كلمة حق
13 - 03 - 2005, 04:30
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى
نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى ، وبعد :
فهذا خلاصة بحثٍ كتبه فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق ـ حفظه الله ـ
في مسألة " حكم تولي المرأة الولايات العامة والاشتراك في المجالس
التشريعية نائبة وناخبة " ، آمل أن تجدوا فيه الفائدة .
-----------------------------------
الباب الأول
على أن تولي المرأة للولايات العامة ودخولها إلى
المجالس التشريعية ليس حقاً لها ولا واجباً عليها :
أولاً: إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن
تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا عدم تكليف المرأة بشيء من هذه الولايات:
الدليل الأول على أن تولي المرأة للولايات العامة، والتشريع للأمة من
خلال مجالس الشورى، أو أية مسمى آخر ليس واجبا على المرأة
ولا هو حق لها، وأن الشريعة لم تأت به قط:
هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول امرأة قط شأنا من
هذه الشئون، ولو كان هذا حقا من حقوق المرأة، أو واجبا من الواجبات
عليها لما أغفل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق والواجب.
كيف وهو رسول الله، الأمين على تطبيق شريعته، وتنفيذ
أحكامه، وتبليغ رسالته؟
كيف والرسول صلى الله عليه وسلم قد مكنه الله، وكان الحاكم بأمر الله
بين المسلمين , قال تعالى
{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (النساء:105).
وقد تولى النبي صلى الله عليه وسلم جميع مهام الحكم:
من القضاء بين الناس وتولية الأمراء، عزلهم ومحاسبتهم، وإرسال
الجيوش، وإعلان الحرب، وعقد الصلح والهدنة والسلم، ومخاطبة الملوك
ودعوتهم وتهديدهم وإنذارهم، فقد أرسل لكسرى عظيم فارس [أسلم تسلم]
ولقيصر عظيم الروم [أسلم تسلم..] ..الخ وولى رسول الله أمراء على
النواحي والمدن، في مكة وعمان والبحرين، واليمن وعلى الوفود
وولى على الزكاة والصدقات..
ولم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى امرأة واحدة
في كل هذه الولايات.
ولو كان تولي هذه الولايات أو بعضها واجبا على المرأة، لما أغفل
النبي صلى الله عليه وسلم هذا الواجب ولو كان حقاً كذلك من حقوق المرأة
فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يمنع النساء من هذا الحق.
وكذلك الحال مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين
الذين تولوا أمر المسلمين بعده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
فإن أحدا منهم لم يول امرأة ولاية عامة:
إمارة بلدة أو قضاء ناحية، أو قيادة جيش، أو أمراً عاماً كالزكاة،
والقضاء، والوفود، والسفارة.
ولا دخلت امرأة واحدة إلى مجلس الحكم أو الشورى لخليفة من هؤلاء
الخلفاء الراشدون فكيف يجمع هؤلاء الخلفاء الأربعة في عصر الإسلام الزاهر
على حرمان المرأة حقاً هو لها، أو واجباً أوجبه الله عليها؟!
كيف وهذه الأمة لا تجتمع على باطل..
أليس حرمان المرأة حقاً من حقوقها أو عدم تمكينها من القيام بواجبها باطل؟!
فكيف تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ذلك!!؟
ثم هؤلاء خلفاء الإسلام الذين جاءوا بعد الخلافة الراشدة:
بنو أمية، وبنو العباس، وبنو عثمان، وما تخلل ذلك من حكومات الإسلام
هل كان منهم من ولى امرأة ولاية من هذه الولايات العامة؟
وهل كان منهم من جعل امرأة عضواً في مجلس التشريع؟
هل يتصور أن تظل أمة الإسلام على هذا الباطل في كل عصورها؟!
ثانياً: ليس هناك في الكتاب والسنة ما يثبت أن للمرأة حقاً في
الولايات العامة أو أنه يجب عليها تولي الولايات:
الدليل الثاني أن القرآن -كتاب الله المحكم-
وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيها
ما يثبت هذا الحق، أو يقضي بهذا الواجب.
فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأداء الأمانات إلى أهلها..
قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم
بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء:58).
ولم يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية بقوله ولا فعله
أن المرأة من أهل الولاية وأن من أداء الأمانة إلى أهلها توليتها.
ولم يقل أحد قط من أهل العلم إن المرأة هي أهل لتحمل أمانة الحكم.
وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ليس فيه حرف واحد يدل على
أن تولية المرأة للولايات العامة واجب عليها أو حق لها.
بل في القرآن ما يدل على غير ذلك وهو ما سنبينه
في الفقرة التالية إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: آيات القرآن تمنع المرأة من الولايات العامة والخاصة:
الدليل الثالث أن آيات كثيرة من القرآن الكريم قد جاءت بمنع المرأة
من الولايات العامة، بل ومن الولايات الخاصة (ولاية المنزل والأسرة)
فمن ذلك:
(أ) الولاية للرجل في الأسرة والمنزل:
قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على
بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء:34).
وهذه الآية نص في قوامة المنزل والأسرة خاصة، وهي كذلك نص عام
بجعل القوامة مطلقاً للرجال على النساء
فإن {الرجال} بالألف واللام للإستغراق، و {النساء} بالألف واللام للإستغراق
فحيثما وجد رجال ونساء فإن الواجب الشرعي أن تكون القوامة للرجال
دون النساء، والقوامة هنا هو القيام بأمر الغير، وتولي ولايته، ورجوع الأمر إليه.
(ب) جعل شهادة المرأة على العقود عند عدم وجود الرجل
على النصف من شهادة الرجل:
قوله تعالى في آية الدين: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن
لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} (البقرة:282).
وهذه الآية دليل صريح أن عقل الرجل أكمل من عقل المرأة.
ومن لوازم ذلك منعها من الولاية عليه.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية وذكر السبب الذي جعلت
شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فقال:
[أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل]. فقلن: بلى، فقال:
[فذلك من نقصان عقلها] [البخاري، باب ترك الحائض الصوم].
فكيف يولى المفضول على الفاضل.
(ج) سليمان عليه السلام يزيل عرش بلقيس:
قوله تعالى فيما ذكره عن سليمان عليه السلام وملكة سبأ أن الهدهد
جاءه مخبراً مستنكراً أمراً فظيعاً فقال:
{أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين* إني وجدت امرأة
تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم* وجدتها وقومها
يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم
عن السبيل فهم لا يهتدون} (النمل:22-24).
وقد استنكر الهدهد من شأن هؤلاء القوم أمرين عظيمين: كون امرأة
تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله!!
ولذلك عمل سليمان على إزالة هذين المنكرين جميعاً، فلما أرسل كتابه
إليهم أمرهم بأمرين: هو أن يسلموا، وأن يأتوا إليه، وهددهم
بقوله {ألا تعلو علي} ولو كان متولي أمرهم رجلاً لأمرهم بالإسلام فقط
وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته
وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن النبي كان يدعو الملوك إلى الإسلام
فإن أسلموا أقرهم على بلادهم كما فعل مع ملك عمان، وملك البحرين.
ومن لم يقبل من الإسلام حاربه.
وسليمان لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ويقرها ملكة على قومها
لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه.
ولذلك دعاها وقومها للإسلام وأن تأتي بنفسها إليه هي وقومها خارجة
من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها..
ولما تيقن سليمان أن المرأة قد جاءته مسلمة مذعنة لم يكتف بهذا بل
نقل عرشها كله إليه ليسل عرشها وينهي وجود هذا المنكر في كون
امرأة تتولى هذا الشأن العام وهذه الولاية الكبرى في قومها..
ولو كان تملك امرأة جائزا في شرع سليمان لأقرها في حكمها
بعد أن أعلنت إسلامها.
ولما استحل أن يأخذ عرشها من خلف ظهرها..
(د) النساء مأمورات بالقرار في البيت:
قوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا
تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً* وقرن
في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة
وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيراً* واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة
إن الله كان لطيفاً خبيراً} (الأحزاب:32-34).
وهذه الآيات تعليم وتوجيه وأمر لازم لنساء النبي صلى الله عليه وسلم
في أدب الكلام ووجوب القرار في البيت والنهي عن تبرج الجاهلية.
ولا شك أن الأمر بالقرار في البيوت لنساء النبي اللاتي هن قدوة
جميع النساء ينافي تولي المرأة للولايات العامة التي من ضروراتها
الخروج اليومي من المنزل، والخلطة بين الرجال، فإن امرأة تكون
وزيرة أو أميرة أو قاضية لا بد لها من الخروج كل يوم والاختلاط
بأصحاب الحاجات، ومعرفة الناس رجالهم ونسائهم.. وهذا ينافي
أمر الله للنساء بوجوب القرار في المنزل.
(هـ) حجب المرأة عن الرجال أصلح لقلوب الجميع:
قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} (الأحزاب:53)
وهذا أمر لأصحاب النبي في كيفية طلبهم حاجة من أمهات المؤمنين
وهو ألا يسألونهن إلا من وراء حجاب (جدار أو ستارة ونحوها)
وعلل الله ذلك بأن هذا أطهر لقلوب الصحابة، وأطهر لقلوب أمهات المؤمنين!!
فكيف وهذه القلوب جميعها قد طهرها الوحي، والصحبة، ونقاها
ضوء الإسلام الساطع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم..
فكيف بمن بعد عهدهم عن الوحي والصحبة..
ألا يرشد هذا إلى أنه كلما كان هناك حجاب بين المرأة والرجل الأجنبي
عنها كان هذا أطهر وأكمل..
فكيف يتوافق هذا مع زج المرأة إلى الولاية العامة التي من شأنها
ولوازمها الخلطة اليومية بين المرأة وبين غير محارمها.
رابعاً: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قاضية بأن المرأة لا تتولى ولاية عامة:
علمنا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية أنه لم يول امرأة قط
في شأن من شئون المسلمين العامة على كثرة ما ولى صلى الله عليه وسلم:
أمراء للنواحي، وقوادا للجيوش، ونواباً على المال والزكاة، والصدقات
وبعوثا للتعليم، وسفراء بينه وبين الملوك والرؤساء، وهذا وحده دليل كاف
على أن المرأة لا حق لها في الولاية، ولا يجب عليها تولي شئون المسلمين.
لأنه لو كان لها حق فيه لما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو كان واجبا عليها لما ترك رسول الله الزام النساء بهذا الواجب.
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة:
وأما السنة القولية للرسول صلى الله عليه وسلم فإنها قاضية كذلك
أن تولية المرأة ولاية عامة هو أحد الآثام وهو دليل الخيبة والفشل.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]
وسياق هذا الحديث على النحو التالي: روى البخاري بإسناده
إلى أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها
من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق
بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال:
[لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] (رواه البخاري).
ووجه الشاهد في هذا الحديث ما يأتي:
أ- إخبار الرسول بأن أمر مملكة الفرس إلى فشل وزوال وأنهم لا
فلاح لهم بعد أن ولوا أمرهم امرأة.
وقد دل هذا على أن تولية المرأة للولاية العامة من أسباب الفشل وعدم الفلاح.
ب- إخبار الرسول إخبارا عاما عن الفرس وغيرهم أن القوم الذين
يولون المرأة الولاية العامة لا يفلحون لأن (قوما) لفظ عام، (وامرأة) لفظ عام..
فيدخل فيه كل قوم ولوا امرأة عليهم..
وهل هو عام يراد به خصوص الفرس الذي الحديث بشأنهم أم هو عام
في كل الأقوام يحتمل هذا وهذا..
ج- فهم أبو بكرة رضي الله عنه من هذا الحديث أن تولية المرأة دليل
فشل سواء كان هذا في قوم كفار أو قوم مسلمين ومن أجل ذلك رجع
عن الخروج مع الجيش الذي فيه أم المؤمنين رضي الله عنها.
د- استدل عامة من رأى من العلماء أنه ليس للمرأة ولاية عامة بهذا الحديث:
قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن التين "استدل بحديث أبي بكرة
من قال: لا يجوز أن تولى المرأة القضاء وهو قول الجمهور، وخالف
ابن جرير الطبري رحمه الله فقال: "يجوز أن تقضي فيما تقبل من شهادتها فيه " أ.هـ
خامساً: إجماع الأمة عل منع المرأة من الولايات العامة:
الدليل الخامس على تحريم تولي المرأة للولايات العامة هو الإجماع
على ذلك من كل علماء الأمة.
في جميع عصورها. فلم ينقل عن واحد من العلماء جواز تولي المرأة
الولاية العامة الكبرى (خلافة المسلمين) والإمامة العامة في الأمة
على المسلمين جميعاً أو مجموعة منهم فتكون هي السيد الأعلى
والرئيس العام والإمام.. ولم يخالف في هذا الأمر أحد من علماء المسلمين
قاطبة في كل عصورهم. ويكفيك بالإجماع حجة في هذا الأمر.
وأما الولايات التي هي دون الولاية الكبرى كالوزارة، والقضاء ونحو ذلك..
فقد شذ بعض أهل العلم فرأى جواز تولية المرأة القضاء فيما تصح به
شهادتها فقط وليس القضاء العام.
وهذا القول كذلك مردود لأنه لا دليل عليه وهو مخالف للقرآن والسنة
وعمل المسلمين في كل العصور.
الباب الثاني:
الأدلة التي استدل بها من قال إن المرأة يجوز لها تولي الولايات العامة :
- استدل من يقول بذلك بأدلة منها أن القرآن والسنة ليس فيها
ما يمنع ذلك وأن الأصل هو الإباحة.
والجواب عن هذه الشبهة هو ما قدمناه من أدلة الكتاب والسنة
بمنع المرأة من ذلك.
- واستدلوا بملكة سبأ وأنها كانت امرأة عاقلة حكيمة أثنى الله عليها.
والجواب ما قدمناه في أنها كانت امرأة مشركة كافرة، ولما أسلمت
تخلت عن الملك لسليمان وقالت
{رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}
وأن سليمان قد سعى بقوته في إزالة ملكها وعرشها.
- واستدلوا بخروج أم المؤمنين عائشة أميرة على الجيش الذي حارب
في موقعة الجمل.
والجواب أنها لم تخرج أميرة ولا حاكمة ولا كان الجيش الذي هي فيه
يرى إماما لهم غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد كان بالجيش
طلحة والزبير وهما اللذان كانا على رؤوس الناس، وإنما خرجوا للإصلاح
وظنوا أن وجود أم المؤمنين معهم أنفع في جمع الكلمة، وتجنيب المسلمين
الحرب ثم كان ما كان مما لم يقع في الحسبان.
هذا وقد ندمت أم المؤمنين رضي الله عنها على هذا الخروج، ولامها
كبار الصحابة، وجاء الحديث النبوي بالتحذير من هذا الخروج، فكيف
يكون هذا دليلاً على تولي المرأة الولايات العامة!!؟
- واستدلوا بسماع الرسول صلى الله عليه وسلم لمشورة أم سلمة رضي الله عنها
في غزوة الحديبية فما وجه الدلالة أن يكون سماع الرسول لمشورة
أم سلمة دليلا على جواز انتخابها وترشيحها..
وهل جعل الرسول أم سلمة عضوا يستشار، وهل كان لها ولأمهات المؤمنين
مشورة في سياسة الأمة وهل كان لهما مع الصديق والفاروق ونظرائهم
من الرجال رأي في اختيار الأمراء والوزراء، وإعداد الجيوش ونظام بيت المال!!
ولم يقل أحد: إنه يحرم لذي سلطان أن يستشير زوجته في شأن ما، أو
يأخذ رأي النساء في قضية من القضايا كما للمرأة الحق في أن
تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدل على الخير..
ولكن أن يكون لها الحق أو عليها الواجب أن تتولى ولاية عامة إمارة
أو وزارة، أو قضاءا، أو تكون عضوا في مجلس تشريعي..
فليس في هذه القصة دليل على هذا الأمر.
- ومن أقبح ما استدل به القائلون بتولية المرأة استدلالهم بتولي
شجرة الدر التركية محظية الملك الصالح نجم الدين أيوب شئون الحكم
في مصر وأنها قاتلت الفرنج وهزمتهم.. الخ.
وهذا من أقبح أنواع الاستدلال. فإن الحجة الشرعية إنما هي في
كلام الله وكلام رسوله، وإجماع الأمة، ثم يستدل بعد ذلك بفعل
الصحابة والراشدين، وقد يستدل بعد ذلك بأقوال أهل العلم واجتهاداتهم..
أما أن تجعل الأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة دليلاً شرعيا فهذا من العجب..
- ومن الشبهات قولهم إن النيابة ليست ولاية عامة وأنها لا تعدو أن تكون
أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وإن الشريعة قد أجازت قيام المرأة بهذا
بل أوجبته عليها كما قال تعالى:
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك
سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة:71).
- والجواب أن النيابة من الولايات العامة بل هي من أكبر الولايات العامة، لأن
النائب بمقتضى الدساتير الوضعية، هو الذي يزكي الوزراء ويحاسبهم
ويعزلهم، ويسقط حكومة ويأتي بغيرها، فالنائب هو القيم والقائم بشأن
غيره، بل هو المتولي حقيقة للولاية العامة، والوزراء هم وكلاء عن النواب
في تنفيذ ما يشرعونه، ويأمرونه به، ولذلك فسلطة النائب أكبر من سلطة الوزير..
لأن من له حق التعيين والعزل والمحاسبة هو الذي له اليد العليا
فيكون هو الولي على غيره.. فكيف يقال إن النيابة ليست من الولايات العامة
ولذلك فيجوز أن تتولاها المرأة؟
- ومن الشبهات قول بعضهم إن اختيار المرأة من تراه أهلا للنيابة عنها
في المجالس التشريعية ليس من الولايات العامة وبذلك يجوز لها أن تنتخب
من تشاء لذلك، وأن هذا لا يعدو أن يكون توكيلا.
وللمرأة الحق في أن توكل من تشاء من الرجال في مصالحها الخاصة
وهذا من المجمع عليه.
والجواب أن ترشيح المرأة من تراه أهلا للنيابة ليس وكالة من كل وجه
وإنما هو بمثابة شهادة، ووكالة، وتزكية، واختيار للأصلح وللأكفأ.
فأما الشهادة فإنه لا تصح شهادة المرأة إلا في الشئون الخاصة بالنساء
وشهادتها على الدين إنما هو للضرورة عند عدم وجود الرجال كما
قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر
إحداهما الأخرى} (البقرة:282).
ولا شهادة للمرأة على عقود الزواج ولا في الحدود، ولا
في الأمور التي ليست من شأنها..
وأما تزكية المرأة للرجال فإنها ممنوعة لأن التزكية تحتاج إلى خلطة
ومعرفة والمرأة لا خلطة لها بالأجانب غير المحارم فكيف تزكيهم؟
وتشهد بعدالتهم..
وأما اختيار الأصلح والأكفأ فإن هذا يحتاج إلى علم أوسع بالرجال
والناس، وتفضيل الكفء على غيره، وهذا لا دخل للنساء فيه.
ومن أجل ذلك لم يكن للنساء في هذا الأمر شأن قط لا في
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا في جميع عصور الإسلام.
وأما الوكالة فإنه يصح للمرأة أن توكل من تشاء في شئونها، ولكن
النيابة ليست وكالة فقط، وإنما هي عقد تجتمع فيه كل هذه الأمور:
الوكالة، والشهادة، والتزكية، وترشيح من يتولى الأمور العامة..
فقياس جواز الوكالة للمرأة على الترشيح للنيابة قياس باطل.
- ومما استدلوا به في جواز تولية المرأة الولايات العامة قولهم إن الأحكام
تتغير بتغير الزمان والمكان، وإن منع الرسول النساء من الولايات العامة
وقوله عن أهل فارس لما ولوا بنت ملكهم [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]
أن ذلك كان لأن النساء لم يكن يتعلمن في ذلك الوقت، وكن بعيدات
عن أمور السياسة والحكم، وأما الآن فإن التعليم شمل الرجال والنساء
وقد تكون المرأة أعظم تعليما من الرجل، فيجب
قصر هذا الحكم على زمان الرسول..
هكذا قالوا.. وهذا القول من أعظم الوسائل والأساليب لتبديل شريعة الله
وجعل أحكامها لفترة زمنية محددة، والانتقال إلى التشريع بالهوى
والجهل، والقول على الله بلا علم..
ولا شك أن كلام الله وكلام رسوله إنما هو للزمان كله والمكان كله ولا
يختص شيء بالأحكام بزمان معين إلا ما جاء مقيدا بهذا الزمان فالحلال
ما أحله الله إلى يوم القيامة، والحرام ما حرمه الله إلى يوم القيامة والدين ما شرعه..
- ومن الشبهات أيضا قولهم إن ترشيح المرأة للنيابة العامة إنما هو نوع
من الشورى، وأن الشورى ليست ممنوعة على المرأة لأن الله قال في كتابه
سبحانه وتعالى: {وأمرهم شورى بينهم} وهذا يشمل الرجال والنساء.
والجواب لا شك أن هذه الآية نازلة عل النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل
بها أصحابه من بعده فهل كان تطبيق الرسول لهذه الآية أن عقد مجلسا
يشاور فيه النساء، أو جعل لهن مع الرجال مجلسا خاصا بذلك.
وهل شاور رسول الله النساء في قيادة الجيوش، وخطط للحرب، وتولية
أمرائه وعزلهم، وفي شأن الوفود، وخطاباته إلى الملوك، وهل قام خلفاؤه
من بعده بشيء من ذلك فجعلوا للمرأة نصيباً واجباً في هذه الشورى، أم
أن مشاورة الرسول في هذه الشئون كانت للرجال فقط
يتبع
نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى ، وبعد :
فهذا خلاصة بحثٍ كتبه فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق ـ حفظه الله ـ
في مسألة " حكم تولي المرأة الولايات العامة والاشتراك في المجالس
التشريعية نائبة وناخبة " ، آمل أن تجدوا فيه الفائدة .
-----------------------------------
الباب الأول
على أن تولي المرأة للولايات العامة ودخولها إلى
المجالس التشريعية ليس حقاً لها ولا واجباً عليها :
أولاً: إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن
تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا عدم تكليف المرأة بشيء من هذه الولايات:
الدليل الأول على أن تولي المرأة للولايات العامة، والتشريع للأمة من
خلال مجالس الشورى، أو أية مسمى آخر ليس واجبا على المرأة
ولا هو حق لها، وأن الشريعة لم تأت به قط:
هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول امرأة قط شأنا من
هذه الشئون، ولو كان هذا حقا من حقوق المرأة، أو واجبا من الواجبات
عليها لما أغفل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق والواجب.
كيف وهو رسول الله، الأمين على تطبيق شريعته، وتنفيذ
أحكامه، وتبليغ رسالته؟
كيف والرسول صلى الله عليه وسلم قد مكنه الله، وكان الحاكم بأمر الله
بين المسلمين , قال تعالى
{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (النساء:105).
وقد تولى النبي صلى الله عليه وسلم جميع مهام الحكم:
من القضاء بين الناس وتولية الأمراء، عزلهم ومحاسبتهم، وإرسال
الجيوش، وإعلان الحرب، وعقد الصلح والهدنة والسلم، ومخاطبة الملوك
ودعوتهم وتهديدهم وإنذارهم، فقد أرسل لكسرى عظيم فارس [أسلم تسلم]
ولقيصر عظيم الروم [أسلم تسلم..] ..الخ وولى رسول الله أمراء على
النواحي والمدن، في مكة وعمان والبحرين، واليمن وعلى الوفود
وولى على الزكاة والصدقات..
ولم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى امرأة واحدة
في كل هذه الولايات.
ولو كان تولي هذه الولايات أو بعضها واجبا على المرأة، لما أغفل
النبي صلى الله عليه وسلم هذا الواجب ولو كان حقاً كذلك من حقوق المرأة
فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يمنع النساء من هذا الحق.
وكذلك الحال مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين
الذين تولوا أمر المسلمين بعده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
فإن أحدا منهم لم يول امرأة ولاية عامة:
إمارة بلدة أو قضاء ناحية، أو قيادة جيش، أو أمراً عاماً كالزكاة،
والقضاء، والوفود، والسفارة.
ولا دخلت امرأة واحدة إلى مجلس الحكم أو الشورى لخليفة من هؤلاء
الخلفاء الراشدون فكيف يجمع هؤلاء الخلفاء الأربعة في عصر الإسلام الزاهر
على حرمان المرأة حقاً هو لها، أو واجباً أوجبه الله عليها؟!
كيف وهذه الأمة لا تجتمع على باطل..
أليس حرمان المرأة حقاً من حقوقها أو عدم تمكينها من القيام بواجبها باطل؟!
فكيف تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ذلك!!؟
ثم هؤلاء خلفاء الإسلام الذين جاءوا بعد الخلافة الراشدة:
بنو أمية، وبنو العباس، وبنو عثمان، وما تخلل ذلك من حكومات الإسلام
هل كان منهم من ولى امرأة ولاية من هذه الولايات العامة؟
وهل كان منهم من جعل امرأة عضواً في مجلس التشريع؟
هل يتصور أن تظل أمة الإسلام على هذا الباطل في كل عصورها؟!
ثانياً: ليس هناك في الكتاب والسنة ما يثبت أن للمرأة حقاً في
الولايات العامة أو أنه يجب عليها تولي الولايات:
الدليل الثاني أن القرآن -كتاب الله المحكم-
وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيها
ما يثبت هذا الحق، أو يقضي بهذا الواجب.
فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأداء الأمانات إلى أهلها..
قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم
بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء:58).
ولم يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية بقوله ولا فعله
أن المرأة من أهل الولاية وأن من أداء الأمانة إلى أهلها توليتها.
ولم يقل أحد قط من أهل العلم إن المرأة هي أهل لتحمل أمانة الحكم.
وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ليس فيه حرف واحد يدل على
أن تولية المرأة للولايات العامة واجب عليها أو حق لها.
بل في القرآن ما يدل على غير ذلك وهو ما سنبينه
في الفقرة التالية إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: آيات القرآن تمنع المرأة من الولايات العامة والخاصة:
الدليل الثالث أن آيات كثيرة من القرآن الكريم قد جاءت بمنع المرأة
من الولايات العامة، بل ومن الولايات الخاصة (ولاية المنزل والأسرة)
فمن ذلك:
(أ) الولاية للرجل في الأسرة والمنزل:
قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على
بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء:34).
وهذه الآية نص في قوامة المنزل والأسرة خاصة، وهي كذلك نص عام
بجعل القوامة مطلقاً للرجال على النساء
فإن {الرجال} بالألف واللام للإستغراق، و {النساء} بالألف واللام للإستغراق
فحيثما وجد رجال ونساء فإن الواجب الشرعي أن تكون القوامة للرجال
دون النساء، والقوامة هنا هو القيام بأمر الغير، وتولي ولايته، ورجوع الأمر إليه.
(ب) جعل شهادة المرأة على العقود عند عدم وجود الرجل
على النصف من شهادة الرجل:
قوله تعالى في آية الدين: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن
لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} (البقرة:282).
وهذه الآية دليل صريح أن عقل الرجل أكمل من عقل المرأة.
ومن لوازم ذلك منعها من الولاية عليه.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية وذكر السبب الذي جعلت
شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فقال:
[أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل]. فقلن: بلى، فقال:
[فذلك من نقصان عقلها] [البخاري، باب ترك الحائض الصوم].
فكيف يولى المفضول على الفاضل.
(ج) سليمان عليه السلام يزيل عرش بلقيس:
قوله تعالى فيما ذكره عن سليمان عليه السلام وملكة سبأ أن الهدهد
جاءه مخبراً مستنكراً أمراً فظيعاً فقال:
{أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين* إني وجدت امرأة
تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم* وجدتها وقومها
يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم
عن السبيل فهم لا يهتدون} (النمل:22-24).
وقد استنكر الهدهد من شأن هؤلاء القوم أمرين عظيمين: كون امرأة
تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله!!
ولذلك عمل سليمان على إزالة هذين المنكرين جميعاً، فلما أرسل كتابه
إليهم أمرهم بأمرين: هو أن يسلموا، وأن يأتوا إليه، وهددهم
بقوله {ألا تعلو علي} ولو كان متولي أمرهم رجلاً لأمرهم بالإسلام فقط
وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته
وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن النبي كان يدعو الملوك إلى الإسلام
فإن أسلموا أقرهم على بلادهم كما فعل مع ملك عمان، وملك البحرين.
ومن لم يقبل من الإسلام حاربه.
وسليمان لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ويقرها ملكة على قومها
لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه.
ولذلك دعاها وقومها للإسلام وأن تأتي بنفسها إليه هي وقومها خارجة
من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها..
ولما تيقن سليمان أن المرأة قد جاءته مسلمة مذعنة لم يكتف بهذا بل
نقل عرشها كله إليه ليسل عرشها وينهي وجود هذا المنكر في كون
امرأة تتولى هذا الشأن العام وهذه الولاية الكبرى في قومها..
ولو كان تملك امرأة جائزا في شرع سليمان لأقرها في حكمها
بعد أن أعلنت إسلامها.
ولما استحل أن يأخذ عرشها من خلف ظهرها..
(د) النساء مأمورات بالقرار في البيت:
قوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا
تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً* وقرن
في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة
وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيراً* واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة
إن الله كان لطيفاً خبيراً} (الأحزاب:32-34).
وهذه الآيات تعليم وتوجيه وأمر لازم لنساء النبي صلى الله عليه وسلم
في أدب الكلام ووجوب القرار في البيت والنهي عن تبرج الجاهلية.
ولا شك أن الأمر بالقرار في البيوت لنساء النبي اللاتي هن قدوة
جميع النساء ينافي تولي المرأة للولايات العامة التي من ضروراتها
الخروج اليومي من المنزل، والخلطة بين الرجال، فإن امرأة تكون
وزيرة أو أميرة أو قاضية لا بد لها من الخروج كل يوم والاختلاط
بأصحاب الحاجات، ومعرفة الناس رجالهم ونسائهم.. وهذا ينافي
أمر الله للنساء بوجوب القرار في المنزل.
(هـ) حجب المرأة عن الرجال أصلح لقلوب الجميع:
قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} (الأحزاب:53)
وهذا أمر لأصحاب النبي في كيفية طلبهم حاجة من أمهات المؤمنين
وهو ألا يسألونهن إلا من وراء حجاب (جدار أو ستارة ونحوها)
وعلل الله ذلك بأن هذا أطهر لقلوب الصحابة، وأطهر لقلوب أمهات المؤمنين!!
فكيف وهذه القلوب جميعها قد طهرها الوحي، والصحبة، ونقاها
ضوء الإسلام الساطع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم..
فكيف بمن بعد عهدهم عن الوحي والصحبة..
ألا يرشد هذا إلى أنه كلما كان هناك حجاب بين المرأة والرجل الأجنبي
عنها كان هذا أطهر وأكمل..
فكيف يتوافق هذا مع زج المرأة إلى الولاية العامة التي من شأنها
ولوازمها الخلطة اليومية بين المرأة وبين غير محارمها.
رابعاً: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قاضية بأن المرأة لا تتولى ولاية عامة:
علمنا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية أنه لم يول امرأة قط
في شأن من شئون المسلمين العامة على كثرة ما ولى صلى الله عليه وسلم:
أمراء للنواحي، وقوادا للجيوش، ونواباً على المال والزكاة، والصدقات
وبعوثا للتعليم، وسفراء بينه وبين الملوك والرؤساء، وهذا وحده دليل كاف
على أن المرأة لا حق لها في الولاية، ولا يجب عليها تولي شئون المسلمين.
لأنه لو كان لها حق فيه لما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو كان واجبا عليها لما ترك رسول الله الزام النساء بهذا الواجب.
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة:
وأما السنة القولية للرسول صلى الله عليه وسلم فإنها قاضية كذلك
أن تولية المرأة ولاية عامة هو أحد الآثام وهو دليل الخيبة والفشل.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]
وسياق هذا الحديث على النحو التالي: روى البخاري بإسناده
إلى أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها
من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق
بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال:
[لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] (رواه البخاري).
ووجه الشاهد في هذا الحديث ما يأتي:
أ- إخبار الرسول بأن أمر مملكة الفرس إلى فشل وزوال وأنهم لا
فلاح لهم بعد أن ولوا أمرهم امرأة.
وقد دل هذا على أن تولية المرأة للولاية العامة من أسباب الفشل وعدم الفلاح.
ب- إخبار الرسول إخبارا عاما عن الفرس وغيرهم أن القوم الذين
يولون المرأة الولاية العامة لا يفلحون لأن (قوما) لفظ عام، (وامرأة) لفظ عام..
فيدخل فيه كل قوم ولوا امرأة عليهم..
وهل هو عام يراد به خصوص الفرس الذي الحديث بشأنهم أم هو عام
في كل الأقوام يحتمل هذا وهذا..
ج- فهم أبو بكرة رضي الله عنه من هذا الحديث أن تولية المرأة دليل
فشل سواء كان هذا في قوم كفار أو قوم مسلمين ومن أجل ذلك رجع
عن الخروج مع الجيش الذي فيه أم المؤمنين رضي الله عنها.
د- استدل عامة من رأى من العلماء أنه ليس للمرأة ولاية عامة بهذا الحديث:
قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن التين "استدل بحديث أبي بكرة
من قال: لا يجوز أن تولى المرأة القضاء وهو قول الجمهور، وخالف
ابن جرير الطبري رحمه الله فقال: "يجوز أن تقضي فيما تقبل من شهادتها فيه " أ.هـ
خامساً: إجماع الأمة عل منع المرأة من الولايات العامة:
الدليل الخامس على تحريم تولي المرأة للولايات العامة هو الإجماع
على ذلك من كل علماء الأمة.
في جميع عصورها. فلم ينقل عن واحد من العلماء جواز تولي المرأة
الولاية العامة الكبرى (خلافة المسلمين) والإمامة العامة في الأمة
على المسلمين جميعاً أو مجموعة منهم فتكون هي السيد الأعلى
والرئيس العام والإمام.. ولم يخالف في هذا الأمر أحد من علماء المسلمين
قاطبة في كل عصورهم. ويكفيك بالإجماع حجة في هذا الأمر.
وأما الولايات التي هي دون الولاية الكبرى كالوزارة، والقضاء ونحو ذلك..
فقد شذ بعض أهل العلم فرأى جواز تولية المرأة القضاء فيما تصح به
شهادتها فقط وليس القضاء العام.
وهذا القول كذلك مردود لأنه لا دليل عليه وهو مخالف للقرآن والسنة
وعمل المسلمين في كل العصور.
الباب الثاني:
الأدلة التي استدل بها من قال إن المرأة يجوز لها تولي الولايات العامة :
- استدل من يقول بذلك بأدلة منها أن القرآن والسنة ليس فيها
ما يمنع ذلك وأن الأصل هو الإباحة.
والجواب عن هذه الشبهة هو ما قدمناه من أدلة الكتاب والسنة
بمنع المرأة من ذلك.
- واستدلوا بملكة سبأ وأنها كانت امرأة عاقلة حكيمة أثنى الله عليها.
والجواب ما قدمناه في أنها كانت امرأة مشركة كافرة، ولما أسلمت
تخلت عن الملك لسليمان وقالت
{رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}
وأن سليمان قد سعى بقوته في إزالة ملكها وعرشها.
- واستدلوا بخروج أم المؤمنين عائشة أميرة على الجيش الذي حارب
في موقعة الجمل.
والجواب أنها لم تخرج أميرة ولا حاكمة ولا كان الجيش الذي هي فيه
يرى إماما لهم غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد كان بالجيش
طلحة والزبير وهما اللذان كانا على رؤوس الناس، وإنما خرجوا للإصلاح
وظنوا أن وجود أم المؤمنين معهم أنفع في جمع الكلمة، وتجنيب المسلمين
الحرب ثم كان ما كان مما لم يقع في الحسبان.
هذا وقد ندمت أم المؤمنين رضي الله عنها على هذا الخروج، ولامها
كبار الصحابة، وجاء الحديث النبوي بالتحذير من هذا الخروج، فكيف
يكون هذا دليلاً على تولي المرأة الولايات العامة!!؟
- واستدلوا بسماع الرسول صلى الله عليه وسلم لمشورة أم سلمة رضي الله عنها
في غزوة الحديبية فما وجه الدلالة أن يكون سماع الرسول لمشورة
أم سلمة دليلا على جواز انتخابها وترشيحها..
وهل جعل الرسول أم سلمة عضوا يستشار، وهل كان لها ولأمهات المؤمنين
مشورة في سياسة الأمة وهل كان لهما مع الصديق والفاروق ونظرائهم
من الرجال رأي في اختيار الأمراء والوزراء، وإعداد الجيوش ونظام بيت المال!!
ولم يقل أحد: إنه يحرم لذي سلطان أن يستشير زوجته في شأن ما، أو
يأخذ رأي النساء في قضية من القضايا كما للمرأة الحق في أن
تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدل على الخير..
ولكن أن يكون لها الحق أو عليها الواجب أن تتولى ولاية عامة إمارة
أو وزارة، أو قضاءا، أو تكون عضوا في مجلس تشريعي..
فليس في هذه القصة دليل على هذا الأمر.
- ومن أقبح ما استدل به القائلون بتولية المرأة استدلالهم بتولي
شجرة الدر التركية محظية الملك الصالح نجم الدين أيوب شئون الحكم
في مصر وأنها قاتلت الفرنج وهزمتهم.. الخ.
وهذا من أقبح أنواع الاستدلال. فإن الحجة الشرعية إنما هي في
كلام الله وكلام رسوله، وإجماع الأمة، ثم يستدل بعد ذلك بفعل
الصحابة والراشدين، وقد يستدل بعد ذلك بأقوال أهل العلم واجتهاداتهم..
أما أن تجعل الأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة دليلاً شرعيا فهذا من العجب..
- ومن الشبهات قولهم إن النيابة ليست ولاية عامة وأنها لا تعدو أن تكون
أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وإن الشريعة قد أجازت قيام المرأة بهذا
بل أوجبته عليها كما قال تعالى:
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك
سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة:71).
- والجواب أن النيابة من الولايات العامة بل هي من أكبر الولايات العامة، لأن
النائب بمقتضى الدساتير الوضعية، هو الذي يزكي الوزراء ويحاسبهم
ويعزلهم، ويسقط حكومة ويأتي بغيرها، فالنائب هو القيم والقائم بشأن
غيره، بل هو المتولي حقيقة للولاية العامة، والوزراء هم وكلاء عن النواب
في تنفيذ ما يشرعونه، ويأمرونه به، ولذلك فسلطة النائب أكبر من سلطة الوزير..
لأن من له حق التعيين والعزل والمحاسبة هو الذي له اليد العليا
فيكون هو الولي على غيره.. فكيف يقال إن النيابة ليست من الولايات العامة
ولذلك فيجوز أن تتولاها المرأة؟
- ومن الشبهات قول بعضهم إن اختيار المرأة من تراه أهلا للنيابة عنها
في المجالس التشريعية ليس من الولايات العامة وبذلك يجوز لها أن تنتخب
من تشاء لذلك، وأن هذا لا يعدو أن يكون توكيلا.
وللمرأة الحق في أن توكل من تشاء من الرجال في مصالحها الخاصة
وهذا من المجمع عليه.
والجواب أن ترشيح المرأة من تراه أهلا للنيابة ليس وكالة من كل وجه
وإنما هو بمثابة شهادة، ووكالة، وتزكية، واختيار للأصلح وللأكفأ.
فأما الشهادة فإنه لا تصح شهادة المرأة إلا في الشئون الخاصة بالنساء
وشهادتها على الدين إنما هو للضرورة عند عدم وجود الرجال كما
قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر
إحداهما الأخرى} (البقرة:282).
ولا شهادة للمرأة على عقود الزواج ولا في الحدود، ولا
في الأمور التي ليست من شأنها..
وأما تزكية المرأة للرجال فإنها ممنوعة لأن التزكية تحتاج إلى خلطة
ومعرفة والمرأة لا خلطة لها بالأجانب غير المحارم فكيف تزكيهم؟
وتشهد بعدالتهم..
وأما اختيار الأصلح والأكفأ فإن هذا يحتاج إلى علم أوسع بالرجال
والناس، وتفضيل الكفء على غيره، وهذا لا دخل للنساء فيه.
ومن أجل ذلك لم يكن للنساء في هذا الأمر شأن قط لا في
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا في جميع عصور الإسلام.
وأما الوكالة فإنه يصح للمرأة أن توكل من تشاء في شئونها، ولكن
النيابة ليست وكالة فقط، وإنما هي عقد تجتمع فيه كل هذه الأمور:
الوكالة، والشهادة، والتزكية، وترشيح من يتولى الأمور العامة..
فقياس جواز الوكالة للمرأة على الترشيح للنيابة قياس باطل.
- ومما استدلوا به في جواز تولية المرأة الولايات العامة قولهم إن الأحكام
تتغير بتغير الزمان والمكان، وإن منع الرسول النساء من الولايات العامة
وقوله عن أهل فارس لما ولوا بنت ملكهم [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]
أن ذلك كان لأن النساء لم يكن يتعلمن في ذلك الوقت، وكن بعيدات
عن أمور السياسة والحكم، وأما الآن فإن التعليم شمل الرجال والنساء
وقد تكون المرأة أعظم تعليما من الرجل، فيجب
قصر هذا الحكم على زمان الرسول..
هكذا قالوا.. وهذا القول من أعظم الوسائل والأساليب لتبديل شريعة الله
وجعل أحكامها لفترة زمنية محددة، والانتقال إلى التشريع بالهوى
والجهل، والقول على الله بلا علم..
ولا شك أن كلام الله وكلام رسوله إنما هو للزمان كله والمكان كله ولا
يختص شيء بالأحكام بزمان معين إلا ما جاء مقيدا بهذا الزمان فالحلال
ما أحله الله إلى يوم القيامة، والحرام ما حرمه الله إلى يوم القيامة والدين ما شرعه..
- ومن الشبهات أيضا قولهم إن ترشيح المرأة للنيابة العامة إنما هو نوع
من الشورى، وأن الشورى ليست ممنوعة على المرأة لأن الله قال في كتابه
سبحانه وتعالى: {وأمرهم شورى بينهم} وهذا يشمل الرجال والنساء.
والجواب لا شك أن هذه الآية نازلة عل النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل
بها أصحابه من بعده فهل كان تطبيق الرسول لهذه الآية أن عقد مجلسا
يشاور فيه النساء، أو جعل لهن مع الرجال مجلسا خاصا بذلك.
وهل شاور رسول الله النساء في قيادة الجيوش، وخطط للحرب، وتولية
أمرائه وعزلهم، وفي شأن الوفود، وخطاباته إلى الملوك، وهل قام خلفاؤه
من بعده بشيء من ذلك فجعلوا للمرأة نصيباً واجباً في هذه الشورى، أم
أن مشاورة الرسول في هذه الشئون كانت للرجال فقط
يتبع