من فــــوائــــد الحديــــث :
1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، ولهذا يكثر منهم سؤال
النبي صلى الله عليه وسلم عن العلم .
ولكن هل سؤالهم رضي الله عنهم لمجرد أن يعلموا بالحكم، أولأجل أن يطبقوه؟
الجواب: الثاني، عكس ما يفعله بعض الناس اليوم ،حيث يسأل ليعرف الحكم فقط،
ثم هو بالخيار إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وهذا غلط،بل اجعل غايتك من العلم
العمل به دون الاطلاع على أقوال الناس.
ولهذا تجد بعض الناس يسأل هذا العالم وبعد أن يعرف ما عنده، يذهب يسأل عالماً
آخراً وثالثاً ورابعاً، لأنه لايريد العمل بالعلم،بل يريد الاطلاع فقط، وهذا غلط،
لا تسأل عن العلم إلا لهدف واحد وهو العمل
2- علو همة معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث لم يسأل عن أمور الدنيا،
بل عن أمور الآخرة،حيث قال: "أَخْبِرنِي عَنْ عَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ ويُبَاعِدُنِي مِنَ النَّار"
وجدير به رضي الله عنه أن يكون بهذه المنزلة العالية،
لأنه أحد فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى
اليمن داعياً ومفتياً وحاكماً، فهو رضي الله عنه من أفقه الصحابة.
3 - إثبات الجنة والنار، والإيمان بهما أحد أركان الإيمان الستة كما سبق.
4 - أن العمل يدخل الجنة ويباعد عن النار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على هذا.
5 - أن هذا السؤال الذي صدر من معاذ رضي الله عنه سؤال عظيم،
لأنه في الحقيقة هو سر الحياة والوجود، فكل موجود في هذه الدنيا
من بني آدم أو من الجنّ غايته إما الجنة وإما النار،
فلذلك كان هذا السؤال عظيماً.
6 - أن هذا وإن كان عظيماً فهو يسير على من يسره الله عليه.
7 - أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله تعالى التيسير، أن ييسر أموره في دينه ودنياه،
لأن من لم ييسر الله عليه فإنه يصعب عليه كل شيء.
8 - ذكر أركان الإسلام الخمسة، في قوله: "تَعْبُدَ اللهَ لاتُشرِكْ بهِ شَيئاً، وَتُقِيْمَ الصّلاةَ،
وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ" ولم يذكر الرسالة،
لأن عبادة الله تتضمن الرسالة، إذ لايمكن أن يعبد الإنسان ربه إلا بما شرع نبيه.
9 - أن أغلى المهمّات وأعلى الواجبات عبادة الله وحده لاشريك له، أي التوحيد.
10- فضل النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم حيث يأتي بما لم يتحمله
السؤال لقوله: "أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ" وهذا من عادته أنه إذا دعت الحاجة
إلى ذكر شيء يضاف إلى الجواب أضافه،
11 - أن الصوم جُنّة، وسبق معناها في الشرح، وبناء على هذا فمن لم يكن
صومه جُنّة له فإنه ناقص، ولهذا يحرم على الإنسان تناول المعاصي في حال الصوم.
ولكن هل المعاصي تبطل الصوم أو لا؟
فالجواب: إن كان هذا المحرم خاصاً بالصوم أفسد الصوم، وإن كان عاماً لم يفسده.
مثال الأول: يحرم على الصائم الأكل والشرب، فلو أكل أو شرب فسد صومه،
كما يحرم على الصائم وغيره الغيبة وهي "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَه"
فلو اغتاب الصائم أحداً تحرم غيبته لم يفسد صومه،لأن هذا النهي لايختص بالصوم.
هذه القاعدة عند جمهور أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: إذا أتى الصائم بما يحرم
ولو على سبيل العموم فسد صومه، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"
لكن ما ذهب إليه الجمهور أصحّ، والحديث إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم به
أن يبين الحكمة من الصوم،لا أن يبين فساد الصوم بقول الزور والعمل بالزور والجهل.
12- أن الصدقة تطفئ الخطيئة، ففيه الحث على الصدقة فإذا كثرت خطاياك فأكثر
من الصدقة فإنها تطفئ الخطيئة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ" وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"سبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ،.. إلى أَنْ قَالَ:
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاتَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِيْنُهُ"
13- أن الخطيئة فيها شيء من الحرارة لأنه يعذب عليها الإنسان بالنار،
والماء فيه شيء من البرودة، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالماء يطفىء النار.
14 - حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثر ما يمر علينا حسن تعليمه صلوات
الله وسلامه عليه، لأن حسن تعليمه من تمام تبليغه وذلك بقياس الأشياء المعنوية على
الأشياء الحسية،كما في قوله: "تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ".
15 - الحث على صلاة الليل، وبيان أنها تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار.
16- استدلال النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن مع أن القرآن أنزل عليه،
لكن القرآن يستدل به لأن كلام الله تعالى مقنع لكل أحد، ولهذا تلا هذه الآية:
(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ)(السجدة: الآية16)
17 - فضيلة أولئك القوم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، لأنهم يشتغلون بالصلاة
يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، وليس الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع في اللهو واللغو
والحرام، فإن هؤلاء بقاؤهم ساهرين إما مكروه، وإما محرّم حسب مايشتغلون به.
18- ومن فوائد الآية التي استشهد بها النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه ينبغي للإنسان أن يكون عند دعوة الله عزّ وجل خائفاً راجياً، لقوله:
(يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً)(السجدة: الآية16)
والمراد دعاء العبادة ودعاء المسألة، فأنت إذا عبدت الله كن خائفاً راجياً،
تخاف أن لايقبل منك،كما قال الله عزّ وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )(المؤمنون: الآية60)
أي خائفة أن لا يقبل منها، ولكن أحسن الظن بالله.
وأيضاً: كن راجياً ربك عزّ وجل حتى تسير إلى الله بين الخوف والرجاء.
وهذه مسألة اختلف فيها أرباب السلوك: هل الأولى أن يغلب الإنسان جانب الرجاء،
أو الأولى أن يغلب جانب الخوف، أو يجعلهما سواء؟
فقال الإمام أحمد - رحمه الله-: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فأيهما غلب هلك صاحبه.
وقال بعض أهل العلم: ينبغي عند الموت أن يغلب جانب الرجاء،
وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لايَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ"
أما في حال الصحة فيغلب جانب الخوف لأجل أن يحمله خوفه على الاستقامة.
وقال بعض أهل العلم: في حال فعل الطاعة يغلب جانب الرجاء، وفي حال الهمّ
بالمعصية يغلب جانب الخوف، وهذا حسن.
ووجه الأول أنه في حال الطاعة يغلب جانب الرجاء هو أنه يقول: إن الذي منَّ
عليَّ بهذه الطاعة سيمنُّ عليَّ بقبولها، فيجعل منّة الله تعالى عليه بها دليلاً
على منّة الله تعالى عليه بقبولها، ويغلب جانب الرجاء،
ويقول: قمت بما أمرت به وأرجو من الله الثواب.
أما إذا همّ بالمعصية فيغلب جانب الخوف لئلا يقع في المعصية،
وهذا القول من حيث المعنى أحسن الأقوال، لكن مع ذلك لانحكم به
على كل فرد، إذ قد يعرض للإنسان حالات يغلب فيها الرجاء وحالات
يغلب فيها الخوف، لكن نحن نتكلم عن الخوف والرجاء من حيث هما،
لا باعتبار كل واحد من الناس .
19 - ومن فوائد الحديث في ضمن الآية: فضيلة الإنفاق مما رزق الله العبد، لقوله:
( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)(السجدة: من الآية16).
وهل المراد الرزق الطيب أو مطلق الرزق؟
الآية مطلقة، ولكن من اكتسب مالاً محرّماً، أو أنفق مالاً محرّماً فلا مدح له،
كمن سرق مالاً ثم ذهب يتصدق به، فلا يستقيم. أو تصدق بخنزير فلا يستقيم.
وعلى هذا يكون المراد بالرزق في الآية الرزق الطيب.
20- ومن فوائد الحديث: أن رأس الأمر - أي أمر الدنيا والآخرة- الإسلام.
والإسلام هوما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم ،
إذ بعد بعثته لا إسلام إلا ما كان على شريعته، وعلى هذا فلو سألك سائل:
هل اليهود مسلمون؟ هل النصارى مسلمون؟
فالجواب: أن اليهود في حال قيام شريعة التوراة إذا اتبعوها فهم مسلمون
، وكذلك النصارى في حال قيام الإنجيل إذا اتبعوه فهم مسلمون،
ولهذا في القرآن الكريم ذكر الإسلام لهؤلاء وهؤلاء.
وأما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فإن كل من كفر به ليس بمسلم حتى لو قال:أني أسلمت.
21 - أن الصلاة عمود الدين، والعمود لا يستقيم البناء إلا به.
22 - أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، والذروة هو الشيء العالي، لأنه إذا
استقام الجهاد فمقتضاه أن المسلمين تكون كلمتهم هي العليا، وهذا ذروة السنام.
ولكن يقيد هذا الإطلاق بما إذا كان الجهاد في سبيل الله عزّ وجل يتعيّن؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية - أي حمية لقومه وعصبية -
ويقاتل شجاعة - أي لأنه شجاع، والشجاع يحب القتال، ويقاتل ليرى مكانه،
وفي لفظ: ويقاتل رياءً،أيُّ ذلك في سبيل الله؟
فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا كله وقال:
"مَنْ قَاتَل لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُليَا فَهُوَ فِي سَبِيْلِ اللهِ" هذا الميزان.
ولذلك نجد الذين قاتلوا حميّة ممن ينتسبون للإسلام لم ينجحوا، ولن ينجحوا،
فماذا حصل من قتال العرب لليهود؟ حصل الفشل، وحصلت الهزيمة
لأنهم لايقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، بل يقاتلون: للقومية العربية،
هذه القومية حصل بسببها من المفاسد بأن دخل فيهم النصارى واليهود العرب
مادام مناط الحكم هو العروبة، كما دخل فيهم الشيوعيون وغيرهم إذا كانوا عرباً،
ولايعقل أن يهودياً أو نصرانياً أو شيوعياً يقاتل لحماية الإسلام.
وخرج الملايين من المسلمين من غير العرب وصار في نفوسهم شيء وقالوا:
لماذا تخرجوننا من القتال؟ ولهذا صارت الهزيمة والفشل الذي ليس
بعده استرداد للعزة والعلو، وإلا قد يكون هزيمة يبتلي الله بها كما حصل
في أحد ولكن استردّ المسلمون عزهم وعلوّهم.
أما نحن فلن نزال في أرجوحة،كان الناس في عنفوان العروبة - كما يقولون-
عندهم ثلاث لاءات يسمّونها اللاءات الثلاث: لاصلح، لاسلام، ولا استسلام.
والآن اليهود جائوا بخمس لاءات،والعرب الآن يلهثون وراءهم يطلبون الصلح،
ولكنه ليس بحاصل إلا على ثروات العرب، وربما دمائهم أيضاً.
فالمهم: أن الجهاد المحمود المفروض على ا لمسلمين هو: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.