدهم العمرة ، فإن كان في الحل فإنه يحرم من حيث هو ، وإن كان في الحرم فإن الواجب عليه أن يخرج إلى الحل ويحرم منه ، ليجمع فيها بين ، الحل والحرم ، كما يفعل من يحج ، لأن الحاج إن أحرم من الحرم فإنه يقف بعرفات ، وعرفات من الحل وليس من الحرم ، وهذا متفق عليه ، والأدلة في ذلك متوافرة .

وأقرب الحل إلى مكة ، التنعيم ، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تحرم منه لعمرتها .

حكم من عبر المواقيت أو دخل مكة لغير الحج والعمرة
يفهم من حديث ابن عباس السابق أن من مر على المواقيت قاصدا مكة ، أو الحرم وهو لا يريد حجا ولا عمرة أنه ليس عليه أن يرجع إلى الميقات من أجل الإحرام بذلك يكفيه أن يحرم من المكان الذي هو فيه إلا أن يكون داخل الحرم ويريد الإحرام بالعمرة ، فإن عليه أن يحرم لها من الحل كما سبق . وهذا الرأي للشافعية ، وقال أبو حنيفة وأحمد والجمهور : يلزمه دم إن لم يرجع إلى الميقات ويحرم منه ؛ لأنه لا يجوز لمن يريد مكة أو الحرم أن يجاوز الميقات بدون إحرام وإن لم يرد حجا ولا عمرة ، ومن فعل أثم ، ولزمه دم فدية ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما... وهذا بالنسبة لمن كان خارج الميقات ، وأما من كان داخل الميقات فإنه يحل له دخول مكة لحاجاته بدون إحرام ؛ لأن إلزامه بالإحرام كلما دخل فيه حرج له ، وتضييق عليه ، ومن أراد دخول الحرم لحرب أو خوف من عدو فإنه لا إحرام عليه بالاتفاق ولو كان خارج الميقات قبل دخوله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه دخلوه أيام الفتح بغير إحرام .

ومثله من يجاوز الميقات لحاجة في غير مكة أو الحرم ، فإنه لا إحرام عليه اتفاقا...

حدود الحرم
للحرم المكي حدود قد نصبت عليها أعلام في خمس جهات تحيط بمكة ،

فحده من جهة الشرق (الجعرانة) على بعد (16) ستة عشر كيلو مترا من مكة..

وحده من جهة الغرب مع ميل قليل إلى الشمال (من جهة جدة) (الحديبية) وتسمى الشميسي على بعد (15) خمسة عشر كيلو مترا من مكة . وحده من جهة الشمال الشرقي (العراق) (وادي نخلة) على بعد (14) أربعة عشر كيلو مترا من مكة .

وحده من جهة الشمال (التنعيم) على طريق المدينة ، على بعد (6) ستة كيلو مترات من مكة .

وحده من جهة الجنوب اضاه (كنواه) على طريق اليمن على بعد (12) اثني عشر كيلو مترا من مكة .

والأعلام الموجودة كدليل على حدود الحرم هي عبارة عن أحجار متقنة منحوتة مرتفعة نحو متر

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:08
التلبية وما يتصل بها من أحكام
التلبية مأخوذة من لب بالمكان إذا أقام به ، والملبي عند الحج أو العمرة يخبر أنه يقيم على عبادة الله ويلازمها ؛ والمراد تلك العبادة التي دخل فيها سواء كانت حجا أو عمرة .

والتلبية سنة عند الشافعي وأحمد ، ورواية عن مالك ، وبها قال ابن حزم .

وقال الأحناف : هي شرط من شروط الإحرام فلا يصح بدونها ، ويقوم مقامها عندهم ما في معناها من الإعلان عن الحج أو العمرة ، من تسبيح أو تهليل أو سوق الهدي ، أو تقليده ، لأن ذلك كتكبيرة الصلاة مع النية .

ومشهور مذهب مالك أنها واجبة ، وفي تركها هدي ، وحكي هذا المذهب عن الشافعي أيضا..

ويسن أن تتصل التلبية بالإحرام (بالنية) عند الشافعي وأحمد ، ويجب الاتصال عند مالك ، ويشترط عند الأحناف ، فمن تركها ، أو ترك اتصالها بالإحرام اتصالا طويلا عرفا فإن عليه فدية عند القائلين ، بالوجوب أو بالشرطية ، إلا إذا انعقد الإحرام بما يغني عنها كالتسبيح وغيره عند الأحناف .

ولفظ التلبية : اللهم لبيك لبيك . لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك . وفي رواية : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك . وهي الرواية المشهورة .

وكان عبد الله بن عمر راوي الحديث يزيد مع هذا قوله : لبيك وسعديك ، والخير بيديك . والرغباء إليك والعمل . متفق عليه

وجاء في رواية جابر مثل ما جاء في رواية ابن عمر ثم قال جابر والناس يزيدون : ذا المعارج ونحوه من الكلام . والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا رواه أحمد ومسلم

وفي رواية عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته : لبيك إله الحق لبيك رواه أحمد والنسائي

وفي رواية ابن عباس : كانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك رواه أحمد بسند رجاله ثقات .

ومعنى لبيك أجيبك إجابة بعد إجابة ، وهي منصوبة على المصدرية ، والتثنية في هذا اللفظ ليست حقيقية ، بل هي للتكثير والمبالغة .

قال ابن عبد البر : قال جماعة من أهل العلم ، معنى التلبية : إجابة دعوة إبراهيم حين ، أذن في الناس بالحج.. جاء هذا عن عدد من الصحابة والتابعين ، ومثله لا يقال من قبل الرأي

.(هذا) والسنة أن تلبي بأي صيغة من هذه الصيغ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق ، والذي فيه الخلاف هو أن يزيد الملبي من عند نفسه شيئا من ذكر الله تعالى ، فالجمهور على أن الملبي له أن يزيد ما يشاء ، مستدلين ، بما ذكر من زيادة ابن عمر وغيره ، وحكى ابن عبد البر عن مالك . الكراهة ، وهو أحد قولي الشافعي .

والراجح عدم كراهة الزيادة لما تقدم ، ولأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ليست منحصرة في صيغة ، أو صيغ معينة ، وكذلك أصحابه ، بدليل ما تقدم .

(فائدة) لا يلبي بغير العربي إلا من عجز عن العربية عند مالك والشافعي وأحمد ، وقال الأحناف : تصح التلبية وما يقوم مقامها من ذكر بغير العربية ، وإن أحسنها ، والتلبية لا تكون إلا باللسان ، فلو حرك القلب بها لم يعتد بها .

حكم الجهر بالتلبية
يستحب رفع الصوت بالتلبية رفعا لا يضر بالملبي ولا بغيره عند الحنفيين ، والشافعي في الجديد ومالك وابن حزم وأحمد ، غير أن أحمد يكره رفع الصوت بها في الأمصار ومساجدها ، ويستحبها في مكة والمسجد الحرام ومسجد منى وعرفة ؛ لأن ابن عباس سمع رجلا يلبي بالمدينة فقال : إن هذا لمجنون ، إنما التلبية إذا برزت .

والمرأة ترفع صوتها كالرجل ، وقال بعضهم لا ترفع المرأة صوتها ، ورد عليهم ابن حزم بأن هذا تخصيص بلا مخصص وساق أدلة على رفع أمهات المؤمنين ، أصواتهن ، وعلى رفع عائشة صوتها بالتلبية ، وذكر أن ما روي عن ابن عباس وابن عمر من أن المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية لا يصلح دليلا ؛ لأنه روي بسند ضعيف . والقائلون بأنها لا ترفع قالوا : إن رفع صوت المرأة عموما مكروه وليس حراما ولا عورة .

والدليل على استحباب الجهر بالتلبية حديث السائب بن خلاد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية أخرجه الترمذي وغيره وقال الترمذي : حسن صحيح ، وزاد في رواية : فإنها من شعائر الدين .

فضل التلبية ووقتها
يدلك على فضل التلبية وشرفها وعظيم ثوابها هذان الحديثان

الأول : حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وشماله من حجرأو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وهاهنا أخرجه ابن ماجة ، والبيهقي والترمذي والحاكم وصححه

الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أهل مهل قط ولا كبر مكبر قط إلا بُشِّرَ . قيل يا رسول الله بالجنة ؟ قال نعم أخرجه الطبراني في الأوسط بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح

ولذا قال العلماء : يستحب الإكثار من التلبية ، والإتيان بها عند الانتقال من حال إلى حال ، فيلبي عقب الصلاة الفرض وكلما ارتفع فوق مكان عال ، أو هبط إلى واد ، أو لقي ركبا ، أو دخل في وقت السحر ، ويجهر بالتلبية كما سبق ولو كان في مسجد ، وإذا أعجبه شيء قال : لبيك إن العيش عيش الآخرة .

مدة التلبية
على المحرم أن يقوم بالتلبية على الوجه السابق من وقت الإحرام إلى وقت رمي الجمرة الأولى - جمرة العقبة - يوم النحر بأول حصاة ، لأن ذلك هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو القائل : خذوا عني مناسككم وهو رأي جمهور الأئمة والفقهاء .

وإن دخل مكة معتمرا لبى حتى يستلم الحجر الأسود للطواف فيقطع التلبية ، وبهذا قال الأئمة الثلاثة والجمهور ، وقال مالك : إن أحرم بالعمرة من الميقات قطع التلبية بدخول الحرم ، وإن أحرم من الجعرانة أو التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة ، ودليل الجمهور أقوى .

(هذا) والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية مستحبان وإن كانت الأدلة في ذلك ضعيفة .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:09
كيفية الإحرام ومعرفة الأفضل من الإفراد والتمتع والقران
اعلم أن المحرم إما أن يريد بإحرامه الحج فقط وحينئذ يسمى مفردا . وإما أن يريد العمرة أولا ، ثم يتحلل ، ثم يحرم بالحج في نفس العام ، ويسمى متمتعا ، وسبب التسمية أنه أخذ فرصة تمتع فيها بالتحلل من الإحرام ، بين ، العمرة والحج .

وإما أن يريد القران ، وهو الجمع بين ، العمرة والحج في إحرام واحد ، بحيث لا يتحلل إلا بعد الانتهاء من أعمال العمرة .

قال الإمام النووي : وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة : الإفراد والتمتع والقران ، ثم قال

والإفراد : أن يحرم بالحج في أشهره ، ويفرغ منه ، ثم يعتمر بعده أو لا يعتمر..

والتمتع : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ، ثم يحرم بالحج في نفس العام...

والقران : أن يحرم بهما معا ويتمم عملهما بدون تحلل حتى ينتهي من الحج...

ويعتبر قارنا أيضا من أحرم بالعمرة ابتداء وقبل أن يطوف لها نوى الحج معها .

وكل مسلم مخير بين التمتع والإفراد والقران ، يفعل أيها شاء فرضا كان أو نفلا ، وقد دل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج متفق عليه فذكرت التمتع أولا ، ثم القران ثم الإفراد .

واختلف الصحابة ومن بعدهم في الأفضل من الثلاثة

فالتمتع اختاره ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة والحسن وعطاء وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد والقاسم وسالم وعكرمة وأحمد بن حنبل وهو أحد قولي الشافعي ، وروى المروزي عن أحمد : إن ساق الهدي فالقران أفضل ، وإن لم يسقه فالتمتع أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي ، ومنع كل من ساق الهدي من الحل حتى ينحر هديه .

وذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ، ورجحه جماعة من الشافعية ، منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل .

وذهب جماعة من الصحابة ، وجماعة ممن بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ، ومن أهل البيت : الهادي والقاسم والإمام يحيى وغيرهم إلى أن الإفراد أفضل .

واختلافهم هذا ناشئ عن اختلافهم في : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قارنا أو كان متمتعا أو كان مفردا ؟ فقد قيل بكل واحد منها .

وهل إخباره صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع بأنه لولا سوقه الهدي لتمتع كان لتفضيل التمتع على القران ، أو كان جبر خاطر للمتمتعين ، الذين حزنوا لأنهم لم يقرنوا كما قرن النبي صلى الله عليه وسلم حسب فهمهم ؟

والموضوع مجال مناقشات طويلة وقديمة ؛ كل عالم يدلي فيها بدلوه ويرجح ما يراه ، والذي تطمئن النفس إليه أن التمتع أفضل ، ويليه القران ، ثم الإفراد ، وهو الذي رجحه الشوكاني ، ورجح ابن القيم القران .

وأما ابن حزم فإنه يرى أنه إن جاء إلى الميقات وليس معه هدي (أي ما يذبح للحج من الإبل أو البقر أو الغنم) فإن فرضا عليه أن يحرم بعمرة فقط ، (متمتعا) فإن أحرم بحج أو بقران ففرض عليه أن يغير إحرامه ويحوله إلى عمرة فقط حتى يتمها ثم يتحلل ، ثم يحرم بالحج . فالتمتع عنده بالنسبة لمن لم يسق الهدي فرض وليس أفضل فقط .

وأما من ساق الهدي ففرض عليه أن يحرم بعمرة وحج معا ، لا يجزيه إلا ذلك .

وكيفية النطق بالإحرام أن يقول بعد أن ينوي بقلبه العمرة ، أو الحج ، أو هما معا ، اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني... إن كان متمتعا .

أو يقول : اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني... إن كان مفردا .

أو يقول : اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني إن كان قارنا .

ثم يلبي بعد ذلك مباشرة بإحدى الصيغ السابقة ، وله أن يشترط فيقول : اللهم إن محلي حيث تحبسني .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:10
حكم الاشتراط عند الإحرام وكيفيته
الاشتراط في الإحرام أن يقول مريد الإحرام : اللهم إني أريد الحج ، أو العمرة ، أو الحج والعمرة معا ، ومحلي حيث تحبسني .

وله أن يقول بالمعنى : اللهم إني أريد العمرة ، أو الحج ويكون خروجي من الإحرام في أي مكان حبستني فيه ومنعتني من الإكمال .

فإذا قال ذلك ، واشترط أن له أن يفك إحرامه إن وجد مانعا من إتمام العمرة أو الحج ، فإنه إذا عرض له مانع مثل المرض ، أو الحبس ، أو نفاد النفقة ، أو وجود عدو ، أو قطع طريق إلخ فإنه يستفيد من الاشتراط فائدتين

(الأولى) أنه إذا عاقه عائق فإن له أن يتحلل .

(الثانية) أنه متى حل بذلك فلا دم عليه ولا صوم .

وهذا الاشتراط قال به جماعة من الصحابة ، وجماعة من التابعين ، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور ، وقال الشافعي : لو ثبت حديث عائشة في الاستثناء لم أعده إلى غيره . وقد ثبت الحديث المذكور كما ثبت غيره ، ولا مقال لأحد بعد ثبوت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيستحب الاشتراط وإليك الأدلة .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ضباعة بنت الزبير (بن عبد المطلب) قالت : يا رسول الله ، إني امرأة ثقيلة ، وإني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل ؟ فقال : أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال فأدركت رواه الجماعة إلا البخاري وللنسائي في رواية :(فإن لك على ربك ما استثنيت) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها : لعلك أردت الحج ؟ قالت : والله ما أجدني إلا وجعة فقال لها : حجي واشترطي وقولي : اللهم محلي حيث حبستني كانت تحت المقداد بن الأسود متفق عليه

وروى أحمد رواية مماثلة عن عكرمة عن ضباعة .

(هذا) والاشتراط جائز عند القائلين به سواء أكان المشترط مفردا ، أو متمتعا ، أو قارنا

وأصل الاشتراط أن يكون منطوقا وملفوظا به عند الإحرام فإن نوى الاشتراط ولم يتلفظ به فهناك احتمال أن يصح ذلك ، واحتمال آخر بأن الاشتراط لا يصح ، والإحرام صحيح .

الإطلاق والتعيين في الإحرام
عرفنا أن الذي يريد الإحرام له أن يحرم بالحج أو بالعمرة ، أو بهما معا ، وهذا يسمى التعيير ، في الإحرام ، وهو مستحب عند مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عين عند إحرامه ، وأرشد الصحابة إلى التعيين .

أما الإطلاق فمعناه أن ينوي أن يصير محرما صالحا لأداء النسك ، سواء أكان حجا ذلك النسك ، أو عمرة ، أو هما معا ، وهو جائز وينعقد به الإحرام صحيحا ؛ لأن الإحرام يصح مع الإبهام - وسيأتي بعد هذا - فيصح عن باب أولى مع الإطلاق ، وبعد أن يحرم إحراما مطلقا يصير مخيرا في أن يصرف الإحرام بعد ذلك إلى أي نسك من الأنساك الثلاثة ، قبل البدء في أي عمل آخر من أعمالها ، فله أن يصيره إلى العمرة ، أو الحج ، أو القران ، والأولى إن كان في أشهر الحج صرفه إلى العمرة ؛ لأن التمتع أفضل ، وإن بدأ في عمل كالطواف بدون تعيين ، فإنه لا يعتد به إلا بعد التعيين .

الإحرام بما أحرم به الغير ونسيان ما أحرم به والإحرام بحجتين أو عمرتين
يصح الإبهام عند الإحرام . وهو أن يقول : اللهم إني أحرم بما أحرم به فلان ، وأنوي ما نواه ، كما فعل سيدنا علي حين قال : أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم هو لا يخلو أمره بعد ذلك من أحد أحوال أربعة

(أحدها)
أن يعلم ما أحرم به فلان ، فإذا علم انعقد إحرامه بمثل إحرام فلان هذا .
(الثاني)
أن لا يعلم ما أحرم به فلان ؛ فيكون حكمه حينئذ أن يصرف الإحرام إلى أي نسك ، من الأفراد ، أو التمتع ، أو القران ، وهذا عند أحمد ، وقال أبو حنيفة : يصرفه إلى القران ، وهو قول الشافعي في الجديد ، وقال في القديم يتحرى فيبني على غالب ظنه .
(الثالث)
أن لا يكون فلان هذا قد أحرم ، فحكمه حينئذ حكم ما قبله (الحالة الثانية) .
(الرابع)
أن لا يعلم هل أحرم فلان أم لا ، فحكمه حينئذ حكم الحالة الثانية أيضا ومن أحرم بنسك ثم نسيه فإن شأنه كذلك مثل الحالة الثانية..

وإن أحرم بحجتين أو عمرتين ، فإن الإحرام ينعقد بواحدة والثانية تعتبر لاغية عند مالك ، والشافعي وأحمد ، وقال أبو حنيفة : ينعقد بهما ، فيؤدي واحدة ، وعليه قضاء الأخرى .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:11
ما يباح للمحرم
أحرم بحج أو عمرة فإنه يباح له ما يأتي

(1) الا غتسال
يباح للمحرم بحج أو عمرة أن يغسل رأسه وبدنه برفق ؛ لأن الرفق لا يسقط به شعر، وهذا رأي جمهور الفقهاء ومنهم الأحناف والشافعية والحنابلة وداود ، وقال مالك : يكره الغسل للمحرم ، لأنه يزيل الوسخ ، والمشروع للمحرم تحمل الوسخ وغيره حتى يرمي جمرة العقبة إذا كان المراد من هذا الغسل التنظف أو الابتراد ، أما غسل الجنابة ففرض على الجنب عند الجميع ، والأدلة الثابتة يستفاد منها جواز الغسل للتنظيف أو الابتراد بلا كراهة .

ويجوز عند الشافعي وأحمد أن يكون الغسل بالسدر (ورق العنب) والخطمي (نبات طيب الريح) والصابون وقال أبو يوسف ومحمد عليه صدقة..

والثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم كما ثبت . عن بعض الصحابة اغتسالهم وهم محرمون فلا شيء في الاغتسال ولو كان للتنظف أو الابتراد .

أما استعمال الصابون ذي الرائحة الطيبة وما يشبهه فالخلاف فيه واقع والميل إلى المنع أحوط ، لأن استعمال الطيب أثناء الإحرام ممنوع كما سيأتي ، وهذا منه غير أننا لم نقل : إن المنع هو الحق لأن ابن عباس حبر هذه الأمة رضي الله عنهما قال : المحرم يشم الريحان وينزع ضرسه إلخ مع أن الشم غير الغسل والاستعمال . ويجوز للمحرم تغيير ثياب إحرامه بأخرى لأي سبب من الأسباب ، ولا دليل على غير ذلك .

قال النووي : نقض الشعر والامتشاط جائزان عندنا ، وكذلك حمل المتاع على رأسه .

(2) تظلل المحرم
يجوز للمحرم أن يستظل بمظلة ، وبثوب ، ونحوه مما يدفع عنه حر الشمس ، أو ضرر شيء من الأشياء ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ستره أحد الصحابة وظلله وهو محرم وكان عمر يطرح النطع (فرش من الجلد) على الشجرة فيستظل به وهو محرم ، ولذلك جاز التظلل بالمحمل وسقف السيارة والقطار ونحو ذلك .

وبذلك قال الأحناف والشافعية

وقال أحمد : يباح له أن يظلل رأسه بثوب ونحوه ، ويكره بالهودج ونحوه .

وقالت المالكية : يباح للمحرم اتقاء الشمس والريح والمطر والبرد عن وجهه أو رأسه بغيره ملتصق بهما ، بل بمرتفع ثابت كبناء وخباء ، وشجر وسقف ويد .

(3) الحجامة وما يشبهها
يجوز للمحرم الحجامة للضرورة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم.. أخرجه السبعة ، وفي رواية أنه احتجم وهو محرم على ظهر قدمه من وجع كان به . وقد أجمع العلماء على جواز الحجامة لعذر ، وعلى جواز القصد وربط الجرح والدمل ، وقطع العرق ، وقلع الضرس وغير ذلك مما يعتبر تداويا إذا لم يكن فيه ارتكاب محظور من محظورات الإحرام ، ولا فدية على المحرم في شيء من ذلك ، وقطع الشعر عند الحجامة لا شيء فيه ، لأنه عمل تابع للحجامة المباحة عند الضرورة .

(4) تعليق كيس النقود وحمل الساعة ونحوها
يجوز للمحرم شد كيس النقود على وسطه وحمل الساعة في اليد ، والخاتم في الأصبع واتخاذ موضع لحفظ النقود في الإزار ، أو في الحزام ونحو ذلك . وهذا عند الأحناف والشافعية والحنابلة ، لقول ابن عباس : لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم أخرجه البيهقي وأخرج نحوه عن عائشة رضي الله عنها ، والهميان حزام توضع فيه النقود لحفظها ثم يربط ويعقد ، وهو جائز ولو كانت النقود لغير حامله .

قال ابن عبد البر في شد الهميان : أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار ، متقدموهم ومتأخروهم ، ومتى أمكنه أن يدخل السيور بعضها في بعض ويثبت بذلك لم يعقده ؛ لأنه لا حاجة إلى عقده ، وإن لم يثبت إلا بعقده عقده ؛ نص عليه أحمد وهو قول إسحاق . وقال إبراهيم : كانوا يرخصون في عقد الهميان ، ولا يرخصون في عقد غيره ، كالمنطقة ولو كانت لوجع الظهر .

والخلاصة أن عقد الهميان (الحزام) الذي فيه النقود للمحرم جائز ، إذا كان فيه نقود ، وإذا لم يكن فيه نقود لا يجوز عقده ، وإن شده بدول عقد بأن أدخل سيوره ، أو طرفه في حديدة تمسكه كان أحسن ، لأن العقد ممنوع إلا للضرورة ، ولذلك لم يجيزوا شد المنطقة التي يحتاج إليها من وجع الظهر ونحوه ، وأن شدها فعليه فدية .

وله أن يعقد إزاره ليظل متماسكا لا ينحل ، لأن في حله ظهور العورة ، وهذا لا خلاف فيه ، أما الهميان فالمالكية يقولون : يجوز شده لنفقته فقط ، فلا يجوز شده فارغا ، أو للتجارة ، أو لنفقة غيره فقط ، فإن فعل فعليه الفدية ، وعندهم يشد الهميان على الجلد تحت الإزار ، فإن شده فوقه افتدى ولا دليل للمالكية على هذا التفصيل .

وإذا احتاج المسلم إلى أن يتقلد بسيفه لضرورة تدعو إلى ذلك فإن له ذلك ، ولا شيء عليه ، وبذلك قال عطاء والشافعي ومالك ، وكرهه الحسن .

وقال بعضهم : لو حمله لغير ضرورة جاز لأنه ليس في معنى الملبوس ، فهو مثل حمل القربة .

(فائدة) قال الإمام النووي في الإيضاح وله أن يعقد الإزار ، ويشد عليه خيطا - يربطه به - وله أن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيه التكة ، وله أن يغرز طرفي ردائه في إزاره ، ولا يجوز عقد الرداء ، ولا أن يزره ، ولا يخله بخلال أو مسلة - ومثلها الدبوس - ولا يربط خيطا في طسرفه ثم يربطه في طرفه الآخر ، فافهم هذا فإنه مما يتساهل فيه الحجاج ، وقد روى الشافعي تحريم عقد الرداء عن ابن عمر رضي الله عنهـما ، ولو شق الإزار نصفين ، ولف على كل ساق نصفه لا يجوز على الأصح وتجب به الفدية ا هـ منه .

(5) الاكتحال ؛ وقطر الدواء في العين
يجوز للمحرم الاكتحال بغير مطيب وبغير ما يعتبر زينة لعذر كرمد العين ، وضعفها كما يجوز استعمال القطرة كذلك . فقد ثبتت إباحة ذلك في عدة أحاديث وآثار إذا كان لعذر . وقد أجمع العلماء على ذلك ، وما يعتبر زينة مكروه ولا فدية فيه .

(6) نظر المحرم في المرآة
يجوز للمحرم النظر في المرآة وما يشبهها ، جاء ذلك عن ابن عباس وابن عمر ، وقال أحمد إن كان يريد بالنظر زينة فلا ، قيل : فكيف يريد زينة ؟ قال : يرى شعرة فيسويها .

(7) قتل الغراب والحدأة والحية والعقرب والسبع إلخ
يباح للمحرم قتل الغراب والحدأة والحية والعقرب والسبع والنمر والفأرة والذئب والكلب العقور لحديث خمس من الدواب كلها فاسق لا حرج على من قتلهن : العقرب ، والغراب والحدأة والفأر والكلب العقور أخرجه مسلم والبيهقي وجاء في حديث آخر زيادة السبع العادي ولمزيد من الإيضاح نقول : أما الحية فالإجماع على جواز قتلها في الحل والحرم ، ومثلها العقرب ، والغراب معروف .

والحدأة معروفة .

والفأرة : أجمع العلماء على جواز قتلها إلا المالكية فلم يجيزوا قتل الصغيرة التي لا تؤذي .

والكلب العقور : يراد به عند الجمهور كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب ، وقال الحنفيون : المراد به الكلب خاصة ولا يلحق به سوى الذئب .

والمراد بالسبع كل ما يعدو بنابه على غيره وذلك يشمل كل حيوان مفترس مثل الذئب والفهد والنمر والأسد ، فللمحرم قتل ذلك كله .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:11
الأمور التي تحرم بسبب الإحرام
يحرم بالإحرام الأمور الآتية

(1) الجماع ودواعيه
مثل القبلة ، واللمس بشهوة ، والتعرض للنساء بفحش القول .

(2) الخروج عن طاعة الله تعالى
وهو قبيح في غير الإحرام ، ولكنه أثناء الإحرام أقبح وفي الحرم مع الإحرام أشد قبحا ، مما لو كان مع الإحرام فقط ، أو في الحرم فقط .

(3) المخاصمة مع الرفقة والخدم وغيرهم لقوله تعالى
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج

ولأن الجدال المثير للغضب ممنوع شرعا .

(4) لبس المخيط بجميع أنواعه
والمراد بالمخيط في الملبس هو ما يحيط بالجسد أو بعضه بخياطة أو غيرها .

والأصل في هذا الباب حديث ابن عمر المتفق عليه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس

قال الإمام النووي في شرح مسلم وهو يشرح هذا الحديث : قال العلماء : هذا من بديع الكلام وجزله ، فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم فقال : لا يلبس كذا وكذا فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات ويلبس ما سوى ذلك - وهذا من الأسلوب الحكيم - وكان التصريح بما لا يلبس أولى لأنه منحصر ، وأما الملبوس الجائز للمحرم فغير منحصر فضبط الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم : لا يلبس كذا وكذا : يعني ويلبس ما سواه ، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس هذه الأشياء وأنه نبه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما وهو كل ما كان محيطا (أي أعد من الأصل ليكون محيطا بالجسم مثل القميص والسروال والجلباب ، بخلاف إزار الإحرام فإنه لم يفصل ليكون محيطا إذا لبس ولكننا نجعله محيطا بصنعتنا ولفنا إياه حول أجسامنا) وكذلك نبه بهما على ما كان مخيطا (خياطة مفصلة بحيث يكون) معمولا على قدر البدن أو قدر عضو منه (مثل الملابس التي تفصل على قدر الرأس أو الصدر أو الساق أو الذراع إلخ) .

ونبه بالعمائم والبرانس - نوع يغطى به الرأس - على كل ساتر للرأس مخيطا كان أو غير مخيط حتى العصابة (التي تلف حول الرأس مثل الرباط) . فإنها حرام ، فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدها ولزمته الفدية .

ونبه بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وحذاء وجورب وغيرهما...

وهذا كله حكم الرجال ، وأما المرأة . فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر من مخيط وغيره إلا ستر وجهها فإنه حرام بكل ساتر ويعفى عن جزء يتم به ستر شعر رأسها ، لأن كشف الشعر حرام ولا يتم ستر جميعه إلا بستر جزء من أعلى الجبهة . أما ستر يديها ففيه خلاف بين العلماء وهما قولان للشافعي أصحهما تحريمه ، ولذلك يحرم عليها لبس القفازين.. ورخص فيهما علي وعائشة وعطاء والثوري وأبو حنيفة .

ونبه صلى الله عليه وسلم بالورس والزعفران على ما في معناهما ، وهو الطيب فيحرم على الرجل والمرأة جميعا في الإحرام جميع أنواع الطيب ، والمراد : ما يقصد به الطيب ، وأما الفواكه كالأترج والتفاح وأزهار البراري كالشيح والقيصوم ونحوهما فليس بحرام ، لأنه لا يقصد للطيب...

قال العلماء : والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم وفي لباسه : الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه ويتصف بصفة الخاشع الذليل ، وليتذكر أنه محرم في كل وقت فيكون أقرب إلى كثرة الذكر ، وأبلغ في المراقبة وصيانة العبادة والامتناع عن إرتكاب المحظورات ، وليتذكر به الموت ولباس الأكفان ، ويتذكر البعث يوم القيامة والناس حفاة عراة مهطعون إلى الداعي.... والحكمة في تحريم الطيب والنساء أن يبعد عن الترفه والتلذذ وزينة الدنيا ويجتمع ، همه لمقاصد الآخرة .

وأمر صلى الله عليه وسلم بلبس النعلين - وهما لا يصلان إلى الكعبين ، ويمسكان في الرجل بسيور- فمن لم يجد نعلين فليلبس خفين - وهما يخفيان القدم بجلدهما ويرتفعان أعلى من الكعبين - وقال صلى الله عليه وسلم : وليقطعهما أسفل من الكعبين (ليكون فيهما شبه بالنعلين) .

وجاءت روايتان في صحيح مسلم إحداهما عن ابن عباس والأخرى عن جابر رضي الله عنهما ، مفادهما أن من لم يجد إزارا فليلبس سروالا ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين ، ولم تذكر الروايتان الأمر بقطع الخفين ولذنك اختلف العلماء في الحديثين فقال أحمد : يجوز لبس الخفين بحالهما ، ولا يجب قطعهما ، لأن القطع منسوخ بالحديثين المذكورين .

وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء : لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما ؛ لأن المطلق يحمل على المقيد ، كما اختلف العلماء فيمن يلبس الخفين بدلا من النعلين لعدمهما ، هل عليه فدية أم لا ؟ فقال مالك والشافعي ومن وافقهما : لا شيء عليه ؛ لأنه لو وجبت فدية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه الفدية . ا هـ بتصرف قليل .

(هذا) ومن لم يجد إزارا فلبس سراويل هل يشقها أو لا يشقها ؟ قال الشافعي وأحمد لا يشقها ولا فدية عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بلبسها ولم يذكر فدية وقال مالك والأحناف إن لم يشقها وجبت الفدية .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:12
فوائد

(الأولى) أفادت الأحاديث أن اللبس المعتاد محرم على المحرم ، فلو شق القميص وجعله إزارا أو رداء جاز ، وكذلك السراويل ، ولو كان فيهما خياطة ، لأن الخياطة ليست هي الممنوعة ، إنما الممنوع خياطة بتفصيل على قدر الجسم أو عضو منه كما سبق ، ولو أبقى القميص أو الجبة ، أو السروال ، أو الجلباب كما هو لم يشقه والتف به كإزار أو رداء فإن ذلك جائز ، ولا شيء فيه .

(الثانية) قال مالك وأحمد ، وهو الأصح عند الشافعية ، والمشهور عند الأحناف أن لبس المرأة المحرمة للقفازين حرام وفيهما الفدية ، وقال محمد بن الحسن وهو رواية المزني عن الشافعي ، وقول لمالك : يجوز لها ذلك بدون فدية ، والرأي الأول هو الراجح .

(الثالثة) الثوب المصبوغ بغير طيب مكروه للمحرم وليس بحرام ، لأن السنة لبس الأبيض للرجل المحرم ، أما المرأة فتلبس من الألوان ما تشاء .

(الرابعة) من وجد حذاء أو مداسا تحت الكعبين ، هل يجوز له لبسه مع وجود النعلين ؟ الجواب : لا يجوز عند أحمد ومالك وقول للشافعي ، لأنهما مخيطان لعضو على قدره ، وقال الأحناف يجوز ولا فدية على اللابس وهو رأي للشافعي .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:14
(5) لبس ما صبغ بطيب أو بمطيب :
يحرم على المحرم ذكرا كان أو أنثى لبس ثوب صبغ بما له رائحة طيبة مثل الورس والزعفران اتفاقا إلا إن كان مغسولا بحيث لا ينفض المادة التي صبغ بها ، ولا توجد منه رائحة طيبة فيحل لبسه .

(6) التطيب عمدا
المحرم يتطيب عند الإحرام فقط كما مر، ولا يحل له أن يمس طيبا بعد الإحرام فإن تطيب أثم ، وعليه الفدية ويستوي في ذلك الذكر والأنثى وأن يكون الطيب في الثوب ، أو في البدن ، أو في الشعر، أو في الفراش .

ومن تطيب أو لبس ما حرم عليه وهو محرم لزمته الفدية إن كان متعمدا بالإجماع ، وكذا إذا كان ناسيا عند الأحناف والمالكية .

وقال الشافعي وأحمد لا شيء على الناسي ، إنما الفدية على المتعمد .

وعلى هذا فمن غطى رأسه يوما إلى الليل فعليه الفدية عند الأحناف ولو كان ناسيا ، وإن كان أقل من يوم فعليه صدقة ، وعن مالك يلزمه صدقة إذا انتفع بذلك أو طال لبسه ولو كان ناسيا .

وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده كالمسك غير المسحوق وقطع الكافور والعنبر، فلا شيء في ذلك ، لأنه غير مستعمل للطيب ، فإن شمه فعليه الفدية ، لأنه يستعمل لشم ، وإن كان الطيب يعلق بيده كالغالية وماء الورد والمسك المسحوق ففيه الفدية .

ولو جعل شيء من الطيب في مأكول أو مشروب كالمسك والزعفران فلم تذهب رائحته لم يبح للمحرم تناوله نيئا كان أو مطبوخا قد مسته النار عند الشافعي وأحمد .

وقال مالك والأحناف : لا بأس بما مسته النار وإن بقيت رائحته وطعمه ولونه لأنه بالطبخ استحال عن كونه طيبا .

ولا يجوز أن يستعط بالطيب (يدخله في أنفه) ولا يحتقن به ، لأن ذلك استعمال له .

والأصل في منع الطيب قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وقصته ناقته فمات لا تمسوه بطيب رواه مسلم وفي لفظ ولا تخيطوه متفق عليه ويحرم دواء فيه طيب كالأكل .

(7) الادهان
الدهن الذي لا طيب فيه ولا رائحة له طيبة كالزيت والشيرج والسمن والشحم وغيرها . قال ابن المنذر فيه : أجمع عامة أهل العلم على أن للمحرم أن يدهن - بفتح الهاء وضمها - بدنه بالشحم والزيت والسمن ونقل جواز ذلك عن ابن عباس وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحاك ، غير أنه لا يجوز أن يدهن به رأسه عند عطاء ومالك والشافعي وأبي ثور والأحناف لأنه يزيل الشعث ويسكن الشعر .

وظاهر كلام أحمد بن حنبل أنه لو دهن رأسه به فلا فدية عليه...

ومن قصد شم الطيب من غيره بفعل منه مثل أن يجلس لذلك عند العطار ، أو يدخل الكعبة حال تجميرها ليشمها ، أو يحمل معه عقدة فيها مسك ليجد ريحها ، وشم الريح منها فإن عليه الفدية ، وأباح الشافعي ذلك إلا العقدة التي يشمها وفيها مسك .

فأما من لم يقصد شمه فلا شيء عليه لو شمه ؛ وذلك مثل الجالس عند العطارين لحاجته ، والذي يدخل السوق كذلك ، والذي يدخل الكعبة للتبرك بها ، ومن يشتري طيبا لنفسه أو للتجارة ولا يمسه ، لأنه لا يمكن التحرز عن الشم في ذلك كله فعفي عنه .

(8) التخضيب بالحناء
يحرم التخضيب بالحناء على المحرم والمحرمة عند الأحناف لأنه زينة عندهم وطيب .

وقال المالكية والشافعية والحنابلة : الحناء ليس بطيب فلا شيء فيه .

(9) شم الورد ونحوه
ما يستنبته الآدمي للطيب ويتخذ منه طيبا مثل الورد ، والبنفسج ، والنرجس والياسمين ، لا يجوز شمه عند الشافعي وأحمد ، وعلى من شمه فدية .

وقال الأحناف ومالك يكره شم ما ذكر ولا فدية فيه ، وهو قول أكثر الفقهاء .

(10) إزالة الشعر
يحرم على المحرم بإجماع الفقهاء إزالة شعره بلا عذر لقوله تعالى : ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله

والمراد إزالة الشعر كيفما كان حلقا وقصا ونتفا وغيرها وشعر باقي البدن ملحق بشعر الرأس ، ويجب على ولي الصغير منعه من إزالة شعره ، وتجب الفدية بإزالة الشعر سواء في ذلك شعر الرأس واللحية والشارب والإبط والعانة وسائر البدن .

وإن آذته شعرة داخل جفنه أو شعر حاجبه أزالها ولا فدية عليه ولو حلق المحرم رأس الحلال فلا شيء عليه عند مالك والشافعي وأحمد ، وعند الأحناف تجب الفدية . وحك المحرم رأسه برفق جائز بالإجماع . ويحرم على المحرم بناء على ما سبق مشط لحيته ورأسه إن أدى إلى نتف شيء من الشعر فإن لم يؤد إليه لم يحرم ، لكن يكره ، فإن مشط فنتف المشط شعرة لزمته نتيجة النتف حسب اختلاف الفقهاء .

والشعر الذي يسقط منتسلا - بنفسه - لا فدية فيه ، ولو كشط جلد رأسه وعليه شعر فلا فدية عليه .

(11) قلم الظفر
ويحرم على المحرم أخذ ما طال من ظفره بلا عذر إجماعا ، وكذلك أخذ ظفر غيره عند الأحناف . أما إن انكسر الظفر فإن له إزالته من غير فدية لأنه يؤذيه ويؤلمه ، فهو مثل الشعر النابت في عينه ، فإن قص أكثر مما انكسر فعليه الفدية وإن وقع في أظفاره مرض فأزالها فلا شيء عليه ، وإن احتاج إلى مداواة قرحة فلم يمكنه إلا بقص أظفاره فقصها فعليه الفدية ، وقال بعضهم لا فدية عليه .

(12) ستر الرأس
يحرم على الرجل ستر رأسه كله أو بعضه بأي شيء مما يستر به عادة ، مثل الثوب والقلنسوة (الطاقية) والعمامة والطربوش ، وأما ستره بغير معتاد مثل الطبق ، والقفة ، واليد فلا شيء فيه عند الأئمة الثلاثة ، وعند مالك يحرم بكل ساتر ولو كان ، طينا ، أو عجينا ، أو جيرا ، أو دقيقا ، أو يدا .

(13) ستر الوجه
أجمع الفقهاء على حرمة ستر المرأة وجهها ما عدا الجزء الذي لا يتم ستر الرأس إلا به ، ولها أن تسدل ثوبا على وجهها لا يكون ملاصقا له ، إنما يكون بعيدا متجافيا عن الوجه ، إن دعت إلى ذلك حاجة مثل شدة الحر والبرد ، وخوف الفتنة ونحوها ، كما يجوز ذلك لغير الحاجة عند بعضهم ؛ لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يسترن وجوههن إذا مر عليهن الركبان أثناء الإحرام .

وإن أصاب الثوب وجه المرأة المحرمة بغير اختيارها فرفعته في الحال فلا شيء عليها ، وإن كان عمدا أو استدامته لزمتها الفدية .

وأما الرجل فيحرم عليه ستر وجهه بكل ما يستر عادة عند الأحناف ، وقال المالكية : يحرم ستر وجهه بأي ساتر ولو غير معتاد مثل الدقيق والطير ، إلخ ما سبق في تغطية الرأس.. هذا وستر البعض مثل ستر الكل في الحكم .

وقال الشافعي وأحمد والجمهور ، لا إحرام في وجه الرجل فله تغطيته بخلاف المرأة ، لأن عثمان رضي الله عنه غطى وجهه وهو محرم في يوم صائف وبذلك قال ابن حزم .

(14) نكاح المحرم
يحرم على المحرم عقد الزواج لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة عند داود ومالك والشافعي وأحمد والليث والأوزاعي ، فإن نكح فالنكاح باطل ، وهو قول عمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وابن عمر وزيد بن ثابت ، وابن عباس وغيرهم . وقال أبو حنيفة والثوري : لا بأس بذلك .

وسبب الخلاف حديثان : أحدهما نهى النبي صلى الله عليه وسلم فيه المحرم من أن ينكح أو ينكح غيره أو يخطب والثاني فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ، والحديثان صحيحان والرأي الأول أصح ، وشهادة المحرم على نكاح الحلالين ، جائزة . ا هـ

ومن طلق زوجته ثم أرجعها وهو محرم فإن الرجعة صحيحة عند مالك والشافعي والعلماء إلا الإمام أحمد في أشهر الروايتين عنه .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:17
(15) تعرض المحرم للصيد
يحرم على المحرم قتل كل صيد بري مأكول من الوحش والطير كما يحرم اصطياده لقوله تعالى

يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم , المراد صيد البر لأن صيد البحر حلال لقوله تعالى

أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما .

وقد أجمعت الأمة على تحريم الصيد في الإحرام ، كما أجمعت على تحريم قتل صيد البر على المحرم . والصيد المحرم على المحرم صيده أو قتله ما جمع ثلاثة أشياء

(الأول)
أن يكون وحشيا ، فما ليس وحشيا لا يحرم على المحرم أكله ولا ذبحه كبهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - ويضاف إليها الخيل والدجاج ونحوها . ولا خلاف في ذلك والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال ، فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء كالحمام فإنه يجب الجزاء في أهليه ووحشيه اعتبارا بالأصل ، ولو توحش الأهلي لم يجب فيه شيء ، وما تولد من الأهلي والوحشي اعتبر وحشيا تغليبا لجانب التحريم ، والبط كالحمام عند أحمد .
(الثاني)
أن يكون مأكولا ، فأما ما ليس بمباح الأكل كسباع البهائم ، والمستخبث من الحشرات والطير وسائر المحرمات فلا جزاء فيه ، وهذا قول أكثر أهل العلم .
وما تولد بين ، المأكول وغيره فيه الجزاء تغليبا للتحريم .
واختلفوا في الثعلب هل هو سبع فلا جزاء في قتله أو ليس سبعا ففيه الفدية ؟ قولان .
واختلفوا في السنور (القط) الأهلي والوحشي ، والصحيح أنه لا جزاء في الأهلي لأنه ليس وحشيا ولا مأكولا ، ولا في الوحشي لأنه سبع ، وكذلك اختلفوا في الهدهد .
(الثالث)
أن يكون صيد بر لا صيد بحر كما سبق .


(هذا) ومن صال واعتدى عليه سبع فقتله فلا شيء عليه ، ومثله من أراد تخليص صيد من سبع أو شبكة .

وعلى هذا فمن أتلف صيدا مما هو ممنوع فعليه جزاؤه ، وكذلك إن أتلف جزءا منه .

(16) الإعانة على قتل الصيد والدلالة عليه مطلقا
يحرم على المحرم الإعانة على قتل صيد البر الوحشي الأصل المأكول... وتستوي الإعانة بدلالة ، أو إشارة ، أو إعارة آلة إن اتصل بها القبض ، وذلك لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة على قتله بالإجماع ، ولكنه لا يجب عليه الجزاء ، لأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة عليه ، وقيل يجب الجزاء .

والدليل على ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة عن صيد أبي قتادة أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها ، أو أشار إليها ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا ما بقي من لحمها متفق عليه كما ثبت أن أبا قتادة عند الصيد سأل الصحابة أن يناولوه سوطه فأبوا ، فسألهم رمحه فأبوا ، فلما صاد أكل بعضهم معه ، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .

(17) تنفير الصيد وإتلافه وبيعه وشراؤه
يحرم على المحرم والمحرمة تنفير الصيد وإثارته ، كما يحرم إتلافه بضرب ونحوه ، كما يحرم بيعه وشراؤه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاه ، فقال للعباس : يا رسول الله إلا الإذخر ، فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : إلا الإذخر أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم

دل الحديث المذكور كل ما يأتي

(أولا) على حرمة قطع شوك الحرم ، وبه قال الجمهور . وقال بعض الشافعية : لا يحرم قطعه لأنه مؤذ ، لكنه قياس في مقابلة النص فلا يعول عليه .

والشجر المنهى عن قطعه في الحرم هو ما ينبت بلا صنع آدمي ، وأما ما ينبته الآدمي فيجوز قطعه عند الجمهور ، وقال الشافعي : في الجميع الجزاء .

وقد اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم غير أن الشافعي أجاز قطع السواك وأجاز أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها .

(ثانيا) دل قوله صلى الله عليه وسلم : ولا يختلى خلاه على تحريم رعي الرطب من نبات الحرم ، لأنه أشد من القطع والاحتشاش أما اليابس فيجوز قطعه على الأصح عند الشافعي .

(18) أكل المحرم لحم الصيد الذي صيد له أو دل هو عليه
يحرم على المحرم أكل لحم صيد البر إلا إذا كان لم يصد لأجله ، ولم يدل عليه إلخ . وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وأحمد والجمهور ، أن الصيد الذي لم يصده المحرم ولم يصد له يحل أكله منه وإلا فهو حرام .

وقال الأحناف : لا يحرم على المسلم ما صيد له بغير إعانة ولا إشارة منه ولكل دليله والأحوط في ذلك عدم الأكل .

(19) كسر بيض الصيد وحلبه وبيع البيض وشراؤه
وحرمة هذه الأشياء مبنية على أن الشيء الذي يحرم على المحرم صيده يحرم عليه بيضه وحلبه ، فإن أتلفه ضمنه بقيمته عند الثلاثة ، وقال مالك : يضمنه بعشر ثمن أصله .

فوائد ذات أهمية:

( أ )
إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس عند أكثر العلماء ، ومنهم مالك والشافعي والأحناف ، وقال الحكم والثوري وأبو ثور : لا بأس بأكله ، وقال عمرو بن دينار وأيوب السختياني : يأكله الحلال .
( ب )
إذا جاع المحرم وصار مضطرا ووجد لحم ميتة وصيدا ، أكل لحم الميتة ولا يحل له الصيد عند الحسن والثوري ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وإسحاق وابن المنذر : يأكل الصيد ، وهذا الخلاف إذا طابت نفسه بأكل الميتة ، وإلا فلا يأكلها ويأكل الصيد .
(جـ)
قتل البعوض والبراغيث والبق لا شيء فيه على المحرم ، وقتل القراض كما الجمال مستحب .


أما قتل الذباب ففيه عند مالك صدقة من الطعام .

وأما قتل القمل ففيه عند مالك صدقة من الطعام أيضا ، وهو عند الأحناف وأحمد حرام لأنه يترفه بإزالته فحرم ولا فدية فيه ، ورمي القمل في الحكم مثل قتله ، والصئبان (بيض القمل) مثل القمل في الحكم .

ولو أزال القمل من ثوبه أو بدنه فلا شيء عليه اتفاقا ، لأن النص جاء في قمل الرأس الذي أصاب كعب بن عجرة وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بحلق رأسه والفدية .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:22
دخول مكة المكرمة
كان مقتضى الكلام عن أركان الصلاة أن أذكر الوقوف بعرفة بعد الإحرام ، ثم أذكر طواف الإفاضة الذي يكون يوم النحر وما بعده ، ثم أذكر الحلق أو التقصير . وهذا معناه ألا أهتم بترتيب أعمال الحج حسبما رتبها الشرع الشريف ، وحسب مسيرة الحاج لأدائها ، وذلك نوع فيه تكلف ، وفيه ربكة للقارىء الذي يهمه أن يقرأ في رسالة الحج ما يطلب منه من أعمال الحج والعمرة خطوة خطوة مرتبة في الرسالة حسب ترتيبها في العمل والأداء ، جامعة بين ، الأركان والواجبات والسنن والممنوعات ليكون ذلك أيسر وأوفق وأجمع للفكر وأبعد عن التشتت والفصل بين ، حركة العلم وحركة العمل ، ولذلك اخترت دخول مكة بعد الإحرام ، لأنها المقصودة للجميع حينئذ حيث تبدأ المناسك العملية بعد الانتهاء من نسك الإحرام ومتطلباته .

أسماء مكة
مكة لها في القرآن أربعة أسماء : مكة ، وبكة ، وأم القرى ، والبلد الأمين ..

قال تعالى

وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة

وقال تعالى

إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين

وقال تعالى

ولتنذر أم القرى ومن حولها

وقال تعالى

وهذا البلد الأمين

وتقع مكة ببطن واد محاط بسور جبلي ، طولها من الشمال إلى الجنوب ثلاثة كيلو مترات ، وعرضها من الشرق إلى الغرب نصف ذلك .

ومداخلها أربعة : في الشمال الشرقي الطريق إلى منى ، وفي الجنوب الطريق إلى اليمن ، وفي الشمال الغربي الطريق إلى وادي فاطمة ، وفي الغرب الطريق إلى جدة .

وجبالها تكون سلسلتين ، إحداهما شمالية وتتكون من خمسة جبال والثانية جنوبية ، وتتكون من خمسة أيضا

ما يستحب فعله عند دخول مكة
إذا أراد المحرم دخول مكة شرع له ثمانية أمور

(1) أن يتوجه إليها بعد الإحرام بالحج أو العمرة
ومنها يخرج إلى عرفات ؛ لأن فوات هذه السنة يترتب عليه تفويت سنن كثيرة ، منها هذه السنة ومنها طواف القدوم ، ومنها تعجيل السعي ، ومنها كثرة الصلاة بالمسجد الحرام ، ومنها حضور خطبة يوم السابع بمكة ، ومنها المبيت بمنى ليلة عرفات ، وحضور الصلوات بها ، وغير ذلك ، فيراعى ذلك ما أمكن ليستطيع الحاج الاستفادة بجميع السنن التي فعلها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعض الفقهاء يرى بعضها واجبا وليس سنة ، وله دخول مكة ليلا أو نهارا .

(2) الاغتسال
يستحب أن يغتسل المحرم ، رجلا كان أو امرأة ، ولو حائضا أو نفساء عند غير المالكية ، أما المالكية ، فلا يرون استحباب الغسل للمرأة الحائض أو النفساء . ويكون الغسل بنية دخول مكة ، والأفضل أن يكون الاغتسال ذي طوى في أسفل مكة في صوب مسجد عائشة ويسمى في وقتنا بالزاهر).. وهذا إن كان طريقه عليه ، وإلا فليغتسل في أي مكان ، وبعضهم قال : يستحب المبيت بذي طوى قبل دخول مكة .

(3) الدخول من الثنية العليا
يستحب دخول مكة من الثنية العليا التي تشرف على الحجون وتسمى ثنية (كداء) بفتح الكاف والمد ، وإذا خرج راجعا إلى بلده خرج من ثنية (كدا) بضم الكاف والقصر والتنوين ، وهي بأسفل مكة بقرب جبل قعيقان ، وقال بعضهم : يستحب الخروج إلى عرفات من هذه الثنية أيضا - ثنية كدا - .

(هذا) والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون أن الدخول من الثنية العليا مستحب لكل داخل سواء كانت جهة طريقه أم لم تكن ، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل منها ولم تكن في طريقه .

(4) التحفظ من إيذاء الناس
ينبغي لداخل مكة أن يراعي كثرة الناس وزحمتهم ، وأن الزحمة ضرورة يحتمها الموقف فعليه أن يرحم الصغير والمسن والمرأة من مزاحمته وإيذائه ، ويلاحظ بقلبه جلال البقعة التي هو فيها والتي هو متوجه إليها ، ويعذر من راحمه ، وليتذكر أن الرحمة لم تنزع إلا من شقي ، ولو كان من الحجاج ، ويدخل خاشع القلب خاضع النفس ذليلا لربه ، لأنه في حرمه ، ومتوجه إلى بيته ، ويدعو بما شاء ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخوله : اللهم : البلد بلدك ، والبيت بيتك ، جئت أطلب رحمتك ، وأوم طاعتك ، متبعا لأمرك ، راضيا بقدرك ، مبلغا لأمرك ، أسألك مسألة المضطر إليك ، المشفق من عذابك ، أن تتقبلني ، وتتجاوز عني برحمتك ، وأن تدخلني جنتك

(5) البدء بالمسجد الحرام قبل الذهاب إلى أي مكان آخر
يستحب لداخل مكة أن يبدأ بالمسجد الحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ به ، ولم يشتغل عنه بشيء حتى دخله فبدأ بالبيت فطاف به أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة ، وبعد الطواف يعمل المطلوب من تأجير مسكن وغيره ، والمرأة الفاتنة تنتظر إلى الليل إن تيسر .

(6) الدخول من باب بني شيبة (باب السلام)
يستحب أن يدخل إلى الكعبة من باب بني شيبة ، ويسمى (باب السلام) ويكون متواضعا خاشعا ملبيا مقدما رجله اليمنى قائلا : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم باسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك .

(7) نوع الطواف المطلوب من الداخل أول مرة
إن الداخل إلى البيت الحرام إما أن يكون مفردا يريد الحج فقط ابتداء ، وإما أن يكون قارنا : يريد الحج والعمرة متصلين ، بإحرام واحد ، وإما أن يكون متمتعا : يؤدي العمرة أولا ، ثم يتحلل ، ثم يؤدي الحج .

فإن كان مفردا أو قارنا فعليه أن يطوف بالبيت بنية طواف القدوم وهو سنة أو واجب كما سيأتي ، وإن كان متمتعا فمعناه أنه محرم بالعمرة وحدها ، فعليه أن يطوف بنية (طواف العمرة) ويسعى بعد الطواف بنية (سعي العمرة) ولو طاف المعتمر بنية طواف القدوم وقع عن طواف العمرة ،

(8) الدعاء عند رؤية الكعبة
يستحب لمن دخل المسجد الحرام إذا وقع بصره على الكعبة أن يرفع يديه ويقول : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا ويضيف إليه : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ويدعو بما أحب من مهمات الدنيا والآخرة .

وإذا دخل المسجد ينبغي ألا يشتغل بصلاة تحية المسجد ولا غيرها ، بل يقصد الحجر الأسود ، ويبدأ بطواف القدوم ، وهو تحية المسجد الحرام ، والطواف مستحب لكل داخل محرما كان أو غير محرم ، إلا إذا دخل وقد خاف فوت الصلاة المكتوبة ، أو فوت سنة راتبة ، أو فوت صلاة الجماعة في المكتوبة ولو كان وقتها واسعا ، ولو دخل فوجد زحاما شديدا ، أو خاف مزاحمة النساء في وقت مخصص لهن ، أو منع من الطواف لعارض ، فإنه يبدأ بصلاة تحية المسجد .

(هذا) ومن لم يدخل مكة قبل الوقوف بعرفة فليس عليه طواف القدوم ، بل الطواف الذي يفعله هو طواف الإفاضة بعد الوقوف بعرفة ، فلو نوى به القدوم وقع عن طواف الإفاضة إذا كان في وقته

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:25
الطواف بالبيت الحرام
الطواف بالبيت الحرام (الكعبة) أنواعه ثلاثة لمن ذهب حاجا ، أو حاجا ومعتمرا وهي :

(الأول) :
طواف القدوم وهو سنة عند الأئمة الثلاثة ، واجب عند مالك .
(الثاني) :
طواف الإفاضة وهو ركن بالإجماع بحيث لو سقط لبطل الحج بسقوطه ، ويقع بعد الإفاضة من عرفات ومزدلفة ، ولذلك سمي طواف الإفاضة ، ويسمى أيضا : طواف الزيارة .
(الثالث) :
طواف الوداع وهو سنة عند المالكية ، وواجب عند الجمهور ، وفرض عند الظاهرية ، غير أن عند غير الظاهرية من تركه لعذر لم يجب عليه فيه دم ، فالمرأة الحائض لا طواف عليها ولا دم .

أما الذاهب للعمرة فقط فعليه طوافان لا غير : طواف القدوم ، وهو ركن من أركانها . وطواف الوداع : وهو سنة وليس واجبا ، والطواف مطلقا سواء أكان فرضا أم واجبا أم سنة له مباحث أحاول تقديمها لك سهلة ميسرة ، وبالله التوفيق .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:26
شروط الطواف
لكي يكون الطواف صحيحا لا بد من توفر الشروط الآتية فيه :

(1) الطهارة من الحدث والنجس
فالطواف لا يصح من محدث حدثا أصغر أو أكبر ، فلا يصح من غير المتوضئ‏ ، ولا يصح من غير المغتسل ، إن كان الغسل واجبا عليه لجنابة ، أو فراغ من حيض أو نفاس ، وكذلك لا يصح الطواف من إنسان نجس الثوب ، أو مر على مكان نجس أثناء الطواف ، أو كان على بدنه نجاسة ، ولو كان ذلك سهوا .

وهذا هو قول مالك والشافعي والجمهور ، وهو مشهور مذهب أحمد .

وعمدة من شرط الطهارة في الطواف قوله صلى الله عليه وسلم للحائض ، وهي عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها : إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي (الحديث) أخرجه مسلم .

وقوله صلى الله عليه وسلم : الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه رواه الترمذي والأثرم وقالت عائشة رضي الله عنها : إن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت (الحديث) أخرجه الشيخان .

وقال الأحناف : الطهارة ليست شرطا في صحة الطواف ، فلو طاف محدثا حدثا أصغر ، صح طوافه ولزمه شاة ، وإن طاف جنبا أو حائضا ، أو نفساء صح الطواف ولزمه بدنة (ناقة) ويعيد الطواف ما دام بمكة ، وذلك لأن هذه الطهارة عندهم واجبة وليست شرطا كما سبق ، (والواجب عندهم منزلته أعلى من السنة وأقل من الفرض والركن وتركه لا يبطل الصلاة) . وهذا القول رواية لأحمد أيضا .

وأما الطهارة من النجس في الثوب والبدن والمكان فهي سنة مؤكدة عند الأحناف لا تجبر بدم ولا بغيره .

والظاهرية على رأسهم داود وابن حزم : يرون أن الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ، ومن النجاسات في الثوب والبدن والمكان سنة عند الطواف وليس شيء شرطا إلا شيء واحد هو الطهارة من الحيض ، حيث ورد النص فيه صحيحا صريحا مفيدا للوجوب ، وما عدا ذلك فلا دليل عليه يفيد الوجوب فضلا عن الشرطية .

(2) ستر العورة
من شروط الطواف ستر العورة عند مالك والشافعي وأحمد وابن حزم والجمهور لحديث : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان أخرجه الشيخان والنسائي وكان هذا سنة تسع من الهجرة .

وقال الأحناف : ستر العورة عند الطواف واجب ، تجبر مخالفته بدم .

(3) النية
طواف الوداع ، وطواف التطوع يشترط فيهما النية بالإجماع . أما طواف الإفاضة (الركن) وطواف العمرة ، فإن الأحناف ومالكا والشافعي يقولون : إن النية ليست شرطا فيهما ، لأن نية النسك ، (أي : الحج أو العمرة) تسري على هذا الطواف مثل الوقوف بعرفة .

(4) تكملة الأشواط سبعة
يشترط أن يكون الطواف سبعة أشواط ، يبدأ كل شوط من الحجر الأسود وينتهي إليه ، ولو ترك الطائف خطوة من السبع لم يحسب طوافه ، وإن انصرف عن مكة لا يجبر بدم ولا بغيره . وهذا عند مالك والشافعي وأحمد وابن حزم والجمهور . وقال الأحناف : ركن الطواف أربعة أشواط فقط والثلاثة الباقية واجبة تجبر بدم .

(5) الطواف داخل المسجد
يشترط أن يكون الطواف داخل المسجد الحرام ، فلا يجوز خارجه بالإجماع ، ويشترط أن يكون الطواف وراء حجر إسماعيل ، لقول ابن عباس : من طاف بالبيت فليطف وراء الحجر ، ولا تقولوا الحطيم رواه البخاري . ولهذا قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور : يشترط لصحة الطواف كونه خارج الحجر والشاذروان ، فإن طاف ماشيا عليه ، ولو في خطوة لم تصح طوفته ؛ لأنه طاف في البيت ، والمطلوب أن يطوف بالبيت لا فيه . وقال الأحناف : الطواف وراء الحجر واجب يجبر تركه بدم .

(6) البدء من الحجر الأسود وجعل البيت إلى يسار الطائف
مهما يكن الطواف فإنه يشترط لصحته أن يبدأ الطائف من الحجر الأسود بكل جسمه ، وأن يسير بعد ذلك جاعلا البيت عن يساره حتى ينتهي من الأشواط ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وكان يقول : خذوا عني مناسككم.. والأحناف يعتبرون هذين من الواجبات التي إن تركها وجب عليه الإعادة إن كان بمكة وإلا فعليه دم والطواف صحيح .

(7) الموالاة بين أجزاء الطواف
عند الإمامين ، مالك وأحمد تشترط الموالاة بين الأشواط بمعنى عدم الفصل بين الشوط والشوط ، وبين بعض الشوط والبعض الآخر بزمن طويل عرفا لغير عذر ، فإن حصل فصل يسير ، فلا شيء فيه ، وكذلك إن كان الفصل كثيرا لعذر .

وقال الحنفيون وهو الصحيح عند الشافعي : الموالاة بين أجزاء الطواف سنة ، فلو فرق تفريقا كثيرا بين أجزاء الطواف لغير عذر لا يبطل طوافه ، وابن حزم يقول مثل قول مالك وأحمد ببطلان الطواف بالنسبة لمن قطعه عابثا ؛ لأنه لم يطف كما أمر .

وعلى هذا : فلو أقيمت الصلاة وهو في الطواف النفل استحب له قطع الطواف للصلاة ، وإن كان الطواف فرضا كره قطعه ، وإن عرضت له حاجة ضرورية قطع الطواف وقضاها ثم بنى على ما سبق ، وإن أحدث أثناء الطواف ولو عمدا فإن طوافه لا يبطل ، ويبني بعد الوضوء على ما مضى على الصحيح عند الأحناف والشافعية وابن حزم ، وقال آخرون : يستأنف الطواف من أوله ، ولا دليل لهم .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:28
سنن الطواف
للطواف مطلوبات غير ما تقدم هي سنن له وبعض الفقهاء يرى بعضها واجبا ، وإليك بيانها :

(1) المشي عند الطواف للقادر عليه
قال المالكية والأحناف : إن المشي عند الطواف واجب على القادر عليه ، وجائز لغير القادر أن يركب ، أو يحمل ، وهو رواية لأحمد ، فإن ركب أو حمل لغير عذر صح طوافه وعليه دم عند مالك . وقال أبو حنيفة : عليه الإعادة ما دام بمكة ، فإن سافر فعليه دم .

وقال أحمد في رواية ثانية : من طاف ماشيا لغير عذر بطل طوافه ، فالمشي عنده شرط .

وقال الشافعي وابن المنذر ، وهي رواية عن أحمد ثالثة : إن طواف الماشي أفضل فقط وطواف الراكب جائز لا شيء فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ، ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا ، ولم يقيده بالمشي .

والذي يظهر أن رأي الأحناف والمالكية أقوى والله أعلم... ولا رمل على من طاف راكبا أو محمولا .

و الركوب في السعي جائز عند الجميع ولو كان لغير عذر .

وواضح أن الركوب في الطواف الآن غير ممكن لمنع دخول الدواب إلى المسجد الذي صار محيطا بالبيت ، أما الحمل فهو الموجود الآن .

(2) الاضطباع للرجال عند الطواف لا قبله
وكيفيته أن يجعل الطائف وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ، وطرفيه على كتفه الأيسر ، وهو سنة عند الأحناف والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا وعليه برد أخضر أخرجه الترمذي وصححه كما أخرجه غيره، فهو عندهم سنة لطواف العمرة ، ولطواف واحد من أطوفة الحج ، ولا يسن في صلاة الطواف . كما أنه غير معقول شرعيته للمرأة.. وقال مالك : لا يسن الاضطباع ، وليس مشروعا .

(3) الرمل للرجال
الرمل بفتح الراء والميم هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطو وتحريك المنكبين : وهو سنة في الأشواط الثلاثة الأول بالإجماع ، ويكون الرمل من الحجر الأسود إلى أن يعود إليه على الصحيح ، وقال قوم : يمشي بين الركنين ، لكن الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع من الحجر إلى الحجر في الأشواط الثلاثة الأول .

والرمل لا يسن إلا في طواف العمرة ، وفي طواف يعقبه سعي في الحج ، وهو طواف القدوم أو الزيارة ، ولو تركه في الثلاثة الأول لا يقضيه في الباقي ولا شيء عليه .

(4) بدء الطواف باستقبال الحجر الأسود واستلامه وتقبيله وغير ذلك
يستحب أن يستقبل الحجر الأسود بوجهه ، ويقرب منه فيستلمه ثم يقبله من غير صوت يظهر في القبلة ، ويسجد عليه ويكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثا ، ويبكي إن وجد بكاء ، ويهلل ويكبر، ويدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة رافعا يديه كالصلاة عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد . فإن لم يستطع استلامه اتجه إليه بصدره وأشار إليه بيده ، أو بعصا في يده ولا يزاحم حتى يتضرر الناس من زحامه ، ولا يدخل بين النساء ويدافعهن ، أو يلاصقهن ، فإن ذلك يوقعه في إثم وذنب ، بينما هو يريد سنة . وليعلم أن السنة عند ذلك هي الإشارة عن بعد وليس التزاحم ، وإن استطاع مس الحجر بشيء كعصا ثم قبله كان حسنا ، كما يستحب تقبيل ما يشير به .

(هذا) ويلاحظ عند بدء الطواف أن يكون كل الحجر محاذيا لجسمه بحيث لا يكون شيء من الحجر جهة شمال المستقبل فيكون المستقبل قد ترك جزءا لم يطف به ، فيبطل الطواف ببطلان الطوفة الأولى ، فليحذر الطائف ذلك الخطأ .

وإليك الأدلة على ما ذكر :

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه ، ثم وضع شفتيه يبكي طويلا ، فالتفت فإذا عمر يبكي فقال : يا عمر هاهنا تسكب العبرات أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، وأقره الذهبي .

وعن عابس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه ، أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك أخرجه السبعة وقال الترمذي فيه : حسن صحيح . وقال نافع : رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله أخرجه مسلم .

وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف.. إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله فهلل وكبر أخرجه الشافعي وأحمد وفيه راو لم يسم .

و تقبيل الحجر الأسود واستلامه ووضع الخد عليه خاص بالرجال دون النساء ، إلا عند الخلو من الرجال . وقد استدل الأحناف والشافعية والحنابلة والجمهور على وضع الخد والجبهة على الحجر بما قاله سويد بن غفلة : رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي والدعاء الوارد عند استلام الحجر أو الإشارة إليه في كل طوفة هو : باسم الله والله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم قال الشافعي رحمه الله : ويقول : الله أكبر ولا إله إلا الله قال : وإن ذكر الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فحسن .

(5) استلام الركن اليماني
يسن استلام الركن اليماني ، وهو الركن الغربي الجنوبي الذي قبل ركن الحجر الأسود ، وهو مع ركن الحجر الأسود الذي في الجنوب الشرقي يقال لهما : الركنان اليمانيان .

عن ابن عمر رضي الله عنه قال : ما تركت استلام هذين الركنين : اليماني والحجر الأسود منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا في رخاء أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي .

وقال ابن عمر : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين أخرجه الطحاوي والسبعة إلا الترمذي .

والسبب في اقتصاره صلى الله عليه وسلم على استلام هذين الركنين هو أن ركن الحجر الأسود فيه فضيلتان... كونه على قواعد إبراهيم ووجود الحجر فيه ، ولذا يستلم ويقبل ، والركن اليماني فيه فضيلة واحدة : هي أنه على قواعد إبراهيم ولذا يستلم فقط ، وأما الركنان الآخران فليس فيهما شيء من ذلك ، ولذا لا يستلمان ولا يقبلان .

(6) الذكر والدعاء أثناء الطواف
يسن الدعاء بالوارد والذكر أثناء الطواف بالبيت ، وإليك طائفة مما يقال أثناء الطواف من الأدعية والأذكار الواردة .

رب قنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيه ، واخلف علي كل غائبة لي بخير .

اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، وسعيا مشكورا .

اللهم اغفر وارحم ، واعف عما تعلم ، وأنت الأعز الأكرم .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف عند الأحناف والشافعي والمشهور عن أحمد ، وعن مالك وأحمد أنه تكره قراءة القرآن في الطواف .

ويستحب ألا ينطق أثناء الطواف إلا بخير؛ لحديث : الطواف بالبيت صلاة ، ولكن الله أحل فيه المنطق ، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي .

(7) القرب من الكعبة أثناء الطواف للرجال
يسن الدنو والقرب من الكعبة أثناء الطواف بشرط عدم المزاحمة كما سبق وهذا بالنسبة للرجال ، أما النساء فالأفضل لهن الطواف في أطراف المطاف حتى لا يزدحمن بالرجال ، ولا يلتصقن بهم فيقعن في الحرام ، ولذا كان الأفضل لهن تحري الأوقات الخالية من الرجال أو التي يكون الرجال فيها قليلين فقد كان نساء النبي يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال أخرجه البخاري (هذا) ومحافظة الرجال على الرمل ولو مع البعد أفضل من تركه مع القرب من الكعبة .

ويسن أن يكون الطائف خاشعا متواضعا ذليلا لربه حاضر القلب معه ، ذاكرا ذنبه ، ضارعا إلى ربه أن يغفر له ، وأن يرحم ضعفه وذله وحاجته .

(8) صلاة ركعتين عند المقام
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعا ، وأتى المقام فقرأ :

واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى خلف المقام ، ثم أتى الحجر فاستلمه أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه النسائي وفيه ، فصلى ركعتين ، والمقام بينه وبين البيت .

وهذه الصلاة تصح في أي مكان عند الجمهور ، وهي واجبة عند الأحناف ، وهو قول لمالك والشافعي ، ومن تركهما ليس عليه دم على الصحيح . وهما سنة عند الآخرين كأحمد والأصح عند الشافعية ، ومالك يقول : هما تابعتان للطواف ، فإن كان واجبا فهما واجبتان ، وإن كان سنة فهما سنة .

ويسن أن يقرأ المصلي في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد كما جاء في حديث رواه النسائي.

ولا يقوم مقام صلاة الطواف غيرها من الصلوات كركعتي الفجر مثلا عند الأحناف ومالك وقول للشافعي .

ومشهور مذهب أحمد أن المكتوبة تكفي عنهما ، وهو الصحيح عند الشافعية .

وتؤدى هذه الصلاة في أي وقت عند الشافعي وأحمد وبعض الأحناف لحديث : يا بني عبد مناف ، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار أخرجه الشافعي وأحمد والثلاثة وصححه الترمذي .

وقال أبو حنيفة ومالك : لا تصلى في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها واستدلا بأثرين عن عمر وعائشة .

وهذه الصلاة تدخل فيها النيابة ، فمن حج عن غيره صلاها وتقع عن المحجوج عنه على الأصح ، ومن طاف بالصبي ثم صلى الركعتين ، وقعتا عن الصبي على الأصح .

(9) الدعاء خلف المقام عقب الصلاة
يستحب الدعاء خلف المقام عقب صلاة الطواف بما أحب من أمر الدنيا والآخرة ، والدعاء بما جاء في الكتاب والسنة أفضل في كل حال .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:30
مكروهات الطواف
يكره في الطواف ترك سنة من السنن ، ويكره المبالغة في الإسراع في الرمل ، ويكره الأكل والشرب ، وكراهة الشرب أخف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء أثناء الطواف ، ويكره للطائف أن يضع يده على فمه ، وأن يشبك أصابعه أو يفرقع بها ، وأن يطوف وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح ، أو وهو شديد التوقان إلى الأكل ، شأنه في ذلك شأن الصلاة ، ويكره الكلام بغير ذكر الله ، ويكره إنشاد الشعر إلا ما قل ، وبيع وشراء ، وأن يطوف شخص عن غيره قبل أن يطوف عن نفسه . ا هـ والله أعلم .

أنواع الطواف
الطواف أربعة أنواع هما طواف الإفاضة ، وطواف القدوم ، وطواف الوداع ، وطواف التطوع ، وإليك تفصيلا عن كل واحد منها .

(1) طواف الإفاضة حكمه ووقته
طواف الإفاضة هو طواف الركن ، ويسمى : طواف الزيارة أيضا يعني : زيارة مكة وهو مجمع على ركنيته لقوله تعالى : وليطوفوا بالبيت العتيق

غير أن الأحناف يرون أن الركن أربعة أشواط كما سبق ذكره .

ويدخل وقته بطلوع فجر يوم النحر عند الأحناف والمالكية ، وقال الشافعي وأحمد : يدخل وقته بمضي نصف ليلة النحر ، ولا آخر لوقته ، فإن وقته العمر كله ، ولكن يجب فعله في يوم من أيام النحر عند الأحناف ، أو في يوم من أيام ذي الحجة عند المالكية ، فإن أخره كره وعليه دم وفعله يوم النحر أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : أفاض (طاف) يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي ، فيسن الطواف في هذا اليوم .

(2) طواف القدوم
ويسمى : طواف التحية ، وهو سنة عند غير المالكية كما سبق ، وهو تحية الكعبة خاص بها ولو كان الداخل غير محرم إلا أن خاف فوات المكتوبة أو الجماعة ، أو سنة راتبة أو الوتر فيصلي ما ذكر ثم يطوف .

وقال مالك وبعض الشافعية : طواف القدوم واجب على كل من قدم مكة محرما بالحج من الحل ، ولو كان مقيما بمكة ثم خرج إليه .

وأما من أحرم بالحج من الحرم فليس عليه طواف قدوم ، ومن أحرم بالعمرة كذلك..، لأن طوافه يكون ركن العمرة ، ولا يجب طواف القدوم على الناسي ، ولا على الحائض أو النفساء أو المغمى عليه أو المجنون ، وكذلك على من ضاق وقته على أعمال الحج بحيث لو اشتغل بطواف القدوم لفاته الحج .

(3) طواف الوداع ووقته
ويسمى : طواف الصدر بفتح الصاد والدال ، وطواف آخر العهد بالبيت ، وهو الطواف عند إرادة السفر من مكة .

وحكمه الوجوب على غير الحائض والمكي - وهو المقيم داخل المواقيت - وذلك عند الأحناف والشافعية والحنابلة ، لحديث ابن عباس : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض أخرجه الشيخان .

وقال مالك : طواف الوداع سنة ، وهو قول للشافعي ، وليس على المعتمر طواف وداع كما أنه ليس عليه طواف قدوم . وطواف الوداع وقته المستحب عند إرادة السفر ، بمعنى أنما يسافر بعد الطواف مباشرة ، وهذا مجمع عليه .

ويجوز عند الأحناف أن يطوف للوداع بعد طواف الزيارة ، وبقاؤه بمكة بعد ذلك لا يضر ما دام لم ينو الإقامة .

وقال الآخرون : شرط الاعتداد بطواف الوداع ألا يقيم بعده لشغل غير أسباب الخروج ، فإن مكث لشغل غير أسباب الخروج مثل زيارة صديق وعيادة مريض وقضاء دين فعليه إعادة الطواف ، وإن مكث بسبب إعداد للخروج مثل شراء الزاد ، وشد الرحل ، ووضع الأمتعة في السيارة ، وتعبئتها بالبنزين فلا شيء عليه .

ومن خرج ولم يطف فعليه أن يرجع إن كان بينه وبين مكة أقل من مسافة قصر ، فإن كان أكثر لا يرجع ، وعليه أن يرسل دما ليذبح في مكة ، وكذلك إن منعه عذر عن الرجوع كأن خاف فوت القافلة ، أو التضرر من ظلام الليل ، وهذا عند من يرى وجوب طواف الوداع .

والأصح أن طواف الوداع ليس من مناسك الحج ، بل يؤمر به من أراد مفارقة مكة تعظيما للحرم . والله أعلم

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:32
ما يطلب بعد الانتهاء من الطواف
بعد الانتهاء من الطواف وصلاة سنته عند المقام يستحب للطائف ما يأتي :

(1) الشرب من ماء زمزم
فيستحب أن يأتي الطائف بئر زمزم ويشرب من مائها ، ويستحب أن يكثر منه ، وأن ينوي بشربه ما يريد من أمور الدنيا والآخرة ، وأن يكون متوجها إلى الكعبة أثناء الشرب ، وأن يسمي الله تعالى قبل الشرب ، ويشرب ثلاثا مرات ، ويحمد الله تعالى بعد شربه ، ويدعو الله تعالى بما ينشرح له صدره ويفتح الله به عليه ، وقد دعا ابن عباس فقال : اللهم أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء وقد ورد حديث فيه مقال وهو ماء زمزم لما شرب له ولا بأس بنقل ماء زمزم إلى أي بلد .

(هذا) وبئر زمزم شرقي الحجر الأسود في المسجد الحرام ، بينها وبين الكعبة 28،5 مترا ينزل إليها طالب مائها على درج (سلم) فيجد الماء عن طريق الأنابيب المنتهية بصنابير (حنفيات) لتسهيل الأخذ منها ، والاطمئنان على نظافة مائها .

(2) الوقوف بالملتزم
ويستحب المناسك بعد طواف الوداع أن يأتي الملتزم فيضع صدره وبطنه وخده الأيمن على حائط البيت ، ويبسط يديه على الجدار جاعلا يده اليمنى جهة الباب ويده اليسرى جهة الحجر متعلقا بأستار الكعبة ، ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة متحسرا على فراق البيت ووداعه . جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ضعيف أنه التزم الملتزم على الصورة السابقة .

و (الملتزم) هو جزء البناء الواقع بين الحجر الأسود وباب الكعبة ، ويحرص الناس على التزامه أثناء الطواف ، وهذا خطأ ، والخطأ الأشد هو التزاحم الشديد المؤدي إلى الإضرار بالغير والموقع في الآثام من أجل التزام الملتزم .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:33
السعي بين الصفا والمروة
(الصفا) في الأصل جمع صفاة ، وهي الحجر العريض الأملس ، والمراد به هنا مكان عال في أصل جبل أبي قبيس جنوب المسجد قريب من باب الصفا ، وهو شبيه بالمصلى طوله ستة أمتار، وعرضه ثلاثة ، وارتفاعه نحو مترين كذلك كان .

و (المروة) في الأصل واحد المرو ، وهي حجارة بيض ، والمراد هنا مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان في الشمال الشرقي للمسجد الحرام قرب باب السلام وهو شبيه بالمصلى ، وطوله أربعة أمتار، في عرض مترين ، وارتفاع مترين ، والطريق الذي بين الصفا والمروة هو (المسعى) مكان السعي ، والمسعى الآن داخل في المسجد الحرام نتيجة التوسعة السعودية سنة 1375 هـ .

والسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج عند غير أبي حنيفة والصحيح عند أحمد . وعدد مرات السعي المطلوبة سبع ، على أساس أن الذهاب من الصفا إلى المروة يعتبر مرة ، والعودة من المروة إلى الصفا يعتبر مرة ، وهكذا حتى تتم سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتنتهي بالمروة . ومن لم يسع سعي الركن بطل حجه إن كان حاجا ، وعمرته إن كان معتمرا عند القائلين بأن السعي ركن ، وأما القائلون بوجوبه كأبي حنيفة والصحيح عند أحمد ، فإن تركه يجبر بدم وقد جاء حديثان يقول النبي صلى الله عليه وسلم في أحدهما : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي أخرجه الشافعي وأحمد والدارقطني

ويقول في الثاني : كتب عليكم السعي فاسعوا أخرجه أحمد والحديثان ضعيفان ولكن ثبت بالأدلة الصحيحة سعي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم.. فالسعي وارد في الكتاب والسنة ، وعليه إجماع الأمة ، والخلاف في حكمه وليس في ثبوته .

قال الترمذي : اختلف أهل العلم فيمن لم يطف بين الصفا والمروة حتى رجع فقال البعض : إن لم يطف بينهما حتى خرج من مكة ، فإن ذكر وهو قريب منها رجع فطاف بينهما ، وإن لم يذكر حتى أتى بلاده أجزأه وعليه دم . وقال بعضهم : لا يجزئه لأن السعي بينهما ركن لا يجوز الحج إلا به .

شروط السعي بين الصفا والمروة
لكي يكون السعي صحيحا لا بد من توفر الشروط الآتية فيه :

(1) كونه بعد الطواف
فيشترط أن يأتي السعي بعد الطواف بالبيت ، ولو كان الطواف تطوعا ، فإذا لم يتقدمه طواف فإن هذا السعي لا يعتبر ولا يحسب في مناسك الحج ، ولا يكفي عن السعي الذي هو ركن أو واجب ، لأن السعي ليس عبادة مستقلة مثل الطواف إنما هو عبادة تابعة للطواف ، ولذا لا يستحب السعي وحده ولا يطلب ، إنما الذي يستحب الإكثار منه هو الطواف .

(2) البدء بالصفا والختم بالمروة
البدء عند السعي بالصفا والختم بالمروة شرط لصحة السعي عند الثلاثة وبعض الأحناف والمختار عند الأحناف أن ذلك واجب يجبر بدم .

قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروة فإن بدأ بالعكس لم يجز .

(3) السعي في المسعى جميعه
والمراد من ذلك ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي فيه ، فإن ترك جزءا ولو صغيرا بطل سعيه ، حتى لو كان راكبا اشترط أن تضع الدابة حافرها على الجبل ، ويجب على الماشي أن يلصق رجله بالجبل بحيث لا يبقي بينهما فرجة عند الشافعي . وقال غيره : لا يطلب إلصاق الرجل بجبل الصفا أو جبل المروة ، إنما المطلوب هو ما يعتبر إتماما عرفا .

(4) الموالاة في السعي
تشترط الموالاة في السعي بين الصفا والمروة ، من غير فصل كثير بين الشوط والذي بعده ، وذلك عند مالك ورواية عن أحمد فإن جلس خفيفا بين أشواطه للراحة فلا شيء فيه ولا بأس ، وإن طال الجلوس والفصل ، أو فعل ذلك عبثا ، فإن عليه أن يبتدئ السعي من الأول ، ولا يقطع السعي لإقامة صلاة بالمسجد إلا إن ضاق وقتها فيصليها ويبني ، ويجوز قطع السعي بسبب احتقان بالبول وغيره ، وقال الأحناف والشافعي والجمهور : الموالاة بين الأشواط في السعي سنة ، وهو ظاهر مذهب أحمد ، فلو وجد فصل بين الأشواط لا يضر ، قليلا كان أو كثيرا .

(هذا) ومعلوم أن السعي يكون في المسعى المخصص لذلك وإلا لم يجز ولم يصح .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:35
سنن السعي
للسعي سنن كثيرة نجملها في الآتي :

(1) تقديم السعي على الوقوف بعرفة
يسن عند الأحناف تقديم السعي على الوقوف بعرفات بالنسبة لمن طلب منه طواف القدوم ، وقالت الشافعية : إن ذلك جائز وليس سنة ولا واجبا . وقال مالك وأحمد : إن هذا التقديم واجبا ، كما أن عندهما أن تأخير السعي حتى يكون بعد طواف الإفاضة بالنسبة لمن ليس عليه طواف قدوم حكمه الوجوب . أما الأحناف فيقولون : إن ذلك أيضا سنة ، والشافعية يقولون : إنه جائز فقط .

(2) الموالاة بين السعي والطواف
وتسن الموالاة والاتصال بين السعي والطواف ، بحيث يكون السعي بعد الانتهاء من أعمال الطواف وما بعدها ، كالصلاة خلف المقام والشرب من ماء زمزم ، وهذا عند الأحناف ومالك وأحمد ، فإن فصل فلا شيء في ذلك ولو طال ذلك الفصل أياما، وقالت الشافعية: يجب عدم الفصل بالوقوف بعرفة فإن حصل فصل بالوقوف بعرفة لم يجز السعي بعده قبل طواف الإفاضة ، بل عليه أن يؤجل السعي حتى يطوف طواف الإفاضة فيسعى بعده .

(3) الصعود على الصفا والمروة والذكر والدعاء عليهما
ويسن الصعود على الصفا والمروة كلما وصل إلى أحدهما ، وأن يذكر الله تعالى ويدعو وهو عليهما بما أحب ، والدعاء بالوارد أفضل ، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، وصدق عبده ، وغلب الأحزاب وحده ويصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ، ويصنع على المروة مثل ذلك . أخرجه الإمامان والنسائي والبيهقي . ويسن إذا صعد على الصفا أن يستقبل الكعبة عند الذكر الوارد ، وثبت أن ابن عمر كان يقول وهو على الصفا : اللهم إنك قلت : ادعوني أستجب لكم ، وإنك لا تخلف الميعاد . وإني أسألك كما هديتني للإسلام ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم

والمرأة في كل ذلك مثل الرجل غير أنها تختار وقتا لا زحام فيه إن أمكن ذلك .

(4) المشي وعدم الركوب إلا لعذر
قال الشافعي وأحمد : المشي في السعي سنة ، وقال الأحناف ومالك : هو واجب إلا لعذر كعدم القدرة على المشي ، أو لتعليم الناس ، كما فعل صلى الله عليه وسلم ، والذي يظهر أن المشي سنة وليس واجبا .

ويمشي الساعي متمهلا حتى يصل إلى ما بين الميلين الأخضرين فيسن له الرمل إلا لعذر ، ولا رمل على النساء.. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرع بين الميلين ، وكان يسمى ما بينهما : بطن الوادي .

(5) أن يخرج من باب الصفا
يسن لمن يريد السعي أن يخرج إليه من باب الصفا . ويقول ذكر الخروج من المسجد .

(6) الذكر والدعاء أثناء السعي
يسن الذكر والدعاء بما أحب أثناء السعي . ومن المأثور في ذلك أن يقول : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

(7) الطهارة وستر العورة .
يسن أن يسعى وهو متوضئ طاهر من النجاسة كما يسن أن يستر عورته ، فلو سعى بحيث لا يراه أحد ، وكان كاشفا عورته صح السعي مع الكراهة ، كذلك يصح السعي لو كان غير متوضئ ، أو كان جنبا مع الكراهة ، ويحرم عليه إن سعى عاريا يراه الناس مع صحة السعي ، والحرمة جاءت من أن كشف العورة أمام الناس حرام اتفاقا .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:37
مكروهات السعي
يكره في السعي ترك سنة من السنن السابقة ، وأشد كراهة ترك ما اختلف في أنه واجب أو سنة ، وتكره صلاة ركعتين على المروة بعد الانتهاء من السعي ، لأنها بدعة .

ويكره تكرار السعي ، لأنه لا يشرع في الحج إلا سعي واحد لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف هو ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما والمراد بالطواف هنا السعي لأن السعي يسمى طوافا أيضا .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:40
الوقوف بعرفة
عرفة واد بين المزدلفة والطائف ، يمتد من علمي عرفة إلى جبل عرفة الذي يحيط بالوادي من الشرق على هيئة قوس ، وفي طرفه من الجنوب الطريق إلى الطائف ، وفي طرفه من الشمال لسان يبرز إلى الغرب يسمى : جبل الرحمة ، في طرفه الغربي صخرة عالية هي موقف الخطيب ، وفي أسفله مصلى يسمى : مسجد الصخرات ، والمسافة من علمي عرفة إلى سفح جبل الرحمة تبلغ نحو ألف وخمسمائة متر (1500متر) .

والوقوف بعرفة يتحقق بالوجود في أي جزء من أجزاء عرفة بشرط أن يكون محرما ، سواء وجد واقفا أو راكبا ، أو مضطجعا ؛ عالما أنها عرفة أو جاهلا ذلك ما دام الوقوف في وقته .

وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد - حين سألوه : كيف الحج ؟ - : الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه أخرجه أحمد وهذا لفظه ، والأربعة والبيهقي والحاكم وصححه الترمذي وقال : والعمل عليه عند أهل العلم أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر (يوم النحر) فقد فاته الحج ولا يجزئ عنه أنه جاء بعد طلوع الفجر ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل .

(هذا) وعرفة كلها موطن للوقوف إلا بطن عرنة ، فالوقوف بها لا يجزئ بالإجماع .

والأفضل الوقوف عند الصخرات ، موقف النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بالقرب منها . وأما ما اشتهر من اهتمام الناس بالوقوف على جبل الرحمة ، وترجيحه على غيره فخطأ مخالف للسنة .

ويسن لمن يريد الوقوف بعرفة أن يغتسل ، وأن يقف عند الصخرات راكبا - إن أمكن - مستقبلا القبلة مهللا مكبرا ملبيا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم مجتهدا في الدعاء .

كما يستحب الإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء يوم عرفة ، فإنه يوم إجابة الدعاء ، وإفاضة الخير من الجواد الكريم الرحمن الرحيم ، وليتحر الأدعية المأثورة والواردة في الكتاب والسنة .

فضل يوم عرفة
ورد في فضل عرفة أحاديث منها :

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، فيقول لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال : صحيح على شرطهما .

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو يتجلى ، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء؟ رواه مسلم والنسائي ، وابن ماجة وزاد رزين في جامعه فيه : اشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم

وعن عبد العزيز بن قيس العبدي قال : سمعت ابن عباس يقول : كان فلان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن أخي ، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له رواه أحمد بإسناد صحيح والطبراني .

وقت الوقوف بعرفة
وقت الوقوف بعرفة هو من زوال الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر عند الأحناف ومالك والشافعي والجمهور ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال ، وكذا الخلفاء الراشدون ، وقال أحمد : وقت الوقوف بعرفة ما بين طلوع فجر يوم عرفة وفجر يوم النحر ، ويكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا ، لحديث : من صلى معنا صلاة الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض ، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا . فقد تم حجه من حديث أخرجه أحمد والأربعة والبيهقي وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . والظاهر أن الراجح هو القول الأول كما أنه هو الأحوط .

ومن وقف بعرفة في أي وقت من بعد ظهر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر فقد أجزأه ذلك عن ركن الوقوف بعرفة . غير أنه إن وقف نهارا وجب عليه أن يبقى حتى تغرب الشمس ليجمع بين النهار والليل كما فعل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أفاض قبل الغروب وجب عليه دم.. وذلك عند الأحناف ومالك وأحمد . وأما الشافعية ومعهم ابن حزم فإنهم يرون أن الجمع بين الليل والنهار سنة ، وليس واجبا وهناك قول لمالك بأن من ترك عرفة قبل الغروب بطل حجه . قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك..

ومن لم يدرك جزءا من النهار ولا جاء عرفة حتى غابت الشمس فوقف ليلا فلا شيء عليه وحجه تام ، لا نعلم مخالفا ؛ فالجمع بين النهار والليل مطلوب ممن وقف نهارا فقط .

مسائل تتصل بالوقوف بعرفة
(1) أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر كالجنب والحائض والنفساء .
(2) من مر بعرفة وهو غافل أجزأه ذلك عن الوقوف الركن ، ولو كان عند مروره نائما أو غافلا ، أو لا يعلم أنه عرفة ، أو لاهيا أو عابثا... بذلك قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وقال أبو ثور : لا يجزئه لأنه لا يكون واقفا إلا بالإرادة .
(3) من وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ، أو سكران ، ولم يفق حتى خرج من عرفات فإنه لا يحسب له وقوف بعرفة وبطل حجه ، وهو قول الحسن والشافعي وأبي ثور وإسحاق وابن المنذر .
وقال عطاء ومالك وأصحاب الرأي : يجزئه ، وتوقف في ذلك الإمام أحمد ، والظاهر أن الراجح عدم الإجزاء .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:42
وصف الأعمال المطلوبة من بدء التحرك من مكة إلى الوقوف بعرفات
بعد وصول الحاج إلى مكة وقيامه بالطواف والسعي والحلق أو التقصير ، لإنهاء أعمال العمرة إن كان متمتعا ، فإنه بعد الحلق يلبس ملابسه العادية ويحل له كل ما حرم عليه بسبب الإحرام ويظل بعد ذلك حلالا يطوف بالبيت وينال فضيلة الصلاة بالمسجد الحرام ، حيث تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه ، وله أن يحرم بعمرة من وقت لآخر إن أراد الإكثار من الخير ، ويكون إحرامه للعمرة من الحل كما سبق ، ويظل على إحلاله حتى يأتي يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة فيحرم يومئذ بالحج من مكة ، وإن كان مفردا ، أو قارنا فإنه على إحرامه الأول ، لأنه لم يتحلل بعد طواف القدوم ، ثم يخرج الحجاج إلى منى بعد صلاة الصبح من اليوم الثامن بحيث يصلون بمنى خمسة أوقات هي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ثم يبيتون بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة ، ويصلون الصبح بها.

وكل ما ذكر سنة وليس واجبا فإذا طلعت الشمس يوم عرفة ساروا من منى متجهين إلى عرفات وأكثروا من التلبية والدعاء ، ويسن أن يذهبوا من طريق ويرجعوا من آخر إن أمكن ذلك ، فإذا وصلو نمرة مكثوا بها حتى تزول الشمس ، ويغتسلون بها للوقوف بعرفة إن أمكن ، فإذا زالت الشمس ذهب الإمام والناس إلى مسجد إبراهيم عليه الصلاة والسلام (مسجد نمرة) فيخطب الإمام خطبتين قبل صلاة الظهر يبين للناس فيهما ما يطلب منهم عند الوقوف بعرفة والنزول منه وغير ذلك ، ويفصل بين الخطبتين بجلوس قدر قراءة سورة الإخلاص ، ثم يصلي بالناس الظهر والعصر مجموعتين جمع تقديم يقصر فيهما ولو لم يكن في حالة سفر ، لأن الجمع والقصر من أجل اليوم وما فيه من عمل لا من أجل السفر كما يأتي وتكون الصلاتان بأذان واحد وإقامتين ، فإذا فرغوا من الصلاة اتجهوا إلى عرفات ضارعين إلى الله ملبين .

في الحج خطب أربع :

يسن أن يكون للحجاج جميعهم إمام منهم يبين لهم المطلوب ويقوم أمامهم بأداء المناسك على الوجه الأكمل ، ويخطب فيهم الخطب التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، يعرفهم فيها المناسك وأحكامها ، ويبين لهم الأركان والواجبات والسنن ، والمبطلات والمكروهات ، فإن استعصى قيام الإمام بالمطلوب لجميع الحجاج بسبب كثرتهم التي ترتب عليها تفرقهم في أماكن عديدة وفي رقعة واسعة من أراضي المناسك فلا بد من أن يكون لكل مجموعة من الحجاج إمام عالم يقوم بالدور السابق ويعتبر نائبا عن الإمام الأصلي ، ويمكن الاكتفاء بإمام واحد لو ركبت مكبرات للصوت توصل إرشادات الإمام وخطبه إلى جميع الأماكن التي يوجد فيها حجاج .

وإمام الحج مطلوب منه أربع خطب للتبيين والتوضيح والإرشاد :

(الأولى) :
يوم السابع من ذي الحجة وتكون بمكة ؛ ليوضح للناس كيفية الإحرام للحج بالنسبة للمتمتع وبالنسبة لأهل مكة ، وكيفية العمل المطلوب من جميع الحجاج حتى الوقوف بعرفة .
(الثانية) :
تكون بأرض عرفات ليبين لهم المطلوب في هذا اليوم ويكبر ويهلل ويدعو والناس يتبعونه حتى يتعلم الجاهل ، ويطمئن إلى صحة ما يعمل ، ثم عليه أن يجيب على أسئلة الناس - وما أكثرها في هذه المواقف - وعلمه أن يبين كيف ينصرفون من عرفات ، وكيف يبيتون بالمزدلفة ، ويقفون بالمشعر الحرام إلخ...
(الثالثة) :
يوم النحر بمنى ليوضح لهم المطلوب منهم في هذا اليوم وما بعده .
(الرابعة) :
يوم النفر الأول ؛ وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ، ليبين لمن تعجل ماذا يفعل ، ولمن تأخر كيف يتصرف هكذا .


وذلك يبين مدى الخطأ الفادح الذي تقع فيه الحكومات حين لا تهتم بإيفاد البعثات العلمية الدينية مع الحجاج ليبينوا لهم كيف يؤدون هذه الفريضة الغريبة عليهم في جميع جوانبها إلا من تكرر حجه ، ومع ذلك فهو ليس بعالم بأنواع الأحكام ولا بأنواع الجزاءات التي شرعت تكفيرا للأخطاء التي تقع أثناء الحج.. ولو أحسنت الحكومات الإسلامية ، ودفعتها الغيرة الدينية إلى عمل يفيد المسلمين ويثقفهم في دينهم لاختارت كبار العلماء ليقوموا بدور التعريف بالإسلام وتشريعاته السامية ، حتى يعودوا تائبين حقا عاملين على التغيير في أنفسهم وفي أمتهم مطالبين بالإسلام ليكون هو أساس العمل في جميع جوانب الحياة .

أيام لها أسماء :

في الحج أيام لها أسماء تناسب ما يعمل فيها وهي :

يوم التروية : وهو اليوم الثامن من ذي الحجة .

يوم عرفة : وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وقيل : هو يوم الحج الأكبر .

يوم النحر : العاشر من ذي الحجة وقيل : هو يوم الحج الأكبر .

يوم القر : وهو اليوم الحادي عشر لأنهم يقرون بمنى .

يوم النفر الأول : وهو اليوم الثاني عشر لأن البعض ينصرف من منى يومئذ .

يوم النفر الثاني : وهو اليوم الثالث عشر لأن الباقي ينصرف في هذا اليوم .

الحلق حكمه مقدار ما يحلق - كيفيته - ثمرته
الحلق هو الركن الرابع من أركان الحج على الصحيح عند الشافعية ، وقال غيرهم : هو واجب يجبر تركه بدم (ذبح شاة) ومنهم من قال : هو مباح بعد مناسك معينة ، والمراد بالحلق إزالة شعر الرأس بأي آلة من آلات الحلق ، أو بأي شيء آخر كإزالته بنوع من المساحيق ، أو بالنتف أو بالإحراق ، والأفضل كونه بالموسى إن أمكن ، وإن كان أقرع لا شعر له وجب عليه عند الأحناف إمرار الموسى على رأسه ، وقال غيرهم : إمرار الموسى على رأسه سنة إن أمكن .

والمراد بالتقصير أخذ جزء من الشعر قل ذلك الجزء ، أو كثر ، غير أنه يستحب ألا يقل ما يأخذه عن أنملة ، وأن يأخذ من جميع الشعر .

والرجل مخير بين أن يحلق وبين أن يقصر ، أما المرأة فيتعين عليها التقصير ، لأن حلق رأسها حرام عند جمهور الفقهاء ، ومكروه عند أبي حنيفة والشافعي إلا لعذر ، كمرض أو أذى برأسها ، وذلك لأن الحلق بدعة في حق المرأة ومثله .

والحلق للرجل أفضل وأكثر ثوابا من التقصير إلا أن تعين التقصير لعذر من الأعذار .

والحلق والتقصير ثابتان بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، قال تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون

وجاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم ارحم المحلقين . قالوا والمقصرين ؟ قال : والمقصرين أخرجه الجماعة إلا النسائي .

والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لمن أهلوا بالحج مفردين، أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا الحديث : أخرجه الشيخان وهذا الحديث استدل به من قال بوجوب الحلق أو التقصير ، وردوا به على من قال : إن الحلق أو التقصير شأنه شأن ملابس الإحرام ، له أن يفعله في وقته كما له أن يلبس ملابس الإحرام في وقت الإذن بلبسها ، وهو على هذا ليس نسكا من مناسك الحج .

ولا بد في الحلق أو التقصير من استيعاب جميع الشعر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه وقال خذوا عني مناسككم وبذلك قال مالك وأحمد ومحققو الأحناف ، وقال أبو حنيفة : يكفي حلق الربع أو تقصيره . وعن أبي يوسف يكفي حلق النصف أو تقصيره .

وقال الشافعي يجزئ في الحلق والتقصير ثلاثا شعرات هذا كله بالنسبة لحلق أو تقصير الرجل .

وأما المرأة فتقصر من كل قرن قدر الأنملة عند الأحناف والشافعي وأحمد .

وقال مالك : تأخذ من جميع قرونها أقل جزء ، ولا يجوز الاقتصار على بعضها وكيفية الحلق المسنونة هي : أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق ، وإن كان على يسار الحالق ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نحر بمنى قال للحلاق : خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ، ثم جعل يعطيه الناس أخرجه مسلم وأبو داود وبهذا قال الجمهور . ويستحب لمن حلق أن يقلم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، وطيته ، لأن ابن عمر كان يفعل ذلك .

وإذا حلق أو قصر بعد السعي للعمرة فقد حل له كل شيء سواء أكان ذاهبا للعمرة وحدها ، أم كان متمتعا بالعمرة ، عازما أن يضم إليها الحج فيما بعد ، أما إن كان محرما بالحج وحده ، أو بالعمرة مع الحج قارنا ، فإنه بعد الحلق يوم النحر يحل له كل شيء من محظورات الإحرام إلا الجماع ودواعيه القريبة كالقبلة واللمس بشهوة ، بخلاف النظر فإنه لا دم فيه ولو أنزل ، إذا كان لم يطف بالبيت طواف الإفاضة ، فإذا طاف حلت له النساء أيضا .

وإن كان لم يحلق حتى طاف بالبيت طواف الإفاضة فإنه بعد الحلق يحل له كل شيء حتى النساء .

والتحلل الأول يسمى التحلل الأصغر ، لأنه لم تحل به النساء .

والتحلل الثاني يسمى التحلل الأكبر ، لأنه حل له كل ما كان ممنوعا بالإحرام ، حتى النساء .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:43
خلاصة أركان الحج
أركان الحج حسبما ذكر سابقا خمسة ، منها اثنان متفق عليهما عند الجميع ، وهما الوقوف بعرفة ، ومعظم طواف الإفاضة ، وباقيه ركن عند غير الأحناف وواجب عند أبي حنيفة .

والإحرام ركن عند الجميع إلا أبا حنيفة فإنه شرط عنده .

والسعي بين الصفا والمروة ركن عند مالك والشافعي وواجب عند أبي حنيفة والصحيح عند أحمد ، وأما الحلق أو التقصير فإنه ركن عند الشافعي على الأصح .

وهذه الأركان منها ما لو ترك لفات الحج ولم يصح ولا شيء على من فاته ، وهو الإحرام .

ومنها ما لو تركه الحاج لبطل حجه ويؤمر بأن يتحلل من الحج ويحتسب الطواف والسعي عمرة ، وعليه القضاء في العام القابل ، وهو الوقوف بعرفة ، وسيأتي في الإحصار .

ومنها ما لا يفوت الحج بإهماله إلا إذا مات قبل أدائه وهو الطواف بعد عرفة ، المسمى طواف الإفاضة ، والسعي ، والحلق .

وأما الترتيب بين معظم الأركان فإنه ركن عند الشافعية شرط عند غيرهم فيشترط تقديم الإحرام على جميعها ، وتقديم الوقوف بعرفة على طواف الركن ، ويشترط كون السعي بعد طواف صحيح ، ولا يشترط تقديم الوقوف بعرفة على السعي ، بل يصح سعيه بعد طواف القدوم (وهو الذي يكون بالنسبة للمفرد والقارن) وهو أفضل ، ولا ترتيب بين طواف الركن والحلق .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:44
واجبات الحج
الواجبات جمع واجب ، والواجب في فريضة الحج بالذات هو ما لو تركه الحاج لا يبطل حجه ، ولكنه يأثم ، بتركه عمدا ويجب عليه فيه دم .

وواجبات الحج كثيرة ، منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه ، فالمتفق على وجوبه أربعة :

(1) الإحرام من الميقات لمن كان خارجه ، وهو واجب باتفاق العلماء ، لحديث لا تجاوزوا الميقات إلا بإحرام والمراد هنا الميقات المكاني وقد مر تحديد المواقيت المكانية ، أما الميقات الزماني فهو أشهر الحج وقد سبقت أيضا . فمن عبر الميقات بدون إحرام فإن الواجب عليه ذبح شاة ، وقد كان ابن عباس يرد من جاوز الميقات بدون إحرام حتى يحرم منه .
(2) رمي الجمار .
(3) الذبح للمتمتع والقارن ، وسيأتي توضيح لهذين الواجبين .
(4) البعد عن المحرمات ، وابن حزم يرى أن الوقوع في المعاصي أثناء الحج يبطل الحج وفي ذلك يقول : كل من تعمد معصية أي معصية كانت - وهو ذاكر لحجه مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة - فقد بطل حجه .


والمختلف في وجوبه وغيره تسعة :
(1) التلبية وقت الإحرام : وهي واجبة عند مالك على المشهور ، وسنة عند الشافعي وأحمد وشرط عند أبي حنيفة ، أما التلبية بعد الإحرام فهي سنة عند الجميع .
(2) طواف القدوم : وهو واجب عند مالك وسنة عند غيره .
(3) صلاة الطواف : وهي واجبة عند الأحناف ، وقول لمالك والشافعي ، وسنة عند أحمد والأصح عند الشافعي .
(4) السعي بين الصفا والمروة : وهو واجب يجبر بدم عند الأحناف ، والصحيح عند أحمد ، وركن عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد .
(5) مد الوقوف بعرفة إلى ما بعد الغروب لمن وقف نهارا ؟ وهو واجب عند الأحناف ومالك وأحمد ، وسنة عند الشافعي وابن حزم ، ومن وقف ليلا فلا شيء عليه .
(6) الحلق أو التقصير : وهو ركن عند الشافعي ، وواجب عند الثلاثة .
(7) طواف الوداع : وهو واجب عند الأحناف والشافعي وأحمد ، وسنة عند مالك وفرض عند ابن حزم يجب على من تركه العودة للقيام به ولو كان ولده في أقصى الأرض وكل ذلك سبق ذكره والخلاف فيه .
(9,8) المبيت بمزدلفة والوقوف بها وهذان لم يسبق الكلام عليهما ، وإليك التفصيل والبيان عنهما وعن رمي الجمار ، والذبح .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:46
المناسك المطلوبة بمزدلفة
التعريف بمزدلفة
المزدلفة عبارة عن واد يمتد من محسر غربا إلى المأزمين شرقا ، طوله نحو أربعة آلاف متر ، وسمي بذلك لأن الناس يأتون إليه في زلف (أي : ساعات) من الليل ، ويقال له : جمع ، لاجتماع الناس به ، والمزدلفة من الحرم ، وفيها يرى على يمين السائر إلى عرفة (المشعر الحرام) على بعد 2548 مترا من أول الوادي من جهة المحسر ، والمشعر الحرام جبل بالمزدلفة ، سمي بذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تشعر عنده هداياها (والإشعار هو الضرب بشيء حاد في سنام الجمل حتى يسيل الدم) والمشعر الحرام يسمى أيضا : قزحا ، ويحيط به جداران ، كل منهما ارتفاعه أربعة أمتار وعرضه ثلاثة ، والمسافة بينهما ستون مترا .

وفي نهاية المزدلفة يضيق الوادي إلى خمسين مترا عرضا في مسافة طولها 4372 مترا تنتهي إلى العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة ، وهما بناءان أقل من بناء المشعر الحرام ، والمسافة بينهما مائة متر ، وهذا الوادي يسمى : وادي المأزمين ، والمأزم هو الطريق بين الجبلين ، وفي جنوبهما طريق ضب الذي يستحب سلوكه عند الذهاب إلى عرفة ، ثم يتسع الوادي ويسمى : وادي عرنة ، وبه مسجد نمرة ، ويسمى : جامع إبراهيم ، وهو مسجد كبير طوله تسعون مترا في عرض ثمانين ، محاط بالبواكي ، وفي وسطه مجرى ماء يأتيه الماء من مجرى عين زبيدة ، وفي شماله إلى الشرق بقليل علمان ، وهما عمودان أقيما للدلالة على حد عرفة الغربي ، بينهما وبين العلمين المحددين للحرم من الشرق 1553 مترا .

(هذا) وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ، ومزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر ، لأن عرفة من الحل وبطن عرنة من الحرم فهو غير عرفة ، وأما المزدلفة فهي من الحرم ، وبطن محسر من الحل فهي غير مزدلفة .

حكم المبيت بالمزدلفة
المبيت بالمزدلفة ليلة النحر بعد الإفاضة والنزول من عرفات سنة عند أبي حنيفة ومالك ، وواجب عند أحمد حتى نصف الليل ، وعند الشافعي واجب حتى تمر ساعة بعد نصف الليل... والأوزاعي وجماعة من التابعين وابن حزم يرون أن المبيت بها فرض .

ويسقط وجوب المبيت بالمزدلفة لعذر كضعف أو خوف زحام ، أو مرض أو فوات رفقة لقول عائشة رضي الله عنها : كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها ووددت أني كنت استأذنته فأذن لي أخرجه الشيخان وأحمد

وقال ابن عباس : أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان

والمعنى أن ابن عباس رضي الله عنهما كان من الضعفة الذين أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المزدلفة ليلا إلى منى ، وهذا إذن عام لكل صاحب عذر في الذهاب إلى منى قبل الفجر لرمي جمرة العقبة قبل الزحام ، وهذا متفق عليه .

الوقوف بالمزدلفة
الوقوف بالمزدلفة بعد طلوع فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس واجب عند الأحناف وسنة عند مالك والشافعي وأحمد .

وقد عرفت أن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر للحديث السابق ، ومن وقف بها محمولا ، أو نائما ، أو مغمى عليه ، أو على غير طهارة ، فإن ذلك يحسب له ، لأن النية والطهارة ليستا شرطا في الوقوف بالمزدلفة ولا في المبيت .

والسنة لمن وقف بالمزدلفة بعد الفجر أن يقف على قزح ، ويكثر من الذكر والدعاء ، وأن ينصرف إلى منى إذا أسفر الصبح وظهر ظهورا واضحا ، وقبل طلوع الشمس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس مخالفا للمشركين ، لأنهم كانوا لا يفيضون إلى منى إلا بعد طلوع الشمس .

ويسن الاغتسال لهذا الوقوف ، والتعجيل بصلاة الصبح ليدرك الناس الوقوف والدفع قبل طلوع الشمس ، ويسن المشي بسكينة ووقار حتى لا يحصل إيذاء لأحد ، إلا إذا وصل إلى وادي محسر فإنه يسرع إن كان ماشيا ، ولا يوجد من يزاحمه مزاحمة ضارة ، لأن النبي فعل ذلك . وهذا الوادي هو الذي هلك فيه أصحاب الفيل .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:48
رمي الجمار
الجمار جمع جمرة وهي : الحجر الصغير ، ورميها قذفها وهذا في اللغة ، وأما في الشرع فالمراد برمي الجمار هو : القذف بحصى معين في زمان معين ومكان معين .

والجمار التي ترمى ثلاث بمنى ؛ الصغرى التي تلي مسجد الخيف ، والوسطى والكبرى وهي جمرة العقبة ، وإليك البيان في مباحث الرمي بالجمار .

حكم رمي الجمار
رمي جمرة العقبة يوم النحر ، ورمي الجمار الثلاث يومين بعد يوم النحر واجب عند الأئمة الأربعة والجمهور : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى ورمي في سائر أيام التشريق بعدما زالت الشمس أخرجه السبعة والبيهقي وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . وقال عبد الرحمن بن عثمان التيمي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الخذف في حجة الوداع أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح .

أوقات الرمي
أيام الرمي أربعة : يوم النحر ، وأيام التشريق الثلاثة ، أما يوم النحر فترمى فيه جمرة العقبة فقط .

وقد أجمع المسلمون على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الشمس إلى زوالها فقد أصاب السنة ، ورمى في الوقت الذي يستحب فيه الرمي .

ويجوز أنه يرميها ابتداء من نصف ليلة النحر عند عطاء وطاوس والشعبي وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي وأحمد ، وعن أحمد أيضا أنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي (الأحناف) وإسحاق وابن المنذر.. وقال مجاهد والثوري والنخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس .

وكذلك يجوز تأخير الرمي بعد الزوال إلى غروب الشمس . قال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها ، وإن لم يكن ذلك مستحبا لها (إلا أن يكون التأخير لعذر مثل الزحام وغيره) .

فإن أخرها عن الغروب لغير عذر ، فهو مكروه ، ولا شيء عليه عند أبي حنيفة والشافعي ومحمد بن المنذر ويعقوب ، ومعهم مالك ، غير أنه مرة يقول : وعليه دم ، ومرة لا يقول بذلك .

ويرى أبو حنيفة وأحمد وإسحاق : تأجيل الرمي إلى الغد (ثاني أيام العيد) بعد الزوال.. ويكره الرمي قبل طلوع الشمس لغير عذر أيضا ، لأنه خلاف السنة كما علمت ، أما أصحاب الأعذار فلا شيء عليهم في تقديم ولا تأخير حسبما تقدم .

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا بالليل أخرجه البزار ولهذا يجوز التأخير لأصحاب الأعذار ولو إلى آخر أيام التشريق .

وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت رواه أبو داود والحاكم والبيهقي ، ورجاله رجال الصحيح .

وجاء في حديث أسماء أنها رمت ثم رجعت فصلت الصبح وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن (النساء) متفق عليه أي : أذن لهن في الرمي ليلا . والخلاصة أن رمي جمرة العقبة يجوز ابتداء من نصف ليلة النحر إلى فجر الثاني من أيام النحر عند بعضهم وبعضهم لا يجيز الرمي بالليل وإنما من جاءه الليل ولم يرم فليؤجل الرمي إلى ما بعد الزوال في ثاني يوم النحر . والسنة كون الرمي بعد طلوع شمس يوم النحر إلى زوالها لمن لا عذر له ، فإن كان له عذر فالسنة في حقه وقت إمكانه ما دام ذلك في وقت الجواز ووقت الجواز إلى آخر أيام التشريق .

وأما وقت الرمي بعد يوم النحر وفي أيام التشريق الثلاثة ، فالمستحب أن يكون الرمي كل يوم بعد زوال الشمس حتى غروبها من اليوم نفسه .

ويجوز التأخير إلى طلوع شمس اليوم التالي بغير كراهة إن كان عذر ، وبغير عذر مكروه ، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرمي هذه الجمار بعد زوال الشمس وبهذا قال الأئمة الأربعة غير أن أبا حنيفة أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال ومعه في رأيه إسحاق ، ولكن لا ينفر من رمي إلا بعد الزوال ، وأجاز عطاء وطاوس الرمي قبل الزوال في جميع أيام الرمي ومعهم أبو جعفر محمد بن علي .

مكان الرمي
المطلوب أول يوم - وهو يوم النحر - أن يرمي جمرة العقبة وحدها بسبع حصيات ، وفي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق ، عليه أن يرمي كل يوم الجمار الثلاثة : الصغرى ، والوسطى ، والكبرى (وهي جمرة العقبة) ويبدأ بالصغرى ، ثم الوسطى ، ثم الكبرى التي هي جهة مكة وأقرب الجمرات إليها .

من أين يؤخذ الحصى
يستحب أخذ حصى الرمي لجمرة العقبة من المزدلفة ، وهي سبع حصيات ترمي بها جمرة العقبة وحدها يوم النحر ، وأما جمار أيام التشريق فالأولى أخذها من غير المزدلفة عند الجمهور، ومن أي موضع أخذت جاز . ويكره أخذ الحصى من المسجد ومن المواضع النجسة ، ومن الجمرات التي رماها هو أو غيره .

عدد الحصى وقدر كل حصاة
المطلوب لرمي كل جمرة هو سبع حصيات ، والجمار التي ترمى كل يوم من أيام التشريق ثلاث في كل يوم من الأيام الثلاثة لمن تأخر ، ويومان لمن تعجل ، وترمى جمرة العقبة وحدها يوم النحر ، فيكون جميع الحصى الذي يرمى به بالنسبة لمن تأخر سبعون حصاة ، وبالنسبة لمن تعجل تسع وأربعون .

والقائلون بأن كل جمرة ترمى بسبع حصيات هم جمهور الفقهاء ، ومنهم الأئمة الأربعة والظاهرية ، وهناك قول للإمام أحمد : بأن خمس حصيات تكفي لكل جمرة ، والسبع أكمل ولا يجوز النقص عن خمس عنده ، واستدل على ذلك بقول ابن عباس في رمي الجمار ما أدري رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع أخرجه أبو داود والنسائي ، وأدلة الجمهور أقوى وأكثر .

ويستحب عند الجميع أن تكون كل حصاة في مقدار حبة الفول ، وهي قدر الأنملة فإن زادت أو قلت الحصاة عن ذلك كان الرمي بها جائزا مع الكراهة عند جمهور الفقهاء ، وفي رواية عن الإمام أحمد أن الرمي بحجر كبير لا يجوز .

جنس الحصى :

لا يجوز الرمي عند مالك والشافعي وأحمد إلا بالحجر ، فلا يجوز الرمي بالرصاص والحديد والذهب والفضة والزرنيخ والكحل ونحوها .

وقال الأحناف : يجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض سواء أكان حجرا ، أو طينا ، أو آجرا (الطوب المحروق) أو غيرها للأحاديث المطلقة في الرمي .

واستدل الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون الرمي بالحصى ، ولا يكون الحصى إلا من الحجر وأما الرمي بشيء ليس من جنس الأرض فإنه لا يجوز بالإجماع .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:49
كيفية الرمي
عرفنا أن الرمي نوعان : نوع يوم النحر ونوع في أيام التشريق . فالمطلوب يوم النحر رمي جمرة العقبة بسبع حصيات ، فإذا رماها بأية كيفية جاز ما دام قصد الرمي في المرمى قد وجد ، وما دام الحصى قد أصاب المرمى . ولكن يستحب أن يرمي على الوجه الأكمل الموافق للسنة ، وذلك بأن يقف الرامي في بطن الوادي (وهو شارع واسع الآن) قريبا من المرمى بحيث يراه ، جاعلا الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، ويمسك الحصاة بطرفي إبهامه وسبابته ، ثم يرميها حصاة حصاة ، كل حصاة في رمية مستقلة ، فلو رمى جميع الحصى في مرة حسب حصاة واحدة ، ولو رماه على مرتين حسب حصاتين فقط وهكذا .

ويكبر مع كل حصاة قائلا : باسم الله والله أكبر ترغيما للشيطان وحزبه ، اللهم اجعل حجي مبرورا ، وذنبي مغفورا وسعي مشكورا .

ويقطع التلبية مع أول حصاة ، ولا يقف عند جمرة العقبة بعد الرمي ، لأن ذلك لم يرد.. وفي اليوم الأول من أيام التشريق وهو الحادي عشر من ذي الحجة يبدأ برمي الجمرة الصغرى ، وهي التي في الشمال الغربي من مسجد الخيف ، فيرميها بعد الزوال بسبع حصيات متفرقات ، يكبر مع كل حصاة كما في رمي يوم النحر ، ثم يقف بعد تمام الرمي مستقبلا القبلة حامدا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو طويلا رافعا يديه حذو منكبيه مستغفرا لنفسه وأبويه والمؤمنين .

ثم يتوجه إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبلا القبلة رافعا يديه يدعو طويلا ، ثم يأتي جمرة العقبة ويرميها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ولا يقف عندها للذكر والدعاء لعدم وروده ، ولضيق المكان ولفراغه من رمي اليوم ، وما ذكر هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند رمي الجمار .

وفي ثاني أيام التشريق يرمي الجمرات الثلاث بنفس الطريقة التي رمى بها في اليوم الأول من أيام التشريق ويستحب التوجه إلى الكعبة عند رمي الصغرى والوسطى ، ويجعل الصغرى عن يساره والوسطى عن يمينه .

فإن أراد أن يتعجل فعليه أن يفارق منى قبل غروب الشمس من ثاني أيام التشريق فإن بقي حتى غربت وجب عليه أن يرمي الجمار الثلاثة ثالث أيام التشريق ، وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه ذلك إلا إذا بقى بمنى حتى طلع فجر اليوم الثالث منها ، فإن طلع عليه فجر اليوم الثالث وهو بمنى فإن عليه رمي الجمرات في ذلك اليوم ، لكن يجوز أن يرميها بعد الفجر من ثالث أيام التشريق ، وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد : لا يرمي في اليوم الثالث إلا بعد الزوال كاليومين قبله ، لأن الأحاديث جاءت بذلك .

ويشترط الترتيب بين الجمرات على الوجه السابق عند جمهور الفقهاء غير الحسن وعطاء وأبي حنيفة فإن الختار عنده أن الترتيب بين الجمرات سنة ، وقيل : واجب ، والترتيب أن يبدأ بالصغرى ثم الوسطى ، ثم الكبرى .

النيابة في رمي الجمار
من كان مريضا لا يستطيع الرمي بنفسه ، أو ضعيفا والزحام شديد لا يستطيع أن يشقه ويرمي ، أو كان محبوسا لا يستطيع الرمي بنفسه ، أو ذا عذر يمنعه من مباشرة الرمي ، فإن له أن ينيب من يرمي عنه الجمرات ، وينبغي أن يكون النائب قد رمى عن نفسه قبل أن يرمي عن غيره فإن كان لم يرم عن نفسه ورمى مرة واحدة وقع الرمي عن نفسه ، ولو أناب إنسان غيره ليرمي عنه بسبب عذر ثم زال ذلك العذر بعد رمي النائب عنه ، ولا يزال الوقت باقيا فليس عليه إعادة الرمي ، وقال بعضهم : تسن الإعادة . هذا إذا رمى النائب قبل زوال العذر ، أما إن رمى في وقت كان عذر من أنابه قد زال فإن الرمي واجب على من زال عذره باتفاق العلماء .

ترك الرمي وتأخيره
من ترك الرمي كله حتى انتهت أيام التشريق فعليه ذبح شاة فدية . ومن ترك رمي يوم واحد أو ترك رمي أكثر الحصى فيه وجب عليه دم أيضا ، كأن ترك أربع حصيات يوم النحر أو ترك إحدى عشرة حصاة في يوم من أيام التشريق ، وهذا قول الأحناف وعطاء بن أبي رباح... وإن ترك الأقل في يوم من أيام الرمي فإن عليه بكل حصاة صدقة كصدقة الفطر ، صاعا أو نصفه ، إذا لم يبادر فيرمي ما فاته وقالت المالكية : إن ترك حصاة أو حصاتين فعليه دم .

وقالت الشافعية : من ترك حصاة من السبع حتى مضت أيام التشريق لزمه مد من طعام ، ومن ترك اثنتين فعليه مدان ، ومن ترك ثلاثة فأكثر فعليه دم .

وإن ترك شيئا من الرمي أول أيام التشريق عمدا أو سهوا فإنه يستطيع أن يتداركه في اليوم الثاني أو الثالث ، وإن ترك رمي اليوم الثاني تداركه في اليوم الثالث على الصحيح ، وإذا تدارك الرمي فلا دم عليه ، وقد عرفت من قبل أنه يجوز رمي الأيام الثلاثة في اليوم الثالث ، وأن الرمي جائز في كل أيامه ولو جمع كل الرمي في يوم واحد عند الشافعي وأحمد .

وحكمة الرمي الانقياد لأمر الله عز وجل ، والتعبد بالسمع والطاعة له تعالى ، والاقتداء بالخليل إبراهيم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وترغيم الشيطان والنفور منه ، وإشعار النفس برجمه وطرده من حياتها ومن الخضوع له ، والله أعلم .

النفر بعد الرمي
النفر هو النزول من منى إلى مكة بعد الرمي :

والنفر نوعان كما سبق : نوع يكون بعد رمي الجمار يوم الثاني عشر من ذي الحجة ، ويسمى : النفر الأصغر ، ويجب أن يكون قبل غروب شمس ذلك اليوم عند الجمهور . وقال أبو حنيفة : يجوز له البقاء إلى ما قبل فجر اليوم الثالث عشر كما سبق لأنه لا يبدأ هذا اليوم إلا بطلوع فجره ، فإن نفر قبل الفجر فلا شيء عليه إلا الكراهة لأنه تأخر عن الغروب .

والنفر الثاني هو الذي يحدث يوم الثالث عشر من ذي الحجة وهو أفضل من الأول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفر في اليوم الثالث من أيام التشريق ، قال تعالى : فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخرفلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله الذي إليه تحشرون

حكم المبيت بمنى ليالي الرمي
اختلف الفقهاء في حكم المبيت بمنى ليلتي التشريق لمن تعجل والليالي الثلاثة لمن تأخر . فقال الأحناف : إن المبيت بمنى ليالي التشريق سنة ، ولا شيء على من تركه ، ولكنه أساء لمخالفته السنة .

وقال الشافعية والحنابلة في المشهور عنهم : إن المبيت بها واجب ، فإن تركه ليلة لزمه التصدق بمد (قدر حفنة بالكفين المتوسطين) وإن تركه ليلتين لزمه مدان ، وإن تركه ثلاث ليال لزمه دم .

وأما المالكية فيوجبونه ويتشددون فيقولون : عليه لكل ليلة دم .

مع العلم بأن معظم الليل كالليل كله عند الجميع . وسواء أكان المبيت سنة أم واجبا فإنه يسقط عند الجميع عن أصحاب الأعذار مثل سقاة الماء ، ورعاة الإبل ، ورجال الأمن ، والقائمين على المرافق الهامة البعيدة عن منى ، ولا يستطيعون تركها ، والقائمين برعاية الأموال والماشية كالإبل والغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية كما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ، وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى فعليهم المبيت بها ؛ لأن عملهم يكون نهارا لا ليلا ، ولو غربت على السقاة وأمثالهم فليس عليهم المبيت لأن عملهم متواصل ليلا ونهارا .

ولا يرخص لأحد في ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر ولا في ترك طواف الإفاضة يومه ، لأن ذلك مكروه .

ومن أخر الرمي يوما أو يومين فإن عليه أن ينوي الترتيب عند الرمي ، فينوي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث . ويجوز عند البعض من العلماء تقديم يوم مع يوم ويرميهما في وقت واحد كأن يرمي ، عن اليوم الثاني من التشريق مع اليوم الأول منه ، وفي ذلك فسحة ورحمة ، ومن لم يبت بمنى ليلتي اليومين الأولين من أيام التشريق فإنه ليس له النفر الأصغر ، إنما النفر الأصغر لمن بات ، ومن لم يبت ينتظر إلى النفر الأكبر .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:51
حكم الذبح للقارن والمتمتع
يجب على القارن والمتمتع أن يذبح شاة أو سبع بقرة ، أو سبع ناقة ، والحرم كله مكان للذبح... والسنة أن يكون الذبح يوم النحر . قال تعالى : (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)

والتمتع في اللغة وفي عرف الصحابة يشمل القران والتمتع اللذين اصطلح عليهما الفقهاء . والهدي اسم لما يذبح من النعم (الإبل والبقر والغنم) على جهة القربة إلى الحرم .

هذا والذبح للمفرد بالحج سنة وليس واجبا كما أنه سنة لمن اعتمر عند بعضهم

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:52
ترتيب أعمال الحج يوم النحر
الأعمال المطلوبة يوم النحر هي : الرمي والذبح لغير المفرد والحلق وطواف الإفاضة ، والسنة أن تؤدى على الترتيب المذكور باتفاق ، والخلاف هو هل هذا الترتيب سنة أم واجب ؟

فالجمهور ومعهم أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وداود الظاهري يرون أن الترتيب سنة فقط وأن الحاج لو قدم أو أخر فيها فلا شيء عليه إلا أن فعله مكروه لمخالفة السنة ولا دم عليه ولا إثم ، سواء فعل ذلك عامدا أو ناسيا ، وسواء أكان عالما بالترتيب أم جاهلا ، وفي رواية لأحمد أنه فرق بين الناسي والجاهل وغيرهما ، فلم ير شيئا إلى الناسي والجاهل ، ورأى أن غيرهما عليه دم .

وقالت الأحناف وابن الماجشون المالكي : إن الترتيب واجب ، وقالت المالكية قريبا من هذا ، والراجح أن الترتيب سنة . وتسرع المرأة إلى الطواف إن خافت الحيض ، ولها أن تستعمل دواء لتأخير الحيض حتى تطوف . وقد استدل الأولون بما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل في حجة الوداع فقال : يا رسول الله ، حلقت قبل أن أذبح ، فأومأ بيده وقال : لا حرج . وقال رجل : يا رسول الله : ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال : لا حرج . فما سئل يومئذ عن شيء من التقديم والتأخير إلا أومأ بيده وقال : لا حرج أخرجه السبعة إلا الترمذي وهذا لفظ أحمد ، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر أيضا .

واستدل أبو حنيفة ومالك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث رتبها حسبما ذكر ، ولكن يقال لهم : نعم فعله سنة وترك الترتيب جائز بقرينة قوله وإجابته السائلين .

كما استدلوا بقول ابن عباس من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق دما أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة بسند صحيح ، ولكن قول الصحابي ليس حجة مع وجود نص يخالفه ، أو هو مؤول ، أو مطلق مقيد بما ذكر .

قال ابن رشد : وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى في حجته الجمرة يوم النحر ، ثم نحر بدنة ، ثم حلق رأسه ، ثم طاف بالبيت طواف الإفاضة ، وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج ، واختلفوا فيمن قدم من هذه ما أخره النبي صلى الله عليه وسلم أو بالعكس . فقال مالك : من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فعليه الفدية ، وقال الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور : لا شيء عليه ، وعمدتهم... وساق مثل الحديث السابق.، ثم قال : وقال أبو حنيفة : إن حلق قبل أن ينحر أو يرمي فعليه دم ، وإن كان قارنا فعليه دمان.. .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:53
التحلل من الإحرام بالحج
عرفنا أن السنة يوم النحر هي أن يرمي الحاج جمرة العقبة ، ثم يذبح الهدي الواجب إن كان قارنا أو متمتعا ، ثم يحلق أو يقصر ثم يطوف بالبيت طواف الزيارة ، وهو طواف الركن .

وعرفنا أنه إذا حلق أو قصر فقد حل له كل شيء إلا النساء ، والسؤال الآن هو : هل الحلق الذي يحصل به التحلل الأصغر يشترط أن يكون بعد اثنين وهما جمرة العقبة والذبح أم يجوز أن يكون بعد واحد فقط وهو رمي جمرة العقبة ؟ والجواب أنه يجوز أن يحلق أو يقصر بعد الرمي ، ثم يتحلل التحلل الأصغر وبعضهم أجاز التحلل الأصغر بعد رمي جمرة العقبة بدون حلق أو تقصير بناء على أن الحلق إباحة كلبس ملابس الحل وليس نسكا .

والقول الأول للشافعي والأحناف ورواية عن أحمد ، والقول الثاني رواية ثانية لأحمد وهو قول مالك وأبي ثور وعطاء ، وقد رجحه ابن قدامة في المغني مستدلا بحديث أم سلمة إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء وكذلك قال ابن عباس

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:54
خاتمة أعمال الحج طواف الزيارة
هذا الطواف هو طواف الركن ، ويسمى : طواف الزيارة وطواف الإفاضة ، وسبق الكلام عنه في أنواع الطواف .

ولهذا الطواف وقتان : وقت فضيلة ووقت إجزاء بمعنى أنه يجوز إيقاعه فيه ، وإن كان مخالفا للسنة ،

أما وقت الفضيلة فهو يوم النحر بعد الرمي والذبح والحلق ، وإن أخره إلى الليل فلا بأس بالتأخير .

وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر عند الشافعي ، ومن فجر يوم النحر عند أبي حنيفة . وهو مبني على أول وقت الرمي والخلاف فيه وقد سبق وأما آخره فالصحيح أنه غير محدود فإنه في أي وقت من الأوقات أتى به فهو صحيح ، وإنما الخلاف هو هل يجب دم بالتأخير عن أيام النحر أو عن ذي الحجة أم لا يجب ؟ غير أنه ما لم يطف طواف الركن فهو ممنوع من النساء حتى يطوفه ، وإن وطئ لم يفسد حجه ، وعليه دم ، ويجدد إحرامه .

وصفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم سوى أنه ينوي به طواف الركن ، ويعينه بالنية ، ولا رمل فيه ولا اضطباع ، ثم إن كان سعى بعد طواف القدوم فلا سعي عليه عند طواف الزيارة ، وإلا فعليه السعي . وكذلك عليه السعي مرة أخرى إن كان متمتعا ، لأن سعيه الأول كان للعمرة ، وهذا للحج .

ويلاحظ الطائف بالبيت سنن الطواف والسنن المطلوبة بعده من الصلاة خلف المقام والشرب من ماء زمزم وغيرهما مما سبق في ذكر كيفية الطواف وسننه .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:54
طواف الوداع
كل من أتى مكة إما أن يريد الخروج منها وإما أن يريد الإقامة فيها ، فإن أقام بها فليس عليه طواف وداع ، لأن الوداع من المفارق لا من الملازم ، سواء نوى الإقامة قبل ترك منى أم بعد ذلك ، وبهذا قال الشافعي وأحمد..

وقال أبو حنيفة : إن نوى الإقامة بعد أن حل له النفر (ترك منى والشفر) ثم يسقط عنه الطواف ، والصحيح الأول .
ومن عليه طواف الوداع ولم يطف فعليه دم ؛ لأنه واجب عند الأكثر ، وليس على الحائض والنفساء طواف وداع ، وإن طهرت قبل مفارقة بنيان مكة رجعت وطافت .

والمكي ليس عليه طواف وداع ؛ لأنه مقيم ، ومثله من كان منزله بالحرم ، وفيمن كان منزله قريبا من الحرم قولان : قول بوجوب الطواف وقول بعدم وجوبه لأن القريب من الشيء يأخذ حكمه .

فإن أخر الحاج طواف الزيارة حتى جاء وقت خروجه من مكة فقيل : يكفي طواف الزيارة عن طواف الوداع ، وقيل : لا يكفي لأن طواف الوداع عبادة مستقلة .

فإن طاف للوداع ثم اشتغل بالتجارة أو بأي شيء عطله عن الخروج والسفر فإن عليه إعادة طواف الوداع عند إرادته الخروج والسفر ، وذلك عند عطاء ومالك والثوري والشافعي وأحمد وأبي ثور . وقال الأحناف : إذا طاف للوداع ، أو تطوعا بعد ما حل له النفر أجزأه عن طواف الوداع ، وإن أقام شهرا أو أكثر ، لأنه طاف بعدما حل له النفر فلم يلزمه طواف بعد ذلك .

والسنة بعد طواف الوداع أن يشرب من ماء زمزم ، ثم يأتي الملتزم فيلزمه ، ويلصق به صدره ووجهه ويدعو الله عز وجل وقد سبق ذكر ذلك .

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:56
جمع الصلاة وقصرها أثناء الحج
المسافر للحج له أن يجمع الظهر والعصر جمع تقديم ، أو جمع تأخير حسب ظروف سفره ، فإن ارتحل بعد الظهر جمع جمع تقديم ، وإن ارتحل قبل الظهر أخر الظهر حتى يصليها مع العصر مجموعتين جمع تأخير بعد العصر إن ظلت القافلة مسافرة إلى ما بعد العصر ، وله مع الجمع أن يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر ركعتين وكذلك العصر والعشاء وبعضهم يرى القصر واجبا وليس مباحا فقط والراجح أنه سنة .

ويظل المسافر يقصر ويجمع حتى يصل إلى بلد ينوي الإقامة فيه أربعة أيام غير يوم الوصول ويوم الخروج للسفر ، فإن نوى الإقامة في بلد هذه المدة فإن عليه أن يتم الصلاة ويمتنع من جمعها وقال الأحناف : لا يتم الصلاة إلا إذا نوى الإقامة خمسة عشر يوما في أي بلد من البلاد غير وطنه ، أما وطنه ، فلو وصل إليه فإن الجميع متفقون أن يتم الصلاة ولو لم يبق فيه إلا وقتا واحدا .

والأحناف لا يبيحون جمع الصلاة إلا في عرفة ومزدلفة ، يوم عرفة وليلة النحر كما سنتكلم عنه .

والسفر الذي يبيح القصر والجمع هو ما تساوي مسافته حوالي 80 ك . م عند بعضهم ولكن الرأي القوي هو أن كل ما يعتبر سفرا عرفا فهو الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية السابقة .

كما أنهم اتفقوا على أن المسافر يتم وجوبا في إحدى ثلاث حالات :

(1) : أن يعود إلى وطنه . (2) : أن يعود إلى المكان الذي سافر منه . (3) : أن يصلي وراء من يتم الصلاة .

جمع الصلاة يوم عرفة
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة خطب الناس ، بعد زوال الشمس ، وبعد الخطبة أذن بلال ثم أقام فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ، وصلاهما مقصورتين .

فدل ذلك على أمور منها :

(1) جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وهو سنة بإجماع المسلمين .
(2) للظهر والعصر المجموعين أذان واحد وإقامتان ، وبذلك قال الأحناف والشافعية وهي رواية عن أحمد ، وقال مالك : يؤذن لكل صلاة ويقيم ، والحديث حجة عليه .
(3) يكون الأذان بعد خطبة عرفة التي يبين الإمام للناس فيها ما يطلب منهم في هذا اليوم وفي الليلة التي تعقبه واليوم الذي يليه ، وقيل غير ذلك .
(4) تكون القراءة سرية في صلاة الفرضين .
(5) لا تنفل قبلهما ولا بينهما ، فإن اشتغلوا بين الصلاتين بصلاة نافلة ونحوها أعادوا الأذان للعصر .
(6) لا يشترط لجواز الجمع بعرفة إلا الإحرام بالحج في العصر ، وعلى هذا أكثر الأئمة وهذا الجمع جائز لكل من بعرفة سواء أكان من سكان مكة ، أم من سكان منى أم من غيرهما ممن حضروا من أقصى البلاد ، لأنه جمع سببه الحج وليس سببه السفر ، وهو رأي أكثر الفقهاء خلافا لبعض الشافعية .
(7) يقصر المصلون الصلاتين فيصلون كلا منهما ركعتين ، وذلك خاص بالمسافرين إلا عند مالك فإنه يرى أن القصر أيضا سببه هنا الحج وليس السفر ، والحق أن المسافة التي بين مكة وعرفات وهي 25 ك . م تعتبر مسافة سفر عرفا فلهم القصر مثل غيرهم ، كما أن القصر في هذا اليوم قد يكون سببه الحج . فليكن ذلك واضحا حتى يشعر الجميع بيسر الدين .
(8) كان يوم عرفة عام حجه صلى الله عليه وسلم يوم جمعة ، ولم يصل يومها جمعة ؛ بل صلى ظهرا كما في حديث جابر الذي رواه مسلم وغيره .


الجمع بمزدلفة
إذا وصل الحاج إلى مزدلفة بعد غروب الشمس من يوم النحر فإن عليه أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير بأن يؤخر المغرب حتى يصليها بعد وجوب العشاء لا قبله ، ويصلي المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين ، ولا يتنفل بينهما . هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه .

والجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء يوم عرفة واجب عند الأحناف ، سنة عند غيرهم .

وهذا الجمع للسفر عند أبي يوسف والشافعي وأحمد ، فلا يجمع إلا مسافر ، وعند أبي حنيفه ومالك : الجمع للحج لا للسفر .

النزول بالمحصب
المُحَصَّبُ مثل مُحَمَّدٍ عبارة عن واد بين جبل الثور والحجون ويسمى الأبطح ، والبطحاء ، وخيف بني كنانة ، ويسن للحاج النزول به إذا نفر من منى إلى مكة يوم الثالث عشر من ذي الحجة ويصلي فيه الظهر والمغرب والعشاء ، ويهجع هجعة ليلة الرابع عشر ، ثم يدخل مكة ، ويطوف طواف الوداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع . وهذا لمن أمكنه ذلك وكان يسيرا عليه بلا مشقة ولا تكلف .

والمحصب هو المكان الذي تقاسم فيه الكفار على بني هاشم أن يقاطعوهم سياسيا واجتماعيا وماليا أيام نشأة الدعوة بمكة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم

ضيف المهاجر
17 - 12 - 2005, 23:58
الهدي وجميع أحكامه
الهدي في اللغة وفي الشرع اسم لما يهدى إلى الحرم من النعم قربة إلى الله تعالى ، فهو لا يكون إلا من الإبل والبقر والغنم بالإجماع ، وترتيبه في الفضل كترتيبه في الذكر فالإبل أفضل من البقر ، والبقر أفضل من الغنم باتفاق العلماء .

ولا يجزئ من النعم إلا الثني : والثني من الغنم ما له سنة ودخل في الثانية ، وأجازوا الجذع من الضأن ، وهو ما تم له ستة أشهر ، وكان سمينا . والثني من البقر والجاموس ما له حولان ودخل في الثالث ، والثني من الإبل ما له خمس سنين ودخل في السادسة ، وهذا هو رأي أكثرية الفقهاء ، وقال المالكية : الثني من البقر والجاموس ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة .

وقال الشافعية : الثني من المعز ما له سنتان ودخل في الثالثة .

ولا يجزئ في الهدي ما لا يجزئ في الأضحية ، وهو مقطوع أكثر الأذن أو الذنب ، لأن للأكثر حكم الكل ، ولا يجزئ العمياء والعوراء ، والعجفاء (المهزولة حتى ذهب مخها من الهزال) ولا تجزئ العرجاء التي لا تمشى برجلها المعيبة إلى مكان الذبح ، لأن هذه العيوب كلها أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تمنع الإجزاء (اقرأ الأضحية المعيبة) .

الدماء الواجبة في الإحرام
الدماء الواجبة في الإحرام ثمانية :

(1) دم التمتع .

(2) دم القران : وهو شاة ، أو ناقة ، أو بقرة ، أو سبع الناقة ، أو سبع البقرة .

(3) دم الإحصار وهو شارة تذبح في الحرم وسيأتي .

(4) دم الفوات وهو واجب عند الجمهور خلافا للأحناف ، وسيأتي .

(5) الدم الواجب بترك واجب من واجبات النسك كالإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك .

(6) الدم الواجب بارتكاب محظور غير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة .

(7) الدم الواجب بالجماع في النسك .

(8) الدم الواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو شجره .

ما تلزم فيه بدنة
تجزئ الشاة وتكفي في كل جناية ونذر إلا في أربعة فإنها لا يجزئ فيها إلا البدنة وهي إذا طاف طواف الزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء أو جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق ، أو نذر بدنة .

إشعار الهدي وتقليده
بعض الحجاج يسوق معه الهدي عند العمرة أو الحج مقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم وموافقين لكثيرين من الفقهاء القائلين بذلك . والبعض الآخر يشتري هديه من الحل أو الحرم ، وأكثر الناس كانوا يأخذون الهدي إلى عرفة ليوقفوه بها ، وأيا كان الأمر فإن الذي يسوق هديه معه كان يشعره أو يقلده ، وقد كان ذلك قديما في العرب ، لأن حيوان الأنعام إذا أشعر أو قلد فإن الناس يفهمون أنه مهدى للحرم (أي : لفقرائه) فلا يتعرض له أحد - ولو رعى وحده أو مشى وحده - كما أنه بذلك لا يختلط بغيره ، وإن ضل عرف .

والإشعار هو ضربة بمحدد تشق سنام الجمل حتى يلطخ بالدم ، وكذلك يفعلون بالبقر إن كان له سنام .

وأما التقليد فهو أن يجعل في عنق الناقة ، أو البقرة ، أو الشاة قطعة من الجلد ، أو نعلا أو نحوها مما يشعر بما ذكر حسب العرف .

فمن أحرم ومعه الهدي فإنه يسن له الإشعار والتقليد من الميقات ، ومن بعث هديا إلى البيت الحرام ليذبح عنده فإنه ينبغي أن يقلد الهدي ويشعره من بلده ، ثم يرسله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ بـعث بهديه مع أبي بكر سنة تسع من الهجرة .

ويستوي أن يكون الإشعار في الصفحة اليمنى أو في الصفحة اليسرى .

ما يطلب في الهدي
من اشترى هديا لذبحه في الحرم ، أو ساقه من بعيد لذلك فإنه يطلب منه الآتي : أن يختار السمين ، وأن يتصدق بجلاله (غطائه) ومرفقاته على مساكين الحرم ، وأن ينحر هديه بيده إن أمكنه وإلا فليشهد ذبحه ، وأن يوجه الذبيحة جهة القبلة إن استطاع ذلك ، ويقول عند الذبح ما قاله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم : باسم الله والله أكبر

ويستحب نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

أما البقر والغنم فيستحب ذبحها مضطجعة على جنبها الأيسر مرسلة رجلها اليمنى مشدودة القوائم الثلاثة.. فإن نحر ما يذبح ، أو ذبح ما ينحر جاز مع الكراهة ، وقال أحمد : لا يكره.. ومن أناب غيره ليذبح عنه فإن عليه أن يتأكد من أنه يعلم كيفية الذبح .

ويجوز الانتفاع بالهدي بالركوب والحمل عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معه ناقة وقد جهده المشي فأمره بركوبها ، وكانت هديا . وإن عطب الهدي الواجب أو تعيب عيبا فاحشا يمنع جوازه لو كان أضحية لزمه غيره لوجوبه عليه ، وإن خشي هلاكه ذبحه أو نحره ولطخه بدم ليعلم أنه هدي فلا يأكل منه إلا الفقراء .

وقت ذبح الهدي قال مالك وأحمد : يختص ذبح الهدي ولو تطوعا بأيام النحر الثلاثة ، والصحيح عند الشافعي أن وقت ذبح الهدي يوم النحر وأيام التشريق ، وقيل : لا يختص ذبحه بزمان مثل دماء الجبران ، وقال الأحناف : هدي التمتع والقران يذبح أيام النحر ودم النذور والكفارات والتطوع لا يختص ذبحه بوقت وعليه : إذا فات وقت ذبحه - وهو واجب - فإن الواجب ذبحه في أي وقت ، ويصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته ، فأما التطوع فهو مخير فيه ، فإن فرق لحمه كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم .

وللشافعية تفصيل حسن إذ يقولون : إذا كان الهدي للتمتع أو القران فوقت وجوبه الإحرام بالحج ، ووقت استحباب ذبحه يوم النحر ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ووقت جواز ذبحه بعد الفراغ من العمرة والإحرام بالحج ، لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصلاة والصوم ، وعندهم قول بجواز الذبح بعد العمرة للمتمتع ، ولكنه خلاف الأولى .

مكان الذبح
يختص ذبح الهدي ولو تطوعا بالحرم في أي موضع منه ؛ لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل عرفة موقف . وكل منى منحر ، وكل المزدلفة موقف ، وكل فجاج مكة طريق ومنحر أبو داود وابن ماجة .

والأفضل أن يكون الذبح بمنى عند الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف ، حيث نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأفضل بالنسبة للمعتمر أن يذبح في المروة لأنها موضع تحلله وجائز ذبح جميع الهدايا في أرض الحرم باتفاق العلماء ، فكل أرض الحرم صالحة للذبح فيها .

الاشتراك في الهدي
الشاة تجزئ عن واحد في الهدي وفي الأضحية ، ومثلها المعزى ، أما البدنة - أي : الناقة أو البعير- وكذا البقرة فإنها تجزئ عن سبعة لقول جابر رضي الله عنه حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة أحمد ومسلم وجمهور العلماء على أن اشتراك السبعة في الناقة أو البقرة جائز سواء أكان الكل يريد القربة أم كان البعض يريدها والبعض يريد اللحم... والأفضل ما كان أكثر نفعا للفقير سواء أكان شاة أم اشتراكا في بقرة أم جمل .

إبدال الهدي
اختلف الفقهاء في جواز إبدال الهدي بعد شرائه وتعيينه ، سواء أكان هديا واجبا كهدي النذر والقران والتمتع والجنايات ، أم كان هدي تطوع .

فالأحناف لا يجوز عندهم إبدال هدي التطوع لأنه يصير متعينا بتعيينه وتحديده ، أما الهدي الواجب فيجوز إبداله .

وقالت المالكية : إن قلد الهدي أو أشعره ، وكان منذورا بعينه لا يجوز تبديله ، وإلا جاز .

وقالت الشافعية : للمهدي التصرف في هدي التطوع بالأكل والبيع والتبديل ونحوها ، ولو قلده وأشعره ، لأنه لم يوجد منه إلا مجرد نية ذبحه على سبيل الهدي وهذه النية لا تزيل الملكية ، وكذلك لو كان واجبا في ذمته وعينه بغير نذر ، مثل أن يقول : جعلت هذا عما في ذمتي... أما لو عينه بالنذر كان قال : دله علي أن أذبحه عن الدم الواجب في ذمتي ، ونذر هدي حيوان معين ، فان ملكه يزول عنه ويصير حقا للمساكين فلا يجوز له التصرف فيه ببيع أو هبة أو إبدال .

وقالت الحنابلة : إن أوجب الشخص على نفسه هديا بقوله أو بتقليده ، أو إشعاره ناويا الهدي جاز له إبداله بالأحسن منه ، وأما إذا تطوع به فلا يلزمه إمضاؤه ، وله نماؤه وأولاده والرجوع فيه ما لم يذبحه .

(هذا) ومن لزمته بدنة ولم يجدها فله ذبح سبع شياه بدلها ، بذلك جاء نص .

مصرف الهدي
قال تعالى في الهدي : فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر .

فالمستحب هو الأكل من الهدي والتصدق منه على مساكين الحرم سواء كان هدي تمتع أو قران أو تطوع ، لأن المطلوب في ذلك هو الإراقة .

هذا في هدي الحرم ، وأما إذا ذبح في غير الحرم فإن الواجب عليه التصدق بالكل على الفقراء ، وليس للذابح ولا للغني الأكل منه ، وما أكله يغرمه للفقراء .

أما هدي غير التمتع والقران والتطوع فلا يحل الأكل منه عند الأحناف والحنابلة ، لأنه دم كفارة ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلي بينه وبين الناس ليأكلوه ولم يبح لصاحبه الأكل منه . وعند مالك : لا يأكل من النذر والكفارة وجزاء الصيد ويأكل مما سوى ذلك .


وقال الشافعي : لا يجوز الأكل من الهدي الواجب إذا كان منذورا ، أو جبرانا (كفارة) ومن الجيران هدي القران والتمتع .

(هذا) والمستحب في هدي التطوع كالمستحب في الأضحية أن يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث عند أبي حنيفة لحديث كلوا وتزودوا ، وادخروا أخرجه الشيخان .

وقال الحنابلة : يأكل الثلث ، ويهدي الثلث ، ويتصدق بالثلث : جاء ذلك في أثر لابن مسعود رضي الله عنه .

وقال الشافعي : يأكل النصف ويتصدق بالنصف .

وقالت المالكية : يأكل ويهدي ، ويتصدق بدون تحديد بثلث أو غيره .

التصرف في جلد الهدي ونحوه
يستحب التصدق بجلد الهدي وجلاله وخطامه ، ولا يجوز أن يأخذ الجزار أجره من الهدي ولا يجوز بيع جلده ولا شيء من أجزائه ، ولا ينتفع به في البيت ونحوه ، وجوزوا الانتفاع بجلد هدي التطوع .

ضيف المهاجر
18 - 12 - 2005, 00:00
الأضحية
الأضحية والضحية : اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق بقصد التقرب إلى الله تعالى.. ويقال فيها : أضحية بضم الهمزة وكسرها وأضحاة وضحية .

وهي ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .

قال تعالى : إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر

والمراد بالنحر في الآية هو الذبح يوم النحر على أحد الأقوال فيشمل الأضحية والهدي وذلك قول الجمهور .

وثبت في أحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى ، وضحى المسلمون معه .

حكمها :

ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى أنها سنة مؤكدة ، ولم يقل بوجوبها إلا أبو حنيفة ، وقال ابن حزم : لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة .

وقد استدل على عدم الوجوب بحديث أم سلمة عند مسلم : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعر ولا بشر شيئا قال الشافعي : إن قوله : فأراد أحدكم يدل على عدم الوجوب .

فضل الأضحية
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها ، وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا رواه ابن ماجة والترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب .

وعن زيد بن أرقم قال : قلت أو قالوا يا رسول الله : ما هذه الأضاحي ؟ قال : سنة أبيكم إبراهيم ، قالوا : مالنا منها ؟ قال : بكل شعرة حسنة ، قالوا : فالصوف ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة رواه أحمد وابن ماجة .

وصح عن أبي هريرة قوله : من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا أحمد وابن ماجة

ما تجوز منه الأضحية
أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع الأنعام (الإبل والبقر والغنم) ولا تجزئ من غيرها . وأما تضحية بلال بديك فتدل على عدم وجوب الأضحية كما حدث عن ابن عباس أن اشترى لحما وأخبر الناس أن هذا اللحم هو أضحيته .

واختلف العلماء في الأفضل من الأنواع الثلاثة ، فذهب مالك إلى أن الأفضل في الضحايا : الكباش ، ثم البقر ، ثم الإبل عكس الأمر في الهدايا ، وذهب الشافعي إلى عكس قول مالك وبه قال أشهب وابن شعبان

ويجزئ من كل نوع ما يجزئ منه في الهدي ، وقد سبق الكلام فيه .

وتجوز الضحية بالخصي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى به ، ولأن لحمه أطيب .

ما لا تجوز منه الأضحية
لا تجوز الأضحية من غير الأنواع السابقة بالإجماع إلا ما ذكر عن الحسن بن صالح أنه أجاز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظبي عن واحد .

كما لا تجور الأضحية بسن أقل من السن المشروط في كل نوع ، ولا تجزئ المريضة البين مرضها (أي : الظاهر الواضح) ولا العوراء البين عورها ، ولا العرجاء البين عرجها ، ولا الضعيفة العجفاء التي ذهب مخها كما شدة الهزال .

وهذه العيوب الأربعة متفق على أن وجود واحد منها يمنع الإجزاء ، وبها جاء الحديث ولذلك وقف الظاهرية عندها ولم يقيسوا عليها غيرها ، وقالوا : إن تحديد النبي صلى الله عليه وسلم العيوب بالأربعة المذكورة دليل على عدم الزيادة عليها ، بل يجب الوقوف عكندها فقط . كما أن هذه الأربعة اتفق العلماء على أن العيب الخفيف منها . غير مؤثر في الجواز .

وجمهور الفقهاء زادوا على هذه العيوب ما كان أشد منها ، وقالوا : إن العيب الأشد هو أحرى وأولى بمنع الإجزاء ، مثل العمى وكسر الساق الإصابة بمرض من الأمراض المعدية ، وقال هؤلاء الفقهاء : إن الحديث خاص أريد به العموم وليس خاصا أريد به الخصوص إلا أن هؤلاء الذين قالوا بالقياس وبأن الحديث خاص أريد به العام اختلفوا : فمنهم من قال : يلحق بالمذكورات ما هو أشد منها وما هو مساو لها ، وهو المشهور من مذهب مالك ، ومنهم من قال : يلحق الأشد فقط... وتفرع على ذلك اختلافهم في الآتي :

المقطوعة الأذن : قال بعضهم : إن قطع الثلث يمنع الإجزاء ، وقال آخرون : لا يمنع إلا قطع الأكثر ، وكذلك القول في الذنب ، وذهاب الأسنان ، وأطباء الثدي (الحلمات) .

وأما القرن فإن مالكا قال : ذهاب جزء منه ليس عيبا إلا أن يكون يدمي (يسيل دمه) .

واختلفوا في الصكاء (وهي التي خلقت بلا أذنين) فذهب مالك والشافعي إلى أنها لا تجوز ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا كان خلقة جاز ، ولم يختلف الجمهور أن قطع الأذن كله أو أكثره عيب . وما خلق بلا قرنين جائز عند الجميع ، ويسمى : الأجم .

واختلفوا في الأبتر (وهو مقطوع الذنب) فقوم أجازوه ، وقوم منعوه .

كفاية أضحية واحدة عن أهل البيت الواحد
إذا ضحى إنسان بشاة أو بمعزى فانها تكفي عنه وعن أهل بيته ممن يرعاهم وينفق عليهم ، بمعنـى أنهم يشتركون معه في الثواب ؛ لأن الأضحية سنة كفاية ، للحديث الذي رواه ابن ماجة والترمذي وصححه أن أبا أيوب قال : كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار ما ترى أي : صار الناس يعتبرون ذلك بخلا حتى لا يأكل أحد من ضحيته.. وهذا قول جمهور الفقهاء ، وفيه يسر على المسلمين كبير ، وكذلك كان يفعل الصحابة .

المشاركة في الأضحية
يجوز أن يشترك في الجمل أو البقرة سبعة أشخاص ، فعن جابر رضي الله عنه قال : نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة رواه مسلم وأبو داود والترمذي أما الشاة فلا تكفي إلا عن واحد ، ومثلها المعزى .

توزيع لحم الأضحية
لو أكل إنسان لحم أضحيته كله لجاز ذلك عند بعضهم ولكنه يعتبر مخالفا للسنة ، لأن السنة أن يأكل منها المضحي هو وأهل بيته ، ويطعم منها الفقراء ، ويهدي الأقارب والأصحاب .

وقد قال العلماء : الأفضل أن يأكل الثلث ، ويدخر الثلث ، ويتصدق بالثلث.. ويجوز نقلها ولو إلى بلد آخر ، وإليك الأدلة على ما ذكر :

(1) : عن سلمة بن الأكوع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء . فلما كان في العام المقبل قالوا : يا رسول الله . نفعل كما فعلنا في عام الماضي ؟ قال : كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردنا أن تعينوا فيها متفق عليه .

(2) : وعن ثوبان قال : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم . أضحيته ثم قال : يا ثوبان . أصلح لي لحم هذه ، فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة رواه أحمد ومسلم .

(3) : وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة ليتسع ذوو الطول (أصحاب الغنى) على من لا طول له ، فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه

فالأحاديث السابقة دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين أن يبقوا من لحوم الأضاحي شيئا بعد ثلاثة أيام من ذبحها يوم النحر ، وذلك بسبب الجهد الذي أصاب الناس حق قدم الأعراب إلى المدينة من أجل طلب المعونة والمساعدة ، فلما انتهت هذه الشدة وجاء عام مقبل أذن النبي صلي الله عليه وسلم للمسلمين أن يأكلوا من الأضاحي ويدخروا لأهليهم ويطعموا الفقراء كما يشاءون ، إلا أن الفقهاء اختلفوا في الأكل من الأضحية : هل هو واجب أو سنة أو مباح ؟ والسبب : هو اختلافهم في مضمون قوله صلى الله عليه وسلم : كلوا هل هو إيجاب ، أو استحباب ، أو إباحة ؟

قال بعض الفقهاء بالوجوب ، وقال آخرون بالاستحباب ، وقال آخرون بالإباحة . كما اختلفوا في قوله صلى الله عليه وسلم وتصدقوا هل هو للإيجاب أو الاستحباب أو الإباحة ، وبكل قيل . والأحوط التصدق ولو بجزء يسير منها ، والأقرباء الفقراء أولى بالصدقة ، مع العلم بأن أي أكل وأي تصدق يقوم بالمطلوب ولو قليلا .

وفي الحديث الثاني تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وبأن التزود منه لا ينافي التوكل ، وأن الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم ، وبه قال الجمهور ، وقال النخعي وأبو حنيفة : لا ضحية على المسافر ، وقال مالك وجماعة : لا تشرع للمسافر بمنى ومكة .

(هذا) وقد جاء في حديث النهي عن إعطاء الجزار أجرته من الأضحية ، وعلى هذا اتفق الفقهاء ، كما اتفقوا على أن جلود الأضحية إما أن يتصدق بها المضحي وإما أن ينتفع بها ، غير أنهم اختلفوا في الانتفاع ، فالبعض يقول : لا يكون الانتفاع إلا بنفس الجلود وهو الذي عليه رأي الجمهور ، والبعض القليل أجاز بيع الجلد ليشترى بثمنه شيء يستفاد به في البيت ، إما إن باعه وتصدق بثمنه فإن أكثرية من الفقهاء توافق على ذلك .

وقت الذبح
اختلف الفقهاء في أول وقت يجوز فيه ذبح الأضحية ؛ فقال أبو حنيفة : يدخل وقت الذبح في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر من يوم النحر ، ولا يدخل في حق أهل الأمصار إلا بعد أن يصلي الإمام ويخطب ، فإن ذبح قبل ذلك لم يجز .

وقال مالك : لا يجوز الذبح إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه أخذا بنص الحديث .

وقال أحمد : لا يجوز قبل صلاة الإمام ، ويجوز بعدها قبل أن يذبح ، سواء في ذلك أهل القرى والأمصار والبوادي ، وعلى رأيه الحسن والأوزاعي وإسحاق .

وقال الشافعي وداود وآخرون : إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبته أجزأ الذبح بعد ذلك ، سواء صلى الإمام أم لا ، وسواء صلى المضحي أم لا ، وسواء كان من أهل القرى ، أم من أهل الأمصار ، أم من أهل البوادي . أم من المسافرين .

قال ابن المنذر : وأجمعوا على أنه لا تجوز التضحية قبل طلوع الفجر .

وأما آخر وقت الذبح ففيه خلاف أيضا .

فأبو حنيفة ومالك وأحمد يقولون : إن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده ، وحكى ابن القيم عن أحمد أنه قال : هو قول غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهبت الهادوية والناصر من أهل البيت .

وقال الشافعي وداود والظاهري : وقت الذبح هو يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة ، وقد حكي هذا المذهب عن جبير بن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومكحول وسليمان بن موسى الأسدي فقيه الشام

وهل تجوز التضحية في ليالي أيام الذبح أم لا ؟

قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور : تجوز مع الكراهة ، وقال مالك في المشهور عنه وهي رواية عن أحمد لا تجوز .

قال الشوكاني : والقولان يحتاجان إلى دليل ، ولا دليل ، فالأصل الجواز بدون كراهة .

والأصل في ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم ، حين وجد ناسا قد ذبحوا قبله يوم النحر : من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله متفق عليه .

وقوله صلى الله عليه وسلم : كل أيام التشريق ذبح أخرجه أحمد .

وابن حبان في صحيحه ، وقد طعن في صحته بعضهم

الـعـمـيــــــــــــد
18 - 12 - 2005, 09:48
يء جميل أخوي ضيف نشوف موضوع متكامل مثل هذا
عن الحج وشروطه وما يجب وما لا يجب فيه .