النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الأديب والحرمان

  1. #1
    الصورة الرمزية هيثم عساف
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    12- 2008
    المشاركات
    144

    الأديب والحرمان

    ثمة فكرة وردت في إحدى حوارات الأديب الكولومبي المعروف ( غابرييل غارثيا ماركيز)
    فحواها أنه حرم من ملذات الطعام في مقتبل العمر لعدم قدرته على دفع تكاليفه وحرم منه فيما تلا ذلك لأسباب صحية.
    هذا الحرمان المتواصل من إحدى الحاجات والرغبات الإنسانية الأساسية .. لم يحرمنا من إبداعات الأديب العالمي ذائع الشهرة بل ربما كان ذلك من ( محاور ) مولّدات الإبداع لديه
    ولا يعني هذا في حال من الأحوال ضرورة تجويع الأديب أو فرض الحرمان ( أي حرمان ) عليه
    بل على العكس من ذلك يفترض أن ينال الأديب ما يستحق إبداعه
    وهنا استذكرني الحديث لأروي لكم قصة أو خبرية كما يقال في العامية ألا وهي :
    يروى أن الممثلة المصرية فيفي عبده كانت في الشارع و فيما هي تهم للصعود إلى سيارتها( المرسيدس الفخمة والغالية الثمن ) التقت بالأديب الكبير نجيب محفوظ في سيارته العتيقة والقديمة الطراز فقالت له :
    (شفت الأدب عمل بيك إيه )
    فرد عليها الأديب الكبير قائلاً :
    ( وشوفتي قلة الأدب عملت بيكي إيه )
    طبعاً عذراً من الممثلة والقصة ليست إلا على ذمة المصادر
    أعود وأقول بعد هذا الفاصل الترفيهي:
    أنه يفترض أن ينال الأديب ما يستحق إبداعه وما يتطلبه حضوره الحر السليم من وسائل الكفاية والعيش الكريم في أي زمان وأي مكان ..
    وتبقى له حريته في اختيار ما يريد والعزوف عما لا يروقه فمن المبدعين من يعيش نباتياً ومنهم من يحب العزلة وآخرون يستمتعون بالسفر والترحال والتعرف إلى الكائنات والبيئات والعلاقات في الوقت الذي لا يهم آخرين ذلك ..
    فقد تخلى الشاعر عبدالله الفيصل عن الإمارة وحياة الترف والقصور واختار حياة شعرية بسيطة و منعزلة كما تخلى ليوبولد سينغور عن رئاسة السنغال ليتفرغ لهوايته الأدبية و نشاطه الثقافي العالمي في الوقت الذي سعى إلى المناصب والمسؤوليات أدباء أو تبوأها آخرون سياسية أو اقتصادية أو ثقافية مع فرق في التأثير و التأثر من أديب لآخر .
    ونعو للقول إنه من غير الإنساني أن يتعرض الأديب للحرمان ناهيكم عن أن يُفرض الحرمان عليه ..
    لكن من غير الإنساني أيضاً أن لا يحس الأديب بحرمان الآخرين أنى كانوا وأن لا يكون له موقف في الدفاع عنهم وتبني قضاياهم سواء عبر كتاباته أو في سلوكه ويزداد الأمر خطورة إذا مارس هذا الأديب الحرمان على أدباء آخرين لمجرد اختلافهم في الرأي والإبداع
    وتتعدد أوجه الحرمان بتعدد الحاجات وتنوع الرغبات ولكن تأثيراتها تكاد لا تختلف كثيراً بدءاً من المشي الحافي لعدم القدرة علة الاحتذاء وانتهاء بالدفن العاري لعدم القدرة على الحياة غير المحدودة
    وما بينهما من نواتىء حادة تقليدية ومستجدة تجعل الكائن ( الإنساني ) في شحذ مستمر لقدرته على الصبر والمصابرة والصمود والمواجهة والسعي إلى تغيير ما يستطيع من شروط وتحسين ما يمكن من ظروف لا تخصه وحده بل تشمل الآخرين بمختلف شرائحهم وتنوعهم وآرائهم وأفكارهم حتى تلك التي لا تناسبه أو تلك التي لا تنسجم مع ما يرى أو يعتقد ...
    إن رغبة الأديب في التقشف لا يعني فرضه على الآخرين كما لا يعني الاستطراد في تشجيعهم على ما يريدون بصرف النظر على أحقيتهم في الحصول عليه أو بغض البصر عن إنسانية ما يطلبون وقابليته للتحقيق والاقتناع بجدواه
    كما أن رغبة الأديب في انعزاله لا تعني حياديته عمّا يجري خارج حيزه وسلبيته حيال ما يتعرض له الآخرون ..
    وزهده في الحياة لا يعني تزهيد الآخرين منها وازدراء محبيها
    ومن غير المقبول أيضاً فرض معاناة الأديب الذاتية على الآخرين كما يصبح شغلهم الشاغل
    وفي المقابل ليس من حق الآخرين النيل منه لأفكاره المغايرة وإبداعاته المتشائمة وسلوكه المختلف
    وليس من حقهم ازدراؤه أو حصاره أو التشفي منه بل الواجب النظر إلى حاله بكثير من الأهمية والمسؤولية التي تعني الكثيرين وقد يكون لها أصداء إنسانية عامة وإيقاعات كونية ومن واجب الآخرين أن يكونوا متابعين أو مهتمين أو مسؤولين وأن يكون لهم الوقت والدافع والجدية لإنصافهم أو إنصاف أنفسهم من الحياة وبؤس الظروف التي قد يكونون اعتادوا على ظلامها وأصبحوا كالشاة المذبوحة التي لا يؤلمها السلخ
    وفي النهاية أقول أن المبدعين هم بوصلة الحياة وهم بإشاراته يساهمون في تصويب الاتجاه كما أن في سكوتهم أو غيابهم أسباباً ملحة لمعاينة الحياة التي يشوبها الكثير مما هو غير المنطقي وفي كلا الحالتين فائدة وضرورة وجدوى رائعة

    هيثم عساف

  2. #2

    رد: الأديب والحرمان

    فعلا الأديب يعاني من الحرمان في وقت تلمع فيه نجوم الهز والدز
    والكلام الرخيص الذي لا يسمن ولا يغني من جوع
    بينما الأديب يثري نفسه ومن حوله بفكر متوقد معطاء ولكن هناك الكثير الذين
    يظنون ان هذه الثروة لا تعد الا حبرا على ورق والسنة تنطق بما لا يفيد
    في زمن طغيان الملذات واللهو وسيطرة المادة على العقول
    فأصبح الأديب عملة قديمة لا يعرف قيمتها إلا العاقل الذي يستشعر
    بعظمة هذه العملة النادرة
    في زمن الهز والدز وشوف يا نجيب محفوظ الأدب عمل فيك أيه

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML