النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: اثنان في مقبرة المحرق

  1. #1
    الصورة الرمزية جعفر الخابوري
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    07- 2004
    العمر
    54
    المشاركات
    882

    اثنان في مقبرة المحرق

    اثنان في مقبرة المحرق
    من مفارقات القدر أن يحتشد مئات من الناس ظهر يوم الأحد من الأسبوع الماضي في مقبرة المحرق ليهيلوا التراب على جثامين شخصين اثنين: أحدهما في الثمانين من عمره بينما الآخر لم يتعدّ خمس وعشرين ربيعاً من سني حياته. وتضع هذه الجموع هذين الجثمانين في لحدين لا يفصل بينهما شيء ثم يصفّون عليهما لبنات الطوب والطين وينهال التراب عليهما.
    لقد توفي محمد عبدالله فلامرزي عن عمر ناهز الثمانين عاماً وقدّر المولى عز وجل أن تُشيع في ذات الوقت جنازة أخرى لشاب في مقتبل عمره هو عبدالعزيز أحمد محمود الكوهجي ابن الخمسة والعشرين عاماً! ومات الأول ذو الثمانين عاماً بسبب مرض لم يمهله كثيراً في حين ودّعنا الثاني فجأة بلا مرض ولا حادث ولا سابق ألم. رحمهما الله رحمة واسعة واسكنهما فسيح جناته. هكذا هي نهاية الدنيا، وحقيقة الحياة، ومصيبة الموت التي لاتقدّم الشيوخ على الشباب ولا الشباب على الشيوخ، بل من جاءه أجله رحل، وتركنا نحن أبناء هذه الدنيا وفي عيوننا عبرة وفي قلوبنا حسرة وغصّة. إنها دنيانا التي أشغلتنا حاجاتها فلا يطرأ علينا طارئ الموت، ولا ذكرى الراحلين، ولا مشهد هذه القبور التي تملأ الرحب، نعيش فيها كالمخلّدين الذين لا يتوقعون فراقها ومغادرتها. وقد كتب الشـيخ الأديب على الطنطاوي رحمـه الله في إحــدى روائعه بعنوان «كلنا نموت«: «هل رأى أحد منكم يوماً جنازة؟ هل تعرفون رجلاً كان إذا مشى رجّ الأرض، وإن تكلم ملأ الأسماع، وإن غضب راع القلوب، جاءت عليه لحظة فإذا هو جسد بلا روح، و إذا هو لا يدفع عن نفسه ذبابة، ولا يمتنع من جرو كلب؟!! هل سمعتم بفتاة كانت فتنة القلب وبهجة النظر، تفيض بالجمـال والشــباب، وتنثر السحر والفتون، تبذل الأموال في قبلة من شفتيها المطبقتين كزر ورد أحمر، وتراق الكبرياء على ساقيها القائمتين كعمودين من المرمر، جاءت عليها لحظة فإذا هي قد آلت إلى النتن والبلى، ورتع الدود في هذا الجسد الذي كان قبلة عُبّاد الجمال، وأكل ذلك الثغر الذي كانت القبلة منه تشترى بكنوز الأموال؟!! هل قرأتم في كتب التاريخ عن جبار كانت ترتجف من خوفه قلوب الأبطال، ويرتاع من هيبته فحول الرجال، لا يجسر أحد على رفع النظر إليه، أو تأمل بياض عينيه، قوله إن قال شرع، و أمره إن أمر قضاء، صار جسده تراباً تطؤه الأقدام؟! «هل مررتم على هذه الأماكن، التي فيها النباتات الصغيرة، تقوم عليها شواهد من الحجر، تلك التي يقال لها المقابر؟!! فلماذا لا تصدقون بعد هذا كله، أنّ في الدنيا موتاً؟!. لماذا تقرؤون المواعظ، وتسمعون النذر فتظنون أنها لغيركم؟ وترون الجنائز وتمشون فيها فتتحدثون حديث الدنيا، وتفتحون سير الأمال والأماني.. كأنكم لن تموتوا كما مات هؤلاء الذين تمشـون في جنائزهم، وكأن هؤلاء الأموات ما كانوا يوماً أحياء مثلكم، في قلوبهم آمال أكبر من آمالكم، ومطامع أبعد من مطامعكم؟. لماذا يطغى بسلطانه صاحب السلطان، ويتكبر ويتجبر يحسب أنها تدوم له؟ إنها لا تدوم الدنيا لأحد، ولو دامت لأحد قبله ما وصلت إليه. ولقد وطئ ظهر الأرض من هم أشد بطشاً، وأقوى قوة، وأعظم سلطاناً؟ فما هي... حتى واراهم بطنها فنسي الناس أسماءهم!. يغتر بغناه الغني، وبقوته القوي، وبشبابه الشاب، وبصحته الصحيح، يظن أن ذلك يبقى له... و هيهات..!

  2. #2
    مشكور اخوي جعفر الخابوري

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML