المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة للمحاسبة



كلمة حق
16 - 10 - 2005, 18:05
الحمد لله رب العالمين ، إله الأولين والآخرين ، هو الأول بلا ابتداء ، والآخر بلا انتهاء ، كل

شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه المرجع والمآب .

وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه

ما فاحت الأزهار ، وما أشرقت الأنوار ، وما تعاقب الليل والنهار ، وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد :

إن من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة لا بعين البصر ، أيقن أن نعيمها ابتلاء ، وحياتها

عناء ، وعيشها نكد ، وصفوها كدر ، وأهلها منها على وجل ، فالدنيا إما نعمة زائلة

أو بلية نازلة أو منية عاجلة أو آجلة .

من اطمأن إليها أقلقته ، ومن ركن إليها ذلته ، ومن وثق بها خانته ، ومن استعان

بها تركته ، ومن استنصر بها خذلته ، ومن فرح بها أحزنته ، ومن أراد منها الوصال

هجرته ، ومن أراد منها القرب أبعدته .

أخي إن من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته ، واشتدت عليه حسراته ، وأي حسرة

على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة ، وتقوده أيامه إلى مزيد من الردى والشقوة .

أخي في الله : هل تذكرت الموت وسكراته ؟! وشدة هوله وكرباته ؟!

وشدة نزع الروح منك ؟!

فإن الموت كما قيل أشد من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير ، وقرض

بالمقاريض ، فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته ، وصعوبة كأسه ومرارته ، فالموت

لا يخشى أحدا ، ولا يبقى على أحد ، ولا تأخذه شفقة بأحد ، وصدق الله حيث يقول سبحانه :

( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت ) آل عمران / 185 ، نعم ( كل نفس ذائقة الموت ) لا فرق

بين نفس ونفس ، لا فرق بين صغير وكبير ، وعظيم وحقير ، وغني وفقير ، فجدير

بمن الموت مصرعه ، والتراب مضجعه ، والدود أنيسه ، ومنكر ونكير جليسه ، والقبر

مقره ، وبطن الأرض مستقره ، والقيامة موعده ، والجنة أو النار مورده ، أن

لا يكون له فكر إلا في ذلك ، ولا استعداد إلا له .

أخي المسلم :

هل تذكرت القبر وظلمته ؟! وضيقه ووحشته ؟ هل تذكرت ذلك المكان الضيق ، الذي

يضم بين جوانبه جثث الموتى من عظيم وحقير ، ومالك ومملوك ، والقبر إما روضة

من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، وإما دار كرامة وسعادة ، أو دار إهانة وشقاوة .

فواعجباً لأهل المعاصي يعلمون أنهم إلى القبر صائرون !

ثم واعجباً لأهل الغفلة والإعراض ، كيف لا ينتبهون من غفلتهم ويستيقظون من

سباتهم ، وهم يعلمون أنهم غداً في بطون اللحود مقيمون ؟!

أخي : هل تذكرت أول ليلة في القبر ؟!

حيث لا أنيس ولا جليس ، ولا صديق ولا رفيق ، ولا زوجة ولا أطفال ، ولا أحبة

ولا أعوان ، ولا أقارب ولا خلان ..

( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) الأنعام / 62 .

فيا أخي الحبيب ! تخيل نفسك بعد ثلاثة أيام وأنت في قبرك وقد جردت

من الثياب ، وتوسدت التراب ، وفارقت الأحباب ، وتركت الأصحاب ، ولم يكن

معك جليس ولا أنيس إلا عملك الذي قدمته في الدنيا ، فماذا تحب أن تقدم لنفسك

وأنت في زمن الإمهال حتى تجده في انتظارك يوم انتقالك إلى دار الجزاء والحساب ؟!

( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ
لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران / 30 .

أخي في الله ! هل تذكرت النفخ في الصور ؟! والبعث يوم النشور ؟! وتطاير الصحف !

والعرض على الجبار جل جلاله والسؤال عن القليل والكثير ، والصغير والكبير ، والفتيل

والقطمير ! ونصب الموازين لمعرفة المقادير ! ثم جواز الصراط ، ثم انتظار النداء

عند فصل القضاء ! إما بالسعادة وإما بالشقاء .

أخي : فمثل نفسك وقد بعثت من قبرك مبهوتاً من شدة الصاعقة ، شاخص البصر

نحو النداء ، وقد ثار الخلق ثورة واحدة من القبر ، مفزوعين من شدة النفخ ، ووقفوا

في ذل وانكسار منتظرين بما يقضى عليهم فكيف حالك وحال قلبك ؟!

فتأمل يا مسكين في طول هذا اليوم ، وشدة الانتظار فيه ، والخجل والحياء

من الافتضاح عند العرض على الجبار جل جلاله ، ثم انظر كيف يساقون بعد البعث

والنشور حفاة عراة غرلاً إلى أرض المحشر ، أرض بيضاء قاعاً صفصفا

لا ترى فوا عوجاً ولا أمتا .

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم

" يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصية النقى ليس فيها علم لأحد "
رواه البخاري (6521) ومسلم (6686) .

وقرصة النقي هو الدقيق النقي من الغش والنخال .

قال تعالى : ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً . وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً )
مريم /85 ، 86 ،

فعندئذ أصبح الغيب شهادة ، والسر علانية ، والمستور مكشوفاً ، والمخبأ

ظاهراً ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا

أهل النار خلود بلا موت .

فيا أخي : هل خلوت بنفسك يوماً فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال ؟

وهل حاولت يوماً أن تعد سيئاتك وزلاتك ومعاصيك كما تعد حسناتك ؟

بل هل تأملت يوماً في طاعتك التي تفتخر بها وبذكرها فوجدت أن كثيراً منها

مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس ؟

فكيف تصبر على هذه الحال ، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار ؟

وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار ؟

قال تعالى
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر/18 .

وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى
يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وماله من
أين أكتسبه وفيما أنفقه ، وماذا عمل فيما علم " أخرجه الترمذي (7/145) (2416)
وأبو يعلى (9/178) (5271) والطبراني في الصغير (1/269) وغيرهم , والحديث
قواه الألباني بشواهده في "الصحيحة"(946) .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا "

وفي رواية " وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، فإنه أهون عليكم في الحاسب
غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر "
( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) الحاقة / 18 . أخرجه الترمذي (7/201) .

فحري بك يا عبد الله أن تقف مع نفسك هذه الوقفة ، وتحاسب نفسك هذه

المحاسبة ، فما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار .

كان ميمون بن مهران رحمه الله تعالى يقول : يا معشر الشيوخ ، ما ينتظر من

الزرع إذا ابيض ؟ قالوا : الحصاد ، فنظر إلى الشباب وقال : إن الزرع قد تدركه

الآفة قبل أن يستحصد ، وقبيح بالشباب تأخير التوبة ، وأقبح منه تأخير الشيوخ .

نعم : أخي الكريم ، خذ من صحتك لمرضك ومن فراغك لشغلك ، ومن حياتك لموتك ، ومن

غناك لفقرك ، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، فإذا أصبحت فلا

تنتظر المساء ، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وقل لنفسك :

ألا يا نفس ويحك ساعديني ** بسعي منك في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي ** بطيب العيش في تلك العلالي

فيا أخي الكريم : هذا شهر رمضان قد أقبل عليك بعد طول غياب ، جاء إليك بالخير

والبشر والبركات ، فيه تتنزل الرحمات ، وتغفر الذنوب والسيئات ، وتقال فيه

العثرات , وتفتح فيه أبواب الجنان , وتغلق فيه أبوب النيران , وتصفد فيه مردة

الشياطين ، فهلا أخذت من رمضان وقفة للمحاسبة ، وفرصة للمصالحة

مع الله ، وفتح صفحة جديدة من صفحات حياتك ، تكون بداية التوجه الصحيح

إلى الله جل جلاله ، فرمضان وقفة للمحاسبة لمن أراد أن يحاسب نفسه

ويسير بها على طريق الجادة .

فيجب عليك أخي الكريم : أن تجلس مع نفسك من حين لآخر وتعقد جلسة محاسبة

مع نفسك ، تحاسبها بداية عن الفرائض ، مثل التوحيد والصلاة والزكاة والصوم

وغير ذلك مما افترضه الله عليك فإن وجدت نقصاً وتقصيراً تداركته ، وبعد ذلك

تحاسب نفسك على ما أنت واقع فيه من المعاصي والذنوب كعقوق الوالدين ، وقطعية

الرحم ، وأكل الربا , والكذب , والغيبة والنميمة , والنظر إلى الحرام ، وارتكاب

الفواحش ، وشرب المحرمات كالدخان والمسكرات والمخدرات ، وغير ذلك من

الكبائر والصغائر التي نهاك عنها المولى جلا وعلا ، فيجب عليك أن تقلع

على الفور ، وتتدارك ذلك بالتوبة والأوبة والرجوع إلى الله والندم من ما قد

جنت يداك ، وعليك أن تكثر من الاستغفار والذكر والدعاء بأن يتوب الله

عليك ، وأن يقبل توبتك ، وتدعوه أن يصرفك عن السوء بما شاء وكيف

شاء ، وتحاسب نفسك كذلك على الغفلة والإعراض عن الله وعن

طاعته ، وتدارك ذلك بالمسارعة في فعل الخيرات والحسنات الماحيات ، وتحاسب

نفسك على حركات الجوارح ، ككلام اللسان ومشي الرجلين ونظر العينين ، وسماع

الأذنين ، وغيرهما من الجوارح .. وتسأل نفسك عند كل كلمة أو فعلة أو حركة ..

ماذا أردت بهذا ؟ ولمن فعلته ؟ وعلى أي وجه فعلته ؟ وما الفائدة من فعله ؟

فهذه الأسئلة تجعلك دائماً أبداً متيقظاً لنفسك آخذاً بخطامها ، وعليك أن تلجم

نفسك بلجام التقوى , حتى تكون من الفائزين

( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) النور/ 52 .


هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


منقول

زهرة
16 - 10 - 2005, 20:15
جزااااااااااك الله خيرا

زهرة
16 - 10 - 2005, 20:17
جزااااااااااك الله خيرا

ANA OMANI
17 - 10 - 2005, 23:23
السلام عليكم ورحمه من الله وبركته


جزاكم الله الف خيرا ع الموضوع الطيب والجميل وعسى الله يوفقكم جميعا.

مع أحترامي للجميع

أختكم فى الله

AN OMANI

كلمة حق
18 - 10 - 2005, 05:57
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أختي الفاضله زهرة

أختي الفاضله انا عماني

جزانا الباري عزوجل واياكم خير الجزاء

اشكركما على تشريفي بمروركما الكريم بارك الله بكما.

عمار النقيب
18 - 10 - 2005, 12:06
.. نسأل الله حسن الخاتمة ........!!

جزيل الشكر .............. لموضوعك

وجزاك الله كل خير

الـعـمـيــــــــــــد
18 - 10 - 2005, 12:45
اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

بارك الله فيك كلمة حق

كلمة حق
18 - 10 - 2005, 18:21
.


. نسأل الله حسن الخاتمة ........!!






اللهم آمين


جزانا المولى عزوجل واياك خير الجزاء اخي الكريم


اشكرك على تشريفي بمرورك بارك الله بك.

كلمة حق
18 - 10 - 2005, 18:23
اخي الفاضل رحال


جزاك المولى عزوجل خير الجزاء على تشريفي بمرورك وتواصلك الكريم.

أسيرة الحزن
19 - 10 - 2005, 05:14
جزااااااااااك الله خيرا

كلمة حق
19 - 10 - 2005, 06:34
أختي الفاضله ريما الخال


جزانا المولى عزوجل واياك خير الجزاء

اشكرك على تشريفي بمرورك بارك الله بك.

كلمة حق
19 - 10 - 2005, 06:38
أختي الفاضله ريما الخال


جزانا المولى عزوجل واياك خير الجزاء

اشكرك على تشريفي بمرورك بارك الله بك.