صفحة 10 من 17 الأولىالأولى ... 89101112 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 100 من 166

الموضوع: حكايات ألف ليله وليله

  1. #91
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة التاسعة والثمانين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن الملك عمر النعمان قال في مكتوبه :
    وأرسل لنا الجارية لأجل أن تناظرهن بين العلماء فإذا غلبتهن أرسلتها إليك وصحبتها خراج بغداد .
    فلما علم ذلك شركان أقبل على صهره وقال :
    هات الجارية التي زوجتك إياها .
    فلما حضرت أوفقها على الرسالة وقال لها :
    يا أختي ما عندك من الرأي في رد جوابنا عليه ?
    فقالت له :
    الرأي رأيك .
    ثم قالت له وقد اشتاقت إلى أهلها ووطنها :
    أرسلني صحبة زوجة الحاجب لأجل أن أحكي لأبي حكايتي وأخبره بما وقع لي مع البدوي الذي باعني للتاجر وأخبره بأن التاجر باعني لك وزوجني للحاجب بعد عتقي .
    فقال لها شركان :
    وهو كذلك .
    ثم أخذ ابنته قضى فكان وسلمها للمراضع والخدم وشرع في تجهيز الخراج وأمر الحاجب أن يأخذ الخراج والجارية صحبته ويتوجه إلى بغداد فأجابه الحاجب بالسمع والطاعة فأمر بمحفة يجلس فيها وللجارية بمحفة أيضاً ثم كتب كتاباً وسلمه للحاجب وودع نزهة الزمان وكان قد أخذ منها الخرزة وجعلها في عنق أبيه في سلسلة من خاص الذهب ، ثم سافر الحاجب في تلك الليلة ، فاتفق أنه خرج ضوء المكان هو والوقاد في تلك الليلة يتفرجان فرأيا جمالاً وبغالاً ومشاعل وفوانيس مضيئة فسأل ضوء المكان عن هذه الأحمال وعن صاحبها ، فقيل له :
    هذا خراج دمشق مسافر إلى الملك عمر النعمان صاحب مدينة بغداد .
    فقال :
    ومن رئيس هذه المحافل ?
    قيل :
    هو الحاجب الكبير الذي تزوج الجارية التي تعلمت العلم والحكمة .
    فعند ذلك بكى بكاء شديداً وتذكر أمه وأباه وأخته ووطنه وقال للوقاد :
    ما بقي لي قعود هنا بل أسافر مع هذه القافلة وأمشي قليلاً حتى أصل إلى بلادي .
    فقال له الوقاد :
    أنا ما آمنت عليك في القدس إلى دمشق فكيف آمن عليك إلى بغداد وأنا أكون معك حتى تصل إلى مقصدك .
    فقال ضوء المكان :
    حباً وكرامة .
    فشرع الوقاد في تجهيز حاله ثم شد الحمار وجعل خرجه عليه ووضع فيه شيئاً من الزاد وشد وسطه وما زال على أهبة حتى جازت عليه الأجمال والحاجب راكب على هجين والمشاة حوله وركب ضوء المكان حمار الوقاد وقال للوقاد :
    اركب معي .
    فقال :
    لا أركب ولكن أكون في خدمتك .
    فقال ضوء المكان :
    لابد أن تركب ساعة .
    فقال :
    إذا تعبت اركب ساعة .
    ثم إن ضوء المكان قال للوقاد :
    يا أخي سوف تنظر ما أفعل بك إذا وصلت إلى أهلي .
    وما زالوا مسافرين إلى أن طلعت الشمس فلما اشتد عليهم الحر أمرهم الحاجب بالنزول واستراحوا وسقوا جمالهم ثم أمرهم بالمسير ، وبعد خمسة أيام وصلوا إلى مدينة حماه ونزلوا بها وأقاموا بها ثلاثة أيام .

  2. #92
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة التسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أنهم أقاموا في مدينة حماه ثلاثة أيام ثم سافروا وما زالوا مسافرين حتى وصلوا مدينة أخرى فأقاموا بها ثلاثة أيام ، ثم سافروا حتى وصلوا إلى ديار بكر وهب عليهم نسيم بغداد فتذكر ضوء المكان أخته نزهة الزمان وأباه وأمه ووطنه وكيف يعود إلى أبيه بغير أخته فبكى وإن اشتكى واشتدت به الحسرات فأنشد هذه الأبيات :
    خليلي كم هذا التأنـى واصـبـر ........ ولم يأتني منكم رسـول يخـبـر
    إلا أن أيام الـوصـال قـصـيرة ........ فيا ليت أيام التفـرق تـقـصـر
    خذوا بيدي ثم ارحموا لصبابـتـي ........ تلاشى بها جسمي وإن كنت أصبر
    فإن تطلبوا مني سلوا أقـل لـكـم ........ فوالله ما أسلوا لي حين أحـشـر
    فقال له الوقاد :
    اترك هذا البكاء والأنين فإننا قريبون من خيمة الحاجب .
    فقال ضوء المكان :
    لابد من إنشادي شيئاً من الشعر لعل نار قلبي تنطفئ .
    فقال له الوقاد :
    بالله عليك أن تترك الحزن حتى تصل إلى بلادك وافعل بعد ذلك ما شئت وأنا معك حينما كنت .
    فقال ضوء المكان :
    والله لا أفتر عن ذلك .
    ثم التفت إلى ناحية بغداد وكان القمر مضيئاً وكانت نزهة الزمان لم تنم تلك الليلة لأنها تذكرت أخاها ضوء المكان فقلقت وصارت تبكي ، فبينما هي تبكي إذ سمعت أخاها ضوء المكان يبكي وينشد هذه الأبيات :
    لمع البرق اليمـانـي ........ فشجاني ما شجانـي
    من حبيب كان عنـدي ........ ساقياً كأس التهانـي
    يا وميض البرق هـل ........ ترجع أيام التـدانـي
    يا عذولي لا تلمـنـي ........ إن ربي قد بـلانـي
    بحبيب غاب عـنـي ........ وزمان قد دهـانـي
    قد تأت نزهة قلـبـي ........ عندما ولى زمانـي
    وحوى لي الهم صرفاً ........ وبكأس قد سقـانـي
    وأراني يا خـلـيلـي ........ مت من قبل التدانـي
    يا زماناً للتـصـابـي ........ عد قريباً بالأمـانـي
    في سرور مع أمـان ........ من زمان قد رماني
    من لمسكين غـريب ........ بات مرعوب الجنان
    صار في الحزن فريداً ........ بعد نزهات الزمـان
    حكمت فينا بـرغـم ........ كف أولاد الـزمـان
    فلما فرغ من شعره صاح وخر مغشياً عليه .
    هذا ما كان من أمره .
    وأما ما كان من أمر نزهة الزمان فإنها كانت ساهرة في تلك الليلة لأنها تذكرت أخاها في ذلك المكان ، فلما سمعت ذلك الصوت بالليل ارتاح فؤادها وقامت وتنحنحت ودعت الخادم فقال لها :
    ما حاجتك ?
    فقال له :
    قم وائتني بالذي ينشد الأشعار .

  3. #93
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة الواحدة والتسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان لما سمعت من أخيها الشعر دعت الخادم الكبير وقالت له :
    اذهب وائتني بمن ينشد هذه الأشعار .
    فقال لها :
    إني لم أسمعه ولم أعرفه والناس كلهم نائمون .
    فقالت له :
    كل من رأيته مستيقظاً فهو الذي ينشد الأشعار ففتش .
    فلم ير مستيقظاً سوى الرجل الوقاد ، وأما ضوء المكان فإنه كان في غشيته ، فلما رأى الوقد الخادم واقفاً على رأسه خاف منه فقال له الخادم :
    هل أنت الذي كنت تنشد الأشعار وقد سمعتك سيدتنا ?
    فاعتقد الوقاد أن السيدة اغتاظت من الإنشاد فخاف وقال :
    والله ما هو أنا .
    فقال له الخادم :
    ومن الذي كان ينشد الشعر فدلني عليه فإنك تعرفه لأنك يقظان .
    فخاف الوقاد على ضوء المكان وقال في نفسه :
    ربما يضره الخادم بشيء .
    فقال له :
    لم أعرفه .
    فقال له الخادم :
    والله إنك تكذب فإنه ما هنا قاعد إلا أنت فأنت تعرفه .
    فقال له الوقاد :
    أنا أقول لك الحق ، إن الذي كان ينشد الأشعار رجل عابر طريق وهو الذي أزعجني وأقلقني فالله يجازيه .
    فقال له الخادم :
    فإذا كنت تعرفه فدلني عليه وأنا أمسكه وآخذه إلى باب المحفة التي فيها سيدتنا وأمسكه أنت بيدك .
    فقال له :
    اذهب أنت حتى آتيك به .
    فتركه الخادم وانصرف ودخل وأعلم سيدته بذلك وقال :
    ما أحد يعرفه لأنه عابر سبيل .
    فسكتت .
    ثم إن ضوء المكان لما أفاق من غشيته رأى القمر قد وصل إلى وسط السماء وهب عليه نسيم الأسحار فهيج في قلبه البلابل والأشجان فحسس صوته وأراد أن ينشد فقال له الوقاد :
    ماذا تريد أن تصنع ?
    فقال :
    أريد أن أنشد شيئاً من الشعر لأطفئ به نيران قلبي .
    قال له :
    أما علمت بما جرى لي وما سلمت من القتل إلا بأخذ خاطر الخادم .
    فقال له ضوء المكان :
    وماذا جرى فأخبرني بما وقع ?
    فقال :
    يا سيدي قد أتاني الخادم وأنت مغشي عليك ومعه عصا طويلة من اللوز وجعل يتطلع في وجوه الناس وهم نائمون ويسأل على كل من ينشد الأشعار فلم يجد من هو مستيقظ غيري فسألني فقلت له :
    إنه عابر سبيل فانصرف وسلمني الله منك وإلا كان قتلني .
    فقال لي :
    إذا سمعته ثانياً فإت به عندنا .
    فلما سمع ضوء المكان ذلك بكى وقال :
    من يمنعني من الإنشاد فأنا أنشد ويجري علي ما يجري فإني قريب من بلادي ولا أبالي بأحد .
    فقال له الوقاد :
    أنت ما مرادك إلا هلاك نفسك .
    فقال له ضوء المكان :
    لابد من إنشاد .
    فقال له الوقاد :
    قد وقع الفراق بيني وبينك من هنا وكان مرادي أن لا أفارقك حتى تدخل مدينتك وتجتمع بأبيك وأمك وقد مضى لك عندي سنة ونصف وما حصل لك مني ما يضرك فما سبب إنشادك الشعر ونحن متعبين من المشي والسهر والناس قد هجعوا يستريحون من المشي ومحتاجون إلى النوم .
    فقال ضوء المكان :
    لا أعود عما أنا فيه .
    ثم هزته الأشجان فباح بالكتمان وأخذ ينشد هذه الأبيات :
    قف بالديار وحي الأربع الدرسـا ........ ونادها فعساها أن تجيب عـسـا
    فإن أجنك ليل من تـوحـشـهـا ........ أوقد من الشوق في ظلماتها قبسا
    إن صل عذاريه فـلا عـجـب ........ أن يجن لسعا وأن أجتني لعسـا
    يا جنة فارقتها النفس مـكـرهة ........ لولا التأسي بدار الخلد مت أسى
    وأنشد أيضاً هذين البيتين :
    كنـا وكـانـت الأيام خــادمة ........ والشمل مجتمع في أبهج الوطن
    من لي بدار أحباب وكان بـهـا ........ ضوء المكان وفيها نزهة الزمن
    فلما فرغ من شعره صاح ثلاث صيحات ثم وقع مغشياً عليه فقام الوقاد وغطاه ، فلما سمعت نزهة الزمان ما أنشده من الأشعار المتضمنة لذكر اسمها واسم أخيها ومعاهدهما بكت وصاحت على الخادم وقالت :
    ويلك إن الذي أنشد أولاً أنشد ثانياً وسمعته قريباً مني ، والله إن لم تأتني به لأنبهن عليك الحاجب فيضربك ويطردك ، ولكن خذ هذه الألف دينار وائتني به برفق فإن أبى فادفع له هذا الكيس الذي فيه ألف دينار فإن أبى فاتركه واعرف مكانه وصنعته ومن أي بلاد هو وارجع بسرعة .

  4. #94
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة الثانية والتسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة المكان أرسلت الخادم يفتش عليه وقالت له :
    إذا وجدته فلاطفه وائتني به برفق .
    فخرج الخادم يتأمل في الناس ويدوس بينهم وهم نائمون فلم يجد أحد مستيقظاً ، فجاء إلى الوقاد فوجده قاعداً مكشوف الرأس فدنا منه وقبض على يده وقال له :
    أنت الذي كنت تنشد الشعر .
    فخاف على نفسه وقال :
    لا يا مقدم القوم ما هو أنا .
    فقال الخادم :
    لا أتركك حتى تدلني على من كان ينشد الشعر لأني لا أقدر الرجوع إلى سيدتي من دونه .
    فلما سمع الوقاد كلام الخادم خاف على ضوء المكان وبكى بكاء شديداً وقال للخادم :
    والله ما هو أنا وإنما سمعت إنساناً عابر سبيل ينشد فلا تدخل في خطيئتي فإني غريب وجئت من بلاد القدس .
    فقال الخادم للوقاد :
    قم أنت معي إلى سيدتي وأخبرها بفمك فإني ما رأيت أحداً مستيقظاً غيرك .
    فقال الوقاد :
    أما جئت ورأيتني في الموضع الذي أنا قاعد فيه وعرفت مكاني وما أحد يقدر في هذه الساعة ينشد شيئاً من الشعر سواء كان بعيداً أو قريباً لا تعرفه إلا مني .
    ثم باس رأس الخادم وأخذ بخاطره فتركه الخادم ودار دورة وخاف أن يرجع إلى سيدته بلا فائدة فاستتر في مكان غير بعيد من الوقاد فقام الوقاد إلى ضوء المكان ونبهه وقال له :
    اقعد حتى أحكي لك ما جرى .
    وحكى له ما وقع فقال له :
    دعني فإني لا أبالي بأحد فإن بلادي قريبة .
    فقال الوقاد لضوء المكان :
    لأي شيء أنت مطاوع نفسك وهواك ولا تخاف من أحد وأنا خائف على روحي وروحك ، بالله عليك أنك لا تتكلم بشيء من الشعر حتى ندخل بلدك وأنا ما كنت أظنك على هذه الحالة ، أما علمت أن زوجة الحاجب تريد زجرك لأنك أقلقتها وقد كانت ضعيفة وتعبانة من السفر ، وكم مرة قد أرسلت الخادم يفتش عليك .
    فلم يلتفت ضوء المكان إلى كلام الوقاد بل صاح ثالثاً وأنشد هذه الأبيات :
    تركـت كــل لائم ........ ملامه أقلـقـنـي
    يعذلنـي ومـا درى ........ بابه حـرضـنـي
    قال الوشاة قد سـلا ........ قلت لحب الوطـن
    قالوا فمـا أحـنـه ........ قلت فما أعشقنـي
    قالوا فـمـا أعـزه ........ قلت فمـا أذلـنـي
    هيهات أن أتـركـه ........ لو ذقت كأس الشجن
    وما أطعـت لائمـاً ........ في الهوى يعذلنـي
    وكان الخادم يسمعه وهو مستخف فما فرغ من شعره إلا والخادم على رأسه فلما رآه الوقاد فر ووقف بعيداً ينظر ما يقع بينهما ، فقال الخادم :
    السلام عليكم يا سيدي .
    فقال ضوء المكان :
    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
    فقال الخادم :
    يا سيدي .

  5. #95
    الصورة الرمزية امير الاحزان
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    11- 2006
    المشاركات
    286

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    اخى الغالى

    هامس
    مثل ماعوتنا دائما بقلم ولمسة ايديك
    ومواضيعك الجميله ومشاركاتك معنا
    تدل ع انك صاحب اجمل قلم يكتب لنا
    حقا انتا انسان طيب القلب
    انتا المبدع
    هامس
    تحياتى وتقديرى لكـ
    امير الاحـزان

  6. #96
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة الثالثة والتسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم قال لضوء المكان :
    يا سيدي إني أتيت إليك في هذه الليلة ثلاث مرات لأن سيدتي تطلبك عندها .
    قال ضوء المكان :
    ومن أين هذه الكلبة حتى تطلبني مقتها الله ومقت زوجها معها .
    ونزل في الخادم شتماً فما قدر الخادم أن يرد عليه لأن سيدته أوصته أن لا يأتي به إلا بمراده هو فإن لم يأت معه يعطيه الألف دينار ، فجعل الخادم يلين له الكلام ويقول له :
    يا ولد أنا ما أخطأت معك ولا جرنا عليك ، فالقصد أن تصل بخواتك الكريمة إلى سيدتنا وترجع في خير وسلامة ، ولك عندنا بشارة .
    فلما سمع ذلك الكلام قام ومشى بين الناس والوقاد ماشي خلفه ، ونظر إليه وهو يقول في نفسه :
    يا خسارة شبابه في الغد يشنقونه .
    وما زال الوقاد ماشياً حتى قرب من مكانهم وقال :
    ما أخسه إن كان يقول علي هو الذي قال لي أنشد الأشعار .
    هذا ما كان من أمر الوقاد .
    وأما ما كان من أمر ضوء المكان فإنه ما زال ماشياً مع الخادم حتى وصل إلى المكان ودخل الخادم على نزهة الزمان وقال لها :
    قد جئت بما تطلبينه وهو شاب حسن الصورة وعليه أثر النعمة .
    فلما سمعت ذلك خفق قلبها وقالت له :
    أأمره أن ينشد شيئاً من الشعر حتى أسمعه ومن قرب وبعد ذلك أسأله عن اسمه ومن أي البلاد هو .
    فخرج الخادم إليه وقال له :
    أنشد شيئاً من الشعر حتى تسمعه سيدتي فإنها حاضرة بالقرب منك وأخبرني عن اسمك وبلدك وحالك .
    فقال :
    حباً وكرامة ولكن حيث سألتني عن اسمي فإنه محي ورسمي فني وجسمي بلي ولي حكاية تدون بالإبر على آفاق البصر وها أنا في منزلة السكران الذي أكثر الشراب وحلت به الأوصاب فتاه عن نفسه واحتار في أمره وغرق في بحر الأفكار .
    فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام بكت وزادت في البكاء والأنين وقالت للخادم :
    قل له هل فارقت أحداً ممن تحب مثل أمك وأبيك ?
    فسأله الخادم كما أمرته نزهة الزمان فقال ضوء المكان :
    نعم فارقت الجميع وأعزهم عندي أختي التي فرق الدهر بيني وبينها .
    فلما سمعت نزهة الزمان منه هذا الكلام قالت :
    الله يجمع شمله بمن يحب .

  7. #97
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة الرابعة والتسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان لما سمعت كلامه قالت :
    الله يجمع شمله بمن يعشق .
    ثم قالت للخادم :
    قل له أن يسمعنا شيئاً من الأشعار المتضمنة لشكوى الفراق .
    فقال له الخادم كما أمرته سيدته فصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات :
    ليت شعري لو دروا ........ أي قلب ملـكـوا
    وفـؤادي لـو درى ........ أي شعب سلكـوا
    أتراهم سـلـمـوا ........ أم تراهم هلـكـوا
    حار أرباب الهـوى ........ في الهوى وارتبكوا
    وأنشد أيضاً هذه الأبيات :
    أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا ........ وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا
    بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا ........ شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا
    غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ........ بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا
    إن الزمان الذي ما زال يضحكنـا ........ أنا بقربكم قـد عـاد يبـكـينـا
    يا جنة الخلد بدلنا بسلـسـلـهـا ........ والكوثر العذاب زقوماً وغسلينـا
    ثم سكب العبرات وأنشد هذه الأبيات :
    لله نـذران أزر مـكـانـي ........ وفيه أختي نزهة الـزمـان
    لأقضين بالصفـا زمـانـي ........ ما بين غيدي خرد حـسـان
    وصوت عود مطرب الألحان ........ مع ارتضاع كأس بنت الحان
    ورشف اللمى فاتر الأجفـان ........ بشط نهر سال في بسـتـان
    فلما فرغ من شعره وسمعته نزهة الزمان كشفت ذيل الستارة عن المحفة ونظرت إليه فلما وقع بصرها على وجهه عرفته غاية المعرفة فصاحت قائلة :
    يا أخي يا ضوء المكان .
    فرفع بصره إليها فعرفها وصاح قائلاً :
    يا أختي يا نزهة الزمان .
    فألقت نفسها عليه فتلقاها في حضنه ووقع الاثنان مغشياً عليهما فلما رآهما الخادم على تلك الحالة تحير في أمرهما وألقى عليهما شيئاً سترهما به وصبر حتى أفاقا من غشيتهما ، وفرحت نزهة الزمان غاية الفرح وزال عنها الهم والترح وتوالت عليها المسرات وأنشدت هذه الأبيات :
    الدهر أقسـم لا يزال مـكـدري ........ حنثت يمينك يا زمان فـكـفـر
    السعد وافى والحبيب مسـاعـدي ........ فانهض إلى داعي السرور وشمر
    ما كنت أعتقد السـوالـف جـنة ........ حتى ظفرت من اللمى بالكوثـر
    فلما سمع ذلك ضوء المكان ضم أخته إلى صدره وفاضت لفرط سروره من أجفانه العبرات وأنشد هذه الأبيات :
    ولقد ندمت على تفرق شملنـا ........ ندماً أفاض الدمع من أجفاني
    ونذرت أن عاد الزمان يلمنـا ........ لا عدت أذكر فرقة بلسانـي
    هجم السرور علي حتى أنـه ........ من فرط ما قد سرني أبكاني
    يا عين صار الدمع عندك عادة ........ تبكين من فرح ومن أحـزان
    وجلسا على باب المحفة ساعة ثم قالت :
    قم ادخل المحفة واحك لي ما وقع لك وأنا أحكي لك ما وقع لي .
    فقال ضوء المكان :
    احكي لي أنت أولاً .
    فحكت له جميع ما وقع لها منذ فارقته من الخان وما وقع لها من البدوي والتاجر وكيف اشتراها منه وكيف أخذها التاجر إلى أخيها شركان وباعها له وأن شركان أعتقها من حين اشتراها وكتب كتابه عليها ودخل بها وأن الملك إباها سمع بخبرها فأرسل إلى شركان يطلبها منه .
    ثم قالت له :
    الحمد لله الذي من علي بك ومثل ما خرجنا من عند والدنا سوية نرجع إليه سوية .
    ثم قالت له :
    إن أخي شركان زوجني بهذا الحاجب لأجل أن يوصلني إلى والدي وهذا ما وقع لي من الأول إلى الآخر ، فاحك لي أنت ما وقع لك بعد ذهابي من عندك .
    فحكى لها جميع ما وقع له من الأول إلى الآخر وكيف من الله عليه بالوقاد وكيف سافر معه وأنفق عليه ماله وأنه كان يخدمه في الليل والنهار فشكرته على ذلك ثم قال لها :
    يا أختي إن هذا الوقاد فعل معي من الإحسان فعلاً لا يفعله أحد مع أحد من أحبابه ولا الوالد مع ولده حتى أنه كان يجوع ويطعمني ويمشي ويركبني وكانت حياتي على يديه .
    فقالت نزهة الزمان :
    إن شاء الله تعالى نكافئه بما نقدر عليه .
    ثم إن نزهة الزمان صاحت على الخادم فحضر وقبل يد ضوء المكان فقالت له نزهة الزمان :
    خذ بشارتك يا وجه الخير لأن جمع شملي بأخي على يديك ، فالكيس الذي معك وما فيه لك ، فاذهب وائتني بسيدك عاجلاً .
    ففرح الخادم وتوجه إلى الحاجب ودخل عليه ودعاه إلى سيدته فأتى به ودخل على زوجته نزهة الزمان فوجد عندها أخاها فسأل عنه فحكى له ما وقع لهما من أوله إلى آخره ثم قالت :
    اعلم أيها الحاجب أنك ما أخذت جارية وإنما أخذت بنت الملك عمر النعمان فأنا نزهة وهذا أخي ضوء المكان .
    فلما سمع الحاجب القصة منها تحقق ما قالته وبان له الحق الصريح وتيقن أنه صار صهر الملك عمر النعمان فقال في نفسه :
    مصيري أن آخذ نيابة على قطر من الأقطار .
    ثم أقبل على ضوء المكان وهنأه بسلامته وجمع شمله بأخته ، ثم أمر خدمه في الحال أن يهيئوا لضوء المكان خيمة ركوبه من أحسن الخيول فقالت له زوجته :
    إنا قد قربنا من بلادنا ، فأنا أختلي بأخي ونستريح مع بعضنا ونشبع من بعضنا قبل أن نصل إلى بلادنا ، فإن لنا زمناً طويلاً ونحن متفرقان .
    فقال الحاجب :
    الأمر كما تريدان .
    ثم أرسل إليهما الشموع وأنواع الحلاوة وخرج من عندهما وأرسل إلى ضوء المكان ثلاث بدلات من أفخر الثياب وتمشى إلى أن جاء إلى المحفة وعرف مقدار نفسه ، فقالت له نزهة الزمان :
    أرسل إلى الخادم وأمره أن يأتي بالوقاد ويهيئ له حصاناً ويركبه ويرتب له سفرة طعام في الغداة والعشي ويأمره أن لا يفارقنا .
    فعند ذلك أرسل الحاجب إلى الخادم وأمره أن يفعل ذلك فقال :
    سمعاً وطاعة .
    ثم إن الخادم أخذ غلمانه وراح يفتش على الوقاد إلى أن وجده في آخر الركب وهو يشد حماره ويريد أن يهرب ودموعه تجري على خده من الخوف على نفسه ومن حزنه على فراق ضوء المكان وصار يقول :
    نصحته في سبيل الله فلم يسمع مني ، يا ترى كيف حاله .
    فلم يتم كلامه إلا والخادم واقف فوق رأسه ورأى الغلمان حوله فاصفر لونه وخاف .

  8. #98
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة الخامسة والتسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن الوقاد لما أراد أن يشد حماره ويهرب وصار يكلم نفسه ويقول :
    يا ترى كيف حاله .
    فما أتم كلامه إلا والخادم واقف فوق رأسه والغلمان حوله ، فالتفت الوقاد فرأى الخادم واقفاً على رأسه فارتعدت فرائصه وخاف وقال وقد رفع صوته بالكلام :
    إنه ما عرف مقدار ما عملته معه من المعروف فأظن أنه غمز الخادم وهؤلاء الغلمان علي وأنه أشركني معه في الذنب .
    وإذا بالخادم صاح عليه وقال له :
    من الذي كان ينشد الأشعار ، يا كذاب ? كيف تقول لي أنا ما أنشد الأشعار ولا أعرف من أنشدها وهو رفيقك فأنا لا أفارقك من هنا إلى بغداد والذي يجري على رفيقك يجري عليك .
    فلما سمع الوقاد كلامه قال في نفسه :
    ما خفت منه وقعت فيه ثم أنشد هذا البيت :
    كان الذي خفت أن يكونا ........ إنا إلى الله راجعـونـا
    ثم إن الخادم صاح على الغلمان وقال لهم :
    أنزلوه عن الحمار .
    فأنزلوا الوقاد عن حماره وأتوا له بحصان فركبه ومشى صحبة الركب والغلمان حوله محدقون به وقال لهم الخادم :
    إن عدم منه شعرة كانت بواحد منكم ولكن أكرموه ولا تهينوه .
    فلما رأى الوقاد الغلمان حوله يئس من الحياة والتفت إلى الخادم وقال له :
    يا مقدم أنا ما لي أخوة ولا أقارب وهذا الشاب لا يقرب لي ولا أنا اقرب له وإنما أنا رجل وقاد في حمام ووجدته ملقى على المزبلة مريضاً .
    وصار الوقاد يبكي ويحسب في نفسه ألف حساب والخادم ماش بجانبه ولم يعرفه بشيء بل يقول له :
    قد أقلقت سيدتنا بإنشادك الشعر أنت وهذا الصبي ولا تخف على نفسك .
    وصار الخادم يضحك عليه سراً ، وإذا نزلوا أتاهم الطعام فيأكل هو والوقاد في آنية واحدة فإذا أكلوا أمر الخادم الغلمان أن يأتوا بقلة سكر فشرب منها ويعطيها للوقاد فيشرب لكنه لا تنشف له دمعة من الخوف على نفسه والحزن على فراق ضوء المكان وعلى ما وقع لهما في غربتهما وهما سائران والحاجب تارة يكون من باب المحفة لأجل خدمة ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان ونزهة الزمان وتارة يلاحظ الوقاد وصارت نزهة الزمان وأخوها ضوء المكان في حديث وشكوى .
    ولم يزالا على تلك الحالة وهم سائرون حتى قربوا من البلاد ولم يبق بينهم وبين البلاد إلا ثلاثة أيام فنزلوا وقت المساء واستراحوا ولم يزالوا نازلين إلى أن لاح الفجر فاستيقظوا وأرادوا أن يحملوا وإذا بغبار عظيم قد لاح فهم وأظلم الجو منه حتى صار كالليل الداجي ، فصاح الحاجب قائلاً :
    أمهوا ولا تحملوا .
    وركب هو ومماليكه وساروا نحو ذلك الغبار ، فلما قربوا منه بان من تحته عسكر جرار كالبحر الزخار وفيه رايات وأعلام وطبول وفرسان وأبطال فتعجب الحاجب من أمرهم ، فلما رآهم العسكر افترقت منه فرقة قدر خمسمائة فارس وأتوا إلى الحاجب هو ومن معه وأحاطوا بهم وأحاط كل خمسة من العسكر بمملوك من مماليك الحاجب فقال لهم الحاجب :
    أي شيء الخبر ومن أين هذه العساكر حتى تفعل معنا هذه الأفعال ?
    فقالوا له :
    من أنت ومن أين أتيت وإلى أن تتوجه ?
    فقال لهم :
    أنا حاجب أمير دمشق الملك شركان ابن الملك عمر النعمان صاحب بغداد وأرض خراسان أتيت من عنده بالخراج والهدية متوجهاً إلى والده ببغداد .
    فلما سمعوا كلامه أرخوا مناديلهم على وجوههم وبكوا وقالوا :
    إن الملك عمر النعمان قد مات وما مات إلا مسموماً ، فتوجه وما عليك بأس حتى تجتمع بوزيره الأكبر الوزير دندان .
    فلما سمع الحاجب ذلك الكلام بكى بكاء شديداً وقال :
    واخيبتاه في هذه السفرة .
    وصار يبكي هو ومن معه إلى أن اختلطوا بالعسكر فاستأذنوا له الوزير دندان فأذن له وأمر الوزير بضرب خيامه وجلس على سرير في وسط الخيمة وأمر الحاجب بالجلوس ، فلما جلس سأله عن خبره فأعلمه أنه حاجب أمير دمشق وقد جاء بالهدايا وخراج دمشق .
    فلما سمع الوزير دندان ذلك بكى عند ذكر الملك عمر النعمان ، ثم قال له الوزير دندان :
    أن عمر النعمان قد مات مسموماً وبسبب موته اختلف الناس فيمن يولونه بعده حتى أوقعوا القتل في بعضهم ولكن منعهم عن بعضهم الأكابر والأشراف والقضاة الأربعة واتفق جميع الناس على أن ما أشار به القضاة الأربعة لا يخالفهم فيه أحد ، فوقع الاتفاق على أننا نسير إلى دمشق ونقصد ولده الملك شركان ونجيء به ونسلطنه من مملكة أبيه ، وفيهم جماعة يريدون ولده الثاني وقالوا أنه يسمى ضوء المكان وله أخت تسمى نزهة الزمان وكانا قد توجها إلى أرض الحجاز ومضى لهما خمسن سنين ولم يقع لهما أحد على خبر .
    فلما سمع الحاجب ذلك علم أن القضية التي وقعت لزوجته صحيحة فاغتم لموت الملك غماً عظيماً ولكنه فرح فرحاً شديداً وخصوصاً بمجيء ضوء المكان لأنه يصير سلطاناً ببغداد مكان أبيه .

  9. #99
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة السادسة والتسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن حاجب شركان لما سمع من الوزير دندان ما ذكره من خبر الملك عمر النعمان تأسف إلى الوزير دندان وقال :
    إن قصتكم أعجب من العجائب ، اعلم أيها الوزير الكبير أنكم حيث صادفتموني الآن أراحكما لله من التعب وقد جاء الأمر كما تشتهون على أهون سبب لأن الله رد ضوء المكان هو وأخته نزهة الزمان وانصلح الأمر وهان .
    فلما سمع الوزير دندان هذا الكلام فرح به فرحاً شديداً ثم قال :
    أيها الحاجب أخبرني بقصتهما وبما جرى لهما وبسبب غيابهما .
    فحدثه بحديث نزهة الزمان وأنها صارت زوجته ، وأخبره بحديث ضوء المكان من أوله إلى آخره .
    فلما فرغ الحاجب من حديثه أرسل الوزير دندان إلى الأمراء والوزراء وأكابر الدولة وأطلعهم على القصة ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وتعجبوا من هذا الاتفاق .
    ثم اجتمعوا كلهم وجاؤوا عند الحاجب ووقفوا في خدمته وقبلوا الأرض بين يديه ، وأقبل الوزير من ذلك الوقت على الحاجب ووقف بين يديه ، ثم إن الحاجب عمل في ذلك اليوم ديواناً عظيماً وجلس هو والوزير دندان على التخت وبين أيديهما جميع الأمراء والكبراء وأرباب المناصب على حسب مراتبهم ثم بلوا السكر في ماء الورد وشربوا ، ثم قعد الأمراء للمشورة وأعطوا بقية الجيش أذناً في أن يركبوا مع بعضهم ويتقدموا قليلاً حتى يتموا المشورة ويلحقوهم فقبلوا الأرض بين يدي الحاجب وركبوا وقدامهم رايات الحرب .
    فلما فرغ الكبار من مشورتهم ركبوا ولحقوا العساكر ، ثم أرسل الحاجب إلى الوزير دندان وقال له :
    الرأي عندي أن أتقدم وأسبقكم لأجل أن أهيء للسلطان مكاناً يناسبه وأعلمه بقدومكم وأنكم اخترتموه على أخيه شركان سلطاناً عليكم .
    فقال الوزير دندان :
    نعم الرأي الذي رأيته .
    ثم نهض الوزير دندان تعظيماً له وقدم له التقاديم وأقسم عليه أن يقبلها وكذلك الأمراء والكبار وارباب المناصب قدموا له التقاديم ودعوا له وقالوا له :
    لعلك تحدث السلطان ضوء المكان في أمرنا ليبقينا مستمرين في مناصبنا .
    فأجابهم لما سألوه ، ثم أمر غلمانه بالسير فأرسل الوزير دندان الخيام مع الحاجب وأمر الفراشين أن ينصبوها خارج المدينة بمسافة يوم .
    فامتثلوا لأمره وركب الحاجب وهو في غاية الفرح وقال في نفسه :
    ما أبرك هذه السفرة .
    وعظمت زوجته في عينه وكذلك ضوء المكان ثم جد في السفر إلى أن وصل إلى مكان بينه وبين المدينة مسافة يوم ثم أمر بالنزول فيه لأجل الراحة وتهيئة مكان لجلوس السلطان ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان ثم نزل من بعيد هو ومماليكه وأمر الخدام أن يستأذنوا السيدة نزهة الزمان في أن تدخل عليهما فاستأذنوها في شأن ذلك فأذنت له فدخل عليها واجتمع بها وبأخيها وأخبرهما بموت أبيهما وأن ضوء المكان جعله الرؤساء ملكاً عليهم عوضاً عن أبيه عمر النعمان وهنأهما بالملك وفي غد يكون هو والجيش كله في هذا المكان وما بقي في الأمر أيها الملك إلا أن تفعل ما أشاروا به لأنهم كلهم اختاروك سلطاناً وأن لم تفعل سلطنوا غيرك وأنت لا تأمن على نفسكم من الذي يتسلطن غيرك فربما يقتلك أو يقع الفشل بينكما ويخرج الملك من أيديكما فأطرق برأسه ساعة من الزمان ثم قال :
    قبلت هذا الأمر لأنه لا يمكن التخلي عنه .
    وتحقق أن الحاجب تكلم بما فيه الرشاد ثم قال للحاجب :
    يا عم وكيف أعمل مع أخي شركان ?
    فقال :
    يا ولدي أخوك يكون سلطان دمشق وأنت سلطان بغداد ، فشد عزمك وجهز أمرك .
    فقبل منه ضوء المكان ذلك ، ثم إن الحاجب قدم إليه البدلة التي كانت مع الوزير دندان من ملابس الملوك وناوله النمشة وخرج من عنده وأمر الفراشين أن يختاروا موضعاً عالياً وينصبوا فيه خيمة واسعة عظيمة للسلطان ليجلس فيها إذا أقدم عليه المراء ، ثم أمر الطباخين أن يطبخوا طعاماً فاخراً ويحضروه ، وأمر السقائين أن ينصبوا حياض الماء ، وبعد ساعة طار الغبار حتى سد الأقطار ، ثم انكشف ذلك الغبار وبان من تحته عسكر جرار مثل البحر الزخار .

  10. #100
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

    الليلة السابعة والتسعين

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب لما أمر الفراشين أن ينصبوا خيمة واسعة لاجتماع الناس عند الملك نصبوا خيمة عظيمة على عادة الملوك ، فلما فرغوا من أشغالهم وإذا بغبار قد طار ثم محق الهواء ذلك الغبار وبان من تحته عسكر جرار وتبين أن ذلك العسكر عسكر بغداد وخراسان ومقدمه الوزير دندان وكلهم فرحوا بسلطنة ضوء المكان وقابلهم لابساً خلعة الملك متقلداً بسيف الموكب فقدم له الحاجب الفرس فركب وسار هو ومماليكه وجميع من في الخيام مشى في خدمته حتى دخل القبة الكبيرة وجلس ووضع النمشة على فخذيه ووقف الحاجب في خدمته بين يديه ووقفت مماليكه في دهليز الخيمة وشهروا في أيديهم السيوف ثم أقبلت العساكر والجيوش وطلبوا الإذن فدخل الحاجب واستأذن لهم ضوء المكان فأمر أن يدخلوا عليه عشرة عشرة فأعلمهم الحاجب بذلك فأجابوه بالسمع والطاعة ووقف الجميع على باب الدهليز فدخل عشرة منهم فشق بهم الحاجب في الدهليز ودخل بهم على السلطان ضوء المكان .
    فما رأوه هابوه فتلقاهم أحسن ملتقى ووعدهم بكل خير فهنئوه بالسلامة ودعوا له وحلفوا له الإيمان الصادقة أنهم لا يخالفون له أمراً ثم قبلوا الأرض بين يديه وانصرفوا ودخل عشرة آخرين ففعل بهم مثل ما فعل بغيرهم ولم يزالوا يدخلون عشرة بعد عشرة حتى لم يبق غير الوزير دندان ، فدخل عليه وقبل الأرض بين يديه فقام إليه ضوء المكان وأقبل عليه وقال له :
    مرحباً بالوزير والوالد الكبير ،
    إن فعلك فعل المشير العزيز والتدبير بيد اللطيف الخبير .
    ثم إن الملك ضوء المكان قال للوزير دندان :
    أؤمر العسكر بالإقامة عشرة أيام حتى أختلي بك وتخبرني بسبب قتل أبي .
    فامتثل الوزير قول السلطان وقال :
    لابد من ذلك .
    ثم خرج إلى وسط الخيام وأمر العسكر بالإقامة عشرة أيام فامتثلوا أمره ، ثم إن الوزير أعطاها إذناً أنهم يتفرجون ولا يدخل أحد من أرباب الخدمة عند الملك مدة ثلاثة أيام فتضرع جميع الناس ودعوا لضوء المكان بدوام العز .
    ثم أقبل عليه الوزير وأعلمه بالذي كان فصبر إلى الليل ودخل على أخته نزهة الزمان وقال لها :
    أعلمت بسبب قتل أبي ولم نعلم بسببه كيف كان ?
    فقالت :
    لم أعلم سبب قتله .
    ثم إنها ضربت لها ستارة من حرير وجلس ضوء المكان خارج الستارة وأمر بإحضار الوزير دندان فحضر بين يديه فقال له :
    أريد أن تخبرني تفصيلاً بسبب قتل أبي الملك عمر النعمان .
    قال الوزير دندان :
    لما أتى الملك عمر النعمان من الصيد والقنص وجاء إلى المدينة سأل عنكما فلم يجدكما فعلم أنكما قد قصدتما الحج فاغتم لذلك وازداد به الغيظ وضاق صدره وأقام نصف سنة وهو يستخبر عنكما كل شارد ووارد فلم يخبره أحد عنكما .
    فبينما نحن بين يديه يوماً من الأيام بعدما مضى لكما سنة كاملة من تاريخ فقدكما وإذا بعجوز عليها آثار العبادة قد وردت علينا ومعها خمس جوار نهد أبكار كأنهن الأقمار وحوين من الحسن والجمال ما يعجز عن وصفه اللسان ، ومع كمال حسنهن يقرأن القرآن ويعرفن الحكمة وأخبار المتقدمين فاستأذنت تلك العجوز في الدخول على الملك فأذن لها فدخلت عليه وقبلت الأرض بين يديه وكنت أنا جالساً بقرب الملك فلما دخلت عليه قربها إليه لما رأى عليها آثار الزهد والعبادة ، فلما استقرت العجوز عنده أقبلت عليه وقالت له :
    اعلم أيها الملك أن معي خمس جوار ما ملك أحد من الملوك مثلهن لأنهن ذوات عقل وجمال وحسن وكمال يقرأن القرآن والروايات ويعرفن العلوم وأخبار الأمم السالفة وهن بين يديك وواقفات في خدمتك يا ملك الزمان وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان .
    فنظر المرحوم والدك إلى الجواري من أخبار الناس الماضين والأمم السابقين .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML