في ذكرى الخطو الأول نحو قلبك م ب



ها أنت تحمل بين أناملك هذه الوريقات الصغيرة ، متلهفا لمعرفة ما تخفيه سطورها. وهاأنت تبدأ القراءة بفضول معتقدا أول الأمر أن ما تقرأه ما هو إلا قصة من نسج الخيال ، غير أنها ليست كذلك بالمرة.. فتسأل باندهاش :
ما معنى هذه المقدمة الغريبـــــــة ؟
وقبل أن تبحث عن الجواب استرخي في جلستك جيدا.. افرغ دماغك من كل هموم الدنيا ، واجعل نصب عينيك فكرة واحدة هي أنك وحدك في المكان الذي تتواجد به الآن..
إنك في انعزال تام عن الوجود.. أنت الآن موجود في فراغ.. همك الوحيد معرفة ما حكاية هاته القصة القصيرة.أعلم أن ذلك يبدوا لك مستحيلا.. غير أنه بمقدورك أن تصل إلى كل ما تريد.. المهم أقنع نفسك بذلك..
حاول .. حاول..لا تيأس..حاول..
الآن ارفع الصفحات نحو وجهك حتى تغطيه كلية.. أنظر إليها بتركيز بإمعان .. المعاني تنكشف لك بكل وضوح..
الآن فقط أنت تقرأ.. تطالع و تطالع.. فتسأل:
أهذه قصة قصيرة أم رسالة؟
الجواب سهل يكفي أن تواصل القراءة لتكتشف حقيقة ما تقرأ.. إذن ما عليك إلا أن تقرأ.. فاقرأ دون توقف.. اقرأ وتخيل أن ما تقرأه يحدث الآن أمام عينيك و لا أحد سواك يبصر ما تبصر..
الآن أنت وحدك تجلس في هذه الربوة البعيدة عن ضوضاء المدينة و رائحة الإسمنت و البنزين.. البعيدة عن نفاق البشر..
أنت الآن وحدك في هذه الربوة الخضراء تقتعد هذه الصخرة الضاربة في الزمن و المتواجدة تحت هذه الشجرة الفتية القائمة بجلال و اعتزاز..
كل ما تسمعه صوت الصمت و تغار يد عصفورين يستقبلان تنهيدة فجر راحل.
لمسة الهواء البارد تغازل إهابك فتنعشه.. ترفع نظرك إلى السماء.. تلمح آخر نجم يودع وجه الأرض.. تتأمله.. تتأمله.. ثم تبتسم آخذا نفسا عميقا و كأنك لم تستنشق الهواء من قبل.. تحسه يتسلل إلى رئتيك باردا منعشا.. فتشده في صدرك بقوة.. تغمض عينيك وتتحسس برودته في رئتيك.. تتحسسه.. يشعرك بشيء غريب عنك.. بشيء أشبه ما يكون بالفرح .. لكنه ليس هو ، بل أعظم و أجمل.. إنها هي.. نعم.. هي.. السعادة.. فتبتسم و تبتسم..
لم تكن تعتقد أنه ستأتي عليك لحظة هاربة من الزمن الأول لتطوقك بأكاليل البهجة الأبدية ، و بكل ما تملكه من حنان و دفء..
الآن تشعر أن السعادة أضحت ملكا لك ، و أنك أول ملاك خلقه الله ، و تركه يلعب بمرح طفولي في رياض الجنة.. أول طائر مدّ جناحيه وحلّق بين السماء و الأرض.. أجل إنك صورة لكل الأشياء الجميلة ، لكل الأشياء الرقيقة المفرحة..
وربما لهذا خفقت هاته النشوة الساحرة تتجول دون استئذان في شرايينك فترعشها وتداعبها بأناملها الغضة الطرية..
تنهض من على الصخرة.. تتمطط و تتمطط ، ثم ترسل نظرك إلى أفق البحر الممدد أمامك في استرخاء تام أين أطلت جبهة الشمس ، و حلق نور سان في حلم بدائي..
تتأمل المنظر و تتأمله.. تعب منه و تظل عطشانا ، كأنك لأمل مرة تراه.. تسحرك رو منسيته أليس كذاك؟ تشعرك بالحنان و رقة أحلى ذكرى ، و أجمل لحظة عشتها ذات يوم ، لحظة اختزلت عمرك كله ، بل و أجمل أحلامك..
هاأنت الآن تتذكرها.. تغمض عينيك و تتذكرها.. تحاول جاهدا استرجاع تفاصيلها و كل جز يأتها .. ها هي تلملم شتاتها.. اللحظة الذكرى خفقت تتشكل، تتشكل ، تتشكل..
ما أروعها.. إنها هي .. تحياها من جديد كأنك لأول مرة تعيشها.. عدت من حيث بدأت.. من أول مشهد.. ياه ، كم أنت الآن سعيد سعيد ، على الرغم من هذا الحزن المتفجر اللحظة من بين عينيك النائمتين بعصاه يهش دمعتيه السارحتين فوق خذيك بمرح وفرح..
تبتسم و عيناك نائمتين.. تبتسم.. تضحك و عيناك لا تزالان نائمتين.. تفضل البقاء هناك.. ترفض بكل إصرار و عناد العودة.. الذكرى رائعة رائعة.. كم تتمنى أن لا تفيق ، و أن يتوقف الزمن هاهنا، فتحيى بقية عمرك بين أكنافه..
أنت الآن سعيد سعيد ، عيناك لا تزالان مغمضتين ..
الآن فقط تتذكر أن القصة هاته ما هي إلا قصتك.. نعم ، حكاية أجمل لحظة في حياتك ، و أنت من كتبها.. أجل بقلمك أنت خططت تفاصيلها دون أن تعي ، دون أن تنبيه إلى أنك تكتب كتبتها ، لأنك و بكل بساطة تحي بلا شعور ، تحي مع الذكرى مع السعادة..
هذه هي الحقيقة ، ما تقرؤه ليس خيالا .. انها قصتك مع رفيقتك الأبدية السعادة..

تلمسان 1994