النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: " ان عشقت ... فاعشق صلالة

  1. #1
    الصورة الرمزية عاشق الكويت
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    07- 2004
    المشاركات
    311

    " ان عشقت ... فاعشق صلالة

    مطر ورذاذ منعش في عز الصيف
    " ان عشقت ... فاعشق صلالة "

    صلالة ـ نادي حافظ:
    عندما أعلن قائد الطائرة أننا نستعد للهبوط في مطار مدينة صلالة العمانية، لم يكن ثمة ما يشير إلى أن علاقة من أي نوع سوف تنشأ بيني وبين تلك المدينة التي سأصافح جغرافيتها وتاريخها للمرة الأولى.

    كانت الساعة تقترب من التاسعة ليلا، ومن شباك الطائرة لا أرى غير الظلام الذي لا يشي بالحميمية للوهلة الأولى. وما أن حكّت عجلات الطائرة الأرض حتى شعرت بأنني هبطت على كوكب آخر لم يخطر على بال مخرجي أفلام هوليوود من قبل. وقفت الطائرة في ساحة فارغة، وعلى مرمى البصر كان هناك مبنى ــ خلته من شكل عمارته الخارجية مسجدا أو متحفا ــ هو مبنى مطار صلالة الذي أقلنا إليه باص عجيب بدا لي مركبة فضائية من نوع جديد.

    بدا المطار أنيقا بقاعاته الصغيرة التي وسعتها ابتسامات رجال الأمن وموظفي المطار، الذين كانت شفاههم تبتسم مرحبة بالقادمين، وكذلك عيونهم وأياديهم ووجوههم تبتسم كأنهم خلقوا مبتسمين.

    من دون توقيفات ومراجعات وأختام وطوابير خرجت من قاعة إلى قاعة ثم وجدتني في أحضان رجل بدا لي للوهلة الأولى كأني رأيته من قبل في مقامات الهمذاني أو حكايات الجاحظ، لكنني أفقت على جملته الطرية المرحبة: «نوّرت صلالة.. محمد عبد العزيز الرواس من العلاقات العامة في وزارة الإعلام».

    ما إن وصلنا إلى الباب الرئيسي للمطار حتى فوجئت بمضيفي يجذبني فجأة، كأنه يخطفني، باتجاه سيارة تقف على الرصيف المقابل. لم أفهم معنى حركته إلا عندما اكتشفت أن شعري تبلل وكذلك ملابسي بسبب الرذاذ الذي كان يملأ الفضاء.

    يا الله.. مطر ورذاذ في عز الصيف؟ هل أنا أحلم؟ أم أنني اندمجت مع مشهد سينمائي في أحد أفلام شاعر السينما المخرج الروسي الراحل اندريه تاركوفسكي؟

    في الطريق من المطار إلى الفندق، بدت الشوارع على الرغم من المطر حية، الناس في كل مكان، يمشون غير مبالين بالرذاذ، سعداء به، والطرق مأهولة، سيارات تعبرنا وأخرى نعبرها، كأن الجو عادي وليس استثنائيا كما تصورته.

    بدت صلالة عاصمة محافظة ظفار أبهى مما تخيلت، وأجمل مما حكى لي الأصدقاء عن جوها وناسها الطيبين، ومروجها الخضراء المدهشة، وكهوفها الجبلية التي تحكي تواريخ وقصصا وأساطير لم يرد ذكرها في ألف ليلة وليلة.

    دخلت غرفتي في الفندق وجسمي يغالب إرهاق السفر، بينما عقلي يغالب حكايات الأصدقاء عن صلالة وجوها اللطيف الذي ينعش الأرواح ويشعل الذاكرة بالحكايات التاريخية. في الصباح أفقت على جرس الهاتف وصوت فيصل عمر من العلاقات العامة بوزارة الإعلام يرحب بي ويعلن بداية أول أحضاني لصلالة. كان فيصل، كبقية أهل صلالة، ودودا ولطيفا ورزينا وهادئا، ثم حاسما حين قال: سنذهب أولا الى وزارة الإعلام لرؤية الأستاذ نجيب ثم نبدأ برنامجنا. خرجنا من الفندق لأجد الجو كما تركته ليلا: الرذاذ كما هو يملأ الفضاء، والفارق الوحيد أن هناك شمسا في السماء لكنها لا ترى، كأنها خجولة أو وراء حجاب.

    ما إن أدار فيصل محرك السيارة حتى شغّل ماسحات الزجاج الأمامي لنرى معالم الطريق، وقد كانت دبقة جميعا بفعل الرذاذ المنهمر. وأمام باب الوزارة كان الأستاذ نجيب ينتظر، تعلو وجهه ابتسامة واسعة. رحب بي وقادني إلى مكتبه، وما إن جلسنا حتى باغتني بالسؤال: ما رأيك في صلالة؟ ابتسمت وقلت بخبث: أي واحدة فيهما؟ بهت وقال لدينا واحدة فقط. فأوضحت متسائلا: تقصد صلالة التي رأيت أم التي سأرى؟ وتداركت قائلا: أظن التي رأيتها بديعة، لكن التي سأراها أكثر بهاء.ضحك وقال: صلالة التي ستراها ستعجبك.

    نوافير لم يصنعها أحد

    بعد الدردشة والسؤال عن الأحوال، والشاي العماني الأحمر (هكذا يسمون الشاي من دون إضافات)، انطلق بي فيصل إلى منطقة المغسيل حيث كهف المرنيف يبص بعين واحدة على بحر العرب الذي بدا مرحا فوق العادة، وراح يضرب بأطرافه جدار الجبل الذي يختبئ فيه كهف المرنيف، كأن البحر طفل صغير يشب إلى أعلى ليعانق الجبل المهيب ككهل.


    أمام الجبل وقفت أتأمل عزف الطبيعة على جسد الصخر، وأرصد السائحين الذين بدوا مع الضباب والرذاذ أشباحا تتحرك من بعيد، كانت أياديهم تمتد لتلامس صخر الجبل، كأنهم يردون السلام، أو سلّ الحكايات القديمة من جيوبه، ووضع حكايات عصرية مكانها بكاميراتهم، كانوا يشكلون مشهدا طقوسيا غريبا وعجيبا.

    تحت الجبل كان البحر، تتقافز موجاته فتضرب الشاطئ بقسوة، في ما يشبه صراعا على إثبات القوة. ويبدو أن لكمات الموج أصابت الصخر ببعض الجروح التي انفتحت في أماكن متعددة في جسد الصخر. وفي كل مرة يضرب الموج الشاطئ تنفتح تلك الجروح على شكل نوافير ماء طبيعية، يصل ارتفاع ماء واحدتها نحو سبعة أمتار.

    تساءلت: كم يكلّف حكومة أي دولة عمل نافورة في مكان ما؟ ضحكت في نفسي وقلت:ربما يكلّف المبالغ الطائلة، بينما أنعم الله على سلطنة عمان بمثل هذه النوافير الطبيعية المدهشة التي تجذب السائحين من كل بقاع الأرض.

    المظبي العماني ألذ

    في طريق العودة، وعندما دخلنا أطراف مدينة صلالة، لاحظت تجمعات بشرية على جانبي الطريق، سيارات متوقفة، وقوما جلوسا، وقوما وقوفا، وبعض الخيام المنصوبة، سألت رفيقي: أهذا مخيم أم سوق شعبي أم حراج؟ فابتسم قائلا: هؤلاء عشاق أكلة المظبي العماني. قلت وما المظبي؟ قال: انه لحم طازج مشوي على الحصى. سألته: هل هو لذيذ؟ فقال: نعم. قلت له: لنتأكد. حين فرغنا من تناول الطعام وتوجهنا إلى السيارة قلت لرفيقي: إن المظبي من أجمل الأكلات التي تناولتها في حياتي، ولن أنسى هذه الأكلة.

    في اليوم الثاني أيقظني فيصل مبكرا وهو مشرق الروح قائلا: تنشّط، رحلتنا اليوم طويلة. عندما انطلقنا من الفندق كان الرذاذ مستمرا في الجو، وكان الضباب يتكاثف كلما تقدمنا باتجاه سهل ايتين، وما ان دخلنا في محيط السهل حتى تعذرت الرؤية لأبعد من سبعة أمتار. قلت لفيصل: تمهل في سيرك فنحن نصعد ونهبط مع الطريق لئلا نفاجأ بما لا نتوقع في مثل هذا الطريق أو هذا الجو.

    تعلم السباحة في الفضاء

    فوق مرتفعات ايتين لم أشعر للحظات بأنني على الأرض، كنت أحس كأنني اسبح في الفضاء، فعلى امتداد البصر حولك لا شيء إلا الضباب، حتى الأشجار القريبة من بصرك تبدو في الضباب كأشباح تتحرك، أو ككتل بشرية تتماهى في أشكال غير بشرية. وفي أعلى نقطة إذا نظرت إلى الأسفل ستشعر كأنك إن قفزت ستقفز إلى الفراغ من كثرة الضباب.

    تساءل فيصل لما رآني متسمرا في مكاني: ما بك لا تهبط؟ ألا تود زيارة قبر النبي أيوب؟ قلت: اعذرني، أشعر كأنني طائر يسير في العماء، لا أمل بالتحليق في هذا الفراغ الهلامي الغامض المثير الساحر.

    أمام قبر النبي أيوب وقفت مذهولا ليس من طول القبر المغطى بسجاد أخضر عليه آيات قرآنية منقوشة بخط بديع، ولكن الدهشة كانت من سيمياء الهيبة والخشوع التي كانت ترتسم على وجوه الزائرين خصوصا من الآسيويين. سألت أحدهم ويدعى أحمد وهو باكستاني الجنسية: تبدو متأئرا بما شاهدت فما شعورك؟ قال: نعم، فهذا مكان يشبه مكان العبادة، وأنا أشعر بالإيمان لأنني في حضرة أحد أنبياء الله.

    انتشلني فيصل من حال الذهول التي تملكتني منذ دخلنا سهل ايتين، وقال: سنتوجه إلى عين جرزيز. في الطريق إلى العين استسمحت فيصل أن يتوقف حتى ألقي نظرة شاملة على المكان قبل توديعه، واستجاب، كالعادة، على رغم خطورة الوقوف في الطريق في مثل هذا الضباب الكثيف. وكالعادة ألقيت النظرة الشاملة التي لم ألم فيها بشيء أكثر من الضباب.

    «وجعلنا من الماء..»

    أمام عين جرزيز التي تبدو من كثرة الزوار مزارا سياحيا مميزا ومرغوبا سألت فيصل: من أين تأتي كل هذه المياه التي تخرج من قلب الجبل؟ فقال: انها مياه أمطار يشربها الجبل من السماء ويمررها بين عروقه إلى أن يخرجها من هذه العين التي ترى. وقبل أن تتحول هذه العين إلى مزار سياحي كانت تغذي منطقة الجبل الأوسط بالماء ويرعى حواليها سكان السهل والجبل.

    أخذني فيصل بعد ذلك في جولة في ولاية طاقة حيث تكثر أشجار الموز وجوز الهند، والمباني القديمة التي تحكي قصة كفاح الإنسان العماني، وكيف عاش حياته في تآلف مع غيره، بما ينبئ أن المجتمع العماني بدأ مترابطا، إذ كان يعيش في البيت الواحد أكثر من أسرة، حيث تتخذ كل أسرة جزءا من البيت سكنا لها.

    في اليوم الثالث انطلق بي فيصل مبكرا إلى وادي دربات، وكان الرذاذ على حاله لا تزال السماء تنزفه بشدة، فيما كان الضباب يجعل من الجو ما يشبه الحلم الذي يستعصي الإمساك به على أرض الواقع دائما.



    كل شيء في طبيعة صلالة يضيء


    على طول الطريق إلى وادي دربات كانت الجبال المضيئة بخضرتها تستدرجنا شيئا فشيئا، لندخل في حضرة بهائها. وفي وادي دربات ليس على المرء غير أن يلقي بصره إلى أبعد ما يكون البصر ليجد الخضرة تسبقه، يسمع تغريد الطيور في جنبات الوادي، وتغني المياه المتدفقة من عين دربات بخريرها ما يشبه الموشح الأندلسي.

    ومن عين دربات إلى عيون صحنوت ورزات وحمران كانت الطبيعة تعزف أجمل ما لديها من ألحان، وتضرب بريشتها أبدع ما لديها من ألوان.

    سألت فيصل بعد أن صعدنا أعلى قمة في جبل شير: ما الفارق بين الجبل والجمل؟ ابتسم وقال: كلاهما كبير، لكن الجبل أكثر صبرا من الجمل. ضحكت وقلت: لا، الفارق بينهما حرف واحد فقط. كل شيء في طبيعة صلالة يغني، الجبال، والمياه، والضباب، والرذاذ، والأشجار، والكهوف، والطيور. كل شيء يغني سيمفونية طبيعية بدأت مع الخلق،على ما يبدو، لكنها لا تنتهي أبدا.

    شعب طيب

    ولدي الدليل


    الشعب العماني شعب طيب وبسيط إلى أبعد الحدود. لا يحب التعقيد ويتميز بأنه ودود للغاية ويحب الوضوح. ومثل هذه الصفات تنعكس على تصرفات وسلوكيات ذلك الشعب.

    وخلال جولتنا في أسواق مدينة صلالة القديمة لفت انتباهنا أن أسماء المحلات بسيطة إلى حد قد يوقعك في الحيرة. فصالون الحلاقة تشير إليه اللافتة المعلّقة فوق محله بكلمة واحدة بسيطة وواضحة وحادة هي (حلاقة) أو (محل للحلاقة)، وكذلك البقالة التي تقول لافتتها (محل بيع المواد الغذائية)، ومصبغة الملابس تقول لافتتها (غسيل وكي الملابس) وحتى المطعم تشير لافتته إليه بكلمة واحدة كبيرة هي (مطعم) هكذا بكل بساطة ووضوح.

    إنها البساطة في كل شيء، والأشياء تسمى بمسمياتها، في ظاهرة تعكس طيبة وبساطة أهل عمان خصوصا في صلالة.

    بصراحة ماني عارف وين احط الموضوع شفت ان انسب مكان هو الساحة العامة

  2. #2
    الصورة الرمزية عاشق السمراء
    Title
    "رجل عادي جدا"
    تاريخ التسجيل
    05- 2002
    المشاركات
    21,307

    رد : " ان عشقت ... فاعشق صلالة

    مسااااااااااااااااء جميل ..
    عاشق الكويت ..
    عتابي انك لم تخبرنا بالزيارة .. لاجل نقوم بالواجب .. وأن كنت في صلالة .. سنكون معك .. لكن مرة ثانية لا تكررها !!
    اخي العزيز ....... صلالة رائعة بكل شئ .. وجميلة .. ولله الحمد وهذه نعمة الخالق على عبادة !!
    ابحرت معك مع حروفك .. ووجدتك تذكرني بحروفي حينما تعانق الجمال .. وحينما يسحرني المكان لاجد متنفس سوى الحرف الذي يمثل لك نبراس وجودي !!
    شكرا عاشق الكويت لهذه الزيارة لصلالة درة الوجدان .. صلالة معشوقتي من يسكنها سكن الجنان !!

  3. #3
    الصورة الرمزية ANGEL_TWIN
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    07- 2004
    العمر
    34
    المشاركات
    1,058

    رد : " ان عشقت ... فاعشق صلالة

    شكراً لك أخي عاشق الكويت.....و أتمنى في يوم من الأيام و خاصةً بعد موضوعك هذا بأن أقوم بزيارة صلالة لأنك لست الاول الذي أخبرني بجمالها..........تحيتي لك و شكراً...

  4. #4
    الصورة الرمزية عاشق الكويت
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    07- 2004
    المشاركات
    311

    رد : " ان عشقت ... فاعشق صلالة

    اخوي عاشق اشكرك على هذة الكلمات والحفاوة فانتم اهل الجود والكرم لكن للاسف انا مو شايف صلالة ويشرفني ازور هالبلد المعطاء

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML