صفحة 17 من 17 الأولىالأولى ... 7151617
النتائج 161 إلى 166 من 166

الموضوع: حكايات ألف ليله وليله

  1. #161
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية العاشق والمعشوق

    الليلة الثامنة والخمسين بعد المئة

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد انه عند ذلك رجع الوزير ومن معه من غير فائدة وما زالوا مسافرين إلى أن دخلوا على الملك وأخبروه ، فعند ذلك أمر النقباء أن ينبهوا العسكر إلى السفر من أجل الحرب والجهاد فقال له الوزير :
    لا تفعل ذلك فإن الملك لا ذنب له وإنما الامتناع من ابنته فإنها حين علمت بذلك أرسلت تقول :
    إن غصبني على الزواج أقتل من أتزوج به وأقتل نفسي بعده .
    فلما سمع الملك كلام الوزير خاف على ولده تاج الملوك وقال :
    إن حاربت أباها وظفرت بابنته قتلت نفسها .
    ثم إن الملك أعلم ابنه تاج الملوك بحقيقة الأمر فلما علم بذلك قال لأبيه :
    يا والدي أنا لا أطيق الصبر عنها فأنا أروح إليها وأتسبب في اتصالي بها ولو أموت ولا أفعل غير هذا .
    فقال له أبوه :
    وكيف تروح ?
    فقال :
    أروح في صفة تاجر .
    فقال الملك :
    إن كان ولا بد فخذ معك الوزير وعزيز .
    ثم إنه أخرج شيئاً من خزانته وهيأ له متجراً بمائة ألف دينار واتفقا معه على ذلك .
    فلما جاء الليل ذهب تاج الملوك وعزيز إلى منزل الوزير وباتا هناك تلك الليلة وصار تاج الملوك مسلوب الفؤاد ولم يطب له أكل ولا رقاد بل هجمت عليه الأفكار وغرق منها في بحار وهزه الشوق إلى محبوبته فأفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين :
    ترى هل لنا بعد البعاد وصول ........ فأشكو إليكم صبوتي وأقـول
    تذكرتكم والليل ناء صباحـه ........ وأسهرتموني والأنام غفـول
    فلما فرغ من شعره بكى بكاء شديداً وبكا معه عزيز وتذكر ابنة عمه وما زالا يبكيان إلى أن أصبح الصباح ثم قام تاج الملوك ودخل على والدته وهو لابس أهبة السفر فسألته عن حاله فأخبرها بحقيقة الأمر فأعطته خمسين ألف دينار ثم ودعته وخرج من عندها ودعت له بالسلامة والاجتماع بالأحباب ثم دخل على والده واستأذنه أن يرحل فأذن له وأعطاه خمسين ألف دينار وأمر أن تضرب له خيمة وأقاموا فيها يومين ثم سافروا واستأنس تاج الملوك بعزيز وقال له :
    يا أخي أنا ما بقيت أطيق أن أفارقك .
    فقال عزيز :
    وأنا الآخر كذلك وأحب أن أموت تحت رجليك ولكن يا أخي قلبي اشتغل بوالدتي .
    فقال له تاج الملوك :
    لما نبلغ المرام لا يكون إلا خيراً .
    وكان الوزير قد أوصى تاج الملوك بالإصطبار وصار عزيز ينشد له الأشعار ويحدثه بالتواريخ والأخبار ولم يزالوا سائرين بالليل والنهار مدة شهرين فطالت الطريق على تاج الملوك واشتد عليه الغرام وزاد به الوجد والهيام ، فلما قربوا من المدينة فرح تاج الملوك غاية الفرح وزال عنه الهم والترح ثم دخلوها وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى سوق البر .
    فلما رأى التجار تاج الملوك وشاهدوا حسنه وجماله تحيرت عقولهم وصاروا يقولون :
    هل رضوان فتح أبواب الجنان وسها عنها فخرج هذا الشاب البديع الحسن .
    وبعضهم يقول :
    لعل هذا من الملائكة .
    فلما دخلوا عند التجار سألوا عن دكان شيخ السوق فدلوهم عليه فتوجهوا إليه فلما قربوا قام إليهم هو ومن معه من التجار وعظموهم خصوصاً الوزير الأجل فإنهم رأوه رجلاً كبيراً مهاباً ومعه تاج الملوك وعزيز فقال التجار لبعضهم :
    لا شك أن هذا الشيخ والد هذين الغلامين .
    فقال الوزير :
    من الشيخ فيكم ?
    فقالوا :
    ها هو .
    فنظر إليه الوزير وتأمله فرآه رجلاً كبيراً صاحب هيبة ووقار وخدم وغلمان ، ثم إن شيخ السوق حياهم تحية الأحباب وبالغ في إكرامهم وأجلسهم جنبه وقال لهم :
    هل لكم حاجة نفوز بقضائها ?
    فقال الوزير :
    نعم إني رجل كبير طاعن في السن ومعي هذان الغلمان وسافرت بهما سائر الأقاليم والبلاد وما دخلت بلدة إلا أقمت بها سنة كاملة حتى يتفرجا عليها ويعرفها أهلها وإني قد أتيت بلدكم هذه واخترت المقام فيها وأشتهي منك دكاناً تكون من أحسن المواضع حتى أجلسهما فيها ليتاجرا أو يتفرجا على هذه المدينة ويتخلقا بأخلاق أهلها ويتعلما البيع والشراء والأخذ والعطاء .
    فقال شيخ السوق :
    لا بأس بذلك .
    ثم نظر إلى الولدين وفرح بهما وأحبهما حباً زائداً وكان شيخ السوق مغرماً بفاتك اللحظات عليه حب البنين على البنات ويميل إلى الحموضة فقال في نفسه :
    سبحان خالقهما ومصورهما من ماء مهين .
    ثم قام واقفاً في خدمتهما كالغلام بين أيديهما ، بعد ذلك سعى وهيأ لهما الدكان وكانت في وسط السوق ولم يكن أكبر منها ولا أوجه منها عندهم لأنها كانت متسعة مزخرفة فيها رفوف من عاج وأبنوس ، ثم سلم المفاتيح للوزير وهو في صفة تاجر وقال :
    جعلها الله مباركة على ولديك .
    فلما أخذ الوزير مفاتيح الدكان توجه إليها والغلمان ووضعوا فيها أمتعتهم وأمر غلمانهم أن ينقلوا إليها جميع ما عندهم من البضائع والقماش .

  2. #162
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية العاشق والمعشوق

    الليلة التاسعة والخمسين بعد المئة

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير لما أمر غلمانه أن ينقلوا البضائع والقماش وكان ذلك يساوي خزائن مال فنقلوا جميع ذلك إلى الدكان وباتوا تلك الليلة فلما أصبح الصباح أخذهما الوزير ودخل بهما الحمام فلما دخلوا الحمام تنظفوا وأخذوا غاية حظهم ، وكان كل من الغلامين ذا جمال باهر فصارا في الحمام على قول الشاعر :
    بشرى لقـيتـه إذ لامـسـت يده ........ جسماً تولد بين المـاء والـنـور
    ما زال يظفر لطفاً مـن صناعتـه ........ حتى جنى المسك من تمثال كافور
    ثم خرجا من الحمام وكان شيخ السوق لما سمع بدخولهما الحمام قعد في انتظارهما وإذا بهما قد أقبلا وهما كالغزالين وقد احمرت خدودهما واسودت عيونهما ولمعت أبدانهما حتى كأنهما غصنان مثمران أو قمران زاهيان فقال لهما :
    يا أولادي حمامكم نعيم دائم .
    فقال تاج الملوك بأعذب كلام :
    ليتك كنت معنا .
    ثم إن الاثنين قبلا يديه ومشيا قدامه حتى وصلا إلى الدكان تعظيماً له لأنه كبير السوق وقد أحسن إليهما بإعطائهما الدكان ، فلما رأى أردافهما في ارتجاج زاد به الوجد وهاج وشخر ونخر ولم يبق مصطبراً فأحدق بهما العينين وأنشد هذين البيتين :
    يطالع القلب باب الاختصاص به ........ وليس يقرأ فيه مبحث الشركه
    لا غرو في كونه يرتج من قول ........ فكم لذا الفلك الدوار من حركه
    فلما سمعا هذا الشعر أقسما عليه أن يدخل الحمام ثانياً وكانا قد تركا الوزير داخل الحمام فلما دخل شيخ السوق إلى الحمام ثاني مرة سمع الوزير بدخوله فخرج إليه من الخلوة واجتمع به في وسط الحمام وعزم عليه فامتنع فأمسك بإحدى يديه تاج الملوك وبيده الأخرى عزيز ودخلا به أخرى فانقاد لهما الشيخ الخبيث فحلف تاج الملوك أن لا يحميه غيره وحلف عزيز أن لا يصب عليه الماء غيره فقال له الوزير :
    إنهما أولادك .
    فقال شيخ السوق :
    أبقاهما الله لك لقد حلت في مدينتنا البركة والسعود بقدومكم وقدوم أتباعكم ، ثم أنشد هذين البيتين :
    أقبلت فاخضرت لدينا الربا ........ وقد زهت بالزهر للمجتلى
    ونادت الأرض ومن فوقها ........ أهلاً وسهلاً بك من مقبل
    فشكروه على ذلك ، ومازال تاج الملوك يحميه وعزيز يصب عليه الماء وهو يظن روحه في الجنة حتى أتما خدمته فدعا لهما وجلس جنب الوزير على أنه يتحدث معه ولكن معظم قصده النظر إلى تاج الملوك وعزيز ، ثم بعد ذلك جاء لهم الغلمان بالمناشف فتنشفوا ولبسوا حوائجهم ثم خرجوا من الحمام فأقبل الوزير على شيخ السوق وقال له :
    يا سيدي إن الحمام نعيم الدنيا .
    فقال شيخ السوق :
    جعله الله لك ولأولادك عافية وكفاهما الله شر العين ، فهل تحفظون شيئاً مما قاله البلغاء في الحمام ؟
    فقال تاج الملوك :
    أنا أنشد لك بيتين وهما :
    إن عيش الحمام أطيب عيش ........ غير أن المقام فيه قـلـيل
    جنة تكره الإقـامة فـيهـا ........ وجحيم يهيب فيها الدخـول
    فلما فرغ تاج الملوك من شعره قال عزيز :
    وأنا أحفظ في الحمام شيئاً .
    فقال شيخ السوق أسمعني إياه .
    فأنشد هذين البيتين :
    وبيت له من جامد الصخر أزهار ........ أنيق إذا أضرمت حوله الـنـار
    تراه جحيماً وهو في الحق جـنة ........ وأكثر ما فيها شموس وأقمـار
    فلما فرغ عزيز من شعره تعجب شيخ السوق من شعرهما وفصاحتهما وقال لهما :
    والله لقد حزتما الفصاحة والملاحة فاسمعا أنتما مني ، ثم أطرب بالنغمات وأنشد الأبيات :
    يا حسن نار والنعيم عذابـهـا ........ تحيا بهـا الأرواح والأبـدان
    فأعجبت لبيت لا يزال نعيمـه ........ غضاً وتوقد تحته الـنـيران
    عيش السرور إن ألم به وقـد ........ سفحت عليه دموعها الغدران
    فلما سمعوا ذلك تعجبوا من هذه الأبيات ، ثم إن شيخ السوق عزم عليهم فامتنعوا ومضوا إلى منزلهم ليستريحوا من تعب الحمام ، ثم أكلوا وشربوا وباتوا تلك الليلة في منزلهم في أتم ما يكون من الحظ والسرور فلما أصبح الصباح قاموا من نومهم وتوضأوا وصلوا فرضهم وأصبحوا ، ولما طلع النهار وفتحت الدكاكين والأسواق خرجوا من المنزل وتوجهوا إلى السوق وفتحوا الدكان وكان الغلمان قد هيأوها أحسن هيئة وفرشوها بالبساط الحرير ووضعوا فيها مرتبتين كل واحدة منهما تساوي مائة دينار وجعلوا فوق كل مرتبة نطفاً ملوكياً دائره من الذهب .
    فجلس تاج الملوك على مرتبة وجلس عزيز على الأخرى والوزير في وسط الدكان ووقف الغلمان بين أيديهم وتسامعت بهم الناس فازدحموا عليهم وباعوا بعض أقمشتهم وشاع ذكر تاج الملوك في المدينة واشتهر فيها خبر حسنه وجماله ثم أقاموا على ذلك أياماً وفي كل يوم تهرع الناس إليهم فأقبل الوزير على تاج الملوك وأوصاه بكتمان أمره وأوصى عليه عزيز ومضى إلى الدار ليدير أمراً يعود نفعه عليهم وصار تاج الملوك وعزيز يتحدثان وصار تاج الملوك يقول :
    عسى أن يجيء أحد من عند السيدة دنيا .
    ومازال تاج الملوك على ذلك أياماً وليالي وهو لا ينام وقد تمكن منه الغرام وزاد به النحول والأسقام حتى حرم لذيذ المنام وامتنع عن الشراب والطعام وكان كالبدر في تمامه فبينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه .


  3. #163
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية العاشق والمعشوق

    الليلة الستين بعد المئة

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد انه بينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه وتقدمت إليه وخلفها جاريتان وما زالت ماشية حتى وقفت على دكان تاج الملوك فرأت قده واعتداله وحسنه وجماله فتعجبت من ملاحته ورشحت في سراويلها ، ثم قالت :
    سبحان من خلقك من ماء مهين سبحان من جعلك فتنة للعالمين .
    ولم تزل تتأمل فيه وتقول :
    ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم .
    ثم دنت منه وسلمت عليه فرد عليها السلام وقام لها واقفاً على الأقدام وابتسم في وجهها هذا كله بإشارة عزيز ثم أجلسها إلى جانبه وصار يروح عليها إلى أن استراحت ، ثم إن العجوز قالت لتاج الملوك :
    يا ولدي يا كامل الأوصاف والمعاني هل أنت من هذه الديار ?
    فقال تاج الملوك بكلام فصيح عذب مليح :
    والله يا سيدتي عمر ما دخلت هذه الديار إلا هذه المرة ولا أقمت فيها إلا على سبيل الفرجة .
    فقالت :
    لك الإكرام من قادم على الرحب والسعة ما الذي جئت به معك من القماش فأرني شيئاً مليحاً فإن المليح لا يحمل إلا المليح .
    فلما سمع تاج الملوك كلامها خفق قلبه ولم يفهم معنى كلامها ، فغمزه عزيز بالإشارة فقال لها تاج الملوك :
    عندي كل ما تشتهين من الشيء الذي لا يصلح إلا للملوك وبنات الملوك فلمن تريدين حتى اقلب عليك ما يصلح لأربابه .
    وأراد بذلك الكلام أن يفهم معنى كلامها فقالت له :
    أريد قماشاً يصلح للسيدة دنيا بنت الملك شهرمان .
    فلما سمع تاج الملوك ذكر محبوبته فرح فرحاً شديداً وقال لعزيز :
    ائتني بأفخر ما عندك من البضاعة .
    فأتاه عزيز ببقجة وحلها بين يديه ، فقال لها تاج الملوك :
    اختاري ما يصلح لها فإن هذا الشيء لا يوجد عند غيري فاختارت العجوز شيئاً يساوي ألف دينار وقالت :
    بكم هذا ?
    فقال لها :
    وهل أساوم مثلك فيه هذا الشيء الحقير الحمد لله الذي عرفني بك .
    فقالت له العجوز :
    أعوذ وجهك المليح برب الفلق ، إن وجهك مليح وفعلك مليح هنيئاً لمن تنام في حضنك وتضم قوامك الرجيح وتحظى بوجهك الصبيح وخصوصاً إذا كانت صاحبة حسن مثلك .
    فضحك تاج الملوك حتى استلقى على قفاه ثم قال :
    يا قاضي الحاجات على أيدي العجائز الفاجرات .
    فقالت :
    يا ولدي ما الاسم ?
    قال :
    اسمي تاج الملوك .
    فقالت :
    إن هذا الاسم من أسماء الملوك ولكنك في زي التجار .
    فقال لها عزيز :
    من محبته عند أهله ومعزته عليهم سموه بهذا الاسم .
    فقالت العجوز :
    صدقت كفاكم الله شر الحساد ولو فتئت بمحاسنكم الأكباد .
    ثم أخذت القماش ومضت وهي باهتة من حسنه وجماله وقده واعتداله ، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا وقالت لها :
    يا سيدتي جئت لك بقماش مليح .
    فقالت دنيا :
    أين هذا القماش ؟
    فقالت لها :
    يا سيدتي ها هو فقبليه وانظريه .
    فلما رأته السيدة دنيا قالت لها :
    يا دادتي إن هذا قماش مليح ما رأيته في مدينتنا .
    فقالت العجوز :
    يا سيدتي إن بائعه أحسن منه كأن رضوان فتح أبواب الجنان وسها فخرج منها التاجر الذي يبيع هذا القماش ، وأنا أشتهي في هذه الليلة أن يكون عندك وينام بين نهودك ، فإنه فتنة لمن يراه وقد جاء مدينتنا بهذه الأقمشة لأجل الفرجة .
    فضحكت السيدة دنيا من كلام العجوز .

  4. #164
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية العاشق والمعشوق

    الليلة الحادية والستين بعد المئة

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة دنيا حين ضحكت من كلام العجوز قالت :
    أخزاك الله يا عجوز النحس إنك خرفت ولم يبق لك عقل .
    ثم قالت :
    هات القماش حتى أبصره جيداً .
    فناولتها إياه فنظرته ثانياً فرأته شيئاً قليلاً وثمنه كثيراً وتعجبت من حسن ذلك القماش لأنها ما رأت في عمرها مثله فقالت لها العجوز :
    يا سيدتي لو رأيت صاحبه لعرفت أنه أحسن ما يكون على وجه الأرض .
    فقالت لها السيدة دنيا :
    هل سألتيه إن كان له حاجة يعلمنا بها فنقضيها له ?
    فقالت العجوز وقد هزت رأسها :
    حفظ الله فراستك ، والله إن له حاجة وهل أحد يخلو من حاجة ?
    فقالت لها السيدة دنيا :
    اذهبي إليه وسلمي عليه وقولي له :
    شرفت بقدومك مدينتنا ومهما كان لك من الحوائج قضيناه لك على الرأس والعين .
    فرجعت العجوز إلى تاج الملوك في الوقت فلما رآها طار قلبه من الفرح ونهض لها قائماً على قدميه وأخذ يدها وأجلسها إلى جانبه ، فلما جلست واستراحت أخبرته بما قالته السيدة دنيا ، فلما سمع ذلك فرح غاية الفرح واتسع صدره وانشرح وقال في نفسه :
    قد قضيت حاجتي .
    ثم قال للعجوز :
    لعلك توصلين إليها كتاباً من عندي وتأتيني بالجواب .
    فقالت :
    سمعاً وطاعة .
    فلما سمع ذلك منها قال لعزيز :
    ائتني بدواة وقرطاس وقلم من نحاس .
    فلما أتاه بتلك الأدوات كتب هذه الأبيات :
    كتبت إليـك يا سؤلي كتـابـاً ........ بما ألقاه من ألم الـفـراق
    فأول مـا أسطر نـار قلـبـي ........ وثانيه غرامي واشتـياقـي
    وثالثه مضى عمري وصـبري ........ ورابعه جميع الوجد باقـي
    وخامسه متى عيني تـراكـم ........ وسادسه متى يوم التلاقـي
    ثم كتب في إمضائه :
    إن هذا الكتاب من أسير الأشواق المسجون في سجن الاشتياق الذي ليس له إطلاق إلا بالوصال ولو بطيف الخيال لأنه يقاسي أليم العذاب من فراق الأحباب ، ثم أفاض دمع العين وكتب هذين البيتين :
    كتبت إليك والعبرات تجـري ........ ودمع العين ليس له انقطاع
    ولست ببائس من فضل ربي ........ عسى يوم يكون به اجتماع
    ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه للعجوز وقال :
    أوصليه إلى السيدة دنيا .
    فقالت :
    سمعاً وطاعة .
    ثم أعطاها ألف دينار وقال :
    اقبلي مني هذه الهدية .
    فأخذتها وانصرفت داعية له ، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا فلما رأتها قالت :
    يا دادتي أي شيء طالب من الحوائج حتى نقضيها له ?
    فقالت لها :
    يا سيدتي قد أرسل معي كتاباً ولا أعلم بما فيه .
    فقرأته وفهمت معناه ثم قالت :
    من أين إلى أين حتى يراسلني هذا التاجر ويكاتبني ?
    ثم لطمت وجهها وقالت :
    لولا خوفي من الله تعالى لصلبته على دكانه .
    فقالت العجوز :
    وأي شيء في هذا الكتاب حتى أزعج قلبك هل فيه شكاية مظلمة أو فيه ثمن القماش ?
    فقالت لها :
    ويلك ما فيه ذلك وما فيه إلا عشق ومحبة وهذا كله منك وإلا فمن أي يتوصل هذا الشيطان إلى هذا الكلام .
    فقالت لها العجوز :
    يا سيدتي أنت قاعدة في قصرك العالي وما يصل إليك أحد ولا الطير الطائر ، سلامتك من اللوم والعتاب وما عليك من نباح الكلاب ، فلا تؤاخذيني حيث أتيتك بهذا الكتاب ولكن الرأي عندي أن تردي إليه جواباً وتهدديه فيه بالقتل وتنهيه عن هذا الهذيان فإنه ينتهي ولا يعود إلى فعلته .
    فقالت السيدة دنيا :
    أخاف أن أكاتبه فيطمع .
    فقالت العجوز :
    إذا سمع التهديد والوعيد رجع عما هو عليه .
    فقالت :
    علي بدواة وقرطاس وقلم من نحاس .
    فلما أحضروا لها تلك الأدوات كتبت هذه الأبيات :
    يا مدعي الحب والبلوى مع السهر ........ وما تلاقيه من وجد ومن فـكـر
    أتطلب الوصل يا مغرور من قمر ........ وهل ينال المنى شخص من القمر
    إني نصحتك عما أنت طـالـبـه ........ فأقصر فإنك في هذا على خطر
    وإن رجعت إلى هذا الكلام فـقـد ........ أتاك مني عذاب زائد الـضـرر
    وحق من خلق الإنسان من علـق ........ ومن أنار ضياء الشمس والقمـر
    لئن عـدت لـمـا أنـت ذاكـره ........ لأصلبنك في جزع من الشـجـر
    ثم طوت الكتاب وأعطته للعجوز ، وقالت لها :
    أعطيه له وقولي له :
    كف عن هذا الكلام .
    فقالت لها :
    سمعاً وطاعة .
    ثم أخذت الكتاب وهي فرحانة ومضت إلى منزلها وباتت في بيتها ، فلما أصبح الصباح توجهت إلى دكان تاج الملوك فوجدته في انتظارهما فلما رآها كاد أن يطير من الفرح فلما قربت منه نهض إليها قائماً وأقعدها بجانبه فأخرجت له الورقة وناولته إياها وقالت له :
    اقرأ ما فيها .
    ثم قالت له :
    إن السيدة دنيا لما قرأت كتابك اغتاظت ولكنني لاطفتها ومازحتها حتى أضحكتها ورقت لك وردت لك الجواب .
    فشكرها تاج الملوك على ذلك وأمر عزيز أن يعطيها ألف دينار ، ثم إنه قرأ الكتاب وفهمه وبكى بكاء شديداً فرق له قلب العجوز ، وعظم عليها بكاؤه وشكواه ثم قالت له :
    يا ولدي وأي شيء في هذه الورقة حتى أبكاك ?
    فقال لها :
    إنها تهددني بالقتل والصلب وتنهاني عن مراسلتها وإن لم أراسلها يكون موتي خيراً من حياتي فخذي جواب كتابها ودعيها تفعل ما تريد .
    فقالت له العجوز :
    وحياة شبابك لا بد أني أخاطر معك بروحي وأبلغك مرادك وأوصلك إلى ما في خاطرك .
    فقال لها تاج الملوك :
    كل ما تفعليه أجازيك عليه ويكون في ميزانك فإنك خبيرة بالسياسة وعارفة بأبواب الدناسة وكل عسير عليك يسير والله على كل شيء قدير ، ثم أخذ ورقة وكتب فيها هذه الأبيات :
    أمست تهددني بالقتل واحـزنـي ........ والقتل لي راحة والموت مقدور
    والموت أغنى لصب أن تطول به ........ حياته وهو ممنوع ومقـهـور
    بالله زوروا محباً قـل نـاصـره ........ فإنني عبد والعـبـد مـأسـور
    يا سادتي فارحموني في محبتكـم ........ فكل من يعشق الأحرار معذور
    ثم إنه تنفس الصعداء وبكى حتى بكت العجوز ، وبعد ذلك أخذت الورقة منه وقالت له :
    طب نفساً وقر عيناً ، فلا بد أن أبلغك مقصودك .

  5. #165
    الصورة الرمزية عازف الاحزان
    Title
    نبض نشيـط
    تاريخ التسجيل
    09- 2006
    المشاركات
    305

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    تكملة حكاية العاشق والمعشوق

    الليلة الثانية والستين بعد المئة

    قالت شهرزاد :

    بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قامت وتركت تاج الملوك على النار وتوجهت إلى السيدة دنيا فرأتها متغيرة اللون من غيظها بمكتوب تاج الملوك فناولتها الكتاب فازدادت غيظاً ، وقالت للعجوز :
    أما قلت لك أنه يطمع فينا ?
    فقالت لها :
    وأي شيء من هذا الكتاب حتى يطمع فيك ?
    فقالت لها السيدة دنيا :
    اذهبي إليه وقولي له إن راسلتها بعد ذلك ضربت عنقك .
    فقالت لها العجوز :
    اكتبي له هذا الكلام في مكتوب وأنا آخذ المكتوب معي لأجل أن يزداد خوفاً .
    فأخذت ورقة وكتبت فيها هذه الأبيات :
    أيا غافلاً عن حادثـا الـطـوارق ........ وليس إلى نيل الوصال بسـابـق
    أتزعم يا مغرور أن تدرك السهـا ........ وما أنت للبدر المنير بـلا حـق
    فكيف ترجينا وتأمـل وصـلـنـا ........ لتحظى بضم للقدود الـرواشـق
    فدع عنك هذا القصد خيفة سطوتي ........ بيوم عبوس فيه شيب المـفـارق
    ثم طوت الكتاب وناولته للعجوز فأخذته وانطلقت به إلى تاج الملوك فلما رآها قام على قدميه وقال :
    لا أعدمني الله بركة قدومك .
    فقالت له العجوز :
    خذ جواب مكتوبك .
    فأخذ الورقة وقرأها وبكى بكاء شديداً ، وقال :
    إني أشتهي من يقتلني الآن فإن القتل أهون علي من هذا الأمر الذي أنا فيه .
    ثم أخذ دواة وقلماً وقرطاس وكتب مكتوباً ورقم هذين البيتين :
    فيا منيتي لا تبتغي الهجر والجفـا ........ فإني محب في المحبة غـارق
    ولا تحسبيني في الحياة مع الجفا ........ فروحي من بعد الأحبة طالـق
    ثم طوى الكتاب وأعطاه للعجوز وقال لها :
    قد أتعبتك بدون فائدة .
    وأمر عزيز أن يدفع لها ألف دينار وقال لها :
    يا أمي إن هذه الورقة لا بد أن يعقبها كمال الاتصال أو كمال الانفصال .
    فقالت له :
    يا ولدي والله ما أشتهي لك إلا الخير ومرادي أن تكون عندك فإنك أنت القمر صاحب الأنوار الساطعة وهي الشمس الطالعة وإن لم أجمع بينكما فليس في حياتي فائدة وأنا قد قطعت عمري في المكر والخداع حتى بلغت التسعين من الأعوام فكيف أعجز عن الجمع بين اثنين في الحرام .
    ثم ودعته وطيبت قلبه وانصرفت ولم تزل تمشي حتى دخلت السيدة دنيا وقد أخفت الورقة في شعرها .
    فلما جلست عندها حكت رأسها وقالت :
    يا سيدتي عساك أن تفلي شوشتي فإن لي زماناً ما دخلت الحمام .
    فكشفت السيدة دنيا عن مرفقيها وحلت شعر العجوز وصارت تفلي شوشتها فسقطت الورقة من رأسها فرأتها السيدة دنيا فقالت :
    ما هذه الورقة ?
    فقالت :
    كأني قعدت على دكان التاجر فتعلقت معي هذه الورقة هاتيها حتى أوديها له .
    ففتحتها السيدة دنيا وقرأتها وفهمت ما فيها فاغتاظت غيظاً شديداً وقالت :
    كل الذي جرى لي من تحت رأس هذه العجوز النحس .
    فصاحت على الجواري والخدم وقالت :
    أمسكوا هذه العجوز الماكرة واضربوها بنعالكم .
    فنزلوا عليها ضرباً بالنعال حتى غشي عليها .
    فلما أفاقت قالت لها :
    والله يا عجوز السوء لولا خوفي من الله تعالى لقتلتك .
    ثم قالت لهم :
    أعيدوا الضرب .
    فضربوها حتى غشي عليها ثم أمرتهم أن يجروها ويرموها خارج الباب فسحبوها على وجهها ورموها قدام الباب .
    فلما أفاقت قامت تمشي وتقعد حتى وصلت إلى منزلها وصبرت إلى الصباح ثم قامت وتمشت حتى أتت إلى تاج الملوك وأخبرته بجميع ما جرى لها ، فصعب عليه ذلك وقال لها :
    يعز علي يا أمي ما جرى لك ولكن كل شيء بقضاء وقدر .
    فقالت له :
    طب نفساً وقر عيناً فإني لا أزال أسعى حتى أجمع بينك وبينها وأوصلك إلى هذه العاهرة التي أحرقتني بالضرب .
    فقال لها تاج الملوك :
    أخبريني ما سبب بغضها للرجال ?
    فقالت :
    إنها رأت مناماً أوجب ذلك .
    فقال لها :
    وما ذلك المنام ?
    فقالت :
    إنها كانت نائمة ذات ليلة فرأت صياداً أنصب شركاً في الأرض وبذر حوله قمحاً ثم جلس قريباً منه فلم يبق شيء من الطيور إلا وقد أتى إلى ذلك الشرك ، ورأت في الطيور حمامتين ذكراً وأنثى .
    فبينما هي تنظر إلى الشرك وإذا برجل الذكر تعلق في الشرك وصار يتخبط فنفرت عنه جميع الطيور ومرت فرجعت إليه امرأته وحامت عليه ثم تقدمت إلى الشرك والصياد غافل فصارت تنقر العين التي فيها رجل الذكر وصارت تجذبه بمنقارها حتى خلصت رجله من الشرك وطارت الطيور هي وإياه فجاء بعد ذلك الصباح وأصلح الشرك وقعد بعيداً عنه فلم يمض غير ساعة حتى نزلت الطيور وعلق الشرك في الأنثى فنفرت عنها جميع الطيور ومن جملتها الطير الذكر ولم يعد لأنثاه فجاء الصياد وأخذ الطير الأنثى وذبحها فانتبهت مرعوبة من منامها وقالت :
    كل ذكر مثل هذا ما فيه خير والرجال جميعهم ما عندهم خير للنساء .
    فلما فرغت من حديثها لتاج الملوك قال لها :
    يا أمي أريد أن أنظر إليها نظرة واحدة ولو كان ذلك مماتي فتحيلي لي بحيلة حتى أنظرها .
    فقالت له :
    اعلم أن لها بستاناً تحت قصرها وهو برسم فرجتها وإنها تخرج إليه في كل شهر مرة من باب السر وتقعد فيه عشرة أيام وقد جاء أوان خروجها إلى الفرجة ، فإذا أرادت الخروج أجيء إليك أعلمك حتى تخرج وتصادفها واحرص على أنك لا تفارق البستان فلعلها إذا رأت حسنك وجمالك يتعلق قلبها بمحبتك فإن المحبة أعظم أسباب الاجتماع .
    فقال :
    سمعاً وطاعة .
    ثم قام من الدكان هو وعزيز وأخذا معهما العجوز ومضيا إلى منزلهما وعرفاه لها ثم إن تاج الملوك قال لعزيز :
    يا أخي ليس لي حاجة بالدكان وقد قضيت حاجتي منها ووهبتها لك بجميع ما فيها لأنك تغربت معي وفارقت بلادك .
    فقبل عزيز منه ذلك ثم جلسا يتحدثان وصار تاج الملوك يسأله عن غريب أحواله وما جرى له وبعد ذلك أقبلا على الوزير وأعلماه بما عزم عليه تاج الملوك وقالا له :
    كيف العمل ?
    فقال :
    قوموا بنا إلى البستان .
    فلبس كل واحد منهم أفخر ما عنده وخرجوا وخلفهم ثلاثة مماليك وتوجهوا إلى البستان فرأوه كثير الأشجار غزير الأنهار ورأوا الخولي جالساً على الباب فسلموا عليه فرد عليهم السلام فناوله الوزير مائة دينار وقال :
    أشتهي أن تأخذ هذه النفقة وتشتري لنا شيئاً نأكله فإننا غرباء ومعي هؤلاء الأولاد وأردت أن أفرجهم .
    فأخذ البستاني الدنانير وقال لهم :
    ادخلوا وتفرجوا وجميعه ملككم واجلسوا حتى أحضر لكم بما تأكلون .
    ثم توجه إلى السوق ودخل الوزير وتاج الملوك وعزيز داخل البستان بعد أن ذهب البستاني إلى السوق ثم بعد ساعة أتى ومعه خروف مشوي ووضعه بين أيديهم فأكلوا وغسلوا أيديهم وجلسوا يتحدثون فقال الوزير :
    أخبرني عن هذا البستان هل هو لك أم أنت مستأجره ?
    فقال الشيخ :
    ما هو لي وإنما لبنت الملك السيدة دنيا .
    فقال الوزير :
    كم لك في كل شهر من الأجرة ?
    فقال :
    دينار واحد لا غير .
    فتأمل الوزير في البستان فرأى هناك قصراً عالياً إلا أنه عتيق فقال الوزير :
    أريد أن أعمل خيراً تذكرني به .
    فقال :
    وما تريد أن تفعل من الخير ?
    فقال :
    خذ هذه الثلثمائة دينار .
    فلما سمع الخولي بذكر الدنانير قال :
    يا سيدي مهما شئت فافعل .
    ثم أخذ الدنانير فقال له الوزير :
    إن شاء الله تعالى نفعل في هذا المحل خيراً .
    ثم خرجوا من عنده وتوجهوا إلى منزلهم وباتوا تلك الليلة .
    فلما كان الغد أحضر الوزير مبيضاً ونقاشاً وصانعاً جيداً ، وأحضر لهم جميع ما يحتاجون إليه من الآلات ودخل بهم البستان وأمرهم ببياض ذلك القصر وزخرفته بأنواع النقش ثم أمر بإحضار الذهب واللازورد وقال للنقاش :
    اعمل في صدر هذا الإيوان آدمي صياد كأنه نصب شركه ، وقد وقعت فيه حمامة واشتبكت بمنقارها في الشرك .
    فلما نقش النقاش جانباً وفرع من نقشه ، قال له الوزير :
    افعل في الجانب الآخر مثل الأول وصور صورة حمامة في الشرك وأن الصياد أخذها ووضع السكين على رقبتها وأعمل في الجانب الآخر صورة جارح كبير قد قنص ذكر الحمام وأنشب فيه مخالبه .
    ففعل ذلك فلما فرغ من هذه الأشياء التي ذكرها الوزير ودعوا البستاني ، ثم توجهوا إلى منزلهم وجلسوا يتحدثون .
    هذا ما كان من أمر هؤلاء .
    وأما ما كان من أمر العجوز فإنها انقطعت في بيتها واشتاقت بنت الملك إلى الفرجة في البستان وهي لا تخرج إلا بالعجوز فأرسلت إليها وصالحتها وطيبت خاطرها وقالت :
    إني أريد أن أخرج إلى البستان لأتفرج على أشجاره وأثماره وينشرح صدري بأزهاره .
    فقالت لها العجوز :
    سمعاً وطاعة ، ولكن أريد أن أذهب إلى بيتي وألبس أثوابي وأحضر عندك .
    فقالت :
    اذهبي إلى بيتك ولا تتأخري عني .
    فخرجت العجوز من عندها وتوجهت إلى تاج الملوك وقالت له :
    تجهز والبس أفخر ثيابك واذهب إلى البستان .
    فقال :
    سمعاً وطاعة .
    وجعلت بينها وبينه إشارة ، ثم توجهت إلى السيدة دنيا وبعد ذهابها قام الوزير وعزيز وألبسا تاج الملوك بدلة من أفخر ملابس الملوك تساوي خمسة آلاف دينار وشد في وسطه حياصة من الذهب مرصعة بالجواهر والمعادن ثم توجه إلى البستان .
    فلما وصل إلى باب البستان وجد الخولي جالساً هناك فلما رآه البستاني نهض له على الأقدام وقابله بالتعظيم والإكرام وفتح له الباب وقال له :
    ادخل وتفرج في البستان .
    ويعلم البستاني أن بنت الملك تدخل البستان في هذا اليوم فلما دخل تاج الملوك لم يلبث إلا مقدار ساعة وسمع ضجة فلم يشعر إلا والخدم والجواري خرجوا من باب السر فلما رآهم الخولي ذهب إلى تاج الملوك ، وأعلمه بمجيئها وقال له :
    يا مولاي كيف يكون العمل وقد أتت ابنة الملك السيدة دنيا ?
    فقال :
    لا بأس عليك فإني أختفي في مواضع البستان .
    فأوصاه البستاني بغاية الاختفاء ، ثم تركه وراح فلما دخلت بنت الملك هي وجواريها والعجوز في البستان قالت العجوز في نفسها :
    متى كان الخدم معنا فإننا لا ننال مقصودنا .
    ثم قالت لابنة الملك :
    يا سيدتي إني أقول لك عن شيء فيه راحة لقلبك .
    فقالت السيدة دنيا :
    قولي ما عندك ?
    فقالت العجوز :
    يا سيدتي إن هؤلاء الخدم لا حاجة لك بهم في هذا الوقت ولا ينشرح صدرك ما داموا معنا فاصرفيهم عنا .
    فقالت السيدة دنيا :
    صدقت .
    ثم صرفتهم ، وبعد قليل تمشت فصار تاج الملوك ينظر إليها وإلى حسنها وجمالها وهي لا تشعر بذلك وكلما نظر إليها يغشى عليه مما يرى من بارع حسنها ، وصارت العجوز تسارقها الحديث إلى أن أوصلتها إلى القصر الذي أمر الوزير بنقشه ، ثم دخلت ذلك القصر وتفرجت على نقشه وأبصرت الطيور ، والصياد والحمام .
    فقالت :
    سبحان الله إن هذه صفة ما رأيته في المنام .
    وصارت تنظر إلى صور الطيور والصياد والشرك وتتعجب ثم قالت :
    يا دادتي كنت ألوم الرجال وأبغضهم ولكن انظري الصياد كيف ذبح الطير الأنثى وتخلص الذكر ، وأراد أن يجيء إلى الأنثى ويخلصها فقابله الجارح وافترسه .
    وصارت العجوز تتجاهل عليها وتشاغلها بالحديث إلى أن قربا من المكان المختفي فيه تاج الملوك فأشارت إليه العجوز أن يتمشى تحت شبابيك القصر .
    فبينما السيدة دنيا كذلك إذ لاحت منها التفاتة فرأته وتأملت جماله وقده واعتداله ، ثم قالت :
    يا دادتي من أين هذا الشاب المليح ?
    فقالت :
    لا أعلم به غير أني أظن أنه ولد ملك عظيم فإنه بلغ من الحسن النهاية ومن الجمال الغاية .
    فهامت به السيدة دنيا وانحلت عرى عزائمها وانبهر عقلها من حسنه وجماله وقده واعتداله وتحركت عليها الشهوة ، فقالت للعجوز :
    يا دادتي إن هذا الشاب مليح .
    فقالت لها العجوز :
    صدقت يا سيدتي .
    ثم إن العجوز أشارت إلى ابن الملك أن يذهب إلى بيته وقد التهب به نار الغرام وزاد به الوجد والهيام فسار وودع الخولي وانصرف إلى منزله ولم يخالف العجوز وأخبر الوزير وعزيز بأن العجوز أشارت إليه بالانصراف فصارا يصبرانه ويقولان له :
    لولا أن العجوز تعلم في رجوعك مصلحة ما أشارت عليك به .
    هذا ما كان من أمر تاج الملوك والوزير وعزيز .
    وأما ما كان من أمر ابنة الملك السيدة دنيا فإنها غلب عليها الغرام وزاد بها الوجد والهيام ، وقالت للعجوز :
    ما أعرف اجتماعي بهذا الشاب إلا منك .
    فقالت لها العجوز :
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أنت لا تريدين الرجال وكيف حلت بك من عشقه الأوجال ولكن والله ما يصلح لشبابك إلا هو .
    فقالت لها السيدة دنيا :
    يا دادتي أسعفيني عليه ولك عندي ألف دينار وخلعة بألف دينار وإن لم تسعفيني بوصاله فإني ميتة لا محالة .
    فقالت العجوز :
    امض أنت إلى قصرك وأنا أتسبب في اجتماعكما ، وأبذل روحي في مرضاتكما .
    ثم إن السيدة دنيا توجهت إلى قصرها وتوجهت العجوز إلى تاج الملوك فلما رآها نهض لها على الأقدام وقابلها بإعزاز وإكرام وأجلسها إلى جانبه فقالت له :
    إن الحيلة قد تمت .
    وحكت له ما جرى لها مع السيدة دنيا فقال لها :
    متى يكون الاجتماع ?
    قالت :
    في غد .
    فأعطاها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت ، وما زالت سائرة حتى دخلت على السيدة دنيا فقالت لها :
    يا دادتي ما عندك من خبر الحبيب شيء ?
    فقالت لها :
    قد عرفت مكانه وفي غد أكون به عندك .
    ففرحت السيدة دنيا بذلك وأعطتها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت إلى منزلها وباتت فيه إلى الصباح ، ثم خرجت وتوجهت إلى تاج الملوك وألبسته لبس النساء وقالت له :
    امش خلفي وتمايل في خطواتك ولا تستعجل في مشيك ولا تلتفت إلى من يكلمك .
    وبعد أن أوصت تاج الملوك بهذه الوصية خرجت وخرج خلفها ، وهو في زي النسوان وصارت تعلمه في الطريق حتى لا يفزع ولم تزل ماشية وهو خلفها حتى وصلا إلى باب القصر فدخلت وهو وراءها وصارت تخرق الأبواب والدهاليز إلى أن جاوزت به سبعة أبواب ولما وصلت إلى الباب السابع قالت لتاج الملوك :
    قوي قلبك ، وإذا زعقت عليك وقلت لك :
    يا جارية اعبري فلا تتوان في مشيك وهرول فإذا دخلت الدهليز فانظر إلى شمالك ترى إيواناً فيه خمسة أبواب وادخل الباب السادس فإن مرادك فيه .
    فقال تاج الملوك :
    وأين تروحين أنت ?
    فقالت له :
    ما أروح موضعاً غير أني ربما أتأخر عنك وأتحدث مع الخادم الكبير .
    ثم مشت وهو خلفها حتى وصلت إلى الباب الذي فيه الخادم الكبير فرأى معها تاج الملوك في صورة جارية فقال لها :
    ما شأن هذه الجارية التي معك ?
    فقالت له :
    هذه جارية قد سمعت السيدة دنيا بأنها تعرف الأشغال وتريد أن تشتريها .
    فقال لها الخادم :
    أنا لا أعرف جارية ولا غيرها ولا يدخل أحد حتى أفتشه كما أمرني الملك .


  6. #166
    الصورة الرمزية hello21
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    10- 2008
    العمر
    47
    المشاركات
    9

    رد: حكايات ألف ليله وليله

    مجموعة قصص حاوة شكرا لك اخي الكريم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML