خلال الأربعين عامًا التي أصبح فيها بني اسرائيل في التيه حدثت أحداث منها أن أحد أعيان قوم بني اسرائيل تم قتله وأخذوا يبحثون عن مَن قتله فلم يعرفوا من قتله فبدءوا بالتحقيق ولم يصلوا لشيء، فجاءوا إلى موسى عليه السلام، قالوا يا موسى أخبرنا من قتل هذا.
- قال موسى لا أعلم إلا بالوحي.
- قالوا ادع لنا ربك يخبرنا من قتل هذا.
فلقد كان شخص عظيم من كبارهم وأعيانهم، فأخذ موسى عليه السلام يدعوا الله ويكرر الدعاء، ليعرف من ذبح ذلك.
وبعدما أمرهم بأن الله يأمرهم بأن يذبحوا بقرة قالوا له أتلعب يا موسى ؟ فرد عليهم وأكد أنه أمر من الله، ورغم أنه كان من السهل عليهم أن يستطيعوا ذبح أي بقرة فلم يحدد الله لكنهم أرهقوا أنفسهم فأرهقهم الله عز وجل، وبالفعل بدءوا يبحثون عن البقر الأصفر المأمورين بذبحه، وبعدها طلبوا معرفة أي بقرة المطلوب ذبحها بالتحديد، فلما تعنتوا وتكلفوا فالله سبحانه وتعالى شد عليهم، وهذا فيه درس أن الإنسان لا يشتد على الناس بالدين.
قال لهم موسى إنها بقرة لا تستعمل في حراثة الأرض ولا تسقي الحرث ولا تستعمل في سقاية الزرع ولا تركب ولا تستعمل بل هي بقرة لا يوجد فيها أي علامة صفراء فقط فاقع لونها ولا يوجد فيها أي علامة.
فبدءوا يبحثون عن هذه البقرة لم يجدون هذه البقرة إلا عند غلام يتيم فاستعجل واحد إليه، فقال لو طلبوا منك شراء هذه البقرة فاطلب ثمن غاليًا، خاصة أن الميت كان ثري، وجاءوا للغلام فقال هل تبيع البقرة ؟
- قال نعم.
- قالوا بكام.
- قال بوزنها ذهبًا.
- قال موسى اضربوا به الميت.
فجاءه الوحي فذهب موسى عليه السلام وأخبرهم بأوامر الله عز وجل: وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ. ( سورة البقرة)
فدفعوا في البقرة هذا الثمن فالله سبحانه وتعالى أغنى الغلام اليتيم وعاقبهم في نفس الوقت، واشتروا البقرة بالفعل وذبحوها.
- قالوا ذبحنا البقرة ولم نعرف من قتله.
- فقال موسى : اقطعوا منها جزءا.
- فقطعوا منها الفقيم.
- قال : اضربوه بالفقيم.
فأحيا الله سبحانه وتعالى الميت أمامهم وقال: هذا الذي قتلني، ورجع مات. فسبحان محيي الموتى عز وجل
يقول الله عز وجل وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) سورة البقرة.
ولم تلين قلوبهم حتى بعدما رآوا المعجزات والمعجزات أمام أعينهم، ولم يؤمنوا ايمانًا كاملًا بالله وبدعوة النبي موسى
يقول الله تعالى : ” ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) ( سورة البقرة).
خلال فترة التيه الاربعين عاما التي عاقب بها بني اسرائيل حدثت قصة موسى والخضر عليهما السلام، ففي يوم خطبهم موسى عليه السلام فسأله أحد بني اسرائيل من أعلم من على الأرض؟
- فقال موسى: أنا.
- فعاتبه الله عز وجل، فموسى عليه السلام كان يفترض ذلك فهو الرسول وهو كليم الله عز وجل ولا يعرف أحد بهذه المكانة على الأرض.
- فقال هناك رجل أعلم منك.
- فقال مخاطبا لله عز وجل : من هو وكيف أجده؟
- فدله الله عز وجل عليه في مجمع البحرين.
- قال كيف أعرفه من بين الناس؟
- قال له علامة وهي أن تفقد الحوت والحوت هو السمكة، إذا فقدت الحوت فهذه علامة هذا الرجل.
وقال موسى لفتاه يوشع بن نونان عليه السلام، فأكثر المفسرين والمؤرخين وعلماء الاسلام على أن يوشع نبي من أنبياء الله عز وجل وهو من تولى أمر بني اسرائيل بعد موسى وهارون.
ذهب يوشع مع موسى في هذه الرحلة، وقال له موسى أنه لن يتوقف حتى يبلغ مجمع البحرين أو يمضي حقبًا أي يمشي عشر سنوات لملاقاة الرجل.
فلما بلغ مجميع بينهما.. وهو طرفي البحر الأحمر عند التقاءهما عند خليج العقبة.
وحينما وصلا لم يكونا على علم بهذا المكان، ونسيا حوتهما واتخذ سبيله في البحر سربا يعني أن موسى ترك السمك المشوي في اناء، وموسى عليه السلام نائم، ويوشع عليه السلام جالس وفجأءة ينظر إلى السمكة المشوية تتحرك وتقفز ثم قفزت للبحر وسبحت فرجعت حيّة.
جدول المحتويات
موسى وفتاه يوشع والحوت
يوشع ينظر لهذا المنظر متعجب، فلما استيقظ موسى عليه السلام نسى يوشع أن يخبره بهذا الحوت، ولما تجاوزا المكان الذي فيه العلامة قال لفتاه آتنا غداءنا لقد تعبنا من السفر.
فتذكر يوشع عليه السلام وقال له أرأيت حينما ذهبنا إلى الصخرة فلقد نسيت السمك هناك، ونسيت أن أذكر لك القصة التي هرب فيها الحوت.
فرد عليه موسى أن هذا هو المكان ولذلك تتبعا آثار أرجلهما فوجدا الخضر الذي حصل على الرحمة من الله والعلم، وأجمع المفسرون على أنه نبي من أنبياء الله.
موسى يطلب من الخضر أن يتعلم
وقال له موسى أن يرافقه حتى يتعلم منه من العلم الذي حصل عليه، فقال الخضر أنك لن تستطيع صبرا يا موسى قال له ستجدني صابرا وسأطيعك في كل ما تشاء، قال فإن اتبعتني لا تسألني عن أي شيء حتى أحدثك عنه، فوافق موسى عليه السلام وقال ليوشع ارجع لبني اسرائيل سأكمل الطريق مع الخضر.
الخضر يعطل السفينة الخاصة بالمساكين
وتحرك موسى والخضر عليهما السلام، حتى إذا ركبا سفينة خرق الخضر السفينة التي بها عمال فقراء، وطلبوا منهم العبور للضفة الأخرى فحملوهم بدون أجر، وفي الطريق نزل الخضر وموسى عليهما السلام إلى اسفل السفينة، فأخذ حديدة وبدأ يكسر الحديدة من جهة الماء ودخل الماء في السفينة وبدأت السفينة تغرق وسمع العمال بالأمر بدءوا يحملون الماء ويخرجونه للخارج.
فتعجب موسى من الفعل وقال له أخرقتها لتغرق أصحاب السفينة ، هذا منكر ما فعلته لقد جئت شيئًا غريبًا، فكان رد الخضر عليه السلام: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا فقال له صحيح وعدتك ونسيت، وليّن معي ولا تشتد ولا تعاقبني بها.
الخضر يقتل غلام لأبوين صالحين
فسكت الخضر وسامحه فانطلقا ومشوا قليلا إذ صبيان يلعبون فجاء الخضر عليه السلام لواحد من الغلمان فهجم عليه الخضر وأسقطه في الأرض وذبحه، وموسى عليه السلام ينظر جريمة قتل أمام عينيه، قال له موسى قتلت وارتكبت جريمة هذا منكر. فقال له ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا فتذكر موسى، وقال له لو سألتك عن شيء بعد هذا فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا، فأعذرت مرة وأخرى.
الخضر يصلح الجدار المنهدم
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية وكان أصابهم الجوع الشديد وكانوا معتادين على الضيافة، لكن هؤلاء الناس يرونهم ولا يضيفوهما وهذا كان حق في هذا الزمان، وفي الاسلام كذلك، فيجب على أهل القرية استضافة أي مسافر ثلاثة أيام ولو انقطع به السبيل.
ولم يكن تسول ولكن الضيافة، فالأنبياء لا يطلبون التسول اطلاقا، فرفض أهل القرية الضيافة مع أنها كانت واجبة وكانوا أهل سوء وكان في القرية بيت به جدار كاد أن يسقط فشمر الخضر وبدأ يبني هذا الجدار ويعدله إلى أن بناه وسواه.
موسى عليه السلام يشاهد جدار في خرابة ومائل وفي قرية من ناس أهل شر ولا يوجد به أحد ضيفه قال على الأقل كان لابد أن تطلب الأجر.
الخضر يفسر ما فعله ويفارق موسى عليه السلام
وقال له الخضر أن هنا سيكون هناك فراق بينهما بسبب الشرط الذي اشترطه على نفسه، وأنه سيفسر له الأمر وأن هذه كانت أوامر بوحي من الله عز وجل:
1- السفينة: كانت لمساكين يعملون في البحر فقد كانت سفينة عبور فقط وليست سفينة صيد فأراد الخضر أن يعيبها عمدًا وكان سيأتيهم ملك في هذه المنطقة أي سفينة يأخذها بالغصب وفعلا بعدما تركهما موسى والخضر وتحركت السفينة التي كادت تغرق وصل الملك فرأى السفينة بها عيب وتكاد تغرق فقال اتركوها ما نحتاج إليها.
2- الغلام: يقول الخضر إن الغلام أبويه كانا مؤمنين والله علم بعلمه الواسع لو أن الطفل هذا لو كبر سيكبر كافرًا وليس فقط هكذا بل طاغية يؤذي حتى أبويه فمن رحمة الله عز وجل على هذين الولدين المؤمنين أن يموت هذا الطفل قبل أن يكبر، وبعدما مات الطفل حملت المرأة المؤمنة ورزقهما بولد بدل الذي قتل وهذا الولد صالح وطيب وبار بوالديه.
3- الجدار المائل في البيت: الحائط كان لغلامين يتيمين في اليتيمة وكان تحت الجدار كنز، ولو سقط الجدار لانكشف الكنز ولأخذه أهل القرية الأشرار لأنه لغلمين يتيمين ما يستطيعوا الدفاع عن أموالهما، وكان أبوهما صالحًا.
ظل موسى عليه السلام مع بني اسرائيل في التيه أربعين عاما، ومات هارون عليه السلام أخو موسى عليه السلام ودفن في التيه أي دفن في الصحراء، وبعد مررو عامين توفى موسى عليه السلام.
جاء ملك الموت إلى موسى، والأنبياء لا يموتون إلا ويخيرون بين الموت والحياء، فجاء ملك الموت يستأذن ليقبض روح موسى عليه السلام، فقال له ملك الموت إن الله أرسلني لأقبض روحك فضربه موسى عليه السلام، فاقعا عينه فشفاه الله، وقال له ان يضع يده على ظهر ثور وبكل شعرة سنة حياة، فرجع وبعدها، طلب الله ان يميته ولكن يقربه من القدس، وبالفعل توفاه الله ودفن بالقرب من المسجد الأقصى عند الكثير الأحمر.
في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: ( أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ، فلما جاءه صكَّه ففقأ عينه ، فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : فرد الله إليه عينه وقال : ارجع إليه ، فقل له : يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة ، قال : أي ربِّ ثم مه ؟ قال : ثم الموت ، قال : فالآن ، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق ، تحت الكثيب الأحمر )
وهكذا كانت نهاية نبيين عظيمين كريمين هارون وموسى عليهما السلام، وفي المقالات القادمة نتحدث عما حدث مع بني اسرائيل بعد وفاتهما.