(15) تعرض المحرم للصيد
يحرم على المحرم قتل كل صيد بري مأكول من الوحش والطير كما يحرم اصطياده لقوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم , المراد صيد البر لأن صيد البحر حلال لقوله تعالى
أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما .
وقد أجمعت الأمة على تحريم الصيد في الإحرام ، كما أجمعت على تحريم قتل صيد البر على المحرم . والصيد المحرم على المحرم صيده أو قتله ما جمع ثلاثة أشياء
(الأول)
أن يكون وحشيا ، فما ليس وحشيا لا يحرم على المحرم أكله ولا ذبحه كبهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - ويضاف إليها الخيل والدجاج ونحوها . ولا خلاف في ذلك والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال ، فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء كالحمام فإنه يجب الجزاء في أهليه ووحشيه اعتبارا بالأصل ، ولو توحش الأهلي لم يجب فيه شيء ، وما تولد من الأهلي والوحشي اعتبر وحشيا تغليبا لجانب التحريم ، والبط كالحمام عند أحمد .
(الثاني)
أن يكون مأكولا ، فأما ما ليس بمباح الأكل كسباع البهائم ، والمستخبث من الحشرات والطير وسائر المحرمات فلا جزاء فيه ، وهذا قول أكثر أهل العلم .
وما تولد بين ، المأكول وغيره فيه الجزاء تغليبا للتحريم .
واختلفوا في الثعلب هل هو سبع فلا جزاء في قتله أو ليس سبعا ففيه الفدية ؟ قولان .
واختلفوا في السنور (القط) الأهلي والوحشي ، والصحيح أنه لا جزاء في الأهلي لأنه ليس وحشيا ولا مأكولا ، ولا في الوحشي لأنه سبع ، وكذلك اختلفوا في الهدهد .
(الثالث)
أن يكون صيد بر لا صيد بحر كما سبق .
(هذا) ومن صال واعتدى عليه سبع فقتله فلا شيء عليه ، ومثله من أراد تخليص صيد من سبع أو شبكة .
وعلى هذا فمن أتلف صيدا مما هو ممنوع فعليه جزاؤه ، وكذلك إن أتلف جزءا منه .
(16) الإعانة على قتل الصيد والدلالة عليه مطلقا
يحرم على المحرم الإعانة على قتل صيد البر الوحشي الأصل المأكول... وتستوي الإعانة بدلالة ، أو إشارة ، أو إعارة آلة إن اتصل بها القبض ، وذلك لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة على قتله بالإجماع ، ولكنه لا يجب عليه الجزاء ، لأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة عليه ، وقيل يجب الجزاء .
والدليل على ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة عن صيد أبي قتادة أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها ، أو أشار إليها ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا ما بقي من لحمها متفق عليه كما ثبت أن أبا قتادة عند الصيد سأل الصحابة أن يناولوه سوطه فأبوا ، فسألهم رمحه فأبوا ، فلما صاد أكل بعضهم معه ، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
(17) تنفير الصيد وإتلافه وبيعه وشراؤه
يحرم على المحرم والمحرمة تنفير الصيد وإثارته ، كما يحرم إتلافه بضرب ونحوه ، كما يحرم بيعه وشراؤه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاه ، فقال للعباس : يا رسول الله إلا الإذخر ، فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : إلا الإذخر أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم
دل الحديث المذكور كل ما يأتي
(أولا) على حرمة قطع شوك الحرم ، وبه قال الجمهور . وقال بعض الشافعية : لا يحرم قطعه لأنه مؤذ ، لكنه قياس في مقابلة النص فلا يعول عليه .
والشجر المنهى عن قطعه في الحرم هو ما ينبت بلا صنع آدمي ، وأما ما ينبته الآدمي فيجوز قطعه عند الجمهور ، وقال الشافعي : في الجميع الجزاء .
وقد اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم غير أن الشافعي أجاز قطع السواك وأجاز أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها .
(ثانيا) دل قوله صلى الله عليه وسلم : ولا يختلى خلاه على تحريم رعي الرطب من نبات الحرم ، لأنه أشد من القطع والاحتشاش أما اليابس فيجوز قطعه على الأصح عند الشافعي .
(18) أكل المحرم لحم الصيد الذي صيد له أو دل هو عليه
يحرم على المحرم أكل لحم صيد البر إلا إذا كان لم يصد لأجله ، ولم يدل عليه إلخ . وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وأحمد والجمهور ، أن الصيد الذي لم يصده المحرم ولم يصد له يحل أكله منه وإلا فهو حرام .
وقال الأحناف : لا يحرم على المسلم ما صيد له بغير إعانة ولا إشارة منه ولكل دليله والأحوط في ذلك عدم الأكل .
(19) كسر بيض الصيد وحلبه وبيع البيض وشراؤه
وحرمة هذه الأشياء مبنية على أن الشيء الذي يحرم على المحرم صيده يحرم عليه بيضه وحلبه ، فإن أتلفه ضمنه بقيمته عند الثلاثة ، وقال مالك : يضمنه بعشر ثمن أصله .
فوائد ذات أهمية:
( أ )
إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس عند أكثر العلماء ، ومنهم مالك والشافعي والأحناف ، وقال الحكم والثوري وأبو ثور : لا بأس بأكله ، وقال عمرو بن دينار وأيوب السختياني : يأكله الحلال .
( ب )
إذا جاع المحرم وصار مضطرا ووجد لحم ميتة وصيدا ، أكل لحم الميتة ولا يحل له الصيد عند الحسن والثوري ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وإسحاق وابن المنذر : يأكل الصيد ، وهذا الخلاف إذا طابت نفسه بأكل الميتة ، وإلا فلا يأكلها ويأكل الصيد .
(جـ)
قتل البعوض والبراغيث والبق لا شيء فيه على المحرم ، وقتل القراض كما الجمال مستحب .
أما قتل الذباب ففيه عند مالك صدقة من الطعام .
وأما قتل القمل ففيه عند مالك صدقة من الطعام أيضا ، وهو عند الأحناف وأحمد حرام لأنه يترفه بإزالته فحرم ولا فدية فيه ، ورمي القمل في الحكم مثل قتله ، والصئبان (بيض القمل) مثل القمل في الحكم .
ولو أزال القمل من ثوبه أو بدنه فلا شيء عليه اتفاقا ، لأن النص جاء في قمل الرأس الذي أصاب كعب بن عجرة وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بحلق رأسه والفدية .