من المفيد قرائه مقدمه د.السامرائي للكتاب فهو يتدرج بفهمه للتعبير القراني بكل وضوح والاسئله التي قادته للنتائج التي وصل اليها دارت وتدور باذهان شبابنا ان الفرق بين المقدمه للكتاب الاول و الكتاب الثاني واضحه وجليه لكن كليهما صريحه بمادتها التربويه الاخذه بضمير المسلم لمعرفه جانب مهم من كتابه الذي انزله الباري عزوجل له
الجهد واضح في الكتابين وتواضع الكاتب ومعرفته بنفسه كمستقرء متلقي والقيمه الاعجازيه بكتاب الله عزوجل ميزته واضافت مسحه واقعيه على اسلوب الطرح وتوئمته مع الركام الحضاري المعرفي في عصرنا الحاضر فهو سهل الفهم للقارئ الجيد سلس يميز بين الثوابت والمتغيرات كما اثبّت مراجع الكتاب لتبيان الجهد المبذول ومنفعه المصادر للذين يريدون الاهتمام بالموضع اسئل الباري القدير ان يثيبه خير الثواب انه السميع العليم المجيب

النصوص الواردة في ( أسرار
البيان في التعبير القرآني/ فاضل صالح السامرائي - مصنف ومدقق مرحلة اولى ) ضمن الموضوع ( تقديم )
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً و الصلاة والسلام على رافع لواء الهدى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والداعين بدعوته وبعد:
فقد كنت أسمع من يقول: إن القرآن معجز وإنه أعلى كلام وإنه لا يمكن مجاراته أو مداناته وأن الخلق أجمعين لو اجتمعوا على أن يقولوا مثله ما استطاعوا. وقد قرأت في كثير من الكتب نحواً من هذا القول. وكنت آرى في هذا غلواً ومبالغة، دفع القائلين به حماسُهم الديني وتعصبهم للعقيدة التي يحملونها. وكنت أقرأ كثيراً من التعليلات التي يستدل بها أصحابها على سمو هذا
التعبير كارتباط الآيات ببعضها وارتباط فواتح السور بخواتيمها وارتباط السور بعضها ببعض واختيار الألفاظ دون مرادفاتها ونحو ذلك فلا أراها علمية وأجد كثيراً منها متكلفاً، وكنت أقول: إنه لو كان التعبير على غير ذلك لعلُّلوه أيضاً فإن الإنسان لا يعدم تعليلاً لما يريد، إلا أنه بمرور الزمن وبعد اطلاعي على مؤلفات أحسبها غير قليلة في كُتب اللغة والتفسير والإعجاز والبلاغة ونحوها - وذلك بحكم اختصاصي - بدأت أميل إلى تصديق هذه المقولة، فقد اتضح لي أن قسماً غير قليل مما كُتبَ بروحٍ علمية عالية وإن كان كثير مما كُتب لا أزال أراه الآن كما كنت أراه من قبل.
ثم قررت أن أدرس النص القرآني بنفسي فبدأت أُجري موازنات بين كثير من الآيات من حيث التشابه والاختلاف في التعبير، والتقديم والتأخير، والذكر والحذف وما إلى ذلك من أمور لغوية وبلاغية ومعنوية وأفحصها فحصاً دقيقاً فراعني ما رأيت من الدقة في
التعبير والإحكام في الفن والعلو في الصنعة. وجدتُ تعبيراً فنياً مقصوداً حُسِبَ لكل كلمة فيه حسابُها بل لكل حرف بل لكل حركة.
وكلما أمعنت النظر والتدقيق والموازنة ازددتُ بذاك يقيناً وبصيرة. وانتهيت إلى حقيقة مسلّمة بالنسبة إليّ وهي أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من كلام البشر وأن الخلق أولهم وآخرهم لو اجتمعوا على أن يفعلوا مثل ذلك ما قدروا عليه ولا قاربوا.
وأنا لا أطلب من القارئ أن يسلّم بهذه الحقيقة فإن هذا طلبٌ لا مطمع منه لمجرد القول والأدعاء، وإنما الذي أطلبه منه أن يخلع عنهُ جلباب العصبية وينظر بروح علمية مجردة. وأنا لا أشك في أنه سيصل إلى ما وصلتُ إليه.
صحيح أن كثيراً من الناس ليس لديهم اطلاع على المسلّمات اللغوية وليس لديهم معرفة بأحكام اللغة وأسرارها ومن الصعب أن يهتديَ هؤلاء إلى أمثال هذه المواطن من غير دليل يأخذ بأيديهم يدلّهم على مواطن الفن والجمال ويُبصّرهم بأسرار
التعبير ويوضح لهم ذلك بأمثلة يَعُونَها ويفهمونها. وهذا الكتاب أحسبه من هذا النمط فما هو إلا دليل يشير إلى شيء من مواطن الفن والجمال ويبصّر بقسم من أسرار التعبير.
أنا لا أقول إني وضعت الكتاب بعيداً من العصبية والهوى وإن كان يخيّل إليّ أني فعلت ذاك، ولا أفترض أن القارئ سيسلّم بكل ما يجده فيه ولا أطلب منه ذاك ولكني أدعو القارئ أن يقرأ بعقل متفتح وقلب يقظان وأن يصبر على ما لم يسبق له به علم من أمور اللغة حتى يَعِيَها وذلك ليس بأمر عسير.
وأظنه متى فعل ذلك سيبصر ما أبصرناه وينتهي إلى ما انتهينا إليه.
نسأله تعالى أن يلهمنا الرشد ويجنبنا الزلل إنه سميع مجيب.
فاضل السامرائي



النصوص الواردة في ( أسرار
البيان في التعبير القرآني/ فاضل صالح السامرائي - مصنف ومدقق مرحلة اولى ) ضمن الموضوع ( المراجع )
- الإتقان في علوم القرآن للسّيوطي، ط3، 1370هـ، 1951م.
- الإعجاز العددي للقرآن الكريم، عبد الرزاق نوفل، ط3.
- إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي، ط6، 1375هـ، 1956م، مطبعة الاستقامة في القاهرة.
- أنوار التنزيل، القاضي البيضاوي، المطبعة العثمانية، 1305هـ.
- الإيضاح للقزويني، تحقيق وتعليق لجنة من أستاذة كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر، مطبعة السنة المحمدية.
- البحر المحيط لأبي حيان، ط1 سنة 1328هـ، مطبعة السعادة بمصر.
- بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية، الطباعة المنيرية.
- بديع القرآن لابن أبي الأصبع المصري، تحقيق حفني شرف، ط1، مكتبة نهضة مصر.
- البرهان في علوم القرآن لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، ط1، 1376هـ، 1957م، دار إحياء الكتب العربية.
- البرهان في متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان، محمد بن حمزة الكرماني، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حققها الطالب ناصر بن سليمان العمر، مكتوب بالآلة الكاتبة.
- البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن، الزملكاني. تحقيق الدكتورة خديجة الحديثي والدكتور أحمد مطلوب، مطبعة العاني، بغداد، ط1، 1394هـ -1974م.
-
البيان والتبيين للجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هرون، ط2، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ومكتب الهلال ببيروت.
- تاج العروس شرح القاموس لمحمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي، منشورات مكتبة الحياة، بيروت، تصوير، الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية بمصر، سنة 1306هـ.
- التبيان في أقسام القرآن لابن القيم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1994م بتحقيق عصام فارس الحرستاني.
- تحرير التحبير لابن أبي الإصبع المصري، تحقيق حفني شرف، نشر لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة.
- تسهيل السبيل في فهم معاني التنزيل لمحمد تاج الدين أبي الحسن البكري، مخطوطة بمكتبة الأقاف ببغداد برقم 2320.
- التصوير الفني في القرآن، سيد قطب.
-
التعبير الفني في القرآن، الدكتور بكري شيخ أمين، دار الشروق، 1393هـ - 1973م.
- التفسير القيم لابن القيم، جمع محمد أويس الندوي، مطبعة السنة المحمدية، 1386هـ - 1973م.
- التفسير الكبير لفخر الدين الرازي، المطبعة البهية، مصر.
- تفسير ابن كثير، طبع بدار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.
- حاشية الصبان على شرح الأشموني، دار إحياء الكتب العربية.
- حاشية يس على شرح التصريح للشيخ يس بن زيد الدين العليمي الحمصي، طبعت مع شرح التصريح، دار إحياء الكتب العربية.
- حاشية ابن المنير على الكشاف، طبعت مع الكشاف.
- دراسات في اللغة للدكتور إبراهيم السامرائي، مطبعة العاني، بغداد، سنة 1961م.
- درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، 1393هـ - 1973م.
- روح المعاني في تفسير القرآن الكريم لشهاب الدجين السيد محمد الآلوسي، إدارة الطباعة المنيرية، دار إحياء التراث العربي.
- سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد بن إسحاق، هذها ابن هشام، تحقيق محد محيي الدين عبد الحميد، نشر محمد علي صبيح وأولاده، مطبعة المدني، 1383هـ - 1963م.
- شرح التصريح على التوضيح لخالد بن عبد الله الأزهري، دار إحياء الكتب العربية.
- شرح الدماميني على مغني اللبيب، طبع بهامش حاشية الشمني على معني اللبيب، المطعبة البهية بمصر.
- الطراز ليحيى بن حمزة العلوي، مطبعة المقتطف بمصر سنة 1232هـ - 1914م.
- فتح القدير لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ط1، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، سنة 1349هـ.
- في ظلال القرآن لسيد قطب، الطبعة الأولى.
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لجار الله الزمخشري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1367هـ - 1948م.
- لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري، مصور على طبعة بولاق.
- مجمع
البيان في تفسير القرآن للطبرسي، كتا بفروشي إسلامية، طهران.
- معاني الأبنية في العربية للدكتور فاضل صالح السامرائي، ط1، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 2004م.
- معاني النحون، الدكتور فاضل صالح السامرائي، مطبعة التعليم العالي في الموصل، العراق.
- معتكر الأقران في إعجاز القرآن لجلال الدين السّيوطي، تحقيق محمد علي البجاوي، دار الثقافة العربية للطباعة.
- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
- المفردات في غريب القرآن لأبي القام الحسيني بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، طهران.
- ملاك التأويل القاطع بذي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل لأبي جعفر أحمد بن الزبير الغرناطي، تحقيق الدكتور محمود كامل أحمد، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1405 هـ - 1985م.
- من بلاغة القرآن، أحمد أحمد بدوي، مطبعة لجنة
البيان العربي.
- همع الهوامع شرح جمع الجوامع لجلال الدين السّيوطي، ط1، سنة 1327هـ، مطبعة السعادة بمصر.



الكتاب الثاني

النصوص الواردة في ( لمسات بيانيه في نصوص من التنزيل / فاضل صالح
السامرائي - مصنف ومدقق مرحلة اولى ) ضمن الموضوع ( المقدمة )
يا رب لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهك وعظيم سلطانك.
وبعد:
فهذه جملة من نصوص التنزيل العزيز سُئلتُ عن سِرِّ
التعبير في بعضها واخترتُ بعضها الآخر من سور متعددة لأبيّن طرفاً مما فيها من أسرار تعبيرية ولمسات فنية لعلَّ فيها نفعاً لدارسي القرآن ولتكون خطوةً أخرى بعد كتاب (التعبير القرآني) في بيان شيء من أسرار هذا السِّفْر العظيم كتاب الله الخالد.
قال لي بعضهم بعد أن اطّلع على كتاب (التعبير القرآني)، لو أسميتَهُ (الإعجاز القرآني).
فقلتُ له: هذا العنوان أكبرُ مني وأنا لا أستطيع أن أنهض ببيان الإعجاز القرآني ولا بشيءٍ منه، وإنما هو دراسة في بيان شيء من أسرار
التعبير القرآني العظيم الذي لا تنتهي عجائبه.
إن هذا الكتاب - وكذلك الكتاب الذي قبله أعني كتاب (التعبير القرآني) ليس في بيان الإعجاز القرآني، وليس هو خطوة واحدة في هذا الطريق، وإنما هو خطوة في طريق قد يُوصِلُ السالكَ إلى طريق الإعجاز أو شيء من الإعجاز.
إن إعجاز القرآن أمرٌ متعدد النواحي متشعبُ الاتجاهات ومن المتعذر أن ينهض لبيان الإعجاز القرآني شخصٌ واحد ولا حتى جماعة في زمنٍ ما مهما كانت سَعَةُ علمهم واطلاعهم وتعدد اختصاصاتهم إنما هم يستطيعون بيانَ شيءٍ من أسرار القرآن في نواحٍ متعددة حتى زمانهم هم، ويبقى القرآن مفتوحاً للنظر، لمن يأتي بعدنا في المستقبل ولِمَا يَجِدُّ من جديد. وسيجد فيه أجيالُ المستقبل من ملامح الإعجاز وإشاراته ما لم يخطر لنا على بال.
وأضرب مثلاً لتعدد نواحي الإعجاز، فإني سمعتُ وقرأت لأشخاص مختصين بالتشريع والقانون، يُبَيِّنون إعجازَ التشريع القرآني، ويبينون اختيارات الألفاظ التشريعية في القرآن ودقتها في الدلالة على دقة التشريع ورفعته ما لا يصحُّ استبدال غيرها بها، وإن اختيار هذه الألفاظ في بابها أَدقُّ وأعلى مما نُبيِّنُ نحن من اختياراتٍ لغوية وفنية وجمالية.
وقرأتُ وسمعت لأشخاص متخصصين بعلم التشريح والطب في بيان شيء من أسرار
التعبير القرآني من الناحية الطبية التشريحية ودقتها يفوق ما نذكره في علم البلاغة. فألفاظهُ مختارة في منتهى الدقة العلمية. من ذلك على سبيل المثال أن ما ذكره القرآن من مراحل تطور الجنين في الرحم هي التي انتهى إليها العلمُ مما لم يكنْ معروفاً قبل هذا العصر مما دعا علماء أجانب إلى أن يعلنوا إسلامهم. وليس ذلك فقط؛ بل إن اختيار تعبير (العلقة) و (المضغة) - مثلاً أعجب اختيار علمي.
فاختيار
التعبير بـ (العلقة) اختيارٌ له دلالته، فإن المخلوق في هذه المرحلة أشبه شيء بالعلقة، وهي الطفيلية المعروفة. وكذلك التعبير بـ (المضغة)، فالمضغة كما قرأنا في كتب التفسير، هي القطعة من اللحم قدر ما يمضغ الماضغ. ولكن لاختيار كلمة (مضغة) سببٌ آخر، ذلك أن (المضغة) هي قطعة اللحم الممضوغة أي التي مضغتها الأسنان، وقد أثبت العلمُ الحديث أن الجنين في هذه المرحلة ليس قطعة لحم عادية بل هو كقطعة اللحم التي مضغتها الأسنان، فاختيار لفظ (المضغة) اختيارٌ علمي دقيق. إنه لم يقل "قطعة لحم صغيرة" ولو قال ذلك لكان صواباً ولكن قال: (مضغة) لِمَا ذكرتُ ورُبَّما لغيرهِ أيضاً، والله أعلم.
وقرأتُ فيما توصَّلَ إليه علم التاريخ وما دَلَّتْ عليه الحفرياتُ الحديثة من أخبار ذي القرنين أدق الكلام وأدق الأخبار ما لم يكن يعرفهُ جميع مفسري القرآن فيما مضى من الزمان. وأن الذي اكتشفه المؤرخون والآثاريون وما توصلوا إليه في هذا القرن منطبقٌ على ما جاء في القرآن الكريم كلمةً كلمة ولم يكن ذلك معلومًا قبل هذا القرن البتة.
وقرأتُ في اختيار
التعبير القرآني لبعض الكلمات التاريخية كـ (العزيز) في قصة يوسف، وكاختيار تعبير (الملك) في القصة نفسها، واختيار كلمة (فرعون) في قصة موسى، فعرفتُ أن هذه ترجمات دقيقة لما كان يُستعمل في تلك الأزمان السحيقة فـ (العزيز) أدقُّ ترجمةٍ لمن يقوم بذلك المنصب في حينه، وأن المصريين القدامى كانوا يفرقون بين الملوك الذين يحكمونهم فيها إذا كانوا مصريين أو غير مصريين، فالملكُ غير المصري الأصل، كانوا يسمونه (الملك)، والمصري الأصل يسمونه (فرعون) وأن الذي كان يحكم مصر في زمن يوسف غير مصري، وهو من الهكسوس فسماه (الملك)، وأن الذي كان يحكمها في زمن موسى هو مصري فسماه (فرعون)، فسمى كل واحد بما كان يُسمى في الأزمنة السحيقة.
وعرفت من الإشارات الإعجازية في مختلف العلوم كما في أسرار البحار والضغط الجوي وتوسع الكون وبداية الخلق ما دعا كثيراً من الشخصيات العلمية إلى إعلان إسلامهم.
بل إن هناك أموراً لم تُعرفْ إلا بعد صعود الإنسان في الفضاء، واختراقه الغلاف الجوي للأرض، وقد أشار إليه القرآن إشارات في غاية العجب ذلك أن الإنسانَ إذا اخترق الغلاف الجوي للأرض، وجد نفسه في ظلام دامس وليل مستديم ولم تُرَ الشمسُ، إلا كبقية النجوم التي نراها في الليل. فالنهارُ الذي نعرفه نحن، لا يتعدى حدودَ الغلاف الجوي فإن تجاوزناه كنا في ظلام لا يعقبه نهار. وقد أشار إلى ذلك القرآن إشارة عجيبة في قوله:{وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} [يس:37] فجعل النهار كالجلد الذي يُسلخ وأما الليل: فهو الأصل، وهو الكل، فشبَّه الليلَ بالذبيحة، والنهار جلدها؛ فإن سُلخ الجلد ظهر الليل فجعل النهار غلافاً والليل هو الأصل.
وقال: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الحجر:14-15]. أي: لو مكنّاهم من الصعود إلى السماء، لانتهوا إلى ظلام وقالوا: {سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا}، وغير ذلك وغيره.
وعلى هذا فالإعجاز القرآنيّ متعدِّدُ النواحي، متشعب الاتجاهات، ولا يزال الناس يكتشفون من مظاهر إعجازه الشيء الكثير، فلا غرو أن أقول إذن: إن الإعجاز أكبر مما ينهضُ له واحد، أو جماعة في زمن ما.
إن
التعبير الواحد، قد ترى فيه إعجازاً لغوياً جمالياً، وترى فيه في الوقت نفسه إعجازاً علمياً أو إعجازاً تاريخياً، أو إعجازاً نفسياً، أو إعجازاً تربوياً أو إعجازاً تشريعياً، أو غير ذلك.
فيأتي اللغوي، ليبين مظاهرَ إعجازهِ اللغوي، وأنه لا يمكن استبدالُ كلمةٍ بأخرى، ولا تقديم ما أُخِّرَ أو تأخير ما قُدِّمَ، أو توكيد ما نُزعَ منه التوكيد، أو عدم توكيدِ ما أُكِّدَ. ويأتيك العالم في الطب ليقول من وجهة نظر الطب، ألطف وأدق مما يقوله اللغوي. ويأتيك العالم في التشريع، ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التشريع والقانون. ويأتيك المؤرخ ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التاريخ، ويأتيك صاحب كل علم، ليقول مثل ذلك من وجهة نظر علمه.
إننا ندلُّ على شيء من مواطن الفن والجمال، في هذا
التعبير الفني الرفيع، ونضع أيدينا على شيء من سُمُوِّ هذا التعبير، ونبين أن هذا التعبير، لا يقدر على مجاراته بشر، بل ولا البشر كلهم أجمعون، ومع ذلك لا نقول: إن هذه هي مواطن الإعجاز، ولا بعض مواطن الإعجاز وإنما هي ملامح ودلائل، تأخذ باليد وإضاءات توضع في الطريق، تدل السالكَ على أن هذا القرآن كلامٌ فنيٌّ مقصود، وُضع وضعاً دقيقاً ونُسج نسجاً مُحْكماً فريداً، لا يشابهه كلام، ولا يرقى إليه حديث {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} [الطور:34].
أما شأن الإعجاز، فهيهات هيهات، إنه أعظمُ من كل ما نقول، وأبلغ من كل ما نَصِفُ، وأعجبُ من كل ما نقف عليه من دواعي العجب.
إن هذا القادم من الملأ الأعلى، والذي نزل به سيدٌ من كبار سادات الملأ الأعلى، فيه من الأسرار، ودواعي الإعجاز، ما تنتهي الدنيا ولا ينتهي.
قد ترى أن في قولي مبالغةً وادعاءً أو انطلاقاً من عاطفةِ دينٍ أو التهابِ وجدانٍ، وليس بوسعي أن أمنعكَ من هذا التصور، ولا أن أردَّ عنك ما ترى.
ولكن، لو فُتح القلبُ المقفل، وأُوقد السراجُ المُعطَّل، وأشرقت بالنور حنايا لم تكن تعرف النور،ـ ولامست فؤادك نفحةٌ من روح الملك القدوس، وهبَّت على أوديةِ نفسك، نسمةٌ من عالم الروح، وسمعتَ صوتاً يملأ نفسك، قادماً من بعيد، من الملأ الأعلى يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ} [الحديد:16]. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17]. فقفَّ شعرُ بدنك، واقشعرّ جلدك، ومار فؤادك، وتحركت السواكن، واضطرب بين جنبيك ما اضطرب، والتهب فيه ما التهب، وانهمرت الدموع تسيلُ في شعاب القلوب التي قتلها الظمأ، وأقفرها الجفاف، تغسل الأوضار وتروي حبات القلب وتُندَّي اليَبَسَ وتُحيي المواتَ فعند ذاك تذوقُ ما لم تَعهدْ له مَذَاقاً ولا طعماً، وتحسُّ ما لم يكن لك فيه سابقُ معرفةٍ، ولا إحساس، وتصيحُ بكل جوارحك قائلاً: والله لقد آن! والله لقد آن! وعند ذاك تعرفُ ما أقول وتفهمُ ما أُشير إليه، ولكن أنّى لي أنْ أُوصِلَكَ إلى هذا؟!
وكيف أُوصلُكَ وأنا المنقطعُ، وأُعطيك وأنا المحروم؟ ولا حولَ ولا قوة إلا بالله.
إنما هي دلائلُ أضعها في الطريق وإشارات وصُوى، وشيء من خافت النورِ في مصباحٍ ناضبِ الزيت، غير ناقعِ الفتيل، عسى اللهُ أن ينفع بها سالكاً، ويجنِّب العثار سارياً في الليل البَهيم؛ فتنالنا منه دعوةٌ صالحة تنفعنا في عَرَصات القيامة.
وفي الختام لا أجدُ خيراً من أن أُوصيك ما أوصى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا ذر، وليكن ذلك منك على ذِكْرٍ وإياك أن تنساه:
يا أبا ذر أَحْكمِ السفينةَ فإنَّ البحرَ عميق
وخَفِّـفِ الحمـلَ فإنَّ العَقبـةَ كَؤُود
وأكثـرِ الزادَ فإنَّ السـفرَ طـويـل
وأخلـصِ العمـلَ فإنَّ الناقـدَ بصير.