إبحار قلم
03 - 10 - 2005, 14:34
إقرأوا معي هذا الجمال للقاص سليمان المعمري....جزء من نصه (( إبتسامة سمية)) ما رأيكم؟؟؟
سفر :
في زمن الحقائب المكتنزة بكل شيء وحدك تسافر بلا حقيبة.. كل هذه العيون ولا أحد يحدق فيك إلا الغربة، كل هذا الضجيج ولا شيء يوقظ روحك النائمة.
قاعة المغادرين دنيا مصغرة لن تأتي على مقاس متشرد مثلك أبدا.. وها أنت بعد هذا العمر الهباء تكتفي من الغنيمة... بالذهاب !
دمك يسافر معك خاليا من السُكّر والأمنيات.. كم يلزمك من العمر لتدرك أنك من فصيلة الكائنات المنقرضة التي لا تجيد هضم النصائح المغلفة بطبقة من الشيكولاتة.. لعله خلل في التربية والتعليم الأساسي حيث كان على تلميذ صغير لم ينبت له ضرس الجنون بعد، أن يقوم منذ صياح الديك للمعلم الذي كاد (لولا الحظ العاثر) أن يكون رسولا.
الطفل الذي كنتَه في مدرسة عبدالرحمن بن عوف الإعدادية التي لم يصبها دوار البحر رغم وقوعها قاب محارتين أو أدنى منه، كان من الزبائن المفضلين لعصا المعلم الغليظة والمشحوذة بحذق مربٍ فاضل تُراهنُ بما تبقى من عمرك أنه لن يصبح رسولا في يوم من الأيام (هذا إذا كان مازال على قيد الحياة !).. الطفل كان ينتظره مستقبل عظيم في السذاجة بدليل أنه كان يستجيب ـ وبلا تحفظ ـ لنصائح زملائه الأشقياء الذين ما يلبثون أن يتنصلوا منها بمجرد مشاهدة العصا.. من سذاجاته المشهورة سؤاله البريء جدا لمربيه الفاضل : هل صحيح أنك غير مختن يا أستاذ ؟
ذلك زمن ولى إلى غير رجعة علمك كيف تفتح أذنك اليسرى لأية نصيحة مجانية، ثم وبسرعة الوميض تفتح اليمنى لتتيح للنصيحة التنعم بالهواء الطلق، والطيران في المطلق كفراشة
ثمة صوت ناعم لا يأبه كثيرا باللغة ولا بمخارج الحروف يطلب من المسافرين التأكد من حزم الأحلام والذكريات جيدا في الحقائب حتى لا يطوح بها في الفضاء مطب جوي !
الرجل الملتحي يجر حقيبته بإيمان راسخ، وينظر إلى البهو الخارجي بصمت جميل يليق بوطن سيختفي بعد قليل وراء الغيوم الداكنة.. الكتب التي يحملها في يده تشي بأنه ذاهب للدراسة.. تراهن وأنت تحدجه بنظراتك المستكشفة بأنه يعبئ الوطن في الروح بما يكفي لسنوات قادمة.. أنت شخصيا تكفيك صورة سمية في المحفظة وهي تبتسم بغموض (وكأنها تعتذر عن خطأٍ ما) لتتأكد أن الوطن سيسافر معك أنى توجهتَ .. يجدر بك أن تنوه للسادة المسافرين الكرام (الذين لن يسمعوا هذا التنويه بكل تأكيد) أن الصورة التُقطت في زمن غابر، قبل أن تفقد سمية ابتسامتها بعصور.. أيام كانت تلك الابتسامة تضيء بوهجها الكهوف المعتمة داخلك قبل أن تلعب الأيام لعبتها المفضلة وتقذف بك في مطار حزين كهذا حيث لا باب أمامك لتقصده ولا نافذة وراءك لتلتفت إليها.
ثمة امرأة شقراء تحمل رضيعها في يدها كتميمة، وتبتسم للشرطي الذي يبدو مرتبكا وهو يقرأ تفاصيل الجمال الأوروبي في جواز السفر.. الابتسامة الصفراء لم تنجح في إخفاء الارتباك.. بالمناسبة، ابتسامة الشرطي لا يمكنها أن تضيء أبدا لأنها مصنوعة من مادة عازلة للكهرباء.. ولاحظ أنك تطرح هذه الفكرة بينك وبينك بتجرد تام، ولا دخل لذلك بكونك لا تحب الشرطة أو تذوب في شرائطهم.
في ذروة الصعود المحسوب بدقة نحو الضجر ثمة امرأة أربعينية تصعد إلى المشهد بهدوء.. امرأة تكبرك فقط بخمس عشرة سنة.. أحسستَ دائما بأن سمية لا تحبها وإنْ لم تصرّح بذلك، لكنها كانت تحترم صرامتها في تربية أولادها الذين كنتَ بكرهم.. وما أشقاك بهذه الميزة التي مازلت تدفع ضريبتها حتى اللحظة.. الأم مدرسة إذا أعدها جدك بفعل قليل وجدتك بكلام كثير، وما كانت بعد هذا الإعداد لتجد صعوبة في أن تحب زوجا يكبرها بضعف عمرها.. تراهن الآن بما تبقى لك من دقائق معدودة في الوطن أن الوطن الآخر الذي في المحفظة لم يكن يحبها لأنه كان يريد أخذ حصتها في تربيتك.
سفر :
في زمن الحقائب المكتنزة بكل شيء وحدك تسافر بلا حقيبة.. كل هذه العيون ولا أحد يحدق فيك إلا الغربة، كل هذا الضجيج ولا شيء يوقظ روحك النائمة.
قاعة المغادرين دنيا مصغرة لن تأتي على مقاس متشرد مثلك أبدا.. وها أنت بعد هذا العمر الهباء تكتفي من الغنيمة... بالذهاب !
دمك يسافر معك خاليا من السُكّر والأمنيات.. كم يلزمك من العمر لتدرك أنك من فصيلة الكائنات المنقرضة التي لا تجيد هضم النصائح المغلفة بطبقة من الشيكولاتة.. لعله خلل في التربية والتعليم الأساسي حيث كان على تلميذ صغير لم ينبت له ضرس الجنون بعد، أن يقوم منذ صياح الديك للمعلم الذي كاد (لولا الحظ العاثر) أن يكون رسولا.
الطفل الذي كنتَه في مدرسة عبدالرحمن بن عوف الإعدادية التي لم يصبها دوار البحر رغم وقوعها قاب محارتين أو أدنى منه، كان من الزبائن المفضلين لعصا المعلم الغليظة والمشحوذة بحذق مربٍ فاضل تُراهنُ بما تبقى من عمرك أنه لن يصبح رسولا في يوم من الأيام (هذا إذا كان مازال على قيد الحياة !).. الطفل كان ينتظره مستقبل عظيم في السذاجة بدليل أنه كان يستجيب ـ وبلا تحفظ ـ لنصائح زملائه الأشقياء الذين ما يلبثون أن يتنصلوا منها بمجرد مشاهدة العصا.. من سذاجاته المشهورة سؤاله البريء جدا لمربيه الفاضل : هل صحيح أنك غير مختن يا أستاذ ؟
ذلك زمن ولى إلى غير رجعة علمك كيف تفتح أذنك اليسرى لأية نصيحة مجانية، ثم وبسرعة الوميض تفتح اليمنى لتتيح للنصيحة التنعم بالهواء الطلق، والطيران في المطلق كفراشة
ثمة صوت ناعم لا يأبه كثيرا باللغة ولا بمخارج الحروف يطلب من المسافرين التأكد من حزم الأحلام والذكريات جيدا في الحقائب حتى لا يطوح بها في الفضاء مطب جوي !
الرجل الملتحي يجر حقيبته بإيمان راسخ، وينظر إلى البهو الخارجي بصمت جميل يليق بوطن سيختفي بعد قليل وراء الغيوم الداكنة.. الكتب التي يحملها في يده تشي بأنه ذاهب للدراسة.. تراهن وأنت تحدجه بنظراتك المستكشفة بأنه يعبئ الوطن في الروح بما يكفي لسنوات قادمة.. أنت شخصيا تكفيك صورة سمية في المحفظة وهي تبتسم بغموض (وكأنها تعتذر عن خطأٍ ما) لتتأكد أن الوطن سيسافر معك أنى توجهتَ .. يجدر بك أن تنوه للسادة المسافرين الكرام (الذين لن يسمعوا هذا التنويه بكل تأكيد) أن الصورة التُقطت في زمن غابر، قبل أن تفقد سمية ابتسامتها بعصور.. أيام كانت تلك الابتسامة تضيء بوهجها الكهوف المعتمة داخلك قبل أن تلعب الأيام لعبتها المفضلة وتقذف بك في مطار حزين كهذا حيث لا باب أمامك لتقصده ولا نافذة وراءك لتلتفت إليها.
ثمة امرأة شقراء تحمل رضيعها في يدها كتميمة، وتبتسم للشرطي الذي يبدو مرتبكا وهو يقرأ تفاصيل الجمال الأوروبي في جواز السفر.. الابتسامة الصفراء لم تنجح في إخفاء الارتباك.. بالمناسبة، ابتسامة الشرطي لا يمكنها أن تضيء أبدا لأنها مصنوعة من مادة عازلة للكهرباء.. ولاحظ أنك تطرح هذه الفكرة بينك وبينك بتجرد تام، ولا دخل لذلك بكونك لا تحب الشرطة أو تذوب في شرائطهم.
في ذروة الصعود المحسوب بدقة نحو الضجر ثمة امرأة أربعينية تصعد إلى المشهد بهدوء.. امرأة تكبرك فقط بخمس عشرة سنة.. أحسستَ دائما بأن سمية لا تحبها وإنْ لم تصرّح بذلك، لكنها كانت تحترم صرامتها في تربية أولادها الذين كنتَ بكرهم.. وما أشقاك بهذه الميزة التي مازلت تدفع ضريبتها حتى اللحظة.. الأم مدرسة إذا أعدها جدك بفعل قليل وجدتك بكلام كثير، وما كانت بعد هذا الإعداد لتجد صعوبة في أن تحب زوجا يكبرها بضعف عمرها.. تراهن الآن بما تبقى لك من دقائق معدودة في الوطن أن الوطن الآخر الذي في المحفظة لم يكن يحبها لأنه كان يريد أخذ حصتها في تربيتك.