موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية
حرصت السلطنة على إثراء الحياة الثقافية وإغناء المكتبة العربية بإضافة هامة، تمثلت في صدور موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية وذلك بمبادرة شخصية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - ، وقد بدأ في تنفيذ المشروع إعتباراً من إكتوبر 1985م، والموسوعة نتاج أبحاث مكثفة قام بها أكثر من 150باحثاً من مختلف البلدان العربية في مجالات علمية عديدة شملت التحليلات اللغوية والإجتماعية والتاريخية والسياسية والأدبية تركزت على ما يقارب سبعة ملايين إسم عربي عن طريق إستخدام أحدث الوسائل العلمية والإحصائية.
وهو ما يعد سبقاً تاريخياً ويسد فراغاً في المكتبة العربية، كما قدم نموذجاً للتعاون المتميز بين عشرات الباحثين في مختلف المجالات ومن شتى أنحاء الوطن العربي.
فقد تم جمع المادة العلمية للموسوعة من 12دولة عربية بمعرفة خبراء في العلوم اللغوية والإجتماعية من: سلطنة عُمان - مصر- المملكة العربية السعودية - تونس - المغرب - الجزائر - العراق - اليمن - الأردن - الكويت - البحرين - قطر.
وتنقسم الموسوعة الى جزئين معجم أسماء العرب ويعالج أكثر من 18 ألف إسم من نواحٍ إحصائية ولغوية وإجتماعية وتاريخية وسجل أسماء العرب، ويتناول الأسماء من حيث أصولها. ومن النواحي الإحصائية جاء إسم محمد أول الأسماء المائة الأكثر شيوعاً بين الرجال، وإسم أمل في مقدمة الأسماء المائة المنتشرة بين النساء العربيات.
وقد تم في 1995 في إحتفال أقيم في باريس إهداء منظمة اليونسكو نسخة من الموسوعة لتودع في المكتبة العامة للمنظمة العالمية.
وقد لاقت الموسوعة صدىً طيباً لدى القارئ العربي، وكذلك المهتمين والباحثين في مختلف العلوم الإنسانية، كما أفردت لها بعض الإذاعات العربية حيزاً في دوراتها البرامجية.
والموسوعة تعتبر تجربة فريدة لم يسبق لها مثيل في التاريخ العربي الحديث وتعد أحد الروافد الثقافية للمكتبة العربية.
جامع السلطان قابوس الأكبر
في عام 1412هـ (1992م) أصدر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم تعليماته السامية بإنشاء أكبر جامع في السلطنة، والهدف من إقامة هذا الجامع لا يقتصر على توفير مكان للصلاة والتعبد فحسب بل ليكون مركزا للتفاعل مع روح الإسلام دينا وعلما وحضارة وثقافة. وتم الشروع في بناء عمارة الجامع في عام 1415هـ (1995م) وأنجزت عمارته عام 1422هـ (2001م).
وقد اختير موقع الجامع في ولاية بوشر على مقربة من الطريق الرابط من السيب الى قلب العاصمة مسقط بحيث يسهل الوصول إليه من ضواحي المدينة الممتدة ومركزها. ويحتل الموقع مساحة إجمالية قدرها 416000 متر مربع وتغطي مساحة أرضية الجامع ما يقرب من 40000 متر مربع.
تم تشييد الجامع على أرضية متسعة ومرتفعة عن سطح الموقع بمقدار 1,8 متر، وفي هذا التخطيط إبقاء على النهج العماني السائد في رفع عمارة المساجد التقليدية القائمة في أحياء وقرى المدن القديمة عن مستوى العمارة السكنية أو العامة وأيضا عن مستوى أرض الوديان.
وتؤدي ثلاثة معابر من منطقة الوصول الى أرضية الجامع عبر ثلاثة مداخل يلي كل منها صحنه الخاص والمرتبط بدوره بسلسلة من العقود. ويقع المدخل الرئيسي على المحور الأفقي للمخطط منتهيا بالمئذنة التي تقف شامخة على ارتفاع 91,3 متر أو 300 قـدم والى الشرق والغرب من المدخل الرئيسي يقع المدخلان الثانويان وجميعها يؤدي الى الصحن الخارجي المحيط بقاعات الصلاة ويمتد الصحن على مساحة 24400 متر مربع.
ويأخذ المصلى الرئيسي شكلا مربعا أبعاده الخارجية (74,4 في 74,4 متر) بقبته المركزية التي ترتفع عن سطح البلاط بخمسين مترا وتشكل مع المئذنة الرئيسية المنظور المميز للجامع. ويقع الى الشرق من المصلى الرئيسي مصلى النساء مشكلا امتدادا للمصلى الرئيسي عبر الصحن الداخلي وتحيط بالصحن الداخلي ومصلى النساء مجموعة من الأروقة المعقودة وست قباب تبرز على مداخل الواجهات. وقد تم تصميم المصلى الرئيسي ليضم أكثر من 6500 مصل وتبلغ سعة مصلى النساء 750 مصلية ومع إمكانية احتواء الصحن الخارجي لثمانية آلاف مصلي بالإضافة الى الصحن الداخلي والأروقة فان السعة الإجمالية للجامع تصل الى إمكانية احتواء 20000 مصل ومصلية.
وتشكل الأروقة الشمالية والجنوبية الفضاء الانتقالي الفاصل بين أماكن العبادة ومرافق الجامع الأخرى ويمتد كل منها على مساحة داخلية طولها 221 مترا.
وتسقف فضاءات الأروقة سلسلة من القباب الهندسية المستلهمة من قباب مسجد بلاد بني بوعلي الفريدة معماريا الواقع في المنطقة الشرقية من السلطنة.
وتكوّن جدران الرواق الجنوبي ساترا مرئيا مزدوجا يضم مجموعة من مرافق المجمع الوظيفية ومنها المكتبة التي تضم 20 ألف مجلد مرجعي في شتى العلوم والثقافة الإسلامية والإنسانية وتقع قاعة الاجتماعات والندوات (سعتها 300 شخص) الى الغرب من الرواق بينما تم تصميم أماكن الوضوء في الوسط على طول خلفية الرواق المحاذية للصحن الخارجي.
وتبدو الأروقة بمثابة سور أمين حول عمارة الجامع حيث تختتم بالمآذن الأربع التي ترسم حدود الموقع بارتفاعها الى 45 مترا وتجتمع المآذن الخمس في الجامع لترمز الى أركان الإسلام الخمسة. وتتخلل الجدران البيضاء المهيبة مجموعة من الأقواس والكوّات المفتوحة والصماء مع دعامات تستهل واجهة المصلى الرئيسي وهذه الدعامات لها وظيفة إنشائية فضلا عن أنها ملاقف للهواء على غرار عناصر الأبراج المناخية التقليدية والسائدة في العمارة المحلية (البراجيل).
وتتوج جدران المصلى الرئيسي شرفات يتأصل طرازها في عمارة القلاع العمانية خاصة ومسننات الشرفات في العمارة الإسلامية عموما. أما جدار القبلة فيتميز بكوّة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة كما هو التقليد في وضوح التعبير عن حائط القبلة في تصميم المساجد العمانية.
وقد استخدمت مجموعة غنية من الزخارف الإسلامية في تصميم النقوش المحفورة في أبواب المصلى الخشبية التي تعلو كلا منها آيات قرآنية بخط الثلث. أما الأبواب الخشبية المحفورة التي تربط الصحن الداخلي بمصلى النساء فانها تحتوي على مشربيات مبطنة بألواح الزجاج الملون لتؤكد على تواصل ووحدة المكان المخصص للصلاة. وتقتصر تفاصيل عناصر الجدران الخارجية على تقاسيم الزخارف المحفورة بأنماطها الهندسية والنباتية والآيات القرآنية الكريمة المكتوبة بخط الثلث.
وتزداد كثافة الزخارف ودقة إيقاعها تدريجيا مع الانتقال من فضاء عمارة الخارج الى داخل الجامع وحرمه. وفي جدران المصلى تعتلي شبابيك الزجاج الملون بتقاسيم هندسية ونباتية رائعة التصميم والدقة.
ويحزم قمة جدران المصلى والصحن الداخلي شريط غني بالآيات القرآنية الكريمة بخط الثلث الممشوق. وتملأ الزخارف الهندسية الإسلامية أطر أقواس الأروقة والمتوجة بحزام من السور القرآنية عند العقود. وطبيعة التشكيل الفني هذه تنتشر الى جميع أقواس المداخل الرئيسية. أسماء الله الحسنى تحتل موقعها بين أقواس واجهات الأروقة وغيرها وهي محفورة بالخط الديواني. أما قاعدة المئذنة الرئيسية فتحتوي الواجهة الجنوبية منها على نص الأذان. فيما حفر اسم الجامع على واجهتها الشمالية.
ورصفت أرضية الجامع بكاملها ببلاط الرخام بترتيب ونمط هندسي متناسق وصممت قطع بلاط الصحن الخارجي والداخلي الرخامي بمقياس وحدة سجادة الصلاة. ووضعت هندسة الجنائن في حديقة صممت شرق الجامع بما يقترن بمبدأ تصميم الحديقة الإسلامية حيث بنيت مقصورة بصحن وأروقة وإيوان في وسطها بركة رخامية بمجرى مائي (فلج) يربط المقصورة مع وسط الحديقة.
وقد صمم على الصحن الداخلي مظلة متحركة لتمتد حين تدعو الضرورة لتوفير الظل داخل الفضاء المكشوف.
وجدران قاعة المصلى الرئيسية مكسوة بكاملها من الداخل بالرخام الأبيض والرمادي الغامق وبها جداريات مشغولة بزخارف مورقة بنمط هندسي يغلب على تصميمها أسلوب الفن الصفوي والقاعة مصممة بمخطط مفتوح ذي أربعة أعمدة رئيسية حاملة لهيكل القبة الداخلي ويمتد بمحاذاة كل من الجدار الشمالي والجنوبي رواق ينفتح على قاعة المصلى بأقواس مزودة بزخرفة كما في العمارة المملوكية.
وقد تم تصميم المحراب بإطار مرتفع يضم كوّتين بتقاسيم متراجعة في عمق الجدار بمقرنصات وعقود ويحيط بإطار المحراب حاشية من الآيات القرآنية الكريمة وثنية خزفية ناتئة على شكل حبل مفتول مصنوع من الخزف المطلي بالذهب وتعتلي فتحات الجدران الجانبية شبابيك الزجاج الملون بزخارف مكملة في تصميمها لطبيعة ونمط زخارف الجدران.
إن منظومة كل عنصر معماري في الداخل تجمع أنماطا من الفنون والحرف الإسلامية الأصيلة ولكن في بنية حديثة ومعاصرة لسياق عمارة الجامع وأفضل دليل متكامل على هذا يكمن في تصميم وصناعة القبة الداخلية للمصلى والسجادة حيث كان كل منهما مشروعا فنيا ضخما ومستقلا بحد ذاته مشكلا تحديا على صعيد التصميم والابتكار والتنفيذ الإنشائي.
القبة مجمعة بمقرنصات تشكل مثلثات كروية هندسية ضمن هيكل من الأضلاع والأعمدة الرخامية الخالصة المتقاطعة بأقواس مدببة مرصعة في جميع عناصرها بألواح من القيشاني وتمتد الألواح الخشبية في السقف بطراز ينبثق عن تطوير السقوف العمانية الأصيلة.
وتم استيحاء أشكال العمارة العمانية في العناصر الزخرفية والهندسية المستخدمة في تصميم الجدران والسقوف والشمسيات المغشاة بالزجاج الملون. والسجادة إحدى مقومات التصميم الداخلي والتي تفرش بلاط المصلى بقطعة واحدة تغطي مساحة 4263 مترا مربعا وهي مؤلفة من 1700 مليون عقدة وتزن 21 طنا استغرق صناعتها وانتاجها أربع سنوات ولقد جمعت هذه السجادة في تأليفها ونوعية تصميمها سجادة تبريز وكاشان واصفهان الأصليــة واستخدم في نسج السجادة 28 لونا بدرجات متنوعة تم صناعة غالبيتها من الأصباغ النباتية والطبيعية. وتم تصميم السجادة في وحدات من خانات الصلاة تفصل بينها حواشي زرقاء وبيضاء بزخارف مستمدة من النسيج العماني.
وصممت مجموعة من الثريات وعددها 35 خصيصا للمصلى الرئيسي مصنوعة من (كريستال سوروفسكي) ومعادن مطلية بالذهب وتتدلى حول قاعة المصلى. أما الثريا المركزية فتتدلى من قمة القبة بقوام يبلغ طوله 14 مترا وقطر 8 أمتار وهي تشمل 1122 مصباحا وتزن 8 أطنان وصممت ثريات مصلى النساء التسع بطراز عثماني وهي مصنوعة من (الكريستال) التركي. وتضم الأروقة الشمالية والجنوبية مجموعة من القاعات إجمالي عددها 12 قاعة صممت كل قاعة بكوّات تحمل طرازا معماريا فنيا خاصا يعود الى حقبة تراثية مميزة. وانتقاء الأعمال الفنية في القاعات جاء ليمثل نماذج تطور وتعدد أشكال الزخارف المعمارية وثقافتها التي انتشرت بأنماط غنية من الأندلس الى الصين فيحتوي الرواق الشمالي على قاعة لفنون سلطنة عمان والجزيرة العربية يتبعها قاعة الفن العثماني ثم فن عمارة المماليك يليها قاعة فن الزليج المغربي ثم فنون بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة وأخيرا الفن البيزنطي.
أما قاعات الرواق الجنوبي فتبدأ بفن بلاد الحجاز ثم الفن الإسلامي الهندي يتبعه قاعة الفن التيموري في آسيا الوسطى ثم الفن الإيراني الصفوي والفن الإسلامي المعاصر وأخيرا نموذج من أعمال إسلامية فنية حديثة. وبذلك يكون الجامع تحفة معمارية إسلامية بديعة ومركزا دينيا ثقافيا ينهل منه المتلقون العلم ويؤدون في جنباته العبادة. لقد كان يوم حفل افتتاح الجامع حدثا إسلاميا مشهودا باركه حضور صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وبمعيته عدد من علماء المسلمين.
إن إنشاء هذا الصرح الديني الشامخ على تراب هذه الأرض الغالية من بلاد المسلمين والتي دخلت الإسلام طوعا ودعا لها الرسول (ص) في حديثه الشريف حين قال: »ديني دين الإسلام، وسيزيد الله أهل عمان خصباً وصيدا، فطوبى لمن آمن بي ورآني، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني، ولم ير من رآني، وسيزيد الله أهل عمان إسلاماً«.. لهو هدية جليلة تضاف الى مكارم عهد المسيرة المباركة بقيادة الباني الحكيم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - أعزه وأبقاه الله.
وردة السلطان قابوس
تخليداً للسجل المشرف لجهود صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله- من أجل تقدم ورفاهية شعبه ولمساهمة جلالته على الصعيد الإقليمي والدولي في إرساء أركان السلم وتنمية العلاقات الدولية، ولعناية جلالته بالبيئة ودعمهُ لحقوق الإنسان، فقد تم إطلاق إسم جلالته على زهرة من سلالة جديدة أصبحت تعرف بإسم »وردة السلطان قابوس« ، وقد أتى ذلك بمبادرة من جمعية الورود العالمية (ومقرها هولندا) وذلك كتقدير عالمي لجلالته وإعترافاً بإسهاماته الشخصية على الصعيدين المحلي والدولي. وقد قام الإتحاد الدولي للزهور بتقديم الزهرة رسمياً الى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - في إحتفالات العيد الوطني العشرين في نوفمبر 1990م.
والوردة هي خلاصة أبحاث مطولة إنهمك فيها العلماء لإستنباط صنف جديد من الورود التي تتميز ببهاء لونها وزكاء رائحتها وطول ساقها، كما تستطيع أن تزهر في الأجواء الحارة والباردة.
وظهرت هذه الزهرة رسمياً لأول مرة في إبريل سنة 1990م في معرض أوساكا للحدائق باليابان، حيث حصلت السلطنة على أهم ثلاث جوائز، وهي الميدالية الفضية والبرونزية بالإضافة الى جائزة الصداقة الدولية بالمعرض، وقد نالتها تكريماً للمشاركة الفعالة وتقديراً عالمياً لعُمان كجهد وحضور متميز وكموقف وسمعة عالمية.
ومما يعطي الجوائز أهميتها كونها جاءت شهادة من لجنة التحكيم الدولية التي تضم خبراء محايدين من ثماني دول.
وقد خطفت الوردة الأنظار في معرض تشلسي للزهور بلندن في مايو 1990م لروعة لونها الأحمر القاني والرائحة الزكية والأهم من ذلك قدرتها على النمو والتفتح في البساتين العربية والأوروبية على حد سواء.
وقد تم الإحتفاء بالوردة من خلال إصدار الطوابع والبطاقات البريدية والإشتراك في المعارض الدولية المتخصصة وذلك كرسالة محبة عُمانية الى العالم.
طريق الحرير
تبنت السلطنة الدعوة العالمية التي أطلقتها منظمة التربية والثقافة والعلوم \'\'اليونسكو\'\' لدراسة طريق الحرير والتجارة القديمة التي كانت تتبادلها القوافل التجارية البرية والبحرية بين شعوب العالم
فنظراً للأهمية الحضارية للمشروع ولموقع عُمان الجغرافي والدور الذي لعبته في مسيرة التواصل الإنساني بين الشرق والغرب، فقد كان لها دور ريادي في الرحلة البحرية لطريق الحرير يتمثل في الإلتفاتة الكريمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله -بتخصيص اليخت السلطاني فلك السلامة مع كل طاقمه لتستخدمه اليونسكو لهذه الرحلة، وذلك تقديراً من جلالته للمردود العلمي للدراسة ونتائجها الإيجابية والإستفادة من معطياتها لزيادة الترابط بين شعوب العالم. وشملت دراسة طريق الحرير رحلات برية وبحرية، فإحدى الرحلتين البريتين بدأت من (اسطنبول) وإنتهت في مدينة (اكسيان) بالصين، والرحلة الأخرى بدأت من أوديسا الروسية وإنتهت في كانتون بالصين أيضاً. أما الرحلة البحرية فقد بدأت من البندقية يوم 23/11/1990م مروراً بـ 21ميناء منها مسقط وصلالة وإنتهاءاً بأوساكا باليابان، حيث المحطة الأخيرة.
وقد سلكت فلك السلامة خط السير نفسه الذي سلكه ماركو بولو في بحثه عن الحرير والتوابل، وقد دخلت السفينة وعلى متنها أكثر من سبعين عالماً ميناء صلالة يوم 13/11/1990م، حيث أمضوا يوماً كاملاً، زاروا الأماكن الأثرية مثل ميناء سمهرم وآثار مدينة البليد وهما الموقعان اللذان إرتبطا بتجارة اللبان التي لعبت دوراً مهماً في التواصل بين الشعوب والحضارات القديمة.
وفي يوم 17/11 وصلت فلك السلامة ميناء السلطان قابوس بمسقط أثناء إحتفالات البلاد بالعيد الوطني العشرين، حيث أعد لها إستقبال رسمي وشعبي قدمت خلاله الفرق الأهلية ألواناً متعددة من فنونها الشعبية، كما قام العلماء والمشاركون من البعثة ببرنامج حافل من الأنشطة تمثلت في مشاركتهم في إحتفالات البلاد بالعيد الوطني، بالإضافة الى زيارة العديد من المواقع الأثرية خاصة تلك التي أدرجتها اليونسكو ضمن الآثار العالمية مثل سور بهلاء، كما أقيمت في اليوم العشرين من نوفمبر ندوة دولية موضوعها \'\'أهمية التراث البحري العماني لطريق الحرير\'\'، إستمر إنعقادها لمدة يومين. ثم واصلت السفينة سيرها يوم 25/11 الى بقية موانئ باكستان والهند والشرق الأقصى مروراً بالصين وحتى أوساكا باليابان، وقد شملت الرحلة 21 ميناء في 16 دولة، وقطعت مسافة 17,500 ميل، وتبلغ حمولة فلك السلامة 10864 طناً وطولها 130 متراً، والسرعة القصوى تقدر بـ 19,5 عقدة في الساعة.
وأهم أهداف الرحلة معرفة مدى تأثر الحضارات والثقافات في الشرق والغرب بعضها ببعض وما تم تناقله من معلومات تقنية وعلمية من خلال التبادلات التجارية لمختلف السلع وخاصة الحرير الذي إستقطب إهتمام الملوك والأثرياء منذ الألف الثاني قبل الميلاد. ورغم أنه- أي الحرير- من أثمن السلع الواردة من الشرق الى أوروبا فقد ظل مجهولاً حتى القرن السابع عشر، حيث إكتشف الصينيون دودة القز وحفظوا سرها وظلوا يصدرون الحرير قروناً عديدة دون أن يعلم الأوروبيون مصدره على وجه التحديد. إستمرت رحلة طريق الحرير البحرية ما يزيد عن أربعة أشهر من أكتوبر وحتى مارس 1991م، تم تقديم 182 بحثاً في 19 ندوة دولية حول التواصل الحضاري خاصة بين شعوب البلدان التي كان يعبرها طريق الحرير البحري قديماً، بالإضافة الى الأبحاث التي كانت تقام يومياً فوق السفينة خلال الرحلة التي كان يقوم بها العلماء والمفكرون وغيرهم من المشاركين.
جائزة السلطان قابوس لصون البيئة
لجلالة السلطان قابوس المعظم اهتمامات عدة لا تنصب على مجال واحد فقط فقد اهتم جلالته لصون البيئة وحمايتها ومن أهم مشاريعة البيئية.
جائزة السلطان قابوس لصون البيئة هي أول جائزة عربية يتم منحها على المستوى العالمي في مجال حماية البيئة.. فقد أنشئت هذه الجائزة في عام 1989م بمبادرة كريمة من جلالته وبموافقة وترحيب منظمة اليونسكو.
وتمنح جائزة السلطان قابوس لصون البيئة كل عامين من خلال برنامج (الإنسان والمحيط الحيوي) في اليونسكو إعترافاً وتقديراً للمساهمات المتميزة للأفراد والمجموعات والمؤسسات والمنظمات في مجال حماية البيئة وبما يتوافق مع سياسة اليونسكو وبرامجها في هذا المجال.
ويقوم مكتب مجلس التنسيق الدولي لبرنامج (الإنسان والمحيط الحيوي) بإختيار الأفراد أو المجموعات أو المؤسسات أو المنظمات التي ستمنح الجائزة، ويتم هذا الإختيار دون الأخذ في الإعتبار بالجنسية أو الأصل العرقي أو الجنس أو اللغة أو المهنة أو العقيدة الدينية أو المعتقدات السياسية للفرد أو الأفراد المرشحين لنيل الجائزة.
والجائزة تمنح مرة واحدة فقط لأي فرد أو مجموعة أو مؤسسة أو منظمة ويتم الترشيح لها كل عامين وفق الإسهام البارز في إدارة أو حماية البيئة وبصفة خاصة في مجالات البحوث المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية والتدريب والتعليم البيئي وتطوير التوعية البيئية وتعزيز أنشطتها وأيضاً إنشاء إدارة المناطق المحمية.
وتعبر الجائزة عن منظور السلطنة العالمي لأهمية مشاركة الأسرة البشرية من شعوب وحكومات في سبيل تحقيق أمن وسلامة البيئة على كوكب الأرض كما تعتبر تثميناً وإعترافاً بالجهود والإسهامات البارزة التي يقوم بها الأفراد أو المجموعات أو المؤسسات أو المنظمات في حماية البيئة وبخاصة أن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي وهو أحد برامج منظمة اليونسكو يتولى الترشيح لنيل هذه الجائزة بحكم انه برنامج علمي حكومي دولي يتولى الإشراف على المشروعات والأنشطة البيئية على مستوى الدول الاعضاء فيه وتوفير المعلومات وأسس الادارة العلمية لكافة الموضوعات والجوانب البيئية وهو بحكم توجهاته وأهدافه يستطيع القيام بتقييم المرشحين لنيل الجائزة بشكل علمي ودقيق وبخاصة ان البرنامج يشكل بكل دولة من الدول الأعضاء لجنة وطنية تتولى التنسيق مع جهات الإختصاص المسؤولة عن البيئة بالدولة في كافة القضايا والموضوعات المتصلة بها.
وقد منحت (جائزة السلطان قابوس لصون البيئة) لأول مرة في عام 1991م لمركز الدراسات والبحوث المكسيكية وفي عام 1993م فاز بها العالم التشيكي جان جينيك، وفي عام 1995م فازت بها السلطات البيئية الملاوية أما في عام 1997م فتقاسمها مناصفة كل من قسم العلوم البيئية لكلية العلوم بجامعة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية وإحدى الجمعيات الأهلية المعنية بحماية الغابات في سريلانكا، وفي عام 1999م منحت الجائزة الى مؤسسة داروين لمحمية جالا باجوس في الأكوادور وهي من المحميات المدرجة على قائمة اليونسكو.
ونظراً لجهود السلطنة في مجال حماية البيئة والتقدير الدولي الواسع لتلك الجهود تم اختيار السلطنة من بين الدول العشر الأكثر اهتماما وعناية بالبيئة على المستوى الدولي.