الشهيد القسّاميّ إياد الخطيب .. رحل و بقيت بندقيّته غضباً كسلاح القسّام

على كرسيّ الشهادة يكون المجد و إلا فلا .. هكذا تسطّر حكاية القسّاميين الأوائل تاريخاً , تصون فيه أرضاً , و تقاتل فيه عن شرف الأمة و هيبتها .. فهنا في منطقة سلفيت المعروفة بإنبات القسّاميين العظام حكاية جديدة يرويها كلّ عاشقٍ عن حكاية الحبّ و الرحيل بين الأرض و السماء , و في قرية دير استيا تتسابق قوافل الشهداء يقود الركب فيها شهيدٌ تلوَ شهيدٍ , و من بينهم شهيدنا القسّامي إياد الخطيب .

المولد و النشأة :
في بلدة "دير استيا" قضاء مدينة "سلفيت" وُلِد مجاهدنا القائد إياد عودة محمود الخطيب (أبو مصعب) ، بتاريخ 2/3/1973 و كان رابع أبناء والديه الستة : ثلاثة من الذكور و مثلهن من الإناث .
تلقّى تعليمه في كلّ مراحله الدراسية في مدارس بلدته "دير استيا" ، و كانت خطواته الأولى تقوده لمسجد البلدة ، و هناك نهل من العلم الشرعيّ ما نهل على يدي مشايخ المسجد ، و ما إن اشتدّ عوده ، حتى قام بنقل ما تعلّم لأبناء بلدته ، حيث أقام حلقات العلم و القرآن ، ليتخرّج منها خيرة أبناء البلدة ، الذين يدين له الكثير منهم ، بالالتزام بالنهج الإسلامي الصحيح . و قد حاول شهيدنا القائد إياد في فترة مطاردته نيل شهادة الثانوية العامة التي حرمه منها الاحتلال بعد اعتقاله ، إلا أن اشتداد مطاردته في تلك الفترة منعته من الحصول عليها ، و في عام 1999 ارتبط بإحدى قريباته ، إلا أن الله لم يرزقه بالذرية ، فصبر و احتسب الأجر و زوجته من الله تعالى .

لوجستي عيّاش و العاصي :
عند انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987 ، و شرارة انطلاق حركة المقاومة الإسلامية حماس في 14/12/1987 ، كان من أول من حمل مشاعل انطلاقتها في البلدة ، و أسّس مع عددٍ من إخوانه أول نواة للحركة فيها , لينطلقوا بعدها للمشاركة بفعاليات الانتفاضة ، و تركّز عملهم على إلقاء الزجاجات الحارقة ، و حرصاً منه على استمرار المسيرة الجهادية ، عمل على تقسيم وقته بين التربية المسجديّة لشبان البلدة و المقاومة ، إلا أن القوات الصهيونية و عملاءها لم يمهلوه كثيراً ، ليُعتقََل في العام 1988 هو و اثنان من إخوانه ، و يحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات ، بتهمة تأسيس خليه عسكرية ، ليفرج عنه في العام 1994 بعد أنهى محكوميّته .

و بعد أن أُفرِج عنه في هذا العام ، عاد إلى المكان الذي لا يستطيع فراقه .. الجهاد ، و هناك كانت خلايا كتائب الشهيد عز الدين القسّام قد أخذت توزيعها الجغرافي الكامل و شكلها البنائيّ المحكَم ، ليعود للعمل العسكري في صفوفها ، بعد أن اتصل به قائدها العام في الضفة الغربية آنذاك المهندس يحيى عياش ، لتقديم المساعدات "اللوجستية" لشهيد المهندس يحيى عياش و رفيقه الشهيد القسامي علي عاصي ، حيث وفَّر لهما المأوى و كان العين الساهرة على أمنهما ، و الحارس الأمين لتحرّكاتهما ..
هذا و لم يكن شهيدنا القائد إياد الوحيد في أسرته من وَهب نفسه للجهاد و المقاومة ، بل كان شقيقه الأصغر رامي هو الآخر من أبرز المجاهدين في منطقتهم ، حيث اعتقل في الانتفاضة الأولى لمدة ثلاث سنوات بتهمة المشاركة في فعالياتها ..

اعتقالات :
و في العام 1994 اعتقلته القوات الصهيونية بتهمة الانتماء و العمل في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسّام و حكمت عليه المحكمة العسكرية الصهيونية بالسجن لمدة سنة و نصف ، و بعد أن أنهى محكوميّته و خرج من السجن في العام 1996 عائداً لصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام ، ليزاول نشاطه من جديد ، و يعتقل في نفس العام الذي خرج فيه ، ليُعاد إلى معتقله من جديدٍ كمعتقلٍ إداري لمدة ثلاثة أشهر ، و بعد أن بدأت الأوضاع تسير نحو التهدئة ، و كانت السلطة الفلسطينية على إثر اتفاقية "أوسلو" قد تسلّمت بعض المناطق و كانت بلدته منها ، عمل في بلدية "دير استيا" كفنّي صيانة للمياه و الكهرباء ، ليتزوّج في العام 1999 .

و بعد أن قام رئيس الوزراء الصهيوني شارون بتدنيس الحرم القدسي الشريف و اندلعت انتفاضة الأقصى ، عاد مجاهدنا القائد الشهيد إياد الخطيب (أبو مصعب) ليأخذ زمام الأمور من جديد ، ليكون المحرّض الأول و محرّك المقاومة في المنطقة ، لهذا عمدت القوات الصهيونية بعد أن جيَّشت العيون ، لمتابعته و اعتقاله ، و داهمت منزله عدة مرات ، إلا أن الله كان يمنّ عليه في كلّ مرّة بالخروج و الانسحاب من المنطقة قبل الاقتحام ، و بعد أن فشلت القوات الصهيونية عبر العديد من محاولات الاعتقال من النيل منه ، قامت باقتلاع عشرات أشجار الزيتون التي تعود لأسرته للضغط عليه لتسليم نفسه . ليبقى على قائمة المطلوبين للقوات الصهيونية منذ بداية الانتفاضة و حتى استشهاده .

استشهاده :
كانت الشمس في كبد السماء ، و المجاهد القسّامي إياد عودة محمود الخطيب القادم من بلدة "دير استيا" قضاء مدينة "سلفيت" يستعدّ لقيادة خليّته القسّامية المكوّنة بالإضافة له من : جمال ملوح و علي أبو حجلة ، للقيام بعملية اعتراضٍ للجيبات الصهيونية قرب بلدة "تل" غرب مدينة نابلس .. تسلّح المجاهدون الثلاثة بالإيمان ، و غادروا قريتهم بعد أن أدّوا فيها صلاة الفجر ، و حملوا أسلحتهم : قطعة "أم 16" و قطعة "كلاشنيكوف" و مسدساً ، و تمركزوا خلف بعض الشجيرات قرب قرية "تل" منتظرين إشارة قائدهم إياد ، لبدء عمليّتهم ، بعد أن أمضوا عدة أيام في مراقبة مواعيد تحرّكات الجيبات الصهيونية في المنطقة .

و في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً ، نظر الشهيد إياد إلى ساعته ، و همس لرفاقه بالاستعداد ، لقرب موعد مرور الجيب العسكري ، و ما هي إلا دقائق ، حتى كان طيف الجيب العسكري قادماً من بعيد ، سحب المجاهدون أقسام أسلحتهم لتهيئتها للاشتباك ، و ما إن وصل الجيب العسكري للنقطة المحدّدة ، حتى أعطى المجاهد إياد الإشارة لبدأ العملية ، و هناك انقضّ المجاهدون الثلاثة كالصقور و هم يصدحون بالتكبير ، و فتحوا نيران رشاشاتهم من مسافة قريبة جداً على الدورية الصهيونية ، و اختلط عويل و صراخ الجنود الصهاينة بأزيز رصاص المجاهدين ، و في تلك الفترة لمحتهم قوة عسكرية من المستوطنة القريبة من المكان ، لتطلب تعزيزات من القوات الصهيونية للمساعدة ، أمّا المجاهدون و بعد ما يقارب الساعة على الاشتباك ، كانوا قد جندلوا قائد الوحدة الصهيونية و جرحوا ثلاثة آخرين ، و بعد أن انتهت المعركة كما أراد المجاهدون بحمد الله ، كانت الإشارة بالانسحاب ، و لكن صوت الطائرة الصهيونية يملأ المكان ، و عشرات الجنود الصهاينة يطوّقون المنطقة ، و السمّاعات تطالب المجاهدين بالتوقّف ، حاول المجاهدون الانسحاب ، إلا أن كثافة القوات التي حاصرت المكان ، و إصابتهم بجروحٍ ، و نفاذ ذخيرتهم أوقعتهم أسرى بين يديها ؟!! .

و بعد أن علمت القوات الصهيونية التي جاءت لفكّ الجنود ، بأن المجاهدين أجهزوا على قائد الوحدة ، تجمّع عشرات منهم حول المجاهدين و قاموا بإطلاق النار عليهم بشكلٍ مباشر من بعدِ أمتارٍ قليلة ، لترتقي أرواحهم ، مهلِلَةٌ فرحةٌ بما نالت ، في جريمة أخرى تضاف إلى الجرائم الصهيونية بعد أن أصيب المجاهدون بالرصاص من النوع الثقيل في جماجمهم ، و تفتّتها و تفجّر أدمغتهم .