النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: ........ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ..........

  1. #1
    الصورة الرمزية كلمة حق
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    12- 2004
    المشاركات
    1,331

    ........ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ..........

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..



    قال المباركفوري في بحثه القيم الرحيق المختوم :

    "ولما فشلت قريش في مفاوضتهم المبنية على الإغراء والترغيب ، والتهديد والترهيب ، وخاب أبو جهل
    فيما أبداه من الرعونة وقصد الفتك ، تيقظت فيهم رغبة الوصول إلى حل حصيف ينقذهم عما هم فيه ، ولم
    يكونوا يجزمون أن النبي صلى الله عليه وسلم على باطل ، بل كانوا – كما قال الله تعالى -
    ( لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) .
    فرأوا أن يساوموه صلى الله عليه وسلم في أمور الدين ، ويلتقوا به في منتصف الطريق .
    فيتركوا بعض ما هم عليه ، ويطالبوا النبي صلى الله عليه وسلم بترك بعض ما هو عليه ، وظنوا أنهم
    بهذا الطريق سيصيبون الحق ، وإن كان ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم حقاً .

    روى ابن إسحق بسنده ، قال : اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو يطوف بالكعبة –
    الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي
    - وكانوا ذوي أسنان في قومهم – فقالوا : يا محمد ! هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك
    نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد
    خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه ، فأنزل الله تعالى فيهم :
    { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } السورة كلها .

    وأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن عباس أن قريشاً قالت : لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك .
    فأنزل الله { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } السورة كلها .

    وأخرج ابن جرير وغيره عنه أن قريشاً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : تعبد آلهتنا سنة .
    ونعبد إلهك سنة ، فأنزل الله {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ }الزمر64. " أهـ .

    مما سبق يتضح لنا كيف أن الله سبحانه وتعالى حسم هذه المفاوضة المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة

    فدعوى الحوار هذه سبق بها مشركو قريش ، فالكفار دائماً حين تظهر لهم قوة الدعوة وقوة شكيمة

    من يقوم بها ويدعوا إليها ويصدع بالحق المبين ، يلجأون إلى بنيات الطريق لتمييعها ، ومن عجب

    أنك تجد المسلمين اليوم هم من يدعون للحوار وتقديم التنازلات مع أن الكفار هم الذين يذبحون فيهم

    ويشردون بهم ، لكن لما يمموا شطر المدنية وقاسوا الحياة بالماديات وسعوا في تعمير الدنيا وبهارجها

    زلوا في هذا الحضيض مع أنهم يملكون أسباب القوة المعنوية التي يفتقدها الكفار.

    بمقارنة بسيطة بين ما سبق وبين حالنا اليوم نجد عجباً عجاباً ، فقريش لما رأت ثبات

    النبي صلى الله عليه وسلم تنازلت عن كبريائها و رضت أن يستلم النبي صلى الله عليه وسلم آلهتها

    ليعبدوا الله الواحد الأحد في محاولة منها لحرف هذه الدعوة عن مسارها وتفريغ جوهرها من حقيقته

    وهي توحيد الله وعبادته حق العبادة وحده لا شريك له ولا ند ولا مثيل ولا شبيه ، فجاء الأمر واضحاً

    قاطعاً مفاصلاً بين الحق والباطل وأنزل الله في هذا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة ليعمل به و يقتدى

    بفعل من أُمِر وأنِزل عليه ، و لا حظوا مطلب قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستلم آلهتهم فقط

    فأين نحن اليوم من أولئك الذين يسعون إلى اليهود و النصارى ويدخلونهم في دين الله لا بالإسلام بل

    بإقرارهم على باطلهم فيقول قائلهم " نحن مؤمنون بالله وهم مؤمنون من وجه آخر " ويقولون

    بالدعوة إلى الإسلام الإبراهيمي الذي هو في حقيقته تمييع لحدود عقيدتنا فيستطيع الكافر أن يبقى

    على دينه لأن أحبار الضلالة أقروه عليه وقطعوا له بالجنة ، والمصيبة الأكبر أنه يجوز للمسلم أن يبدل

    دينه ويتنصر أو يتهود وليس عليه شيء فهو تحول فقط من دين إلى دين فالديانات جوهرها واحد

    بزعمهم ، وليس في ذلك ردة ولا تبعة ، كل هذا ولم يتعرضوا لكير الشدائد ، ولم يذوقوا طعم السوط

    ولا حر السجن ، ولا ألم الذل وكسر النفس ، وبعد هذا يقولون أنهم يدعون إلى الإسلام وإلى سنة

    النبي صلى الله عليه وسلم .

    إن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة ضرب لهذه الأمة مثل الثبات على الدين ، حين تكون المعركة

    بين الحق والباطل في ساحة الأخذ والرد أو ما يسمى بساحة الجدل أو ساحة المعركة الفكرية بالمصطلحات

    الحديثة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة التي يسميها فقهاء الانبطاح المرحلة الاستضعاف ، و بها

    يخذلون الأمة ويخدرونها حتى لا تقوم بواجبها نحو دينها ومقدساتها ، كان صادعاً بالحق لا يماري ولا

    يداهن ، واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار بل أشد ، يدعو باللين والرفق ، وبالحجة والدليل ،

    وبطيب المعاملة وحسن الخلق ، فهل رضي منه مشركو مكة بهذا ، إن الكفار وأهل الباطل بعمومهم ، يعلمون

    أن دعوة الحق تهدم بنيان باطلهم ، ويعلمون أن دعوة الحق تنتصف للضعيف من القوي ، وتأخذ من غنيهم

    ما يطهر به فترده على فقيرهم فيسعد به ، وتجعل السلطان في من يستحقه بالتقوى ولو كان أذلهم

    وأحقرهم وأقلهم مالاً وأدناهم منزلة ، لذلك لا يستطيعون التعايش معها ولا التأقلم مع واقعها لأنها

    تدعوا للتواضع وهم يحبون البطر ، وهي تدعو للمساواة بين المسلمين المؤمنين ، وهم يحبون العلو وأن

    تكون هنالك طبقات في المجتمع ليسهل التلاعب وتفريق الناس وتحزيبهم إلى فرق وجماعات

    أشتات أشتات .

    إن مشركي قريش ثاروا في وجه هذا الحق وهذا الخير والمعركة لم تزل معركة جدال وأخذ ورد ، ثاروا

    والمعركة فكرية الغلبة فيها للحجة الداحضة ، فتارة يتحرشون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وتارة أخرى

    يؤلبون عليه سفهاءهم ، ويكذبونه ، ويتهمونه بالاتهامات الباطلة ، ويصفونه بصفات النقص والتحقير وهو

    أشرفهم ، وهو حين ذاك في حال ضعف وقلة نصير ولم يؤمر بقتال فيدفع عن نفسه أذى من يؤذيه ، فماذا

    فعل صلى الله عليه وسلم ثبت ثباتاً حكاه الدهر وصار ديناً يتعبد الناس بروايته ويذرفون الدمع إذ يطّلعون

    على سيرته الشريفة ، وصار مثلاً يحتذي به من سار في هذا الطريق وهو يقصد وجه ربه الأعلى ، جاء

    في الرحيق المختوم " صفحة 102 " :

    " قريش يهددون أبا طالب :

    وجاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له : يا أبا طالب ! إن لك سنَّاً وشرفاً ومنزلة ً فينا . وإنا قد

    استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله ! لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا ،

    وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين .

    عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له :

    يا ابن أخي ! إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا ، فأبق علىَّ وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر

    ما لا أطيق ، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه خاذله ، وأنه ضعف عن نصرته ،فقال :

    يا عم ! والله ! لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر

    – حتى يظهره الله أو أهلك فيه – ما تركته ، ثم استعبر وبكى وقام ، فلما ولى ناداه أبو طالب ، فلما

    أقبل قال له : اذهب يا ابن أخي ! فقل ما أحببت ، فو الله لا أسلمك لشيء أبداً ، وأنشد :

    والله ! لن يصلوا إليك بجمعهم *** حتى أوسد في التراب دفيناً


    فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة *** وابشر وقرِّ بذاك منك عيوناً
    " أهـ

    فانظروا يا عباد الله كيف ثبت الكافر بثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه درس التاريخ لأولئك

    الذين يقدمون التنازلات وهم في خضم المعركة الفكرية ، لقد قررت قريش نزال النبي صلى الله عليه وسلم

    وهددت بذلك وأرهبت ، بل ونزال من يناصره فهل قال أحني رأسي للعاصفة أو لا أستخدم معهم مصطلحات

    إقصائية لئلا ينفروا من الدعوة ، لا بل قرر خوض المعركة لوحده ولو خذله أقرب الأقربين إليه ، بل ضرب

    لهم مثلاً بشيء لا يتصورونه ، فمن يتصور أن توضع الشمس والقمر عن يمينه ويساره ، هذا الثبات

    الفكري هزم المشركين نفسياً وأفنى حججهم بآيات الله البينات ، فلجأوا إلى أذيته ومحاولة الاعتداء عليه

    وقتله ، ورسول الله في كل ذلك صابر ثابت ، حتى جاء اليوم الذي عرف فيه القوم أن الأمر جد ، وأن

    حسن الخلق والحوار والمجادلة والصبر على الأذى له حدود ، وأن الأمر ليس ضعفاً منه صلى الله عليه وسلم

    بل إن أمر المناجذة لم ينزل بعد ، وأن الأمر لو استمر على هذا الحال يصبر عليهم ويتمادون في غيهم ،

    فهذا الأمر عاقبته شيء واحد هو الذبح ، جاء النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت الحرام ، فغمزه

    القوم ببعض القول فعرف في وجهه ، ثم عادوا للثانية ففعلت مثل سابقتها فلما ثلثوها ، أقبل عليهم

    وقال ": يا معشر قريش ! أتسمعون أما والذي نفسي بيده ! لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته حتى

    ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع ، حتى أن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد ، ويقول :

    انصرف يا أبا القاسم ! فو الله ! ما كنت جهولاً " الرحيق المختوم .

    إذن الصبر من لوازم الدعوة ، و حسن الخلق كذلك ، فإن لم ينفعا فالذبح مصير من يقف في طريقها ، وليس

    في الأمر تنازلات ولا حوار والدعوة والأمة تسامان الخسف ، فالأمر الرباني واضح " لكم دينكم ولي دين " .

    مما سبق يمكننا أن نستنتج شيئاً عظيماً وكبيراً ، أنه لو اجتمع كل من بأقطارها ليصرفوا هذه الدعوة

    عن مسارها لن يستطيعوا ، فهذه النماذج من سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وإلا لو

    توسعنا لم تسعنا الصفحات ، هذا ولم نذكر قصة خليل الله إبراهيم عليه السلام و تحطيمه للأصنام وإلقائه

    في النار وهو فرد واحد والملأ من قومه على خلاف عقيدته ، ولم نذكر قصة لوط عليه السلام ومحاصرته

    في داره ومراودته عن ضيفه وثباته في ذلك ، ولم نذكر قصة موسى كليم الله عليه السلام مع فرعون

    وصبره وثباته على قسوة عدوه وطغيانه وضلال قومه وخروجهم عن شريعته ، فالنماذج كثيرة في

    أنبياء الله تعالى وأصفياءه والخيرة من خلقه ، لكن لما كان الإنسان أكثر شيء جدلاً ، قد يقول قائل

    أولئك أنبياء الله أمدهم الله بالحجج والبراهين وثبتهم وأفرغ عليهم صبراً ليتحملوا البلاء والابتلاء

    ليضربوا هذه الأمثال فيقتدي بها الناس من بعدهم ، فنقول وكذلك من اقتفى آثارهم واستن بسنتهم

    في الصبر والثبات ، يمده الله بالحجج والبراهين ويفرغ عليه من الصبر ما يبدد به ألم العذاب ومر الاضطهاد .

    هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يثبته الله يوم

    ارتد الناس وأحاط الطامعون بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم ، فكان أهلاً لهذه المهمة ، وبقى على

    الأصل لم يبدل ولم يغير حتى انجلت الغمة وانكشفت الملمة ، وعادت جزيرة العرب إلى حظيرة التوحيد

    فرضي الله عن خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء اللهم ارض عنه وأحشرنا معه ، ثم جاء خلفه

    الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضي عنه ، فثبته الله يوم تمالأ الناس على القول بخلق القرآن ،

    وسار بذلك الفقهاء ومن انتسب إلى العلم ممن شابت عقيدتهم الشوائب ، واستذلتهم الدنيا فدانوا بدين

    الملك و طلبوا رضا السلطان بسخط الله تعالى ، وسكت فيها من سكت خشية السيف والسوط ، فثبت لها

    المقدام ثبات الرواسي الشم ، حتى تبدد ظلامها بشمس الحق ونور السنة ، فكان جبلاً وكانت وعلاً ،

    فأوهى قرنه الوعل حين ناطح جبل السنة الأشم ، حتى قال قائلهم ثبت الله الدين بأبي بكر يوم الردة

    وبأحمد في فتنة خلق القرآن ، فاللهم ارحمه وأسكنه فسيح جناتك واجعلنا ممن يسيرون على نهجه

    وطريقته وأحشرنا معه ، وهذا تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية ، ثبته الله يوم فرّ الناس و تركوا

    الدور و القصور كأنها أطلالاً خربة ينعق فيها البوم ، فترك مجلس العلم وامتشق سيفه وحرض وقاتل

    حتى تفرق شمل المعتدين وظهر بيرق السنة ورفرف لواء الإسلام عالياً خفاقاً ، و في كل حالة كان

    هؤلاء الشم منارات يهتدي بها السائرين والسالكين ، رغم تحزب الباطل ومن يفتي له ، ورغم تكتل الباطل

    وقوته وإمكانياته ، لكنها الثقة بصحة المنهج ، وسلامة المعتقد ، ومن قبل ومن بعد الثقة في وعد

    الله تعالى للمؤمنين المخلصين الصادعين بالحق والناصرين له بالنصر المبين ، إن هم ثبتوا على الدين

    وأرادوا تحقيقه وإقامته كما أمر الله به .

    إن هذه الآية لحري بنا أن نضعها نصب أعيننا وأن نجعلها مجهراً ننظر به في الأمور ، وشارة وشعاراً

    نحملها في كل مكان ليعلم العالم أجمع تميزنا ، وأننا في عقيدتنا لا نحابي ولا نداهن ولا نقبل الحلول

    الوسط والمناطق الرمادية بل هو كفر أو إيمان ، لا نعرف النفاق ولا الوفاق ، فليس بين الكفر والإيمان

    والحق والباطل توافق أو مناطق التقاء أو مقاربة في وجهات النظر ، إما أن تكون لنا أو تكون لهم ،

    وسأضرب مثلاً يدلل على فهم الرعيل الأول للوازم هذه العقيدة ومن ثم التعامل بها وبمصطلحاتها ومن

    أول ساعة بعد النطق بالشهادة والرضا بالله الواحد رباً ، جاء في صحيح البخاري 87

    " ..... إن وفد بني عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال من الوفد ؟ أو " من القوم ؟"
    قالوا ربيعة ، فقال مرحباً بالقوم ، أو " بالوفد غير خزايا و لا ندامى " قالوا : إنا أتيناك من شقة بعيدة
    وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام ...." .

    فهؤلاء القوم رضي الله عنهم وأرضاهم من الصحب الكرام ، ما كان بينهم وبين

    رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا هذه اللحظات وهذه الكلمات حتى طبقوا عقيدة الولاء والبراء

    وأستعلنوا ببراءتهم من الكافرين دون كثير كلام عن التعايش بل مفاصلة من أول الأمر ، و جاء كلامهم

    موافقاً للآية " لكم دينكم ولي دين " ، فالكافر هو الكافر لا يرفع من شأنه ولا يرقق له إلا إذا أردنا

    دعوته فإن أبى كان السيف أولى من يتحدث معه .

    كما أن من الحكمة في الدعوة وضع كل شيء في محله ، فاللين في مكان اللين والشدة في مكانها ، أما

    أن ينبطح الناس هكذا بلا إظهار لعزة الإسلام ولا منعته و تجذره في قلوب من يدعون إلى الله ، فبهذا

    تحدث الفتنة سواء للعوام من الناس أو الخواص ، فالعوام بأن هذا المنبطح إنما كان يجعجع لأنه يطلب

    الدنيا وبهذا يساء الظن بكل من يدعو إلى الله أنه لا يثبت حين يتعرض للمحنة لفساد نيته ، والخواص

    يتأولون أنه مكره وهذا يفت في عضدهم فيتأولون مثله ويتابعونه في غيه وضلاله ، فلا يأخذون بالعزيمة

    والصبر ولا يناصحونه لمكانته عندهم وبهذا تعم البلوى وهذا حاصل مشاهد

    ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

    ومن الحكمة أكثر أن يعلم الدعاة إلى الله والمجاهدون وعوام المسلمين ، أننا في آخر الزمان ومن علاماته

    كثرة الفساد والشر وقلة التقوى وضعف الأمانة ، فعليهم ألا يتوقعوا من الناس موافقة لهم ، ولا هم

    عليهم السعي في إرضاء الناس جميعهم بل عليهم بتطبيق شرع الله ما أمكنهم ودعوة الناس إلى ذلك

    وترغيبهم وحمل من يقارع الدعوة ويقف في طريقها حملاً وأطره عليها أطرا ، فالأصل في كثرة الناس

    وإرادة طاعتهم هو الضلال كما قال ربنا سبحانه وتعالى :
    { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116

    لأنهم إنما يريدون تسيير الأمور بأهوائهم وتحكيم زبالات أذهانهم وحثالات أفكارهم ، بل عليهم أن

    يعلموا أكثر أن الثبات على الطريق يثبت الله به ضعفاء القلوب وينير به على المظلمين الدروب ، ويرفع به

    عن المضطهدين الكروب ، فهذه الدعوة مهما أراد الطغاة لها أن تأفل لن يستطيعوا ذلك ، ومهما أرادوا

    للناس أن يتركوا دينهم لن يستطيعوا ذلك ، قد تضل فئات وتتنكب فئات الطريق المستقيم وتوافق فئات

    مداهنة ومجاملة وأخرى خوفاً ورهبة ، ولكن فئات تأبى إلا أن يكون الدين كله لله تعالى وأن تكون

    كلمة الله هي العليا ، فهذه إما أن تهاجر في أرض الله لتجد مراغماً كثيرة وسعة وتعبد الله على بصيرة

    من أمرها إقتداء بفعل نبيها صلى الله عليه وسلم حتى يفتح الله عليها بالجهاد أو سيادة حكم الشرع

    على أرضه سبحانه ، وإما أن تصبر وتصدع بالحق إنتظاراً لوعد الله الحق بإتمام نوره

    { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } التوبة32

    وقوله { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }الصف8 .

    إن هذا الدين لم يعتمد في يوم ما على الكثرة والحشود ، ولم يعتمد على الماديات كأساس يمكنه من

    الانطلاق لتبليغ دعوة الله تعالى ، بل كان الاعتماد بعد الله تعالى على الإيمان به سبحانه ، وكلما ارتقى

    الإيمان زادت التكاليف واستعذب الدعاة إلى الله والمجاهدون في سبيله صعوبة الطريق وزادت همتهم

    ليصل هذا الدين ما زوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرض ، وليدخل كل بيت مدر ووبر

    بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز به الله الإسلام وأهله وذلاً يذل به الله الكفر وأهله ، هذا الاعتماد

    يرفع من المسؤولية الفردية ، فقلة هي التي تنقذ الموقف وقلة هي التي تصبر ليأتي نصر الله والفتح ،

    وقلة هي التي تتولى عن الأمة مجابهة الصائل ورد عدوانه ، ودمغ رأسه وتفتيت خططه وتبديد شمله

    بعد معونة الله لها ، وحري بنا أن نترسم خطى هذه القلة وأن نقتفي أثر هذه الثلة ، وأن نحدث أنفسنا

    أن نتشبه بهم فالتشبه بالكرام فلاح ، ودين الله لا يحتاج لأي منا بل نحن نحتاج إليه والله هو الغني

    ونحن الفقراء إلى نعمه ومننه ورحمته ، ولكن الله ربط لنا نصرتنا له بنصره لنا لينظر من يريد نصر الله

    ودينه ومن يريدها سبيل الاعوجاج وبنيات الطرق

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7

    فنصر الله لنا وتثبيته لأقدامنا يكون بثباتنا لعدونا وعدم فرارنا منه ، ويكون بتثبيت دعائم دعوتنا

    وعدم تأثرها بهزات أكاذيب وإشاعات المرجفين ولا بتنصل المتخاذلين عن تحمل التكاليف ، وفوق هذا

    رضوان الله عن الذين يحملون هذا الهم ، ورفع ذكرهم وتخليد سيرهم جزاءاً لهم بما صبروا عليه من

    لأواء الطريق وشدة المعارضة وألم المفاصلة والمفارقة وقطع علائق الدنيا والتراب ووصل وشائج

    الأخوة في الله التي تفرضها رحم الإيمان بالله تعالى على كل مؤمن به متبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

    اللهم ثبتنا على الحق والدين ، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، اللهم أعنا ولا تعن علينا

    وثبتنا ولا تفتنا وإذا أردت الناس بفتنة فاقبضنا إليك غير مبدلين ولا مغيرين ، اللهم انصر من نصر دينك

    واخذل من خذل دينك وخذّل عن نصرة أوليائك وسعى في تبديد جهودهم وتوهين عزمهم ، اللهم رد كيد

    الكفرة والمرتدين وعملائهم ومن شايعهم من طلاب الدنيا إلى نحورهم ، اللهم وفق قادتنا لما تحبه وترضاه

    فلقد رفعوا بعد منتك عليهم وعلينا الضيم عنا ، اللهم وثبت إخواننا المجاهدين وارفع لواء الحق المبين

    وأجعل منازل شهدائهم في عليين وفك أسرانا وجميع أسرى المسلمين .

    والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

    والحمد لله رب العالمين



    منقول



  2. #2
    الصورة الرمزية عاشق السمراء
    Title
    "رجل عادي جدا"
    تاريخ التسجيل
    05- 2002
    المشاركات
    21,307
    مسااااااااء جميل ...

    كلمة حق ..
    نقل له فائدته ....... شكرا لك على هذا التوضيح !!

  3. #3
    الصورة الرمزية كلمة حق
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    12- 2004
    المشاركات
    1,331
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أخي الفاضل عاشق السمراء


    ارجو ان يكون ذو فائده بارك الله بك

    وارجو ان نصل لحقيقة

    الحق حق

    والباطل باطل

    وتلوينهما لن يؤدي بنا سوى لمزيد من التفكك والانقسام

    وبعد عما جاء به الحبيب المصطفى عليه افضل الصلاة واتم التسليم

    جزاك المولى عزوجل خير الجزاء على تشريفي بمرورك الكريم.

  4. #4
    الصورة الرمزية مخاوي الليل2
    Title
    نبض جديــد
    تاريخ التسجيل
    03- 2006
    المشاركات
    108
    نعم يجب ان نصل الى كلمة الحق حق

    والباطل باطل وتظهر الحقائق

    ويعم الخير وتزول الكراهيه

    وتنهض امة محمد من سباتها العميق


    ويظهر نور الاسلام من جديد اي يقوى نوره ويزداد

    باهل التقوى والمجاهدين

    وبارك الله فيكم


    وشكرا لك وعلى هذا الجهد المبذول





    مخاوي
    نصور

  5. #5
    الصورة الرمزية كلمة حق
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    12- 2004
    المشاركات
    1,331
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    أخي الفاضل مخاوي الليل 2


    لا فض فوك بارك الله بك

    جزاك المولى عزوجل خير الجزاء على تشريفي بمرورك الكريم.

  6. #6
    الصورة الرمزية خلود
    Title
    نبض متألـق
    تاريخ التسجيل
    04- 2003
    المشاركات
    3,905
    جزاك الله خيراخوي على التوضيح

  7. #7
    الصورة الرمزية أخت الرجال
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    04- 2006
    المشاركات
    1,035
    بارك الله فيك اخوي

    ويعطيك العافيه

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML