يقولون: أصحاب العقول في راحة، ويرد عليهم البعض قائلين: لا، أصحاب (الحظوظ) هم الذين في راحة، وسبقهم جميعاً الشاعر ابن الرومي عندما قال:
إن للحظ كيمياء إذا ما / مس كلباً أحاله إنساناً
إلى درجة أن بعضهم يردد في الأمثال: «إديني حظ وارميني في البحر»، فهل الحظ صحيح؟! وهل هناك إنسان محظوظ وآخر منحوس، هكذا (لله في الله)؟!
بالنسبة لي لم أجرب الحظ ولم يجربني، ولا أريد أن أجربه ولا أن يجربني (تف عليك حامضة) ـ وحتى فرضاً لو أن ذلك حصل لي في غفلة من الزمن ـ فإنني أخشى على عروق قلبي من أن تتمزق من هول المفاجأة، وأنا لا أتصور ولا أتمنى أن أحمل لقب (المرحوم)، لأنني شغوف بالحياة إلى أبعد الحدود، ومتهافت عليها كما تتهافت الأكلة على قصعتها، ولو كان لي من الأمر شيء لجعلت اليوم بالنسبة لي أسبوعاً، والأسبوع شهراً، والشهر سنة، والسنة قرناً، وعمري لا يقل بأي حال من الأحوال عن عمر السلحفاة التي تعيش مئات الأعوام، ولكن هيهات هيهات (ربي عارف الشوكة وداقمها)، فأصبح اليوم في حياتي كأنه ساعة، والساعة كأنها دقيقة، والدقيقة كأنها ثانية، وعمري يضمحل من بين أصابعي كما يضمحل شعاع الشمس في وقت الغروب.
نعود للحظ (المنافق) للبعض، و(المتسلط) على البعض الآخر بدون أي سبب أو منطق أو عقل.
وإليكم هذا الحادث الذي وقفت عليه: فقد كان أحدهم يطلب ديناً من آخر، وهذا الآخر يماطله، وأخيراً فرض عليه فرضاً مجحفاً أن يقبل منه أرضاً بعيدة عن أي عمران لقاء تصفية الدين، وقبل على مضض هذا الحل المؤلم، وعندما أراد أن يبيعها بثمن زهيد رفض الجميع شراءها لأنهم اكتشفوا أن هناك خللا في صكها، واضطر المسكين الى أن يخوض في معاملة طويلة عريضة لتعديل أو تصحيح الصك، واستمرت هذه المعاملة 14 سنة كاملة، وعندما انتهى منها تماماً وتنفس الصعداء، حصلت (الطفرة) العقارية التي أعقبت حرب الخليج الثانية، مما جعل أرضه يتضاعف سعرها أكثر من عشرة أضعاف، وباعها بسعر أكثر مما كسبه طوال حياته، أما صاحبه المماطل فقد أخذ يضرب كفاً بكف.
* * *
عند بداية تعبثي بالكتابة، بعثت مقالة شاملة، ولم ينشرها المحرر ويا ليته اكتفى بذلك، ولكنه علق عليها قائلاً: إنها مقالة جيدة في كل شيء ما عدا في مسائل المنطق والسياسة والفن والأدب والاجتماع والاقتصاد وجميع العلوم الأخرى.
مقال مشعل السديري