رمضان والصومال.. أين الأمة المسلمة؟
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

جريدة الجزيرة الأحد 30 شعبان 1429 العدد 13121



بعد أن سمعت وقرأت عن الإعلان الذي وجهته هيئة الأمم المتحدة تناشد الدول الإسلامية أن تقدم مساعدات إغاثية عاجلة لأكثر من ثلاثة ملايين صومالي مهددين بالموت جوعاً هذه الأيام، لاحت أمامي ثلاث صورٍ تحتاج إلى مراجعة سريعةٍ، مازالت تبرز بصورة مؤسفة في مجتمعاتنا المسلمة.

الصورة الأولى: صورة آلاف الناس يتوافدون على الأسواق المركزية الكبرى منذ النصف من شعبان ليدّخروا المواد الغذائية المتعددة بكمياتٍ كبيرة، وأنواع كثيرة مستقبلين بها شهر الصيام والقيام، شهر الذكر والعبادة، شهر تلاوة القرآن، ويا لها من صورةٍ نراها جميعاً، تدلّ على نظرة غائمة إلى روحانية هذا الشهر المبارك، تفرّغه من معاني العبادة والذكر والقرآن، إلى شهر أنواع المأكولات، وأصناف المشروبات، التي اقترنت برمضان، فحوّلت مناسبته إلى مناسبة أكل وشرب واستمتاع واسترخاء، وتخمةٍ تحمل كثيراً من الناس إلى الأطباء لعلاج آثارها على أجسامهم.

صورة مؤلمة تحتاج منا إلى وقفة، لأنها لافتة للنظر، ولأن البطون الممتلئة المتخمة، تتحول إلى مصادر لإيذاء المصلّين في المساجد بالروائح المؤذية التي تبعثها (تكرُّعات) المتخمين ولأنها تعطي انطباعاً سلبياً عن شهر الصيام الذي منّ الله به علينا نحن المسلمين، شهر العبادة ومضاعفة الأجر، ورعاية الفقراء والمساكين وتلاوة القرآن الكريم، والسعي في حاجات المحتاجين.

الصورة الثانية: عشرات البرامج والمسلسلات، والمواد الإعلامية المختلفة التي تصادم معنى شهر الصيام وتناقضه، وتتعمّد الإساءة إليه، بتفريغه من معناه الروحي العظيم، ليصبح شهر المسابقات المشحونة بالمناظر المحرّمة للنساء اللاتي خلعن براقع الحياء، وأصبحن فرائس لعدسات التصوير التي تتفنّن في عرض مفاتنهنّ للناس، مخالفةً بذلك ما شرع الله للمرأة من الحشمة والحياء والوقار، وليصبح شهر المسلسلات الساخرة المضحكة القائمة على (التهريج) الرّخيص الذي لا يخلو من سخرية بالدين أو برموزه من العلماء والدعاة والمصلحين، صورة مؤسفة تؤذي مشاعر المسلمين مع إطلالة هلال شهر الصيام كلّ عام.

الصورة الثالثة: صورة آلاف المسلمين يستقبلون غثاء الإعلام في شهر الصيام، بعناية واهتمام، ومتابعة واحترام، وكأن صيامهم وصلاتهم عادة من العادات التي أصبحت نمطاً سنوياً ينساقون إلى تطبيقه بحكم العادة، ولهذا تقبّلوا صور المبالغة في الأكل والشرب، وصور المخالفة الإعلامية الصارخة لمعنى شهر الصوم، وأصبحوا عملاء الأسواق، والأبواق، لا يكادون يؤدون صلاة المغرب بعد إفطارهم، إلا وهم ينطلقون سراعاً إلى بيوتهم للاسترخاء أمام أفلام ومسلسلات التهريج والضحك، وسؤال في فم شهر الصيام يقول لهم بحرقة: أهذا هو معنى شهر الصيام عندكم أيّها المتخمون؟.

ثلاث صور مؤلمة، تعوّد عليها كثير من المسلمين حتى أصبح نقدها أو الحديث عن انحرافها وقبحها ضرباً من التعصّب والتحجّر عند من أصبحوا من ضحاياها.

هنا شعرت بأن نداء الأمم المتحدة الأخير لإنقاذ ثلاثة ملايين صومالي من الموت جوعاً سيذهب أدراج الرياح، وبأنّ صرخات الجائعين الخائفين المشردين في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من الجمهوريات الإسلامية في روسيا ستضيع، وتذهب أدراج الرّياح أيضاً، وهل تسمح التخمة والاسترخاء أمام فضائيات الغفلة بإيقاظ مشاعر وأحاسيس الغافلين؟؟.