بسم الله الرحمن الرحيم



قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: من أسمائه جلّ جلاله ومن أوصافه النور الذي هو وصفه العظيم، فإنه ذو الجلال والإكرام وذو البهاء والسبحات لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهو الذي استنارت به العوالم كلها، فبنور وجهه أشرقت الظلمات، واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الأكوان.


والنور نوعان:
1 حسي كهذه العوالم التي لم يحصل لها نور إلا من نوره.
2 ونور معنوي يحصل في القلوب والأرواح بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة نبيه.

فعلم الكتاب والسُنة والعمل بهما ينير القلوب والأسماع والأبصار، ويكون نوراً للعبد في الدنيا والآخرة يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء(1).

نور المؤمنين والمؤمنات: قال تعالى: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12) (الحديد).

يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين المتصدقين:
إنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة بحسب أعمالهم، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: يسعى نورهم بين أيديهم قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

نور المؤمنين من وسائل معرفة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة: قال ابن أبي حاتم: رحمه الله عن عبد الرحمن بن جبير إنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود وأول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم فقال له رجل: يا نبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك؟ فقال أعرفهم:
محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم.
وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم.
وأعرفهم بسيماهم في وجوههم.
وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم.

تفضيل الله عز وجل للأمة الإسلامية بالنور والمغفرة: قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا تقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم 28 (الحديد).

نور المؤمنين هبة من الله عز وجل يوم القيامة:
قال تعالى: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير (التحريم:8).

فأي قلب لا يهفو لذلك النور في ذلك اليوم؟
المنافقون يُسلب نورهم على الصراط: قال أبو القاسم الطبراني: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم ستراً منه على عباده وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نوراً وكل منافق نوراً فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون انظرونا نقتبس من نوركم وقال المؤمنون ربنا أتمم لنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً.

نور الشهداء:
قال تعالى: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم 19 (الحديد).

روى الإمام مالك بن أنس رحمه الله في كتابه الموطأ: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قال: يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين (رواه البخاري ومسلم) على إخراجه.

الإيمان نور:
قال تعالى: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليآؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (البقرة:256).

إن الإيمان نور.. نور واحد في طبيعته وحقيقته.. وإن الكفر ظلمات.. ظلمات متعددة متنوعة. ولكنها كلها ظلمات. وما من حقيقة أصدق ولا أدق من التعبير عن الإيمان بالنور، والتعبير عن الكفر بالظلمة.

أثر وجود النور في قلب المؤمن:
أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون 122 (الأنعام).

إن الصلة بالله، والصلة في الله، لتصل الفرد الفاني بالأزل القديم والأبد الخالد. ثم تصله بالكون الحادث والحياة الظاهرة.. ثم تصله بموكب الإيمان والأمة الواحدة الضاربة في جذور الزمان، الموصولة على مدار الزمان..

يجد الإنسان في قلبه هذا النور: فتتكشف له حقائق هذا الدين، ومنهجه في العمل والحركة، تكشفاً عجيباً.. إنه مشهد رائع باهر هذا الذي يجده الإنسان في قلبه حين يجد هذا النور.. مشهد التناسق الشامل العجيب في طبيعة هذا الدين وحقائقه. ومشهد التكامل الجميل الدقيق في منهجه للعمل وطريقته. إن هذا الدين لا يعود مجموعة معتقدات وعبادات وشرائع وتوجيهات.. إنما يبدو تصميماً واحداً متداخلاً متراكباً متناسقاً..

ويجد الإنسان في قلبه هذا النور: فتتكشف له حقائق الوجود، وحقائق الحياة، وحقائق الناس، وحقائق الأحداث التي تجري في هذا الكون وتجري في عالم الناس.. تتكشف له في مشهد كذلك رائع باهر.. مشهد السُّنة الدقيقة التي تتوالى مقدماتها ونتائجها في نظام محكم ولكنه فطري ميسر. ومشهد المشيئة القادرة من وراء السنة الجارية تدفع بالسنة لتعمل وهي من ورائها محيطة طليقة.

ويجد الإنسان في قلبه هذا النور: فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث.. يجد الوضوح في نفسه وفي نواياه وخواطره وخطته وحركته. ويجد الوضوح فيما يجري حوله سواء من سُنة الله النافذة، أو من أعمال الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة!

ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فيجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه! ويجد الراحة في باله وحاله ومآله! ويجد الرفق واليسر في إيراد الأمور وإصدارها، وفي استقبال الأحداث واستدبارها! ويجد الطمأنينة والثقة واليقين في كل حالة وفي كل حين(3)!

منقول للفائده
ويا رب لك الحمد كما ينبغى لوجهك وعظيم سلطانك