الموضوع: ذكرى ليلة شتاء

ليلة شتاء

ذكرى ليلة شتاء
نظرت حولها استجمعت دهشتها وسعادتها كل ما حولها جميل ومشرق
هذه الحجرة الجميلة بألوانها المشرقة وفراشها الوردي الوثير
ووسادتها الطرية من ريش النعام والمرايا الكبيرة المصقولة اللامعة
التي تعكس صورتها الجميلة في كل الأنحاء وباقات الورد الرائعة تتناثر في كل الأركان ونظرت من نافذتها الجميلة عبر الستائر الوردية الهفهافة’ أزهار الفل البيضاء الجميلة نمت وعلت وتعانقت مع أزهار الياسمين تطل عليها من نافذتها وتبوح لها بأسرارها فتبادلها بالعبير وتهمس لها بسر الحياة0
وتجمعت بلابل خضراء وصفراء على النافذة وأخذت تعزف معا لحن الحياة وزهرة بنفسج صغيرة أطلت عليها من بين الزهور لتهمس لها بسرها الدفين وسر الحزن الذي يلف أوراقها الرقيقة
والورد تفتح عن أكمامه وباح بالأسرار بطيش وغرور 0وسرت نسمات الصبح المعطرة بأزهار البرتقال وقطرات الندى على الأوراق الندية تنبئ بطفولة الفجر
وصبا الصباح وشباب الضحى وعبير الروائح الزكية تعبق في المكان وعبير الزهور في الحديقة تدغدغ مشاعرها
وتذكرها بأيام الطفولة حين كانت تلعب مع أقرانها في ذلك الكرم البعيد حين كانت تتنقل كفراشة ملونة بين الأشجار العالية حيث تعانقت أشجار التين والعنب وحين كانت تعتلي ذلك التل الرملي ثم تنزل من أعلاه وصوت ضحكاتها وضحكات الأطفال تملأ الفضاء0وتنظر إلى البحر الذي يطل من بين أشجار النخيل بلونه اللازوردي البديع فتسبح لله خالق هذا الجمال0تسرح بخيالها في تلك الذكرى
وتبتسم لخيالها فتطيب نفسها وتهدا آهات الحزن في صدرها 0
وفي الشرفة الواسعة التي تطل على ذلك المرج المترامي الأطراف وقفت وحلقت روحها بعيدًا بعيداً
0ثم أمسكت بإبريقها البلوري وأخذت تسقي الأزهار التي تعشقها ومدت الأزهار شفاهها لتقبلها امتنانا وقطفت زهرة فل وشبكتها في شعرها الذهبي الجميل لتتباهى به ويتباهى بها،
ونظرت إلى المرج الأخضر أمامها البساط الأخضر الممتد الموشى بكل ألوان الجمال
وأشجار النخيل العالية التي تتسابق لتقبل السماء بألوانها المذهبة وخيوط الشمس الذهبية التي تسللت مع خيوط الفجر الأولى لتنشر الدفء والحياة 0
الكون كله سعيد وكأنه موسيقي عبقري يعزف مقطوعة موسيقية نادرة ويسبح للإله،ابتسمت للحياة فهي اليوم سعيدة يملؤها الفرح وتستخفها النشوة لها موعد معه مضى وقت طويل،آلمها طول الفراق،اليوم ستفرح معه ويكتب القدر نهاية جميلة لأحلى قصة حب ،انه الأمل كما تراه في خيالها وأحلامها ،شابا قويا فارسا شجاعا جميلا ،هو أقوى الفرسان وأشجع الشجعان وأجمل الفتيان ،كريم كالنهر،لطيف كالنسائم رقيق كالحمائم0
لها موعد معه باقي لموعدها معه ساعات،الدقائق تمر بطيئة كالساعات،والثواني تزحف كأنها مئات السلاحف،عبثت بساعتها، وكيف تعبث بزمن الصمت،
أمسكت قلمها، أرادت أن تكتب له ما لم تستطع قوله بلسانها،لم تجد ما تكتبه تطايرت الكلمات من رأسها كالعصافير فأغمضت عينيها تحاول أن تنام لتهرب من ثقل الساعات فلم يطاوعها النوم0
تقلبت في سريرها الوردي العريض الذي شهد على أحلامها وآمالها،نظرت إلى مرآتها أعجبت بصورتها في المرآة الوجه الجميل والعيون اللوزية الواسعة برموشها الطويلة كحراس الليل مشرعةً سهامهم،وخصلات شعرها الذهبي المتناثرة على جبينها الوضاء 0
إيه يا مرآتي الجميلة000
اليوم يومك كيف ترينني؟
أريد بريق الحب في عيني،ولون الحياة في وجنتي،ودفء الصيف في شفتي ولون الجمر في وجنتي،ولون الشروق في شعري المنسدل على كتفي، وإطلالة الربيع في جبيني000
فتحت خزانة ملابسها ونظرت إلى عشرات الثياب الحريرية الملونة000
ماذا ترتدي؟ أنت يا ثوبي الأزرق الجميل ،في لونك لون البحر، وفي نقاطك البيضاء لون أمواجه الهادرة ،وأنا أخاف البحر رغم حبي له وأخاف الموج 0
أنت يا ثوبي الأسود لونك لون عينيه ،ووردتك الحمراء الجميلة لون وجنتي عند اللقاء، في ملمسك الحريري خصلات شعره الجميل000
ولكنك لون الصمت 00وأنا أكره الصمت00
وأنت يا ثوبي الأحمر ،فيك دفء الحياة ووهج الجمر في ليلة باردة، وفيك لون الورد وعبيره00
ولكنك لون الضجيج ولا أحب الضجيج00
وأنت يا ثوبي الأصفر فيك لون الشروق ووهج الأصيل ، وفي طياتك عطر الليمون
ودفء شمس الضحى ،ولكنك لون المرض وصمت الموت0

وأنت يا ثوبي الجميل 00
في نقائك قلب حبيبي،وفي بريقك بريق عينيه الحبيبتين، وفي رقتك رقة طبعه في حلاوتك حلاوة منطقه، فيك رقة النسائم، ولون الحمائم 00
ياثوبي الجميل لها انت00
ارتدت ثوبها ورشات من عطرها الذي يحبه و لرغبة خفية في صدرها جمعت شعرها بمشبك ذهبي جميل 0واستعدت للقاء المرتقب0
ومرت الساعات00
في قلبها لهفة،وفي صدرها كثير من الحكايات،وصبوة، وشوق ، وتوق، كلها له وحده 0طارت إليه بأجنحة الشوق والحنين،عبر ذلك المرج الأخضر المترامي الأطراف،الزهور حولها تمد أعناقها إليها لتشاركها فرحتها بقرب اللقاء00وأشجار النخيل الممتدة على طول الطريق تبتسم لها وتظللها0
قرب الموعد ياحبيبي سأحكي لك وأشكو وأبكي على كتفك الحاني وألقي عن كاهلي بثقل ليالي الفراق وأيام البعاد0
0ها هو00 قلبها يرتجف خوفا ونشوة وفرحا 00وبدت طلعته البهية من بعيد جاء يعدو،وفي قلبه شوق وفي عينيه لهفة 0
التقيا وتشابكت منهما الأيدي والتقى قلباهما000
أحبك حبيبي،أنت ليلي ونهاري ،أنت كاسي ونشوتي وانبهاري،أنت أجمل أسراري،وعنفوان الحياة في شراييني،وربيع الورد في وجنتي، ولمعان الفرح في عيني0
ضمها إلى صدره، دفنت رأسها في عنقه، واستنشقت عبير أنفاسه العطرة ،مسح بيده الحانية على شعرها الجميل،المنسدل كشلال صغير من الذهب ومد يده إلى المشبك الذهبي وفكه00يريده حرا متمردا تتناثر خصلاته مع النسائم كطفل شقي00
ضمها بلطف ودفنت رأسها في صدره تستمع إلى دقات قلبه الحبيب وتملا صدرها بعطر أنفاسه فهدأت آهات الحزن في صدرها ،وغفت على صدره 00واستيقظت 00
أيقظتها خيوط الشمس الثلجية،التي احتلت نافذتها الخشبية بزجاجها المكسور وهواء بارد يهجم عليها من النافذة، فيرتعش جسها النحيل من البرد ، وارتجف قلبها من الألم00
الهواء البارد يكاد يجمد الدم في عروقها0
نظرت حولها،حجرتها الكئيبة بألوانها الباهتة ،وفراشها القديم الرقيق البالي بغطائه الممزق،ووسادتها القديمة التي يتمدد عليها شعرها الأسود كثوب حداد على سعادتها الهاربة0
كان حلماً إذن، والشمس الثلجية هي حقيقتها00
ومن نافذتها أطلت شجرة هرمة تساقطت أوراقها وجفت جذوعها ،وبجانبها يتمدد ثوبها الوحيد الذي كان يشكو منها ،وتشكو منه00
وأخذت ترتجف بردا وألماً 00بكت بحزن ومرارة00وبللت دموعها الحيرى وسادتها العتيقة0
ذهب الحبيب مع الحلم وذهب الحلم مع الكرى
ولم يبق من الذكرى إلا ذكراها
وليالي الشتاء الباردة0
بقلم 00آمال