أياما معدودات
الحمد لله المتفرد بالجلال والبقاء والعظمة والكبرياء والعز الذي لا يرام الواحد الأحد الفرد الصمد وفق من
شاء فآمن واستقام أحمدُه على نعمه الجسام وأشكره وأسأله حفظ نعمة الإسلام .
قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{183} أَيَّاماً
مَّعْدُودَاتٍ..." البقرة 183-184
( يا أيها الذين آمنوا) ناداهم بلفظ الإيمان ليحرك فيهم مشاعر الطاعة ويذكي فيهم جذوة الإيمان ، ( كتب عليكم الصيام ) أي
فرض عليكم صيام شهر رمضان ، ( كما كتب على الذين من قبلكم ) أي كما فرض على الأمم قبلكم
( لعلكم تتقون ) أي لتكونوا من المتقين لله المجتنبين لمحارمه ، ( أياما معدودات ) أي والصيام أيامه معدودات وهي أيام قلائل ،
فلم يفرض عليكم الدهر كله تخفيفا ورحمة بكم .
إن القرآن الكريم يود التعبير عن الكم النسبي لهذه الأيام, أي مجمل هذه الأيام إلى أيام السنة, فهذه الأيام وإن كانت تصل إلى
الثلاثين يوما, إلا أنها قليلة إذاقارناها بعدد أيام السنة .. فأين نحن من تلك الأيام القلائل ؟؟!!
هذه الكلمة أيها الأحبة " أياماً معدودات " تشعر بسرعة الانقضاء وقرب الرحيل فلا داعي لاستثقال لحظاته بل الواجب علينا أن
نعيش طاعة الوقت من صلاة وصيام وقيام وتلاوة للقرآن وكما قالوا كيف يفرح بالدنيا يومه يهدم شهره وشهره يهدم سنته
وسنته تهدم عمره وعمره يقوده إلى أجله وحياته تقوده إلى موته عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله – صلى الله عليه
وسلم - بمنكبي فقال " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " وكان ابن عمر يقول :-
" إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" أياماً معدودات " فأكثر من
ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات فيا له من زائر لا يعوقه عائق ولا يضرب دونه حجاب فلنعلم جميعا أن أنفاسناً تعد ورحالنا تشد
وعاريتنا ترد والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد وعلى أثر من سلف يمشى من خلف وما ثم إلا أمل مكذوب وأجل مكتوب
صعد أبو الدرداء درج مسجد دمشق فقال " يا أهل دمشق ألا تسمعون من أخ لكم ناصح إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرا
ويبنون شديدا ويأملون بعيدا فأصبح جمعهم بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرورا .
وكان يقول ثلاث أضحكتني حتى أبكتني طالب دنيا والموت يطلبه وضاحك ملء فيه ولا يدرى أرضى ربه أم أسخطه وغافل ليس
بمغفول عنه .
كان الإمام أحمد يقول : يا دار تخربين ويموت سكانك فمتى نفيق من غفوتنا وغفلتنا وإلا فالأيام تمر والصحائف تطوى
والأعمال ترفع لرب العالمين والناس في غفلاتهم وإنا لله وإنا إليه راجعون فاعمل أيها الموحد في أيامك المعدودة قبل أن تقول يا
حسرتا على ما فرطت في جنب الله أو تنادى بأعلى صوتك تقول هل إلى مرد من سبيل .
" أياماً معدودات " فوجودك في هذه الدنيا على وجه الأرض أياماً معدودات بجانب حياتك تحت أطباق الثرى بل وجودك تحت التراب
أياماً معدودات . بجانب خلودك في الجنة . يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت .
إخواني لقد فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي عقل فرحا فلعلك تنطق كما نطق عمر بن عبد العزيز وتقول
" قبور خرقت الأكفان ومزقت الأبدان ومصت الدم وأكلت اللحم ترى ما صنعت بهم الديدان محت الألوان وعفرت الوجوه وكسرت
الفقار وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء .
ترى أليس الليل والنهار عليهم سواء . كم من ناعم وناعمة
أصبحوا وجوههم باليه وأجسادهم على أعناقهم نائية قد سالت الحدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دماً وصديداً وعادت العظام
رميماً قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعة إلى المضائق ثم راح ينادى يا ساكن القبر والذي غرك من الدنيا أين دارك الفيحاء أين
رقاق ثيابك ".
المراجع : * صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني /ج1
*أرواء الضمآن .. من دروس رمضان لشريف الفقي
سؤالي اللقاء الثاني
1/ هل يصح تطوع الصيام قبل صيام قضاء رمضان ؟
2/ هل من تطوع بصوم ثم لم يتمه هل يأثم وهل عليه قضاؤه ؟